إسلام ويب

أخطاء في النيةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ حفظه الله تعالى عن أهمية النية في العمل، وعن تحسين النية، وأن صلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، واشتراك النية بين العبادات والمباحات، وكذلك مسألة تداخل المقاصد مع النية الصالحة، سواء كانت مقاصد دنيوية لا بأس بها أو مقاصد رياء وسمعة، وحذر عن التكلف في النية، والوسوسة فيها، وختم بالإجابة على الأسئلة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70].

    أما بعد:

    فموضوع حديثي إليكم هو عن النية، والأخطاء التي تقع فيها. والمصيبة أن الحديث عن النية يحتاج إلى نية، وهذا لا نشك فيه؛ فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن النية فيما نقول ونعمل ونسمع، وألا يؤاخذنا بذنوبنا ولا بما كسبت أيدينا.

    معنى النية

    أما المقصود بالنية: فهي القصد والتوجه الذي يرمي إليه الإنسان من خلال أعماله، يستوي في ذلك نية العمل ونية المعمول له، فنية العمل تميز بين نية العبادة من العادة، أو نية المعمول له، ومن يريد الإنسان بعمله، هل أراد الله -تعالى- أم أراد غيره.

    إن النية من أعظم العبادات وأجل القربات، حتى قال الإمام ابن حزم رحمه الله: النية سر العبودية وروحها، وهي من الأعمال بمنـزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، إذ هو بمنـزلة الجسد الذي لا روح فيه، فهو جسد خراب، ومع هذه الأهمية العظيمة للنية فإن الكثير من الناس يغفلون عنها، وقد تجد الكثيرين يتنافسون في الأعمال؛ كالتبكير إلى الصلاة -مثلاً-، وكثرة قراءة القرآن، أو قيام الليل، أو الصدقة، وهذه لا شك من الأعمال الفاضلة التي يؤجر عليها الإنسان، لكن هذه الأعمال مفتقرة إلى نية، فإذا خلت من النية لم يكن لها ثمرة، بل على العكس تصبح ضرراً على صاحبها، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى فإن النية تنفع الإنسان بذاتها، فإذا نوى الإنسان العمل الصالح ثم لم يتمكن منه رزقه الله تبارك وتعالى ثواب ذلك العمل، كما في أحاديث كثيرة جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسبب في تنافس الناس في الأمور والأعمال الظاهرة، وعدم تنافسهم في النية والقصد: أن النية محلها القلب، فلا يدري أحد عن أحد ما نيته وما قصده، فيقل فيها التنافس، وإلا فإن الإنسان لو تأمل لأدرك أن النية هي الرحى التي تدور عليها الأعمال، وأن العناية بتصحيح النية وإصلاحها يجب أن يكون أعظم من العناية بتصحيح الأعمال الأخرى وتكثيرها؛ لذلك أمر الله تعالى في كتابه بالإخلاص في العبادة في مواضع كثيرة ليس هذا موضع بسطها، ويكفي أن الله تعالى عد الإخلاص هو الدين فقال:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] فالإخلاص لله في العبادة هو دين القيّمة، وهو الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين، وهو دعوة الناس إلى إخلاص العبودية لله تعالى، وهذا هو لب النية: أن يقصد الإنسان في عبادته وعمله وجه الله عز وجل.

    ولذلك تعجبني الكلمة التي ذكرها أحد العلماء وهو الإمام عبد الله بن أبي جمرة يقول: (وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النية ليس إلا) يقول: (فما أتي كثير ممن أتي إلا من تضييع ذلك) إذاً فـابن أبي جمرة يقترح على الفقهاء أن يكون من بينهم من يتفرغون لتعليم الناس قضية النية، وتصحيح النية، ومعنى النية، والسبيل إلى إصلاحها، وأحكامها، وما يتعلق بها، وهذا من فقهه رحمه الله؛ لأن النية شأنها عظيم، حتى أن العلماء لما تكلموا عن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه أئمة الحديث كـالبخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد والدارمي ومالك في الموطأ، وغيرهم، وهو حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} منهم من عده ربع الإسلام، ومنهم من عده ثلث الإسلام؛ وما ذلك إلا لأن مدار الأعمال كلها على النية؛ ولهذا فـابن أبي جمرة رأى أن يتفرغ من الفقهاء من يعلم الناس النية، كما تفرغ من يعلم الناس كيف يصومون، وكيف يصلون، وكيف يحجون.

    كذلك يجب العناية كثيراً بإصلاح القلوب، وتصحيح المقاصد، وتربية الناس على النية الحسنة في كل شيء.

    الاهتمام بالعمل أكثر من النية

    كان سفيان الثوري رحمه الله يقول عن سلفه من الأئمة والعلماء: كانوا يتعلمون النية كما تتعلمون العمل أي أن الناس منذ القديم أولعوا بتعلم الأعمال أكثر من ولعهم بتعلم النيات، وخذوا على سبيل المثال واقعنا نحن الذي نعيش فيه، ربما يكون أكثرنا يستطيع أن يقوم ليصلي صلاة هي الصلاة الشرعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كيف يضع يديه، وكيف يركع، وكيف يسجد، وماذا يقدم، وماذا يؤخر، وطريقة القعود في التشهد الأول، وطريقة القعود في التشهد الأخير، وكيفية السلام، وهذه الأشياء لا أريد التقليل من شأنها من أجل الرفع من شأن النية، كلا، فهذه سنن، وبعضها واجبات، بل وبعضها أركان لا تتم الصلاة إلا بها، ويجب على الإنسان أن يتعلم ما تقوم به صلاته وعبادته، هذا لا إشكال فيه.

    لكنني أقول: إن بعض الناس؛ بل بعض طلاب العلم -أحياناً- يهتمون بهذه الأمور أو ببعض الجزئيات فيها أكثر بكثير مما يهتمون بقضية النية، فقد تجد طالب علم -مثلاً- يعتني عناية بليغة بكيفية تحريك الأصبع في التشهد، ويعتني عناية بليغة كيف يضع يديه أثناء السجود، وكيف يرفع يديه بالتكبير، وتعلم هذه أمور -كما ذكرت سابقاً- تعلم مطلوب، لا أحد يستطيع أن يقلل من أهمية هذه الأمور، لكن بلا شك أن هناك سنناً زاد الناس في الاهتمام بها، وغفلوا عن ما هو أهم منها، وهو العناية بإصلاح القصد والنية.

    وليس هدف هذه الموضوع أن أتكلم عن النية، وأهمية النية، والنصوص الواردة فيها فهذا له مجال آخر، إنما الكلام عن أخطاء في النية.

    ولذلك فإنني سوف أصحبكم في هذا الحديث في رحلة أرجو أن تكون غير مملة -إن شاء الله- في ذكر بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في موضوع النية، وأقول: أرجو أن تكون غير مملة؛ لأن من عادة الناس أنهم حين يستمعون إلى موضوعات علمية يتطرق إليهم الملل، فهم بحاجة إلى من يحرك عواطفهم، وينقلهم من نكتة إلى قصة، إلى طرفة، إلى خبر، إلى شعر، إلى غير ذلك.

    ولكنني أوثر في كثير من الأحيان -أو هكذا طبيعتي- أنني أميل إلى الموضوعات التي يكون لها طابع علمي مفيد للمستمع، ولو كان فيه بعض الإثقال الذي يتطلب أن يوطن الإنسان نفسه على الاستماع، وسوف أطرح هذه الأخطاء على شكل أسئلة ترد من بعض الناس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087508947

    عدد مرات الحفظ

    772756533