العرش والكرسي ثابتان بإجماع أهل السنة، وإن كان بعض الطوائف يتأولون ذلك، وقد تواتر ذكر العرش في الكتاب والسنة، وذكر الله في سبعة مواضع من كتابه أنه استوى على العرش، فقال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فأهل السنة والجماعة يثبتون استواءه سبحانه وتعالى استواءً يليق بجلاله، وأن العرش هو أعلى المخلوقات وهو سقفها.
وقال طائفة من المتكلمين: إنه مستدير؛ لأنهم جعلوه فلكاً، وقد انعقد الإجماع على أن سائر الأفلاك مستديرة، وإنما النظر في كون العرش فلكاً، فظاهر كلام أهل السنة المتأخرين - وإن كان متقدموهم لم يفصحوا بتفصيل في ذلك - أن العرش هو كالقبة فوق العالم، وأنه ليس مستديراً من كل جهة.
وقوله: (محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه).
أي: أنه سبحانه وتعالى محيط بكل شيء، وأنه فوق كل شيء كما جاء صريحاً في كتاب الله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:50] ، وفي قوله سبحانه: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] وقد ذكر سبحانه استواءه على عرشه، ومن معاني استوائه: علوُّه عليه، فإذا كان عليَّاً على عرشه فإن غير العرش من المخلوقات من باب أولى.
وإن كان بعض المعاصرين من أهل العلم يرجحون أن القلم هو أول المخلوقات على الإطلاق، وهو قول طائفة من أصحاب الأئمة من أهل السنة المتأخرين؛ لكن جماهير السلف وعامتهم على أن العرش متقدم عليه، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله:
والناس مختلفون في القلم الذي سبق القضاء به من الديَّان
هل كان قبل العرش أو هو بعده قولان عند أبي العلا الهمداني
والحق أن العرش قبل لأنه قبل الكتابة كان ذا أركان
ثم أراد أن يبين معنى حديث عبادة فقال:
وكتابة القلم الشريف تعاقب إيجاده من غير فصل زمان
أي: أنه عند أول خلقه أمر بالكتابة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر