قال المصنف رحمه الله: [ونؤمن بالبعث].
وهو بعث الناس من قبورهم، فإن الناس يبعثون من قبورهم، ويصيرون إلى الحساب يوم القيامة، وهذا أصلٌ من أصول الإيمان مجمع عليه بين المرسلين، وقد كان البعث مذكوراً في كلام الأنبياء وسائر المرسلين، وجميع أهل القبلة يقرون بهذا، فإن من أنكر هذا لا يكون إلا كافراً.
وزعمت المتفلسفة الذين ينتسبون إلى الإسلام كـابن سينا وغيره، أن البعث إنما هو للأرواح دون الأبدان، وهذا من كلام الفلاسفة، وليس عليه أثر الأنبياء أو هديهم.
حساب الكفار يوم الحساب
قراءة الكتاب
وكذا قراءة الكتاب وتقرير المؤمن بذنوبه، كما جاء في حديث
ابن عمر وغيره في الصحيحين، فإن العبد يقرر بذنوبه، ثم يضع الله سبحانه وتعالى على عبده المؤمن كنفه؛ أي: ستره، ويقرره بما عمل.
الإيمان بالثواب والعقاب
قوله: (والثواب والعقاب) أي: ثواب أهل الإيمان، وأخص ثوابهم هو رؤيتهم لربهم سبحانه وتعالى في الجنة وفي عرصات القيامة قبل ذلك، فهذا من ومقدمات ثوابهم، ثم إذا دخلوا الجنة وصاروا فيما فيها من النعيم، أمكنهم الله سبحانه وتعالى من رؤيته وهو المذكور في قوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ 
[القيامة:22-23] .
وكذلك العقاب فإن الكفار يعاقبون في قبورهم، وكذا يعاقبون يوم القيامة وبعدها، فيدخلون النار على ما ذكر في الكتاب والسنة، وهذا العقاب والثواب يقع للروح والجسد بإجماع أهل السنة وعامة المسلمين، ولم ينازع في ذلك أحدٌ من أهل القبلة المعتبرين.
الإيمان بالصراط
قال المصنف رحمه الله: [والجنة والنار مخلوقتان] .
وهذا بإجماع أهل السنة، وقد عُرض ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ورأى صلى الله عليه وسلم بعض أحوال العصاة ثم ذكر بعض أحوال أهل النعيم، وصريح الكتاب والسنة يدلان على أن الجنة والنار مخلوقتان، والآثار بذلك مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا أجمع السلف.
بقاء الجنة والنار وعدم فنائهما
قال المصنف رحمه الله: [لا تفنيان أبداً ولا تبيدان] .
أي أنهما في دوامٍ مستمر، وهذا قد اتفق عليه السلف خلافاً للجهم بن صفوان وأمثاله ممن لم يثبتوا دوام الجنة، أو دوام النار، أو ممن بقول أبي الهذيل العلاف ، بأن أهل الجنة وأهل النار تنقطع حركاتهم ويظلون في سكونٍ دائم؛ لأن التسلسل عندهم في المستقبل ممتنع، فهذه أصول باطلة في العقل فضلاً عن بطلانها في الشرع.
نسبة القول بفناء النار إلى ابن تيمية
نسب لـ
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بفناء النار.
فنقول:
أولاً: يجب أن يفرق بين هذا القول -على ما فيه من التعقب -من حيث هو ومن حيث كونه قولاً لـشيخ الإسلام ، فيجب أن يفرق بين هذا القول، وبين قول جهم بن صفوان ، فإن الجهم بن صفوان يقول بفناء العذاب مع بقاء النار، والذي نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هو القول بأن النار تفنى، أي: تنتهي، وأما القول بأن النار تبقى وينقطع عذاب أهلها، فهذا قول لم يؤثر عن أحدٍ البتة.
وهذه المسألة ذكرها ابن القيم في كتابه حادي الأرواح، وذكر أن طائفة من السلف، بل نسب لبعض الصحابة، أنهم كانوا يقولون بفناء النار، وذكر أن في المسألة قولين لأهل السنة، وكأنه يميل إلى القول بالفناء، ولكنه لم يجزم به جزماً صريحاً.
وعلى كل حال فنسبة هذا القول للإمام ابن القيم ، فيه نوع من المقاربة، وإن كان كلامه في بعض كتبه يوحي بأنه يخالف هذا القول، ولكن إضافة هذا القول لـابن القيم له حظٌ من النظر أو الاعتبار؛ لأن هذا هو ظاهر كلامه.
أما الإمام ابن تيمية رحمه الله، فإن نسبة هذا القول إليه لا تصح، وهناك رسالة صرح فيها بهذا القول، وهي منسوبة لـشيخ الإسلام وقد حققت، ولكن الظاهر أنها لا تصح عنه رحمه الله، بل ظاهر كلامه في أكثر من موضع من كتبه، أنه يقرر هذه الحقيقة المجملة التي ذكرها أهل السنة، وهي أن الجنة والنار لا تفنيان، ولا يستثني من ذلك العذاب في النار أو ما إلى ذلك من الاستثناءات التي أضيفت إليها، ولو صحت هذه الرسالة لكان هذا مما يُجزم به قولاً لـشيخ الإسلام ، لكن هذه الرسالة وإن حققت ونسبت إليه إلا أن الأظهر أنها لا تصح عنه.
دخول الجنة فضل ودخول النار عدل من الله
قال رحمه الله: [فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه] .
من دخل الجنة فهو بفضل الله تعالى ورحمته، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بأن هذا على طريقة المجازاة المحضة، وأنه واجب على الله.
وكذلك من دخل النار فإنه يدخلها بعدله سبحانه وتعالى، فإن العبد إنما كفر بعد ما جاءته البينات والهدى.