إسلام ويب

شرح القواعد السبع من التدمرية [18]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القاعدة الخامسة في إثبات صفات الله تعالى والرد على نفاتها: أننا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه، أما الوجه المعلوم فهو المعنى المستقر في اللسان، وإذا ذكر مضافاً إلى الله علم اختصاصه به، وأنه معنى يليق به سبحانه، ليس كالمعنى المضاف إلى الإنسان، وأما الوجه الذي ليس معلوماً فهو ما يتعلق بكيفية الصفات، فإن كيفية الصفات مجهولة بالنسبة لنا، وتحت هذه القاعدة كلام عن التأويل، وعن المحكم والمتشابه، وبيان معانيها وحقائقها الصحيحة.
    قال المصنف رحمه الله: [القاعدة الخامسة: أنا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه، فإن الله تعالى قال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] وقال تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [المؤمنون:68] وقال: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] فأمر بتدبر الكتاب كله].

    هذه هي القاعدة الخامسة، وهي من شريف القواعد، وهي من تحقيق مذهب الأئمة، وقول المصنف: (أنا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه)، أما الوجه المعلوم فهو: المعنى المستقر في اللسان، وإذا ذكر مضافاً إلى الله علم اختصاصه به، وشهد العقل والإدراك أنه معنىً يليق بالله سبحانه وتعالى، ليس كالمعنى الذي يضاف إلى المخلوق؛ فالاستواء معلوم، والسمع معلوم، والبصر معلوم, فهذا ما يعلم، وهو العلم بالمعنى.

    وأما قوله: (دون وجه)، فإن الوجه الذي ليس معلوماً هو ما يتعلق بكيفية الصفات، فإن كيفية الصفات مجهول، وهذا تصريح من المصنف بأنه لا يذهب مذهب التفويض الذي يقول أصحابه: إن العلم بالمعنى في سائر أوجهه لا يكون معلوماً.

    أمر الله تعالى بتدبر القرآن وفهم معانيه

    وقوله: (فأمر بتدبر الكتاب كله):

    أي: أن الله سبحانه وتعالى أمر بتدبر الكتاب كله دون استثناء أي شيء منه، ومن المعلوم أن آيات الصفات في كتاب الله متواترة؛ وقد أمر الله سبحانه وتعالى بتدبر الكتاب -أي: القرآن- كله، مما يدل على أن إمكان العلم بالمعاني في القرآن ممكن، ولو كان العلم بمعاني القرآن ليس ممكناً، أو كان العلم بمعاني آيات الصفات ليس ممكناً؛ لما شرع الله لعباده أن يتدبروا القرآن تدبراً عاماً مطلقاً لم يستثن من ذلك شيئاً من الآيات.

    والتدبر: هو درجة تزيد على التصديق بأن هذا قرآن، فإن بعض الناس قد يصدق بأن هذا القرآن، كما هو معروف عند عامة المسلمين، لكن التدبر هو وجه من الفقه والفهم لكتاب الله، وبذلك يعلم غلط طريقة المفوضة؛ لأن من لازم التفويض منع التدبر؛ أما أن يقال: إن الآية لا نعين لها معنى، ولكنه يشرع تدبرها، فإن هذا من باب التناقض.

    وأيضاً: فإن أمره سبحانه وتعالى بتدبر القرآن كله دليل على غلط طريقة أهل التأويل، ووجه ذلك: أن الله أمر بتدبر القرآن، وجعل هذا حكماً لعباده أجمعين, مما يدل على أن ظاهر القرآن مراد، وإلا لو كان ظاهره -كما يقول أهل التأويل- ليس مراداً؛ لما شرع التدبر؛ لأن من تدبر الكلام انقاد إدراكه وعقله إلى إدراك المعنى الظاهر، وهذا يدل على أن ظاهر النصوص مراد.

    مع تقييد هذا الكلام بأن يقال: إن الظاهر الذي يحصل بالتدبر العلم به هو: المعاني اللائقة بالله سبحانه وتعالى، وليس هو التشبيه، ولذلك فإن من تدبر قول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] حصل له من هذا التدبر أن الله سبحانه وتعالى كلم موسى بن عمران, ومن تدبر قول الله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] حصل له من هذا التدبر أن الله موصوف بالمحبة لعباده المؤمنين، وأن المؤمنين يحبون ربهم، كما أنه سبحانه وتعالى يرضى عنهم ويحبهم.

    وقد يقول قائل: إن ما سماه بعض المصطلحين من أهل العلم بالحروف المعجمة -وهذا التسمية في ظني ليست حسنة، إنما يقال: أوائل السور، والمقصود بها الحروف المقطعة في أوائل السور, كقوله تعالى: الم [البقرة:1] كهيعص [مريم:1] المر [الرعد:1] ... إلخ- فقد يقول قائل: إن هذه الآيات -وهي أوائل بعض السور- ليست معينة المعنى على مثل سياق قوله تعالى مثلاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ [الحجرات:12] أو قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] ... إلخ.

    فيقال: هذا صحيح، لكن هذه الآيات أيضاً -وهي أوائل بعض السور- داخلة في التدبر، ومن معنى التدبر: تحصيل تدبر يكون مناسباً لها، فإن هذه الأحرف مثل: (الم) (المر) (كهيعص)، ليس لها معنى في لسان العرب كسياق: (أقيموا الصلاة) أو (آتوا الزكاة)، فيكون تدبرها تدبراً مناسباً لسياقها، وهنا نرجع إلى أن التدبر يكون مناسباً للسياق، ومن ذلك: أن هذا مما يعلم به اختصاص القرآن، ومما يعلم به إعجاز القرآن.. وغير ذلك من الأوجه التي تفسر بها.

    الخلاف في تفسير قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)

    قال المصنف رحمه الله: [وقد قال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7] وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف عند قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ)، وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم].

    هذه الآية من كتاب الله تعالى قد وقف عندها كثير من الواقفين في باب الصفات، وذلك من وجهين:

    الوجه الأول: أن جمهور المتكلمين جعلوا آيات الصفات من المتشابه، وقالوا: إن الله شرع في المتشابه التأويل، وهذا على الوقف عند قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7] ومنهم من يجعلها من باب المتشابه، ثم يتردد في مسألة التأويل.

    فالمقصود: أن جملةً كثيرةً من الطوائف -ولا سيما الطوائف الكلامية- فسروا المتشابه في هذه الآية بآيات الصفات، ولا شك أن هذا من الكلام المجمل الذي لا يجوز إطلاقه.

    وقد أثر عن الأئمة في الوقف فيها أحد وجهين:

    الوجه الأول: الوقف على قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ [آل عمران:7] وهذا هو الذي عليه الجمهور كما يقول المصنف.

    الوجه الثاني: الوقف على قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7] .

    فعلى الوجه الأول يفسر التأويل بالحقيقة التي اختص الله بعلمها، وهي الكيفيات والحقائق التي لا يمكن للعقل أن يتصورها.

    وعلى الوجه الثاني يكون المقصود بالتأويل: التفسير، أي: أن الفقه والتفسير والتحقيق للمعاني هو من شأن الراسخين في العلم.

    قال رحمه الله: [وروي عن ابن عباس أنه قال: (التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب) .

    وقد روي عن مجاهد وطائفة: أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله. وقد قال مجاهد : (عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها) ].

    مقصود ابن عباس بالتفسير الذي لا يعلمه إلا الله أي: الحقائق المفارقة، وهي حقائق اليوم الآخر، أو ما يتعلق بكيفيات الصفات، وغير ذلك، فهذا مما اختص الله بعلمه. وقول مجاهد: (يعلمون تأويله) أي: تفسيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533866

    عدد مرات الحفظ

    777177907