أحبتي الكرام... في هذه الليلة، ليلة الجمعة الثاني عشر من شهر المحرم، لعام ألف وأربعمائة وأحد عشر للهجرة تنعقد هذه المحاضرة، وهي كما سمعتم بعنوان (أطفال في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين. حتى كان صلى الله عليه وآله وسلم قدوةً للناس -كلهم أجمعين - في كل شيء قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
فإنك إن نظرت إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ وجدته المبرز، والمقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم.
وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وأحسنهم تعليماً وأفصحهم وأبينهم.
وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يهز أعواد المنابر، ويصل قوله إلى كل سمع، بل إلى كل قلب.
وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله، وأحسنهم معاشرة، ومعاملة.
وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليماً، وأكثرهم رقة، وعطفاً، وحناناً.
وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع الصنديد، الذي لا يقوم له شيء صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تأتيه من جهة من الجهات إلا وجدته فارسها وسابقها:
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله |
عليه من ربه الصلاة والسلام، وفي درسنا هذا سنقف مع جانب من جوانب شخصيته الكريمة، فيما يتعلق بمعاملته ومواقفه صلى الله عليه وسلم مع بعض الأطفال، ومع بعض الصبيان.
وقد رأيت من باب التغيير والتجديد في العرض أن أبدأ بذكر عدد من المواقف الثابتة الصحيحة له عليه الصلاة والسلام مع بعض الأطفال والصبيان، ثم أثني بذكر بعض الدروس والعبر من هذه المواقف.
يقول
قال تعالى: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً [الإسراء:93] ويولد له عليه الصلاة والسلام أولاد وبنات، فيفرح بهم أشد مما يفرح أي أبٍ بولده، ثم يتعهدهم إلى من يحضنهم ويرعاهم، ولا يغفل عنهم صلى الله عليه وسلم على كثرة مشاغله وأعماله، فبين الفينة والفينة، يأخذ من وقته شيئاً يسيراً ليزور أطفاله، ويقبّلهم، ويضعهم في حجره، ويحنو عليهم صلى الله عليه وسلم، فإذا نـزل بهم وجعٌ، أو مرض حزن لذلك، فإذا جاءهم الموت بكى، وهلت دموعه على خديه عليه الصلاة والسلام كما رأيتم في مثل هذه الواقعة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشر كما قال عنه ربه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً [الإسراء:93].
وكان هذا الولد أكبر أولاد أبي موسى الأشعري فكان من عادة أصحاب النبي إذا ولد لأحد منهم ولد أن يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذه النبي ويقبله، ويضمه إليه، ويدعو له بالبركة، فإن كان معه شيء -تمرٌ، أو غيره- مضغه النبي صلى الله عليه وسلم، ولينه وخلطه بريقه الطاهر، ثم وضعه في حنك الصبي-يحنكه- فيكون أول ما يصل إلى جوف الصبي هو ريق النبي، وفي هذا له خير كبير، وبركة عظيمة، وقد كان هذا من عادة الصحابة رضي الله عنهم.
فهذا أبو موسى يأتي بابنه إبراهيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسميه إبراهيم، ويحنكه، ويدعو له بالبركة ويقول له: (بارك الله فيه - أو بارك الله لك فيه) أو ما أشبه ذلك، ثم يدفعه إلى والده، وربما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصبي في حجره.
وفي هذا قصص كثيرة جداً، وهو ما ذكرته عائشة رضي الله عنها، وهو في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: {أتي بصبي يحنكه -من أجل أن يحنكه- فبال هذا الصبي على النبي فلم يزد النبي عليه الصلاة والسلام على أن أمر بماءٍ فأتبعه إياه}.
وثبت هذا -أيضاً- من حديث أم سلمة، وأم الفضل، ومن حديث لبابة بنت الحارث ومن حديثأم قيس بنت محصن {أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يأكل الطعام فبال في حجره}.
ولهذا كان يقول عليه الصلاة والسلام: {يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام} فإذا كان الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً ذكر اكتفى برشه، وإن كانت جارية فإنه يغسل ثوبه، وقد يدفعه صلى الله عليه وسلم إلى بعض زوجاته لتقوم بغسله.
والكلام في موضوع الجارية والغلام يطول وهو مبحث فقهي تكلم فيه الفقهاء ولا أجدني بحاجة إلى الحديث عنه الآن؛ لكن الشاهد أنه كان من عادة أصحاب النبي أن يبعثوا أطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يولدون، وقد يبعثون معهم شيئاً من التمر فيحنكهم النبي، ويدعو لهم، وقد يسميهم ابتداءً كما سمى ولد أبي موسى إبراهيم، وكما سمى جماعة من أبناء الصحابة، سمى ابن أبي طلحة عبد الله وسمى عبد الله بن الزبير وسمى جماعة، وقد يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه إذا كان غير جميل، وغير مناسب وغير حسن.
فقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة بولد فقيل له إن اسمه القاسم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو عبد الرحمن، فغير النبي اسمه؛ وذلك لأن أباه سماه القاسم وكان أكبر أولاده، فكان أبوه سيكنى أبا القاسم.
وهذا في حياته صلى الله عليه وسلم فقد ينادي رجل هذا الأنصاري فيقول له يا أبا القاسم، فيسمعه النبي فيلتفت له، فيظن أنه يقصده، فلهذا نهى النبي عن أن يكنى الرجل بـأبي القاسم فذهب جماعة كبيرة من أهل العلم إلى أن هذا خاص بحياته عليه الصلاة والسلام.
وقال آخرون: بل هذا خاص بمن اسمه محمد، وقالت طائفة: لا، بل التكني بأبي القاسم لا يصلح مطلقاً، والأول أقوى.
أما التحنيك: فإن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد أن أحداً من الصحابة، أو التابعين جاء بابنه إلى أبي بكر -وهو أفضل الأمة بعد النبي- ولا لـعمر ولا لـعثمان ولا لغيرهم من الصحابة، فهو خاصٌ به عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأن التبرك بآثاره الحسية جائز، كالتبرك بشعره عليه السلام، أو ببقية وضوئه، أو بثيابه، أو بعرقه، أو بما أشبه ذلك، كما هو ثابت متواتر عن أصحابه رضي الله عنهم، أما غيره فليس ذلك له.
وأما قضية الدعاء له بالبركة فإن هذا لا شك أنه من أفضل الأعمال، أن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم لأولادهم وصبيانهم، ويدعو للآباء بأن يرزق الله تعالى أولادهم برهم، وأن يكونوا خيراً لهم في الدنيا والآخرة.
ومن طريف ما يذكر في هذا الباب أن صبياً من الأنصار كما هو في الصحيح دُفِعَ إلى النبي فلما حنكه تلمظ الصبي -أي: لما وجد التمر وحلاوته في فمه حرك فمه يريد هذه الحلاوة- فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: {حُبُّ الأنصار التمر} هذا حب الأنصار للتمر؛ لأن الأنصار أهل زراعة وحرث، فيولد معهم حب التمر.
وفي رواية {حب الأنصار التمرُ} يعنى: التمر حبيب الأنصار منذ أن يكونوا صبياناً صغاراً.
ومما يتعلق بهذا الباب أن المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين لما قدموا المدينة أشاع اليهود أنه لا يولد لهم، وأن اليهود قد سحروهم وشاعت هذه القالة بين الناس حتى ظن أنه لن يولد للمهاجرين أحد، وكانت أسماء بنت أبي بكر -زوج الزبير رضي الله عنهم- متماً -أي حاملاً - قد قربت ولادتها عند الهجرة، فكان أول مولودٍ من المهاجرين هو عبد الله بن الزبير ففرح به المهاجرون فرحاً عظيماً؛ لأنه أبطل هذه الشائعة اليهودية التي تقول: إن المهاجرين لن يولد لهم بعد مقدمهم إلى المدينة، وأن اليهود قد سحروهم، فلما ولد جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرح به ودعا له.
ولكع -كلمة عربية أحياناً تطلق بمعنى اللئيم- إذا كان هناك إنسان لئيم فتقول: إنسان لكع، كما قال صلى الله عليه وسلم: {يكون في آخر الزمان أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع}. وقد يطلق على الطفل، وقد يطلق لكع على الإنسان الذي لا يصرف أموره، ولا يعرف أموره، ولا يتصرف فيها.
فالمهم قال الرسول لابنته فاطمة: {أَثَمّ لكع؟ أَثَمّ لكع؟ -(يعني هل الطفل موجود)- هاتيه؟ قال
وفي بعض الروايات {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بيده هكذا}- يعني فتح النبي ذراعيه للحسن {فقال
هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ من وقته للصبيان، يذهب إليهم ويتعهدهم ويقبلهم ويضعهم في حجره ويدعو لهم، ويدعوهم، فما أن يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتذكروا العطف والحنو، فإذا مد ذراعيه مد الصبي ذراعيه، وإذا رأى الصبي رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً أسرع إليه -ركض إليه، وألقى بنفسه في حجره.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الرحمة التي يجعلها الله تعالى في قلوب عباده، هي سبيلٌ إلى الحصول على رحمة الله جل وعلا، فإذا أردت أن يرحمك الله فارحم الناس، ومن أعظم من يُرحَم الضعفاء، كالصبيان والنساء والفقراء والمرضى ونحوهم.
إلى هذا الحد كانت شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لطفه وتسامحه، أولاً: خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهو يحمل الحسن على كتفه هذا مشهد لم نره قط، ولو حدث من إنسان من العلماء أو الدعاة لربما تعجب الناس منه، فكيف إذا حدث من سيد الدعاة، وأعظم العلماء؛ النبي صلى الله عليه وسلم يخرج هذه المرة، والحسن أو الحسين على كتفه ثم يجعله إلى جواره، فيتسلل هذا الصبي ويتسلق حتى يرتقي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يعجله الرسول حتى يقضي حاجته.
ولسنا نشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد كان يناجي ربه؛ والسجود هو من أعظم حالات القرب من الله جل وعلا كما في الحديث: {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد} وكان عليه الصلاة والسلام يحمد ربه بمحامد ويسبحه ويثني عليه ويقول: {أما السجود فادعوا الله أن يستجيب لكم} ولما نـزل قوله سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] قال: {اجعلوها في سجودكم} فكان مستغرقاً في تسبيح ربه ودعائه وتحميده واستغفاره، ولكن مع ذلك كان من عادته عليه الصلاة والسلام في صلاته أن يجعل قيامه وركوعه وسجوده واعتداله بين السجدتين قريباً من السواء، أما هذه المرة فقد أطال هذه السجدة لعارض وهو أن ابنه ارتحله، فكره أن يعجله، حتى يقضي حاجته.
كان عليه السلام في شغل أي شغل! في عبادة ربه، في غزوه وجهاده، في دعوته إلى الله عز وجل، في انشغاله بأمور الناس، وفي استقباله للوفود، وفي عنايته بأمورهم.
فكلما نظرت إلى جانب من جوانب حياته، قلت كان مستغرقاً في هذا الجانب حتى كأنه لا شغل له غيره، والله إن من يقرأ سيرة رسول الله يقول هذا الكلام.
اقرأ -مثلاً- ما يتعلق الآن بحاله مع الأطفال يخيل إليك كأنه متخصص في تربية الأطفال ورعايتهم والعناية بهم ومراقبة أمورهم، لو تقرأ سيرته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته تقول كأنه عليه الصلاة والسلام لا هَمَّ له ولا شغل إلا العناية بأمور زوجاته، مثلاً: قصة عابرة في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن النبي كان يدور على نسائه بعد العصر -تسع زوجات عنده صلى الله عليه وسلم وكل واحدة يجلس عندها وقت- ففي يوم من الأيام أطال الجلوس عند حفصة، فاستبطأته عائشة رضي الله عنها، وأزعجها الأمر، فأرسلت الخادم تستطلع الموضوع، فقال لها الخادم: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يشرب عسلاً؛ عند حفصة، فكرهت عائشة رضي الله عنها ذلك كرهاً شديداً فلا تحب أن يطيل الرسول صلى الله عليه وسلم البقاء عند حفصة أو يشرب عندها عسلاً، فاتفقت مع سودة وقالت لها: إذا جاءك الرسول صلى الله عليه وسلم فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير! -المغافير صمغ كريه الرائحة- أي: إني أجد منك ريح مغافير، فأمنا سودة رضي الله عنها تقول: والله ما إن أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ووقف على الباب، حتى كدت أبادره بالكلام قبل أن يقترب مني فرقاً منك يا عائشة -خوفاً منك- لكنها صبرت، حتى اقترب منها الرسول عليه الصلاة والسلام بحيث يمكن أن تشم رائحة فمه، فقالت: يا رسول الله! أكلت مغافير؟ قال: لا، شربت عسلاً عند حفصة. قالت: إذاً يا رسول الله جرست نحله العرفط، أي: هذا العسل الذي شربته أكلت النحل الذي أخرجته العرفط. وهو -أيضاً- نبات كريه الرائحة.
فقد لقنتها عائشة رضي الله عنها وعنهم أجمعين هذا الكلام، فخرج من عندها الرسول عليه السلام فجاء لـعائشة فلما اقترب منها، قالت: يا رسول الله! أكلت مغافير؟ قال: لا، شربت عسلاً عند حفصة. قالت: إذاً جرست نحله العرفط فقال: شربت عسلاً عند حفصة ولا أعود.
خرج إلى زينب رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله، أكلت مغافير؟، قال: لا، شربت عسلاً. قالت: جرست نحله العرفط، فقال: لا أعود، فلما جاء اليوم الثاني على حفصة قالت: أسقيك عسلاً. قال: لا حاجة لي به.
عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي، فانـزعجت لذلك سودة وحزنت، وقالت: لقد حرمناه. قالت لها أمنا عائشة رضي الله عنها: اسكتي، اسكتي.
المهم إذا قرأت سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في أي جانب تقول: كأنه لا هم له إلا هذا، وإذا قرأت أخباره في الغزو، والفتوح فهذا أمر يطول الكلام فيه، وكذلك أخباره في استقبال الوفود، وفي تعليم الناس، فسبحان الذي أعطاه وخصه بما لم يخص أحداً من العالمين، قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
فالمهم أنه ألبس صلى الله عليه وسلم، هذا الثوب لـأم خالد، وكان فيه أعلام -أي خطوط- فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أعلامه بيده وينظر إليها، ويقول: سنى يا أم خالد، سنى يا أم خالد، وكلمة (سنى) باللغة الحبشية معناها حسن، أي: هذا حسن، هذا جميل- يقول: انظري إلى هذه الخطوط الجميلة، إلى هذه الأعلام الجميلة في الثوب حتى تفرح بهذا الثوب وتسر به، ومما يزيدها سروراً وتِيْهاً أن يكون الذي ألبسها إياه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة.
وكما ذكرت لكم أن أم خالد هذه هي بنت خالد بن سعيد، وهي زوج الزبير بن العوام، ولدت له أولاداً وكانت ممن هاجر إلى الحبشة. ونقل للنبي صلى الله عليه وسلم سلام النجاشي.
زاد مسلم في روايته {وهو إمام الناس في المسجد} جدها لأمها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولـأبي العاص وزينب
قصة طويلة، وذلك أن زينب هاجرت مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أبو العاص فبقي كافراً بـمكة وهو زوجها، ثم خرج يوماً من الأيام بمالٍ لقريش فأسره المسلمون، وجيء به إلى المدينة وكان ذلك في معركة بدر، حيث كان من ضمن الأسرى، فلما طلب الفداء لم يجد أبو العاص شيئاً يقدمه، فأرسلت إليه زوجه زينب بقلادتها -القلادة التي ألبستها ليلة زفافها وكانت من خديجة رضي الله عنها- فأرسلت زينب بهذه القلادة إلى زوجها أبي العاص حتى يدفعها للمسلمين. لاحظوا بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها يدفع الفداء مثل ما يدفع أي واحد من المشركين من غير تمييز.فلما قدم أبو العاص القلادة للمسلمين وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حاضراً خنقته العبرة وأجهش بالبكاء.
لقد أثارت هذه القلادة شجون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكر أيامه السالفات مع خديجة رضي الله عنها، وكان يحبها حباً شديداً، وإذا تذكرها أو ذكرها تأثر، وكان العام الذي توفيت فيه يسمى عام الحزن لشدة حبه لها، وحزنه عليها، حتى غارت منها السيدة عائشة رضي الله عنها، فكانت تقول: إنها إذا ذكرت تأثر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد، فكلما ذكرت أثنى عليها الرسول عليه الصلاة والسلام حتى غارت منها عائشة وهي لم تلتقِ معها تحت سقفٍ واحد، فلم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة إلا بعد وفاة خديجة بزمن، لكن مع ذلك غارت منها لكثرة ما يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت تقول له: {يا رسول الله ما تذكر من عجوزٍ هلكت في الدهر الأول أبدلك الله خيراً منها امرأة كبيرة في السن ماتت في زمن غابر، وأبدلك الله خيراً منها -تعني نفسها- فلماذا تكثر من ذكرها؟! فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد}.
فكان يحبها حباً شديداً عليه الصلاة والسلام، فلما رأى القلادة تذكر أيام خديجة وزفاف زينب وأيامه الماضيات فأجهش بالبكاء عليه الصلاة والسلام.
تذكر أموراً مضت عليه السلام وقال عليه الصلاة والسلام: {إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا فقالوا: نعم يا رسول الله، وأطلقوا الأسير وردوا القلادة إلى زينب. فالمهم رجع أبو العاص إلى مكة، ورد الأموال لأهلها، فلما قال: هل بقي لأحد منكم شيء؟ قالوا: لا، قد وفيت فجزاك الله خيراً، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم رجع إلى المدينة، ورد الرسول صلى الله عليه وسلم إليه زينب بالنكاح الأول فكانت زوجه، وكان من ولده أمامة رضي الله عنها، فلما ماتت أمها زينب أشفق النبي عليها وحنَّ عليها، فكان يخرج بها أحياناً إلى الصلاة، يخرج بها معه إلى المسجد فيحملها وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها على كتفه عليه الصلاة والسلام.
وعد الله عز وجل النار بما وعدها به كما ذكر ذلك في محكم تنـزيله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30] فماذا يضير النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون غلامه من اليهود من حطب جهنم، لكنه كما قال ربه جل وعلا وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] وقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فيشفق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الغلام ويحرص على هدايته حتى آخر لحظة، فيقول له وهو في النـزع الأخير: {قل لا إله إلا الله} فلما قالها فرح وهو يقول: {الحمد لله الذي أنقذه من النار } ويستفاد من هذا في عرض الإسلام على الصبي (على الغلام) وأنه يدعى إلى الإسلام ويعلم الدين.
ومما يتعلق بهذا ما ذكره البخاري في صحيحه في باب عرض الإسلام على الصبي: عن ابن عمر رضي الله عنهما: { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في طائفة من أصحابه قبل
إن كان هذا هو الدجال الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث متواترة أنه سوف يخرج فلن تسلط عليه لا حيلة لك في قتله، ولا يمكن أن تقتله وإن لم يكن هو الدجال فلا خير لك في قتله.
ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إلى ابن صياد وكان مضطجعاً على قطيفة في مزرعة فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يتقي بجذوع النخل، يختفي بجذوع النخل ويمشي متسللاً عليه الصلاة والسلام، وكان له زمزمة (صوت خفي يسمع له من بعيد) يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقترب منه حتى يسمع ماذا يقول بالضبط، فيعرف إن كان هو الدجال فعلاً أم غيره، فأبصرت أم ابن صياد رسول الله وهو يتقي بجذوع النخل فرفعت صوتها وقالت: يا صافي هذا رسول الله، انتبه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قد قدم، فاعتدل الرجل في جلسته وترك ما كان يقول، فجاء النبي إليه فإذا هو ساكت، فقال عليه الصلاة والسلام: لو تركته بَيّن، لو تركته بَيّن} أي: لو لم تخبره لبان الأمر واتضح.
المهم يفهم من هذا عرض الإسلام على الصبيان ودعوتهم إلى الدين. إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟
فكان الصبي هذا يلعب بالعصفور { فمات العصفور يوماً من الأيام، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فرأى هذا الغلام حزيناً مكتئباً لموت طيره أو عصفوره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا
ولهذا الصبي الصغير شأنٌ أي شأن، كان من خبره أنه مرض كما في الرواية الأخرى وهي في الصحيحين من حديث أنس {أن هذا الصبي مرض مرضاً شديداً وكان فلما كان الصباح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره بالخبر فسر لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعرستم الليلة؟ -هل أصبت من المرأة الليلة؟- قال: نعم، فدعا لهما النبي بالبركة فولد لهم غلام فجاء به إلى النبي فسماه عبد الله، ودعا له. قال أنس: فلقد رأيت من ولده كذا من الولد كلهم حفظوا القرآن الكريم ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له
وقصة أبي عمير -يا أبا عمير ما فعل النغير- صنّف فيها أحد العلماء كتاباً مستقلاً، عالم شافعي يقال له ابن القاص ذكر فيه ستين فائدة لهذا الحديث؛ ليبين أن الحديث الذي قد يظن الناس أنه ليس له فائدة أن فيه من الفوائد والمنافع الشيء العظيم.
جاء في رواية أخرى صحيحة أن هذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنه وعن يساره الأشياخ أبو بكر وعمر وغيرهم من كبار الصحابة وجلتهم، {فلما شرب النبي صلى الله عليه وسلم الماء قال للغلام الذي عن يمينه: هل تأذن لي أن أعطي هؤلاء الأشياخ قبلك؟ هل تأذن لي! فرسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن غلاماً لم يبلغ، ربما بلغ عشر سنوات، هل تأذن لي أن أسقي هؤلاء الأشياخ قبلك؟ فقال هذا الغلام الذكي، والفطن يا رسول الله، ما كنت لأوثر بنصيبي منك أحداً}.
مَن مِن غلماننا يقول مثل هذا الكلام الجميل، لم يقل: أنا أريد الماء، أو أشتهيه، أو تعجل بيده، أو أخذه لا. بل أجاب بالجواب الذي يعجز عنه أكابر الرجال وأذكياؤهم، قال: { يا رسول الله ما كنت لأوثر بنصيبي منك أحداً -يعني لا يهمني الماء ما كنت عطشان لكن كل همي أن أشرب بعدك، فيكون فمي في المكان الذي شربت منه، وأنال بعض بركة هذا الماء الذي شربت منه يا رسول الله فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يعني أعطاه إياه]].
في رواية أخرى {أن أعرابياً كان عن يمينه وكان عن يساره
فسمعته يقول: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً) قال
ومثل ذلك قصة أنس، وقد أسلفتها قبل قليل، لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي سيف فرفع له ابنه إبراهيم وهو يموت فبكى عليه النبي، وقال: {إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون} هذه اثنتا عشرة حادثة تتعلق بمواقف الرسول مع الصبيان.
مثال آخر: أسماء بنت أبي بكر أم عبد الله بن الزبير أول مولود من المهاجرين، هذه أسماء ذات النطاقين كانوا يعيرون عبد الله بن الزبير، فيقولون له: يا ابن ذات النطاقين، فقالت له: أخبرهم ما ذات النطاقين؟ وأخبرتهم بحادثة الهجرة وأنها شقت نطاقها فتمنطقت ببعضه، وحزمت القربة ببعضه الآخر.
وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها |
فليس عيباً أن يكون ابن ذات النطاقين، فهي مدحة وليست مذمة، فأسماء رضي الله عنها، هذه الأم التي اختارها الزبير اختياراً، انظر كيف كان موقفها فيما بعد، لما كبر هذا الصبي وترعرع وأصبح رجلاً، حاصره الحجاج بـمكة ورمى الكعبة بالمنجنيق، حتى احترقت الكعبة، وكان هذا حدثاً جللاً في تاريخ المسلمين، أن تحترق الكعبة، ويصلي المسلمون فترة إلى غير شيء، وهدمت أيضاً فوضع ابن الزبير ستوراً وصلى الناس إليها.
فجاء عبد الله بن الزبير إلى أمه، وقد حاصره الحجاج، وتخلى عنه الناس، فقال: (يا أماه ماذا ترين؟ -وكانت عجوزاً كبيرة السن- هل أستسلم؛ لأن الناس تخلو عني وليس بيدي شيء؟ فقالت: إن كنت تريد الدنيا فبئس الولد أنت، وإن كنت تريد الآخرة، فاصبر واحتسب فقال: يا أماه أخشى أن يمثلوا بي بعد موتي -أخشى أن يقطعوا مني شياً أو يعلقوني على خشبة- فقالت: يا ولدي لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها) لا يضرك أن يمثلوا بك بعد الموت.
وفعلاً بعدما قتل رضي الله عنه، علقوه على خشبة، ثم أرسل الحجاج إلى أسماء بنت أبي بكر وهذه الرواية في صحيح مسلم فقال لها: تأتي إلي. قالت: والله لا آتي، فقال الحجاج: والله لأجرها بشعرها -أرسل إليها واحداً يجرها بقرونها بشعرها- قالت: ليفعل، فلما رأى الحجاج، إصرار أسماء بنت أبي بكر ذهب إليها، قال: أروني سبتيتـي -أعطوني نعالي-، فلبس النعال وجاء إلى أسماء بنت أبي بكر، يغيظها وينكأ جراحها ويحزنها. قال: أما سرك ما فعلنا بهذا الرجل.
أي: ولدها وفلذة كبدها، ولا شك أن قتله قتل لها، لكنها كانت تتجلد وتصبر، فقالت بلهجة المؤمن الواثق وبلسان الحكيم العارف المجرب: أما والله إن أفسدت عليه دنياه لقد أفسد عليك دينك. أنت أفسدت عليه دنياه فعلاً قتلته وحرمته من أن يكون خليفة، كما كان يسعى إليه ويحاوله، ولكنه قد أفسد عليك دينك. ثم قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في ثقيف كذاب ومبير، أما الكذاب فقد عرفناه.
الكذاب هو المختار بن أبي عبيد، كان يدعي أنه يوحى إليه. وقيل لـابن عمر رضي الله عنه إن المختار بن أبي عبيد) يزعم أنه يوحى إليه، المختار بن أبي عبيد -مع الأسف- خال أولاد عبد الله بن عمر فزوجة عبد الله بن عمر رضي الله عنه صفية بنت أبي عبيد أخت المختار فقيل له: إن خال أولادك يزعم أنه يوحى إليه، قال: صدق: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ [الأنعام:121] يوحى إليه لكن من قبل الشياطين.
المهم قالت: أما الكذاب فقد عرفناه: المختار بن أبي عبيد، وأما المبير فوالله لا أظنه إلا أنت. المبير هو الذي يكثر القتل من البوار، وهو الذي يكثر من قتل الناس (فخرج الحجاج من عندها يجر رجليه، وقال ما معناه: أتينا هذه المرأة لكي نغيظها، فأغاظتنا هذه المرأة الصلبة والقوية.
إذاً من أعظم الدروس أن يختار الإنسان الزوجة الصالحة، وهذه نصيحة للشباب الذين على أبواب الزواج، فلا تكتفي بمجرد النظر إلى الجمال، بل تذكر أن هذه المرأة قائمة على ثغرة كبيرة في منـزلك؛ فالأب مشغول دائماً، إن كان داعية أو طالب علم، أو تاجراً، أو معلماً، وإن كان أي شيء فالأب دائماً مشغول، والأطفال خاصة في بداية عمرهم في مراحل الطفولة الأولى في حجر أمهم وتحت عينها ورعايتها.
فإذا كانت الأم مثقفة وعالمة وفاهمة علمته الكلام الطيب، والفعل الطيب، والأخلاق الحسنة وربته، وأما إن كانت خلاف ذلك، فإنك تجد ذلك الصبي يكون أحياناً غيظاً لوالده، ومدعاة لحزنه، وخجله حين يظهر أمام الناس، فهو لم يترب ولم يعرف الكلام الطيب، ولا الأسلوب الطيب، ولا معاملة الناس، إن أكل مع الناس لم يحسن الأكل، وإن شرب لم يحسن الشرب، وإن جلس لم يحسن الجلوس، وإن تكلم لم يحسن الكلام، وإن نطق لم يحسن النطق، لماذا؟ لأنه لم يترب.
فمن من الرجال مستعد أن يجلس في البيت يربى الأطفال؟! صحيح أن الواحد منا قد يجلس أحياناً، ويكون مع أطفاله عند الغداء، أو عند العشاء، أو في بعض الوقت، لكن مع هذا كله، فإن أغلب وقت الإنسان يقضيه خارج منـزله، ولهذا من المهم جداً في تربية الأطفال أولاً أن تختار المحضن الصالح وهو الزوجة الصالحة.
أولاً: قضية تعليقات الناس إذا كان لك ولد اسمه (عمر) تجد الناس كل ما قيل ما اسم هذا الولد؟ قيل: عمر. قالوا: ما شاء الله، إن شاء الله يكون مثل عمر بن الخطاب فيرسخ في ذهن الصبي شخصية معينة يعتبرها مع الوقت هي مثله الأعلى، نجد الصبي ينشأ، وهو يطمح أن يكون مثل عمر رضي الله عنه، وهكذا حينما تسمى ابنك باسم الفضلاء والعظماء والصالحين وما أشبه ذلك هذا جانب.
ثانياً: قضية الفأل الحسن، فالرسول عليه السلام كان يعجبه الفأل ومن الفأل الكلمة الطيبة؛ فإن الإنسان إذا تكلم بالكلام الطيب كان فألاً حسناً، فإذا سميت ابنك باسم نبي، أو ولي، أو عالم، أو صالح، كان هذا تفاؤلاً بصلاحه واستقامته واتباعه للأنبياء.
ثالثاً: أن الإنسان بعد أن يكبر ويعي، يبدأ التفكير في الاسم، فإذا كبر ووعى وعرف الاسم، بدأ يقرأ؛ فدائماً يلفت نظره كل إنسان يشبه اسمه وكل واحد اسمه مثل اسم هذا الولد، تجد إذا قرأ عنه أو سمع عنه لفت نظره، فإذا وجد الذين يشبههم في الاسم، أناس أفاضل صلحاء وأتقياء، أصبح يسير على خطاهم، لكن المصيبة، حينما يكون همه أمر آخر، فيسمي ولده كما يقع لكثير من الناس في هذا العصر باسم إنسان من الوجهاء والكبراء، ليس له رصيد من العلم ولا من التقوى، ولا الدين، ولا الإيمان مجرد إنسان مشهور؛ لأنه صاحب منصب كبير، هنا خسر الولد، يسمي الإنسان ولده باسم شخصية رياضية مشهورة أو لاعب مشهور، وعندما يكبر ماذا يقول الناس؟! أولاً: يغيرون اسم الولد، مثلما يغير اسم اللاعب فالناس يتصرفون بالأسماء، لنفترض -أن اسم الولد عبد الله، الناس أحياناً على سبيل الدلال يغيرون عبد الله إلى تغييرات كثيرة يحرفونها وقد يقولون له عبادل- فإذا كان هناك لاعب بهذا الاسم، صار الأهل يسمون الولد باسمه، ويعرضون عن الاسم الشرعي، الذي هو عبد الله وهو الاسم المشروع الفاضل، فيلصق به، حتى أصبح يعيش على صورة معينة يتذكر هذا الإنسان، وقل مثل ذلك في أي أمرٍ آخر.
إذاً حين يسمي الناس أولادهم أو يلقبونهم أو يكنونهم بأسماء أناس ليس لأنهم من أهل الدين، لكن لصفة أخرى كأن تسمي ولدك أو بنتك باسم فنان أو فنانة أو راقصة مثلاً بئس ما جلبت له، وبئس ما استفتحت به عمر هذا الصبي أن يدخل الحياة يحمل هذا الاسم الذي له دلالات وإيحاءات معينة.
كم هو مؤسف أن نجد بعض البيئات، والمجتمعات غابت عنهم الأسماء الشرعية، وظهرت الأسماء المنحرفة لو سمى أحد بنته باسم أم كلثوم، كل الناس يقولون ما وجدت إلا أم كلثوم؟! ينسون أن هذا اسم لبنت من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفون غير اسم المغنية التي تعرف بهذا الاسم، كيف ضعفت الثقافة الدينية والعلم الشرعي عند الناس، حتى اختفى عنهم الاسم وغاب عن وعيهم الاسم النبوي الكريم، وحضر في وعيهم الاسم المعاصر لمغنية معروفة؟!، والله تعالى أعلم بنية من يسمي، إن كان قصده بـ أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يربطها بتاريخ معين ويكثر ذكرها وذكر أمهات المسلمين فالجو هو الذي يحدد المقصود، وإن كان قصده الآخر فتجده قد يسمي الولد باسم مغنٍ والبنت الثانية باسم مغنية أخرى، وهكذا حتى يكون الأمر واضحاً ماذا يريد، وماذا يقصد.
أولاً: المدرسة، فتختار المدرسة وتتابع، وليس صحيحاً أن تلقي بولدك في المدرسة، ولا تدري ماذا يجري؟! ومن الذي يدرسه؟! وما صفة هذه المدرسة؟! هل هي جيدة، أم ليست بجيدة؟ فينبغي أن يكون بينك وبين المدرسة علاقة، وينبغي أن تزور، ولا مانع أن تأتي إلى الفصل، حتى يعلم الولد أنك أتيت، ويدري المدرسون وتعلم الإدارة بأنك مهتم وتتابع أمر ولدك هذا جزء من البيئة.
ثانياً: الأصدقاء، كل إنسان له أصدقاء، ويذهب بأهله إليهم، فمن المهم أن تختار الأصدقاء الصالحين؛ لأن أولادهم يكونون عوناً لأولادك، فإذا جاء الولد مثلاً مع الولد الآخر، وجدت معلوماتهم متقاربة وأوضاع البيوت متشابهة واهتماماتهم متشابهة.
لكن إن كانت الأخرى: افترض أنك زرت يوماً من الأيام إنساناً غير صالح ولو لحاجة، ومعك أهلك ومعك أطفالك، فعندما يختلط أطفالك بأطفال هذا الرجل يجدون أنهم يأخذون -مثلاً- معلومات عن طريق التلفزيون، وأفلام الكرتون والألعاب المتحركة وعندهم مفاهيم خطيرة، فعندما يصعد ولدك معك في السيارة يقول: لماذا لا يوجد عندنا تلفزيون؟ هذه أول فائدة كسبتها من اختيارك للبيئة المنحرفة!! ولو على سبيل الزيارة مرة واحدة، إذاً لابد أن تختار لأولادك البيئة المناسبة التي يتربون فيها أو من خلالها.
ثالثاً: فيما يتعلق بالبيئة: الشارع، والشارع أمره خطير.
أولاً: ينبغي أن يحرص الإنسان أن لا يخرج أولاده في الشارع؛ لأنك لا يمكن أن تتحكم في الشارع بأي حال من الأحوال. كيف لا يخرجون؟ حاول أن تغريهم بالبقاء بالبيت بأي وسيلة، هات القصص المناسبة للأطفال، وهي موجودة بحمد الله قصص مفيدة تربي الأطفال، وأشرطة فيها أناشيد، وفيها قصص، وفيها كلام طيب للأطفال، هات لهم ألعاباً ولا مانع من وجود مراجيح ودراجات وأشياء في البيوت يلعبون بها، ويستغنون بها، ولا بأس بإحضار جهاز الكمبيوتر، وهو جهاز مفيد إذا أحسن الأب اختيار البرامج المفيدة للأطفال، وهناك برامج مفيدة للأطفال تدربهم على الحساب والرياضيات، واللغة العربية، وتعليم الدين، وبعض البرامج الترفيهية والمسلية قد لا يكون فيها فائدة كبيرة لكن ليس فيها ضرر أو محظور شرعي، إذا سلمت من الموسيقى، أو من بعض المعاني السيئة.
حاول ما استطعت أن تبقي أولادك في المنـزل، ولا يخرجوا إلى الشارع؛ فخروج أطفالك إلى الشارع، يعني أنهم أفلتوا من يدك؛ لأنه كيف تتحكم في الشارع، عندما يأتيك أطفالك من الشارع بالكلام البذيء وبالشتائم وبالسب وبالمفاهيم الخاطئة وبالعادات السيئة، ومن أين يأخذ طفلك الكلمات القذرة والتصرفات المنحرفة؟! إنه يأخذها من الشارع! ولذلك من المهم أن يختار الإنسان الجيران الصالحين بقدر ما يستطيع، فكلما استطاع أن يكون بجوار أناس طيبين وصالحين، كانت هذه من الضمانات المفيدة.
ولذلك نجد في القصص السابقة أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأتون بأطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الصحابة رضي الله عنهم، وكان هذا دأباً معروفاً، حتى كنا نعرف أن المحدثين رحمهم الله كانوا يأتون بأطفالهم لحضور مجلس الحديث. فيقال: حضر فلان، وفلان، وربما يكون صبياً وربما يكون رضيعاً، ومنهم من يكون صبياً، لكنه يستطيع أن يتحمل؛ مثلما كان عمرو بن دينار يؤتى به إلى المجلس وهو صبي صغير يقول: كانوا يأتون به إلى المجلس وجهه كالدينار وطوله سبعة أشبار وأقراطه كآذان الفأر، فإذا جاء قال: افسحوا للشيخ الصغير فيفسحون له ويجلس بينهم فيتحمل، والرسول صلى الله عليه وسلم تحمل عنه الصغار كما قال محمود بن الربيع، -في روايته- في الصحيح: عقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجها في فمي من بئرٍ، كان في دارنا وأنا ابن أربع سنين، فالرسول صلى الله عليه وسلم -مج- أي تمضمض بماء ثم وضعه في فم هذا الصبي فعقلها، وذكرها يوم كبر ولم ينسها، فكان من عادة المحدثين، أن يأتوا بأولادهم وصغارهم العلم، وحلقات الذكر، حتى يحضروا، ويستفيدوا، ويكتب ذلك أحياناً في مجالس السماع، وحضر فلان وفلان، وكانوا يحضرون وهم صبيانٌ صغار.
فيقول: سمعاً وطاعة أو لبيك، أو كما نقول نحن بلهجتنا الدارجة (نعم). كلمة فيها أدب، وفيها لطف وفيها خلق حسن، وتدل على أن الصبي تلقى تربية لا بأس بها في صغره.
وفي بيت أنس صلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {فصففت أنا واليتيم من ورائه والعجوز من ورائنا} كذلك نجد ابن عباس صلى يوماً خلف النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، نام عند الرسول عليه الصلاة والسلام وتظاهر بالنوم، وليس بنائم في الواقع، لكن كان يراقب النبي حتى يستفيد منه وينقل هديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نام الغليم -تصغيراً له-.
ثم قام النبي عليه الصلاة والسلام وابن عباس يراقبه، قال: {فقام إلى شنٍ} وذكر الدعاء الذي قاله فلما قام يصلي، قام ابن عباس رضي الله عنه، وصف عن شماله، فأخذه النبي فأداره عن يمينه، فدربه على الصلاة، وهو صبيٌ صغير.
ومثل ذلك الصوم، كان الصحابة يُدَرَّبون على الصيام وهم صغار، حتى قالت الرُبيِّع: كما في الصحيح عن يوم عاشوراء: {كنا نصومه ونُصوِّم صبياننا حتى إذا بكى الصبي أعطوه اللعبة} لعبة مصنوعة من القطن يشتغل ويتدلى بها حتى يحين الإفطار.
من المهم تدريب الصبيان على الصيام منذ صغرهم متى ما أطاقوه، ولو لم يصم شهر رمضان كاملاً، لكن يصوم بعض الأيام، حتى يعرف ما معنى الصيام، ويعرف أن الإنسان قد يمتنع عن بعض الشيء لوجه الله، ويعطيه والده على ذلك جائزة أو يهديه هدية.
مثل ذلك الحج، وكلكم يعرف الحديث في الصحيح: { أن امرأة رفعت إلى النبي صبياً قالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر } ومثل ذلك العلم كما سبق ذكر نماذج لذلك.
فمن المهم أن ندرب أطفالنا على العبادة، أن تأتي بأطفالك معك إلى المسجد كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود والحاكم وغيرهما: {مروا أولادكم بالصلاة، وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر} فإذا بلغ الصبي سبع سنين تأمره بالصلاة، وتعلمه الوضوء، وتعلمه الصلاة وتأمره بها، ويذهب معك إلى المسجد، فإذا تم له عشر سنين تضربه عليها، وتراقبه وتحاسبه، ومثل ذلك في بقية العبادات.
لاحظ فيما سبق لطف الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان حتى إنهم يقعون في حجره ويقبلهم صلى الله عليه وسلم ويضمهم، هذه لها أثر كبير في محبة الأطفال للمربي، الهدية: يهدي النبي عليه الصلاة والسلام الهدية لـأم خالد الثوب ولا يكتفي بالهدية بل يلبسها إياه، ويقول لها: {هذا ثوب جميل يا
فاللطف وحسن المعاملة وطيب الكلام والممازحة مع الطفل والإهداء له والترغيب كل ذلك يحبب المربي إليه، ويكون ذلك سبباً في القبول.
بالنسبة للأم من أهم وسائل العاطفة الإرضاع الطبيعي، ولذلك يقول المختصون لو اضطرت الأم إلى إرضاع الطفل رضاعة غير طبيعية ينبغي أن يكون عند الرضاعة على صدرها، وأن تضمه إلى صدرها؛ لأنه يكتسب نوعاً من الحنان في ذلك، فيجد الحنان، ويجد العاطفة.
وكذلك الأب: انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يحمل الأطفال على كتفيه أو يجعلهم في حجره، أو يضمهم إليه، أو يقبلهم أو يشمهم، أو يعانقهم كما سبق معنا، كل هذه الأشياء تشبع الأطفال بالحنان والعطف، فيرضعونه في الصغر، ويعطونهم لغيرهم في الكبر، وهذه من أهم الجوانب التي يحتاج إليها الطفل، حتى ينشأ متوازناً سليماً.
فلا يذهب ليشتري خبزاً، ولا يصب الشاي للضيوف، ولا يستقبل الضيوف، وهذا من أخطر الأشياء؛ لأن الطفل حينئذ ينشأ مثل النبتة التي تنبت في الظل: ضعيفة، رخوة، ليس فيها قوة ولا نماء ولا حياة، هذه من أخطر الأشياء التي يعانيها الناس.
فتجد الإنسان حينما يكبر ليس لديه ثقة بنفسه، وليس لديه إمكانية أن يتكلم -مثلاً- أمام الناس، بل قد لا يستطيع -مثلاً- أن يؤم الناس في الصلاة، ولا أن يقوم بأي دور؛ لأنه لم يتربَّ على ذلك، فنحن نلاحظ -مثلاً- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـابن عباس: أتأذن لي؟. وهذا نوع من إعطاء الطفل أهمية، فهو صاحب حق الآن، ومن حقه أن يشرب قبل هؤلاء، لكن إذا سمح بذلك؛ فإن قال: لا أسمح. قال: خذ، وهذا صغير السن ومع ذلك يستأذنه الرسول عليه الصلاة والسلام. فإذا لم يأذن، فهنا يتخذ القرار بناء على رأي ابن عباس، هذا من إشعاره بالثقة.
جانب آخر: حينما يتقدم عمرو بن سلمة: ويصلي بالناس وعمره ست أو سبع سنوات، هذا نوع من أنواع بناء القوة النفسية، أو كما يعبرون عنه بلغة العصر الحاضر: تدريب الطفل على الثقة بالنفس، فمن أهم وسائل بناء الثقة بالنفس: أن لا تعامل الطفل حين يخطئ بأسلوب قاسٍ، نحن قد نلين مع الأطفال، لكن إذا أخطأوا نقسو عليهم، وأحيانا تكون قسوة قاتلة.
هناك قصة حدثت في بعض المجتمعات ذكرها لي أحد الشباب -وهو إن شاء الله ثقة- أن رجلاً أثث بيته بأثاث فاخرٍ وثمين، وسكن به، فخرج صباحاً إلى العمل، ولما جاء في الظهر، وجد طفله قد أخذ سكيناً، فأتى إلى الكنب ومزقها، وأتى إلى الستائر فمزقها، وقدم هذا، وخرب هذا كما هي عادة الأطفال. فغضب أبوه غضباً شديداً، وأخذ الطفل فضربه ضرباً مبرحاً، ثم قيده بالحبال في يديه ورجليه، وأقسم على أمه إن تعرضت له، أن يصيبها كذا وكذا، وجلس الطفل يبكي، ويبكي، ويبكي، حتى فت كبده البكاء ثم سكت، وبعدما سكت، لاحظوا على الطفل وضعاً غير طبيعي، وكأن لونه يتغير، ففكوه بسرعة وذهبوا به إلى الطبيب، وبعد إجراء التحاليل اللازمة قالوا: إن الطفل مهدد بالموت، ولابد أن تبتر أطرافه -يداه ورجلاه- حالاً، وإلا فإنه قد يموت؛ لأن دمه قد تسمم، فوقع الأب على الأمر، وبترت يداه ورجلاه وأصاب الأب حزناً، ومما كان يزيد من حزنه أن الصبي الصغير، بعدما رجعوا إلى البيت وبعدما شفي كان يقول: أبي أرجع إلي يدي ولا أعود إلى تخريب الفرش مرة أخرى، فكانت هذه الكلمة تنـزل على أبيه نـزول الصاعقة؛ لأنه كان يعرف أنه لا سبيل لاستعادة ذلك.
فنحن نخطئ كثيراً في معاملة الأطفال، حينما يقع منهم الخطأ، وينبغي أن نتحمل منهم الخطأ، وإذا أردنا أن نصحح لهم الخطأ، فنصححه بطريقة سليمة معتدلة نقول: هذه خطأ، وقد نعاقب الطفل بالحرمان فإذا عودناه أن نعطيه شيئاً لا نعطيه، وإن عودته أن يخرج معك؛ هذه المرة لا يخرج معك، فيخرج إخوانه وهو لا يخرج بل يجلس، وقد نعاقبه بالضرب -ضرب بسيط- والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون السوط معلق حيث يراه أهل البيت للتأديب -ضرباً غير مبرح، وقد نعاقبه بكلمة، وما أشبه ذلك، أما هذه الأساليب القاسية التي يسلكها البعض فهي غير لائقة.
مـا لـأبي حمزة لا يأتينـا يبيت في البيت الذي يلينـا |
غضبان ألا نلد البنـينا والله مـا ذلك في أيدينـا |
وما منحنـاه فقد رضينـا |
هذه المرأة، مسكينة تقول: أبو حمزة -هذا زوجها- معرض عنها، جالس عند المرأة الثانية لماذا؟! لأنها لا تلد إلا البنات. والله ما ذلك في أيدينا.
حدثني أحد الإخوة يقول: إن هناك رجلاً لا يولد له إلا بنات، وفي يوم من الأيام كانت زوجته تلد بالمستشفى، فرأى الأطباء عليها علامات القلق والهم، وأنها حريصة على معرفة نوع المولود منذ أول وقت، وفعلاً جاءها بنت فحزنت لذلك حزناً شديداً، وخافت ربما هددها زوجها حتى بالطلاق، -بعض الناس لا يزالون يعيشون في الجاهلية-، فذهب الطبيب -وكان طبيباً حاذقاً وذكياً- إلى الزوج وقال له: أبشر فقد رزقك الله ولداً فسر الزوج وتهللت أساريره واستبشر وبدأ يتكلم مع الطبيب وبعد قليل قال له الطبيب: لكن هذا الولد مشوه، عنده شلل في جسمه، وأطرافه، وعنده بالتأكيد تخلف عقلي، وعنده كذا، وكذا، وقلبه فيه، ورئته فيها كذا، وكذا وبدأ يذكر فيه، حتى تحولت هذه الفرحة إلى حزن كبير، يلف ذلك الرجل لفاً، واسود وجهه، وبدأ يقول لنفسه: هذه عقوبة من الله تعالى لي حين سخطت على قضاء الله وقدره في ولادة البنات، وبدأ يعاتب نفسه وبعد قليل لما رأى الطبيب أن الرجل أفاق، وعقل، وفهم. وقال له: بل رزقك الله بنتاً من أجمل البنات، وأحسن البنات، لكن عليك أن تشكر نعمة الله جل وعلا.
ولعلي أذكر منهم الشاعر المعروف أبا الحسن التهامي الذي رثا ابنه حين مات في قصيدة رائعة، ومن ضمن هذه القصيدة يقول:
يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار |
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجـواري |
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار |
فاقضوا مآربكـم عجالى إنما أعماركم سفر من الأسفار |
ومثل الشاعر ابن الرومي توفي له ولد، فرثاه بقصيدة دالية جميلة من عيون الشعر العربي، يقول فيها:
محمد ما شيء توهم سلوة لقلبي إلا زاد قلبي من الوجد |
أرى أخويك الباقيين كليهما يكونان للأحزان أورى من الزند |
وأولادنا مثل الجوارح أيها فقدناه كان الفاجع البين الفقد |
لكلٍ مكانٌ لا يسد اختلاله مكان أخيه من صبور ولا جلد |
إلى غير ذلك، وربما يكون من أعظم البلاء أن يبتلى الأب بوقوع ابنه في شرك الانحراف، ولذلك فإن على الأب، أن يُعنى بصلاح ولده، واستقامة خلقه ودينه، أكثر ما يُعنى بصحته وعافيته وسلامته.
رزقني الله تعالى وإياكم الذرية الصالحة. ووفقني وإياكم إلى تربيتهم، والقيام عليهم، ورزقنا برهم، وجعلهم ذخراً لنا يوم نلقاه، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: حديث: {جنبوا صبيانكم مساجدكم} لا يصح، وأما من كانوا فوق سن السابعة وما فوقها، فقد سمعتم الحديث، بأمرهم بالصلاة. ولكن يدربوا على حرمة المساجد، ومعرفة الآداب المتعلقة بها.
الجواب: نوصي أولاً: بالاستغناء عن هذا الجهاز، وألا يكون على مرأى من الأطفال، فإنه حين وجوده، يصعب عليك أن تتحكم فيه، وتأثيره بليغ، والمؤسف أن آثاره تتعدى إلى العقيدة؛ لأن كثيراً من البرامج التي تقدم -أول وأظهر ما يبين فيها-، أنها تظهر الشخصيات البشرية على أنهم أصحاب قدرات خارقة حتى كأنهم آلهة، وقد يستقر في ذهن الطفل أن هذا إله.
بل حدثني واحد؛ أنه لما رأى مجموعة من الأطفال تمثالاً أو نصباً وهو يزاح عنه الستار، كان الأطفال يشيرون ويسألون أمهاتهم عما إذا كان هذا هو إلههم، فالصبي يرسخ في ذهنه أشياء معينة، ولذلك يوجد كتاب جيد، أوصي بقراءته اسمه (بصمات على ولدي) يتحدث عن الآثار الضارة للتلفاز على الأطفال.
السؤال: ما هي الطريقة المثلى للتخلص من التلفاز؟
الجواب: الطريقة المثلى هي التحطيم.
الجواب: هذا ليس بحديث.
الجواب: الذي يظهر، أن هذا لم يكن طفلاً، بمعنى أنه ليس مكلفاً بل الأظهر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم {الحمد لله الذي أنقذه من النار } إما أن يكون هذا الرجل مميزاً، وإما أن يكون صبياً، والله تعالى أعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قصد لما شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أصبح من المسلمين ومن أهل الجنة حتماً، بخلاف إذا مات على كفره، حتى لو كان صبياً؛ لأنه قد يكون من أهل النار، الله أعلم بما كان.
والكلام الذي يتعلق بالأطفال الذي يطلب الأخ التبيين الكامل لها، هذه المسألة فيها عشرة أقوال ذكرها الإمام ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة، وأشرت إلى شيءٍ منها في كتابي حوار مع الغزالي يمكن أن ترجع إليه وتجد فيه -إن شاء الله- إشارة إلى القول الراجح.
الجواب: لا، لست أقصد لا يشرع تحنيكه، لكن أقصد أنه ليس من المشروع أن يذهب الناس بأطفالهم إلى أولي الفضل ليحنكوه.
الجواب: في الحديث الصحيح عند أبي داود وغيره، أن أم عبد الله بن أمية قالت له: يا عبد الله تعال أعطك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما تعطينه؟ فقالت: تمرة قال: إنكِ لو لم تفعلي كتبت عليكِ كذبة} فلا يجوز تربية الطفل بالكذب بحالٍ من الأحوال.
الجواب: ذكرت أن لي محاضرة في موضوع (التسمية) ولها ثلاث حلقات.
إن تسمية الابن بتسمية الوالد لا حرج فيها، يقول عليه الصلاة والسلام: {ولد لي الليلة غلامٌ، فسميته باسم أبي إبراهيم} فإذا كان هذا يسر الوالد، وكان اسم الوالد حسناً، فلا بأس أن تسميه باسم الوالد، وإن كان الوالد لا يريد ذلك فلا تسميه باسمه. وإن كان الأمر عنده سيان، فاختر له الاسم المناسب.
الجواب: يجابون كما ذكرت بالنـزول إلى مستواهم، وقد يجابون بقدر ما يفهمون ويعقلون، ويحاول أن يقرب إليهم ما هو غائب عن عيونهم يقرب إليهم إلى الغائب بالأشياء الحاضرة، إلا إذا كان بالأمور الغيبية؛ فإنه لا ينبغي ذلك.
الجواب: الفائدة فائدة نفسية؛ لأنه لا يذكر أن والده أخذه في حضنه، ووضعه في حجره، لا يذكر هذا، لكن يظهر هذا في سلوك الطفل، فالطفل الذي رضع الحنان تجد عنده خوفاً من الله سبحانه وتعالى، وسريع الاهتداء، وعنده عطف على الفقراء والمساكين واليتامى، وعنده اعتدال وإحسان إلى الجيران، بخلاف الآخر الذي لم يجد الحنان، فعنده قسوة في قلبه، وقد يتحول الأمر أحياناً إلى أن يتحول هذا إلى إنسان عنده حقد على المجتمع، ويحرص على تدمير هذا المجتمع.
الجواب: ينبغي أن لا يدرب الأطفال الصغار -خاصةً البنات- على الملابس السافرة، ينبغي أن لا يدرب على ذلك. فالبنت الصغيرة أحياناً يكون شبابها قوياً فيكبر جسمها، ولو كان عمرها صغيراً، وتتعرض للناس وتقف عند الباب، أو تخرج أو ما أشبه ذلك، فيجب أن لا تعود الأم الأطفال على الملابس السافرة حتى وإن كانوا صغاراً.
الجواب: أرى أن الأناشيد كما قالت عائشة رضي الله عنها في الشعر: هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فلا بأس بالأناشيد إذا كان بين الحين والآخر، إزالة الملل والسأم، بشرط أن تكون معانيها حسنة، وألا يكثر الإنسان منها حتى تكون همه وشغله الشاغل، كما قال الإمام البخاري في باب (من كان غالب عليه الشعر) وساق قوله عليه الصلاة والسلام: {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً وصديداً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً} وألا تكون الأناشيد على أنغام الموسيقى، وأن لا تكون لها آلات وطبول وما أشبه ذلك.
الجواب: لا ينبغي، أن يدعو الوالد على ولده إلا بخير، ويعود لسانه على أنه لا يدعو عليه، والمؤسف أن هذا كثير وموجود عند النساء بكثرة، سواء عند الجاهلات أم المتعلمات أحياناً، وكما أسلفت إن الدعاء لا يفيد في تربية الأطفال، وقد يصادف باباً مفتوحاً فيستجاب الدعاء، فيندم الوالد، لكن على الأم إذا غضبت على الولد، فيمكن أن تؤدبه بالتوبيخ والتهديد وبالضرب الغير المبرح، أو بحرمانه من شيء، أو بالوعيد بأن تخبر والده.. أو بغير ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر