إسلام ويب

شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام [7]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وضع علماء الأصول شروطاً مثالية للاجتهاد، لا تكاد تتوفر في أحد مهما بلغ من العلم، بل إن ذلك يعتبر إغلاقاً نظرياً للاجتهاد، وإلا فإن الاجتهاد لم يغلق في الواقع؛ لأنه لابد للأمة من مجتهد ينظر في قضاياها ونوازلها المستجدة، ومن هنا فإن الاجتهاد ممكن ومتيسر لمن استكمل رتبة الفقيه الثانية مع ملكة يفقه بها مفصل مقاصد الشريعة.
    قال المصنف رحمه الله: [ فصل: وفي كثير من الأحاديث يجوز أن يكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطلع نحن عليها، فإن مدارك العلم واسعة، ولم نطلع نحن على جميع ما في بواطن العلماء، والعالم قد يبدي حجته وقد لا يبديها، وإذا أبداها فقد تبلغنا وقد لا تبلغنا، وإذا بلغتنا فقد ندرك موضع احتجاجه وقد لا ندركه، سواء كانت الحجة صواباً في نفس الأمر أم لا، لكن نحن وإن جوزنا هذا فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم إلى قول آخر قاله عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم، إذ تطرق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية، فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده، بخلاف رأي العالم].

    فيما سبق تكلمنا عن مكونات الخلاف وأنها أربع جهات، وذكرنا بعد ذلك ما يتعلق بمراتب القول الفقهي، وفي هذا المجلس بإذن الله تعالى سيكون الكلام في التمذهب، ولكن قبل أن ندخل في هذا الموضوع وما أشار إليه المصنف في الكلام الذي قرئ، هناك بعض الإيضاحات لبعض ما سبقت الإشارة إليه.

    مخالفة المتقدمين في الإصطلاحات

    ففيما يتعلق بمكونات الخلاف وأنها الدليل التي يقع الاختلاف في تعيينه أو درجته أو ثبوته، والدلالة، والمستدل، وذكرنا أن المستدل إما أن يسمى ناظراً، وإما أن يسمى فقيهاً، وإما أن يسمى مجتهداً.

    وهذا التقسيم قد لا يكون كاصطلاح منتظم نطق به فلان أو فلان من أهل العلم، والاعتبار بالنطق العلمي السابق ليس بالمصطلحات، وإنما الاعتبار بالحقائق العلمية، فإنه لا يلزم فلاناً من الناس الذي عرض في القرن العاشر مثلاً أن لا ينطق بمصطلح إلا وقد نطق به أهل القرن السادس مثلاً، ولكن المعنى الذي ينبغي أن لا يكون إحداثاً في العلم أو ما إلى ذلك هي المعاني، وأما التعبير عن المعاني الصحيحة المعروفة بالاستقراء، فهذا إذا اصطلح عليه بمصطلح ما حتى لو كان المصطلح متأخراً أو معاصراً فهذا ليس محل جدل، وإلا للزم أن يكون السؤال مطروحاً على مصطلحات القرن العاشر التي لم ينطق بها في القرن الثامن مثلاً، ومصطلحات القرن السادس التي ما نطق بها في القرن الرابع، ومصطلحات الرابع التي ما نطق بها أهل القرن الثاني، وهكذا، وهذا يستلزم منع كل هذه المصطلحات، لكن المعنى الذي يهم هو أن لا يتكلم تحت هذا المصطلح المأذون به، دعك من المصطلحات المخالفة لمقاصد الشرع، فهذه مصطلحات منتقدة، ولذلك سبق أن نبهنا على أنه حتى مصطلح التكليف عند الأصوليين لا يقال: إنه غلط، ولكن يقال: ليس هو مصطلحاً فاضلاً؛ بل ينبغي أن يسمى: التشريع؛ لأنهم يقولون: التكليف خمسة: الواجب، والمستحب، والمحرم، والمكروه، والمباح، ثم يختلفون هل المباح من الأحكام التكليفية أم لا؟ فلما لم يروا فيه جهة التكليف والعزم قال من قال منهم: إنه ليس من الأحكام التكليفية، وهذا غلط؛ لأنه يتضمن أنه ليس حكماً شرعياً، والصواب أن المباح عند أهل السنة والجماعة بل عند جمهور الطوائف الإسلامية حكم شرعي؛ لأن الله أثبته في القرآن في مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] وقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116].

    إذاً: مما ينبه إليه أن دعوى المخالفة للسابق لا بد أن تضبط بالمعاني الصحيحة، فمن خالف المعاني الصحيحة أو أحدث معنى ليس على الأصل المعروف عند القرون المفضلة، فهذا هو الذي يجب رده، وأما باب المصطلحات فهو باب لا يزال غير متناهٍ في التاريخ.

    الطرق التي يعرف بها صحة المعنى عند المتقدمين

    ما هي الطريقة الذي يعرف بها أن هذا المعنى صحيح عند من تقدم أو ليس صحيحاً؟ هناك طريقتان:

    الطريقة الأولى: طريقة التنصيص: كأن يقال: هذا المعنى من العلم نص عليه الإمام ابن عبد البر ، أو نص عليه ابن رجب ، أو نص عليه ابن تيمية ، أو نص عليه من قبل هؤلاء من الأئمة كـمالك أو الشافعي أو أحمد ، أو غيرهم، فهذا هو التنصيص المعين، ولا شك أنه يعرف به تقدم القول.

    الطريقة الثانية: فقه الاستقراء: وهذه الطريقة هي منشأ كثير من الأقوال التي لا يوجد تنصيص عليها عند السابقين، كتنصيص كثير من الفقهاء على كلمات ما نطق بها بنصوصها أعيان من السابقين، لكن معانيها متضمنة وهذه هي درجة المحققين من أهل العلم، أنهم إذا استقرءوا تحصل لهم قدر من المعاني في أبواب من الشريعة، في الفقه وفي قواعد الشريعة ومقاصدها وما إلى ذلك، فهذا الاستقراء ينظمون به هذا المعنى الذي استقرءوه.

    وننبه هذا إلى أن كتب الأصوليين فيها علم كثير، لكن بعد ظهور علم الكلام، ولما كتب المتكلمون في أصول الفقه على الطرق الكلامية، ظهر أثر علم الكلام على أصول الفقه، وإن كانوا في الاصطلاح يقولون طريقة الفقهاء عند الشافعية، وطريقة المتكلمين عند الحنفية، هذا نوع من التفريق، لكن الحقيقة أنه حتى كتب الشافعية متأثرة بعلم الكلام، والغزالي ممن أدخل علم الكلام إدخالاً بيناً على نظم أصول الفقه في كتابه المستصفى، وهذا لا يعني أن ما كتبه هؤلاء الأصوليون الذين يوصفون بأنهم من علماء الكلام -لا يعني أن جميعه ليس صحيحاً، أو أنه ليس نظرية ممكنة صحيحة في موارد كثيرة في مسائل تطبيق قواعد التشريع، هذا ليس كذلك، بل إن هذه الكتب تعد من أخص كتب الإسلام أو تاريخ الإسلام الذي كتب، فهي كتب علمية، لكن مع ذلك لا بد من بعض المراجعات لبعض هذه المسائل أو التراتيب التي اجتهد فيه من اجتهد من أهل الأصول المتأخرين -أعني المتكلمين منهم.

    فالمقصود: أن هذه النظم لأصول الشافعي أو أصول أبي حنيفة أو أصول الإمام أحمد في نظم الأصول فيما كتب في كتب أصول الفقه، هل أكثرها منصوص عليه في كلام الأئمة كنظم قواعد؟ الجواب: منه ما هو منصوص عليه، ومنه ما حصله أصحابهم الأصوليون تحت فقه الاستقراء، وفقه الاستقراء يعد من أشرف الفقه، وإن كان كما قلت لا يستطيعه إلا فقيه محقق.

    ولذلك نجد أنه يعوّل على كثير من هؤلاء المستقرئين فينقل عنهم، ونجد التعويل في بعض كتب أصول الفقه على كتب محددة وإلا فكثير منهم نقله، لكن المستقرئ الأول هو صاحب الامتياز، ففقه الاستقراء فقه صحيح.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088525549

    عدد مرات الحفظ

    777129524