أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا هو الدرس الواحد والثمانون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين الثالث عشر من شهر جمادى الأولى من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة، وحديثي إليكم في هذه الليلة ليس كما قلتُ لكم بالأمس أحاديث عابرة، بل هو حديث غير عابر حول موضوعٍ كبير، اخترت له عنواناً هو (
ومثله أيضاً قول الله عز وجل: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52] فذكر الله تعالى أنه ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا، فضلاً عن النصر الأكبر يوم القيامة، ونصرهم في الحياة الدنيا يكون بصور كثيرة منها:
1- النصر الحقيقي المباشر وهزيمة أعدائهم.
2- منها: إظهار الحق الذي يحملون.
3- ومنها: أن الله تعالى يمنحهم الصبر والثبات على دينهم، وعقيدتهم، وما يقولون، وما يدينون به، فيظلون صابرين كما صبر أصحاب الأخدود الذين عذبوا وأوذوا، وأحرقوا بالنار، فظلوا صامدين على مذهبهم ودينهم، وعقيدتهم، وذكرهم الله تعالى في كتابه في قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1].
ومثله قوله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] فإن هذه الآية صريحة في أن الله تعالى ينصر الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فجعل النصر معلقاً بشرط مستقبلي لا يعلمه إلا الله، فلا نستطيع مثلاً أن نؤكد أن هؤلاء المجاهدين، أو أن هؤلاء المقاتلين إن نصروا ثبتوا، وقاموا بشريعة الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فكم من فئة أو طائفة قاتلت معلنة راية الدين، وأنها تجاهد في سبيل الله، فلما رزقها الله تعالى النصر نكلت عما كانت تدعو إليه، وغيرت وبدلت، وانحرفت عن منهجها وشريعة ربها.
ولهذا قال الله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40] ثم قال الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ [الحج:41] فإذا رأيت مقاتلاً في سبيل الله رافعاً راية الدين، ومع ذلك هو لا ينصر فتذكر هذه الآية، فلعله لو نصر لغير وبدل، قال الله تعالى:الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] وقال الله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126].
إنَّ مجموع هذه الآيات وغيرها، تؤكد حقيقة أساسية وهي أنه إذا وجد الإيمان الصادق بالله عز وجل ووجد الالتزام الجاد بشريعته تعالى، فإن الله يبارك في القوة القليلة والجهد القليل، ويكمل ما نقص من الأسباب بإذنه، وحوله وقوته، فالله تعالى قوي عزيز، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
لقد رأينا في هذه القصة كيف انتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة بإذن الله، وكيف قتل داود جالوت، وكيف ورث الله هؤلاء المؤمنين الملك والحكمة، ونصرهم على عدوهم، ولقد رأينا في هذه القصة التي ذكرها الله تعالى في كتابه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] أن هؤلاء القلة صبروا على الامتحان والابتلاء، فلما عُرِضَ هذا النهر العذب الفرات إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ [البقرة:249] نهرٌ عذبٌ حلوٌ فراتٌ، وهم عطاش محتاجون إلى الماء، ومع ذلك يقع الاختبار فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249].
إنها شربة واحدة باليد، حتى يذوقوا حلاوته، فتتعلق به نفوسهم ليتم الاختبار والابتلاء، ويعلم الصادق الجاد المؤمن الممتثل لأمر الله، من ذلك الإنسان الذي إذا بان له الطمع أسرع إليه، وإذا عرضت له الدنيا ركض وراءها، وترك أمر الله عز وجل: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا [البقرة:249] قال أولئك الذين شربوا وأكثروا وتجاوزوا: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بـِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ [البقرة:249] والذين صبروا في الاختبار، والذين لم يشربوا من النهر، قالوا كما ذكر الله عز وجل قالوا: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].
فثبتوا وصبروا، وكتب الله تعالى النصر ليس لهؤلاء الكثرة الذين شربوا، بل لتلك القلة التي صبرت ونجحت في الاختبار، وهذا درس ذكره الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه الذين كانوا يقاتلون معه في بدر، وأحد، والخندق، وحنين، وغيرها، ليعلموا أن النصر إنما يكون بطاعة الله تعالى وبترك معاصيه، والابتعاد حتى عن الشبهات والمكروهات.
ولذلك فإن التاريخ يشهد أن الأمة تنهزم متى كانت تجري وراء شهواتها وملذاتها، وأن الأمة التي تربي نشأها وشبابها على العبودية للمصلحة، أو العبودية للذة؛ أن هذه الأمة ليس لديها نية صادقة للصمود أو المواجهة لعدوها. إن الغربي الكافر اليوم إباحي شهواني، يجري وراء المتاع ولا يبين له شيء منه إلا أسرع إليه، فأي شيء يغري هذا الكافر إلى الصمود أو الصبر والثبات! وأي شيء يدعوه إلى خوض المعارك والاستبسال فيها! وأي شيء يجعله ينازل الموت ولا يخاف منه!!!
لقد كان من آخر الأخبار أن الرئيس الأمريكي الجديد، قد سمح بالشذوذ الجنسي في قطاع الجيش، أو بمعنى آخر سمح للشاذين جنسياً أن يكونوا ضمن المجندين، والمقصود بالشذوذ الجنسي والعياذ بالله عمل قوم لوط أو سائر الفواحش، بين الرجال، أو بين النساء أو غير ذلك.
إن السماح بذلك في قطاع الجيش أثار موجة من الرعب والذعر والانتقاد، ولكنه يدل على مدى ما وصلت إليه تلك الجيوش من الانحلال الخلقي، ونحن نعلم جميعاً أن الجيوش الأمريكية والغربية التي جاست خلال الديار ومرت، وحاربت سواءٌ في الخليج أم في غيره، أنه يوجد أكثر من (10%) منهم من النساء، وبعض هؤلاء النساء، إن لم أقل كلهن جئن خصيصاً للترفيه عن الجنود، وإحياء الحفلات الراقصة، وإقناع الجنود بالبقاء في بلاد بعيدة عن أرضهم، إلى غير ذلك من المقاصد التي يسعون إليها في كل مكان نـزلوا فيه.
ومثل هؤلاء نقطع يقيناً أنهم لا يملكون القوة على المواجهة، ولا الصبر، ولا يرغبون في الموت بحال من الأحوال، بل هم كما ذكر الله عز وجل: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96] أي حياة كانت ولو كانت حياة الذل، أو حياة الفقر، أو البؤس، أو الشقاء، المهم أن الحياة عندهم هدف بذاته، فهم يسعون إلى البقاء فيها مهما كان فيها من الذل، ومن الهوان، ومن الفقر لأن الحياة عندهم هدف بذاته.
نعم لقد ملك الغرب ناصية الآلة، وطوع المادة، ونجح في الاختراع، ولكن المهم هو هذا الإنسان الذي يحرك الآلة ويديرها، والذي يستفيد من كل الاختراعات وهو وراءها، هذا الإنسان هو المهم، فمتى ما انهزم هذا الإنسان فإن الآلة لا تنفعه حينئذ.
بل ما رأيك لو واجه الكفار -في أي موقع- مسلمين حقيقيين، يقاتلون عن عقيدة، وعن مبدأ، وإيمان، إنهم حينئذٍ سيكونون شيئاً آخر غير الذي ذكر لنا في التقارير؛ بل سيفرون فرار الجرذان من المعارك؛ وسوف يتركون وراءهم أكوام الأسلحة، والقوات، حيث لم تكن تنفعهم حصونهم من الله عز وجل، بل يأتيهم الله تعالى من حيث لم يحتسبوا كما وعد: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2] من حيث لم يظنوا ولم يتوقعوا، ربما يتوقع الكافر أن يؤتى من الجو أو من البحر أو من البر، ولكنه أوتي من حيث لم يحتسب من قلبه، فأوتي بفقدان شجاعته، وفقدان قوته، وفقدان المواجهة والقدرة والصبر، ولهذا كانت الهزيمة النفسية هي أقسى وأشد ألوان الهزيمة في المعارك، ولك أن تتصور مقارنة سريعة بين هؤلاء القوم الذين كانوا يمشون، وأمامهم، ومن بين أيديهم، ومن فوقهم أعداد هائلة غريبة من الأسلحة والطائرات والقوى المختلفة التي ربما تستخدم لأول مرة، ومع ذلك يواجهون مثل هذه أن (15%) يذهبون ضحية الحروب النفسية، أو ضحية الأمراض النفسية.
لك أن تواجه ذلك وتقارنه بأولئك الإخوة الذين قاتلوا في أفغانستان، وكيف كان هؤلاء يضربون أروع الأمثلة في الصبر والبسالة والفداء، وكان الواحد منهم يموت أخوه وهو يشاهد، فيسرع إلى الموت وهو يتعجب لماذا مات أخوه وبقي هو! ويقول: لا خير في الحياة بعد فلان وفلان، ولهذا على رغم أنهم لم يكونوا يملكون أسلحة تذكر ولا قوةًَ تذكر، ولا تنظيماً، ولا خبرةً؛ إلا أن هؤلاء الشباب الذين كانوا في مقتبل العمر، وربما ترك الواحد منهم زوجته، وربما كان قد خطب وعقد، ولم يدخل عليها بعد، وربما ترك أهلاً ينتظرونه، وقد أتوا من بلاد فيها ألوان التيسيرات المادية، وألوان الترف، ومع ذلك ذهبوا إلى هناك وجلسوا سنوات طويلة، وقاوموا العدو الكافر حتى خرج من أفغانستان، وقُتِل مِنهم مَن قُتِل نسأل الله تعالى أن يكونوا شهداء في سبيله، وجُرِح مِنهم مَن جُرِح.
ثم جاءوا، وأنت ترى اليوم في عيونهم شوقاً إلى أرض أخرى يقام فيها الجهاد، ترى في عيونهم، وتقرأ في وجوههم، وتسمع في كلماتهم، حسرات وزفرات على أنهم خاضوا المعارك وخرجوا منها ولـم يقتلوا في سبيـل الله عز وجل فهم ذهبوا يبحثون عن الموت، وعن القتل، وعن الشهادة في سبيل الله عز وجل.
فشعروا بأنهم حرموا شيئاً كثيراً، وهم يتربصون وينتظرون مواقع أخرى تدار فيها المعارك مع أعداء الله، حتى يذهبوا إلى هناك رجاء أن يحصلوا على ما لم يحصلوا عليه في أفغانستان، فأي فرق تجد بين هؤلاء وأولئك، والله ما رأينا أحداً منهم يعاني من مرض نفسي، ولا يعاني من أزمة، ولا يعاني إلا الشجاعة والقوة والبسالة، ويتمنى الواحد منهم أن يقتل في سبيل الله تعالى! مع أنهم شباب في مقتبل العمر، ولم يتلقوا تدريبات تذكر، وكانت بيئاتهم ربما غير ملائمة لإعدادهم بشكل صحيح.
ومع ذلك كله كانوا أقوى ما يكونون، وأشجع ما يكونون، وأصبر ما يكونون؛ لسبب واحد: أنهم كانوا يقاتلون عن عقيدة وعن مبدأٍ وعن دين، فأي فرق بين هؤلاء وبين أولئك الذي خضعوا لدراسات واختبارات، وألوان من الإعداد النفسي والمعنوي، مع أنهم يملكون قوة رهيبة، ومع ذلك انظر الفرق البعيد بين هؤلاء وهؤلاء.
بل إني أذكر لك أعجب من هذا: أحد الشباب منذ زمن كانت له أمٌ كبيرة السن، وكانت تسمع أخبار المجاهدين في أفغانستان فقالت: والله لا بد أن أذهب إلى هناك، وحاول ولدها أن يقنعها بعدم الذهاب، ولكن عبثاً أن يحاول إقناعها، وما زالت مصرة حتى ذهبت إلى هناك مع ولدها برفقته، وساعدت المجاهدين في بعض الأعمال المشروعة، ثم طاب خاطرها فعادت إلى بلادها.
إنه لا سواء بين من يبحث عن الموت، وبين من يهرب من الموت، وأي حيلة في إنسان يبحث عن الموت، أنت لو هددت إنساناً لهددته بالموت! فإذا كان هو يريد الموت لا معنى لهذا التهديد، وهذا لسان حالهم يقول:
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخبر المطارف |
لا أريد أن أموت على سرير يكون عليها ألوان المطارف، والحشايا والثكايا، ويقول:
ولكن أحن يومي سعيداً بعصبة يصابون في فج من الأرض خائف |
عصائب من شيبان ألف بينهم تقى الله نـزالون عن التزاحف |
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف |
بماذا نهدده؟ بالموت؟!
ماض وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف |
وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطرف |
منها مثلاً: صحة وصدق الإيمان بالله عز وجل والدار الآخرة، وما وعد الله تعالى المؤمنين والمتقين والصابرين، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] فإذا كان الناس يعيشون في هذه الدنيا ويقيسون أمورهم بالجدوى الدنيوية، فإن المؤمن الصادق يقيس ذلك بالجدوى الأخروية.
وهذا هو سر البسالة التاريخية للمسلمين الذين ضربوا في المعارك أروع الأمثلة، لأنهم يدركون أن ثمة داراً أخرى، وقد بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم كنموذج مجموعة من أصحابه للدعوة إلى الله تعالى فدخل أحدهم على p=1000341عامر بن الطفيل
، ودعاه إلى الله تعالى وأمره بالمعروف، ونهاه عن المنكر، وأمره بالإيمان بالله ورسله، وكان p=1000341عامر بن الطفيل طاغية مستكبراً، فأشار إلى رجل من ورائه فطعنه بالخنجر في بطنه، ثم جر السكين إلى سرته بل أسفل من ذلك، وظنوا أنهم بذلك صنعوا له شيئاً عظيماً، فاستقبل هذا الصحابي الجليل الدم النازف منه بغزارة بيديه، ثم صبه على رأسه ووجهه وصدره، وهو يقول: [الله أكبر! فزتُ ورب الكعبة] واسم هذا الصحابي: هو حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه، فاز بماذا؟ وقد ترك أزواجه، وترك أولاده، وترك أمواله، وترك الدنيا وراء ظهره؛ لقد فاز برضوان الله تعالى فاز بالشهادة، وقالها صادقاً؛ لأن موقف الموت ليس فيه إلا الصدق الخالص، قالها بصدق، بحرارة الإيمان، وبفرحة لقاء الله عز وجل [[ فزتُ ورب الكعبة]].إن الناس يقيسون أمورهم بالدنيا، أما المؤمن فإنه يقيس ذلك بالجدوى الأخروية، وهو لا يمكن أن يعيش في الدنيا وأن يغفل عن الدار الآخرة، قال تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] نِعْمَ ذكرى الدار الآخرة، وأن تكون لهم في حساب ومن قلوبهم ونظرهم على بال.
فهو يقول:
سأثأر لكن لرب ودين وأمضي على سنتي في يقين |
فإما إلى النصر فوق الأنام وإما إلى الله في الخالدين |
وإنا لَقَوْمٌ لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر |
وعلى سبيل الإجمال فإن الأمم الكافرة تستوحي نتائج المعارك من خلال الأرقام، والإحصائيات والدراسات النظرية، فإذا وجدت أنَّ عندها من الجنود مثلاً أربعمائة ألف جندي، وأنَّ عندها من الأسلحة والطائرات وألوان القوى الأعداد المحددة، فإنها توقن حينئذٍ أنها سوف تنتصر على ذلك الجيش، الذي هو أقل عدداً وعدة، وتستبعد الجانب العقدي، وتستبعد الجانب الأخلاقي، وتستبعد جانب القوة الإنسانية المتمثلة في الإيمان، وفي الشجاعة، وفي وضوح الهدف، وغير ذلك مما يؤثر في مسار المعركة تأثيراً بليغاً.
فمثلاً: الدعاء من الأسباب، والاستنصار بالله تعالى من الأسباب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر، لقد كان في العريش يرفع يديه إلى السماء، ويقول: {اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم حتى سقط رداؤه عن منكبيه صلى الله عليه وسلم، فجاء
إذا جلجلت الله أكبر في الوغى تخاذلت الأصوات عن ذلك النِّدا |
هناك التقى الجمعان، جمع يقوده غرور أبي جهل كهِرٍ تأسَّدا |
وجمع عليه من هداه مهابة وحاديه بالآيـات والصبر قد حدا |
وشمَّر خير الخلق عن ساعد الفدا وهز على رأس الطغاة المهنَّدا |
وجبريل في الأفقِ القريبِ مكبرٌ ليلقي الوَنَىَ والرعب في أنفس العدا |
وسرعان ما فرت قريش بجمعها وعافت أبا جهل هناك موسدا |
ينوء بها ثقل الغرام وهمُّه وتجرحها أسراً تريد لها الفدا |
وأنف أبي جهل تمرغ في الثرى وداسته أقدام الحفاة بما اعتدى |
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده وضاعت مساعيه وأتعابه سدى |
وكيف يقوم الظلم في وجه شرعةٍ تسامت على كل الشرائع مقصدا |
سماوية الأغراض ساوت بنهجها جميع بني الدنيا مسوداً وسيدا |
فما فضلت قوماً لتحقر غيرهم ولا جحدت حقاً ولا أنكرت يدا |
تريد الهدى للناس والناس دأبهم يعادون من يدعو إلى الخير والهدى |
فهذان الخصمان الذين التقوا في بدر، لم يكونوا قبائل شتى، ولا أمماً متباعدة، بل كان القرشي يقاتل القرشي، والعربي يقاتل العربي، ولكن الذي فرق بينهم هو الدين والعقيدة.
فالملائكة -مثلاً- هم مع المؤمنين يقاتلون، قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12] والناس، والرياح، والزلازل، والخسوف، والأمطار، وشدة البرد، والجليد، والأوبئة، والأمراض الفتاكة كلها من جنود الله تعالى، بل من جنود الله تعالى تفريق كلمة الأعداء، وزرع الخيانة في صفوهم، وإبطال مفعول أسلحتهم، وقنابلهم، وزرع الرعب والزلزلة في قلوبهم،كما قال جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي صلى الله عليه وسلم في معركة الأحزاب: {أوقد وضعت السلاح؟ إنَّ الملائكةَ لم تضعْ أسلحتها بعد، اذهب إلى بني قريضة فإني ذاهب إليهم فمزلزل بهم}.
هذه الآليات الأمريكية الهائلة اليوم التي يملكها الدفاع الأمريكي، والتي كانت من أسباب تأخر وانهيار الاقتصاد في أمريكا، ومن أسباب المديونية الضخمة الذي تزيد على ثلاث ترليونات على ظهر الاقتصاد الأمريكي، هذه الأسلحة ربما كانت تصلح أيام التهديد الروسي وأيام الحرب الباردة، حيث كانت أمريكا تواجه تهديداً نووياً واضحاً فعالاً.
أما اليوم فربما كانت تلك الأسلحة لا تلائم ما يسمونه هم بالتهديد الإسلامي الذي هو عبارة عن دول إسلامية صغيرة، أو أجزاء من دول، أو جماعات، أو مجموعات فدائية أو شعوب متفرقة، وإن شئت فقل أيضاً: إن التهديد الإسلامي هو: عبارة عن كثافة بشرية هائلة تهدد بفكرها، وبعقيدتها وبسلوكها في غزو العالم الغربي من داخله، والهجوم عليه من خارجه.
أما إن صدقنا الله تعالى وفرغنا قلوبنا من كل إرادة تخالف إرادة الله تعالى فوالله الذي لا إله غيره، لينصرنا الله تعالى نصراً عزيزاً مؤزراً، وأقول كما قال الإمام/ ابن تيمية رحمه الله، حينما حلف للمسلمين أنهم منصورون على التتار، قالوا له: قل إن شاء الله، قال: (أقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وإلا فالنصر حاصل لا محالة).
إن نصوص القرآن صريحة وواضحة في أن المعركة بين الحق والباطل لن تزول، وأن الكفر لا يرضى عنا إلا بأحد أمرين:
1- إما أن نستسلم له ونتخلى عن ديننا.
2- وإما أن يقاتلنا.
فِتْيَةٌ خرجوا من قومهم، وأوَوا إلى الكهف! ما ذُكِرَ لنا: أنهم تلقوا علوماً كثيرة، ولا أنهم جلسوا زماناً طويلاً، وإنما ظاهر حالهم أنهم كانوا حديثي عهدٍ بالهداية، وقريبي عهد بالإيمان، فخرجوا من بيئات، بعضها بيئات الملوك وأبناء الملوك، ومع ذلك انظر ماذا كان تفكيرهم؟ وماذا كان حديثهم؟ وما هي نظرتهم؟ يقول الله عز وجل على لسانهم: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:20] إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [الكهف:20] أي: يغلبوكم، وينتصروا عليكم، فليس أمامهم إلا أحد حلَّين:
الحل الأول: يَرْجُمُوكُمْ [الكهف:20] وهذا تعبير عن القتل، سواء كان القتل بالرجم أم بالسيف أم بالبندقية أم بالرصاصة أم بغيره، أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:20] وإذا أنتم عدتم إلى ملتهم خسرتم خسراناً مبيناً.
والحل الثاني: هو القتل، وربما لا يصبر الإنسان على القتل، إن هذه هي الحقيقة الناصعة الظاهرة، التي يجب أن يؤمن بها كل مسلم.
والله لقد اندهشتُ -أيها الإخوة- وأنا أقرأ هذه الآية، وكأنني أقرؤها لأول مرة، وبين يدي تصريح لـريتشارد نيكسون -الرئيس الأمريكي الأسبق- يقول فيه: ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلا أحد حلين: الأول: هو تقتيل المسلمين. والثاني: هو التذويب.
وبغض النظر عن كونه اختار الحل الثاني، ورجحه، إلا أنهما على كُلِّ حالٍ أمران، أحلاهُما مُرٌّ.
فأي قيمة لمسلم قد ذُوِّبَ في المجتمعات الكافرة، وفقد معنى دينه وإيمانه.
إن بقاء المسلم على دينه، هو الصبر وهو النصر، حتى لو أوذِيَ، ولو سُجِنَ، ولو حُورب، ولو عُذب، ولو استُضعِف، ولو صودر ماله، ولو صُودرت كلمتُه، ولو فُعل به ما فُعل.
وإنَّ الهزيمة الحقيقية ليست أن يقتل المؤمن صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، بل الهزيمة الحقيقية: هي أن يتراجع المسلم عن دينه، كما قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [البقرة:217].
بل إنني أقول لكم: إن العالم اليوم يعيش تضليلاً واسع النطاق في المجال الإعلامي، وكأنه يراد للمسلمين أن يظلوا في غيبوبة عما يجري، حتى يفاجئوا بعدوهم وقد أحكم الحصار عليهم وكبلهم بالقيود والأغلال التي لا مخلص لهم منها.
ويبدو لي والله تعالى أعلم أن الغرب اليوم يتهيأ للمواجهة مع الإسلام بأسرع مما نتصور، أو أقول على أقل تقدير: يبدو أن الغرب يتخذ الاحتياطات الكافية لضمان محاصرة الاتجاهات الإصلاحية في أوساط المسلمين التي يسميها الأصولية بشكل واضح.
إنَّ الصومال التي منيت سابقاً بألوان من المآسي والكوارث على المستوى البشري والإنساني، فإذا بنا نسمع خلال الأيام الماضية أن أمريكا اتخذت قراراً بإرسال ألف وثمانمائة مما يسمونهم بقوات (المارينـز) وهي قوات التدخل السريع المدربة، وبالذات من الفرقة اثنين وثمانين التي كانت هي أول فرقة جاءت أثناء حرب الخليج الثانية، وأن هذا العدد ألف وثمانمائة إنما جاءوا ليهيئوا الفرصة لنـزول ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف مسلح أمريكي في أرض الصومال.
وسرعان ما وجدت الأمم المتحدة نفسها منساقة لتأييد القرار الأمريكي والركض وراءه، فقامت أكثر من اثنا عشر دولة في العالم بتأييد هذا القرار، ومن ضمن ذلك بعض الدول العربية التي أعلنت عن إمكانية المساعدة ببعض الجنود.
أربعون ألف جندياً أمريكياً وغربياً جاءوا إلى الصومال، والفِرَق التي جاءت، جاءت محمولة بحراً في أربع سفن، وبقية الفرق قد تأتي جواً، هذا أمر أعجب من سرعة اتخاذ القرار، سرعة تنفيذه، وأعجب من سرعة التنفيذ، أن الدوائر الغربية الأمريكية رفضت التصريح بالجهة التي سوف تذهب إليها تلك القوات أول الأمر، وقالت: إنها ذاهبة إلى منطقة العمليات في الشرق الأوسط.
وهذا الصمت لم يكن عن غفلة، ولم يكن عن عجز، ولكنه كان صمتاً مدروساً مقصوداً حتى تكون الصومال أرضاً خصبة لتحقيق ما يراد، والذي يراد كثير، يراد تنصير الصومال وهناك عشرات بل مئات المنظمات النصرانية تشتغل هناك، تشتغل بنقل أطفال المسلمين إلى بلاد أوروبا لتربيتهم على دين النصرانية هناك.
نعم، وهناك أيضاً النصارى الذين ينصرون المسلمين في الصومال نفسها، بل حتى الإغاثة الإسلامية يعملون على تضييق الحصار عليها، وعلى منعها ويحرصون على أن تتم من خلال وكالة غوث اللاجئين، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، ويعمل فيها في الصومال نفسها مجموعات من النصارى بل من الإنجيليين المتعصبين، الذين يقدمون للمسلمين المساعدات المشروطة بقبول النصرانية.
إذاً لقد تأخرت الأمم المتحدة كثيراً عن المساعدة للصومال، وعن التدخل، وحينما تحدث أحد الأشخاص المُهِمِّين وهو الذي كان مندوباً للأمم المتحدة في الصومال: محمد سحنون حينما: تحدث عن ذلك، وانتقد أعمال هيئة الأمم المتحدة فَرَضُوا عليه الاستقالة! لأنهم يعتبرون أنه قام بفضيحة لهم، وكشف بعض الأوراق التي كان يجب أن تظل طي الكتمان، وألا تتحدث عنها الصحف، ولكن أبى الله تعالى إلا أن يكشف بعض زيفهم.
ولم تكن الحوادث التي تعرَّض لها رجال الإغاثة في الصومال لم تكن كبيرة، ولا تعد شيئاً بالقياس إلى الحوادث التي تعرضوا لها في البوسنة والهرسك، أو في بعض المناطق الأخرى التي يكون فيها حاجة إلى الإغاثة، كانت حوادث عادية، وكان القتلى أفراداً معدودين، ولم يكن هناك كبير مشكلة في هذا الشأن.
وإنني أقول: من المستحيل أن يتدخل العالم الغربي في البوسنة والهرسك إلا في حالة واحدة، لوحظ أن هناك انتصارات للمسلمين، وأن القوة الإسلامية بدأت تتقدم، فحينئذٍ سوف يقوم بعملية تمثيلية مسرحية يعدها، ويتدخل بحجة الحيلولة بين الأطراف المتنازعة، للحيلولة دون انتشار الإسلام، ودون وجود إسلامي قوي هناك.
بل إن العالم الغربي كله، والأمم المتحدة أيضاً وهي الحكومة العالمية الظاهرة اليوم، لا يزالون يعترضون على مجرد السماح للمسلمين بشراء السلاح للدفاع عن أنفسهم، فهم يقولون: هناك حصار على كل الأطراف، والواقع أن صربيا لها حدود واسعة مشتركة مع عدد من الدول، ولها بحر، وهي تلقى معونات كثيرة، وليس هناك حصار عليها، لا من الناحية البرية، ولا من الناحية البحرية، بل بعض الدول الإسلامية تساعدها؛ فـإيران زوَّدتها بالبترول، ومصر بعثت إليها بشحنات بترول أيضاً! وهذه من المضحكات المبكيات، فضلاً عن الدول المجاورة الغربية كلها، فضلاً عن الشركات الأمريكية والبريطانية والفرنسية فكل هؤلاء لم يفعلوا، ولم يمتثلوا للحصار المفروض على صربيا، أما المسلمون فإن بلادهم وحدودهم محصورة، فـصربيا تحيط بهم، والكروات يحيطون بهم، فالمنطقة الوحيدة التي يمكن أن يأتيهم منها السلاح هي كرواتيا، أو من خلال إذن عالمي دولي بتصدير السلاح.
ولذلك يفرض على المسلمين حصار حقيقي صارم، أما عدُوُّهم فمع أنه يملك قوة كبيرة إلا أنه ليس عليه أي لون من ألوان الحصار، وكذلك الطائرات فقد فرضوا على صربيا ألا تُحَلِّقَ طائراتُها، والواقع أن صربيا تنتهك هذا الأمر يومياً عشرات المرات، ولا يملك العالم إلا أن يسكت عن هذه الأخبار، أو أن يدينها بالكلام فقط.
إذاً لماذا لا يحافظ العالم الغربي، ولا تحافظ الأمم المتحدة على هيبتها في البوسنة والهرسك؟ ولماذا دموع التماسيح التي تراق في الصومال لماذا لا تراق في أرض البوسنة والهرسك؟ لماذا تدخلوا هنا على الرغم أنه لم يطلبهم أحد، ولم يتدخلوا هناك مع أن الأصوات صمَّت آذانهم تطالبهم بالتدخل، وطالبت البوسنة والهرسك، وطالب العالم الإسلامي بأجمعه، وطالبت كثير من المنظمات الغربية، وطالب الإعلام الغربي، ومع ذلك لا يزالون يصمُّون آذانهم عن هذه النداءات وهذه الصيحات.
أين حقوق الإنسان من هذه الصور التي يعرضونها للأطفال المشردين، وللنساء، وللعجائز، وللكبار، وللقتلى؟! أين حقوق الإنسان؟!
بل إنني قرأت خبراً غريباً، يقول: (مجموعة من منظمات الإغاثة الغربية تستعد للمغادرة من الصومال...) والواقع يقول: إنها تغادر لأنها حققت بعض مطالبها، أو تغادر لأن الأوضاع تحسنت، ولكن الخبر يقول: (... إنها تغادر لأن الأوضاع الأمنية القلقة لا تسمح لها لأن تقوم بأعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية).
فانظر لتدرك أن الإعلام العالمي محبوك، وأن الأخبار تصاغ بطريقة ذكية، وأن المسلم من حقه اليوم أن ينـزع الثقة من وسائل الإعلام، وألا يعتبرها مصدراً قط، وأن على المسلمين أن يستقلوا بالمصادر الإعلامية الموثوقة التي تعتمد على رواية، وعلى أخبار موثوقة معتمدة من قبل أشخاص مسلمين، تعنيهم قضية الإسلام قبل أن يعنيهم الخبر الإعلامي.
فأنا أقول لكم اليوم: إن أوضاع الصومال في تحسن كبير، بفضل الله تعالى ورحمته، ثم بفضل جهود كثير من المسلمين، ولا أنكر أيضاً أن القوى الغربية لها دور في ذلك بنيات معروفة مبيتة، المهم أن الأوضاع تحسنت كثيراً، وهذا التحسن لم يعلن عنه، لأنه يراد ألا يعلن عنه، إلا بعدما تتدخل القوات الغربية ليكون من بعض إنتاجها، وليكون مسوغاً، وليكون عنصر تضليل لكثير من المسلمين الذين لا يعرفون الحقائق.
إذاً هناك عملية نـزع سلاح المسلمين في الصومال، وفرض الوصاية أو الحماية الدولية على المسلمين هناك، والذين جاءوا لنـزع السلاح من المسلمين، يجب أن تعلموا أنهم كانوا بالأمس يغذون جميع الفرقاء، فإن المتحاربين الرئيسيين في الصومال كليهما من العلمانيين، وهم مدعومون من إيطاليا، ومن الدول والقوى الغربية، بل لقد سقطت طائرة إغاثة في الصومال فوجد المسلمون فيها أسلحة تسرب إلى المتقاتلين! ومع ذلك جاءوا اليوم ليقولوا لنا: أتينا للننـزع السلاح ونفرض الأمن على هذه الدولة المسلمة!
إذاً الهدف الأول: هو الحيلولة دون وجود دولة إسلامية في الصومال، وفرض الوصاية الغربية، وإنني أقول لكم أيها الإخوة بملء فمي، ودون مدارات ولا مغاربة: لقد عادت عصور الاحتلال والاستعمار من جديد، وقد شهد من قبلنا، وشهد بعض كبار السن فينا، عصوراً كان الاستعمار فيها يرحل من بلاد المسلمين، ليجعل نوابه وعملاءه يقومون بالمهمة، أما اليوم فنحن والجيل الذي يعيش، نشهد ميلاد الاستعمار المباشر من جديد، ولم يعد الغرب يكتفي بوجود من يمثلونه في بلاد الإسلام، ولا يكتفي بوجود الوصاية غير المباشرة، بل إن الغرب أصبح يتدخل مباشرةً في البلاد الإسلامية، وقد قرأتُ بنفسي في الجرائد، ومنها جريدة الحياة كلاماً يتعلق عن فرض الوصاية الأمريكية على الصومال.
وكان ذلك البيان والله أعلم إشارة إلى أن هناك ما وراءه، وأن هذه الدول الغربية قد لا يُستبعد أن تفكر بعملية إنـزال أو احتلال في الجنوب السوداني، لحماية حقوق الإنسان، أو على أقل تقدير أن تقوم وهذا شبه مؤكد بدعم جون قَرَنْق والمتطرفين معه، فهذا هو أحد أهداف الحملة الصليبية على أرض الصومال، فـالسودان هدف آخر أيضاً ولا شك لحماية النصارى في الجنوب، وللقضاء على الحكومة الأصولية القائمة هناك.
ومثله أيضاً ما يجري في اليمن، فإن الأوضاع في اليمن متفاقمة، والخشية الغربية من وجود إسلامي قوي في اليمن هي خشية كبيرة وهي في محلها، فإن تنامي الصحوة هناك، وعدم وجود أمن مستقر واختلال الأوضاع الحكومية يهدد الغرب بوجود حكومة إسلامية هناك، والغرب لا يريد يفاجأ بمثل هذه الأمور دون أن يحسب لها حساباً.
فلذلك جعل إلى جنوب الجزيرة العربية قواعد إسرائيلية معروفة، وجعل منطقة العمليات الغربية، إضافة إلى وجود بعض الدول الإفريقية، التي نجح الغرب في فرض النصرانية عليها، على مستوى الحكومات، وعلى مستوى الشعوب.
ومن الطريف: أننا نجد أن هناك منظمات ومؤسسات، كجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها لم يكن لها في هذا الأمر شيء، لا قليل ولا كثير، وليست منه في قبيل ولا دبير، بل إنني قرأت أن مسؤولة الخارجية البريطانية أبدت تخوفها من قرارات مؤتمر الخارجية الإسلامي الأخير الذي عقد في جدة فإلى الله المشتكى.
ولا يجوز أن نغتر وننخدع بما ينشر في الصحف من تحليل مثل هذه القرارات الأمريكية والغربية، التي قد يقولون فيها بأن هذه القرارات من أجل الحماية والإغاثة، وأنه قرار إنساني، وما أشبه ذلك، إن هذه الصحف كلها أعني الصحف العربية أجمعها سواءً صدرت في بلاد العرب، أو في بلاد الغرب، صحفٌ موجهة، تُمْلَى عليها الفكرة التي يجب أن تقال، وتعطى هذا الصحف حرية التعبير عن الفكرة المحددة وبالأسلوب التي تختاره، فالفكرة واحدة أما الأسلوب فهو مختلف.
إن ثمة أحداث كثيرة في جمهوريات أسيا الوسطى، وفي ألمانيا، وفرنسا، وأسبانيا بل وفي منطقة الشرق الأوسط كلها، بل وفي أمريكا ذاتها تؤكد أن العالم الغربي أصبح يعيش قلقاً من المد الإسلامي المتنامي، وأصبح يسابق الأحداث لحصار هذا المد، والحيلولة دون انتشاره، فماذا نحن فاعلون؟
فحرب المسلمين في بلد هي: حرب على المسلمين في كل بلد، ويجب أن نتجاوز حدود الأرض والمكان، ونناصر قضايا المسلمين حيث كانت، تحقيقاً لمعنى الإخوة الإيمانية، قال الله تعالى وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن استنصرك فانصره}.
كما لا يجوز أن تكون الحرب مثلاً مع رجال الإسلام، أو دعاة الإسلام، أو علماء الإسلام، أو الجماعات الإسلامية والشعوب تقف متفرجة لا تنفع ولا تدفع، بل يجب أن نعيد جسور الثقة ونقويها بين الشعوب، وبين حَمَلَة رسالة الإسلام، علماء كانوا أو دعاة، وإن على كل داعية، وطالب علم، وشيخ، أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر مع المسلمين جميعاً، وكل من أخذ بيده إلى معروف يفعل، أو منكر ينهى عنه أن يسارع إلى ذلك.
كما إنه يجب على دعاة الإسلام أن ينغمسوا في الشعوب، وأن يساعدوها بكل شيء، وأن يبذلوا لها من أوقاتهم، وعقولهم، وإمكانياتهم، ومشورتهم، وجهدهم، وعَرَقِهم ما يزيد من قناعة الشعوب؛ بأنها لا يمكن أن تنفصل عن هؤلاء الدعاة، وأنهم هم الممثلون الحقيقيون لها، وهم المدافعون الحقيقيون عن قضاياها، ويجب أن نحشد كل الإمكانيات في هذا السبيل، وألا نعوِّد أنفسنا حسن التخلص من الناس، بل نعود أنفسنا حسن المساعدة للناس بقدر ما نستطيع، ونتصدق من دينارنا، ودرهمنا، ومن صاع بُرِّنا، وصاع تمرنا، حتى ولو بشِقِّ تمرة، نتصدق بجاهنا، وبجسمنا، وبعقولنا، وبإمكانياتنا، وبرأينا وبما نستطيع به إيصال الخير للمسلمين سواء أكان خيراً أخروياً يتمثل في النصيحة للدين، أم خيراً دنيوياً يتمثل في إعانة المحتاج، ومساعدة الفقير، وإغاثة الملهوف، وبذل ما يمكن من الجاه والمال لكل المسلمين حيث كانوا.
إنَّ أعداء الإسلام يعملون قدر المستطاع على أن تكون الحرب موجهة نحو فئة، أو نحو أشخاص معينين، وأن يعملوا على تحييد المسلمين، وإبعادهم عن ميدان المعركة، لأنهم قد يملكون القضاء على شخص، أو على فئة، أو جماعة، أو راية، ولكنهم لا يملكون القضاء على الأمة الإسلامية بجملتها، لأن الأمة الإسلامية قد وقيت وحميت بإذن الله تعالى من عذاب الاستئصال، فهي باقية إلى قيام الساعة بإذن الله، كما وعد الله وكما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأمة باقية إلى قيام الساعة، فلن تزول إذاً، ومتى ما استطاع دعاة الإسلام أن ينغمسوا في هذه الأمة، وأن يكونوا هم وهي في خندق واحد، فالمستقبل واحد، والمصير واحد، والتحدي واحد، فإنه حينئذٍ سوف يسقط في أيدي الأعداء ولن يستطيعوا أن يصنعوا شيئاً.
ونحن نعلم أنَّ قَدَرَ الله تعالى غالبٌ، وأنَّ هذه الأمة منصورة، وأن أعداء الإسلام تقاس أعمارهم بالسنوات، أو بعشرات السنين، أما أعمار هذه الأمة فهي تقاس بالقرون والأحقاب وبمئات السنين، بل بآلاف السنين، ونحن نملك وعداً ربانياً بمعارك منتصرة منجزة للمسلمين مع عدوهم، فلا يجوز أن نيأس أو نهون، قال الله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139].
لقد رأينا أن دولة كـفيتنام تدخل فيها الأمريكان، مع أن المقاتلين كانوا من الكفار والشيوعيين، فقاتلوهم وحاربوهم وأعطوهم درساً لن ينسونه، وقد أصبحت قضية فيتنام في التاريخ الأمريكي، أصبحت شبحاً يهددهم ويخوفهم ويرعبهم، وقامت المظاهرات الطويلة العريضة في أنحاء أمريكا في شرقها وغربها تطالب بالخروج من ذلك التورط الذي لم يحسبوا له حساباً.
فهل نعتقد أن أهل الإسلام، وأهل التوحيد، والتضحية، والبسالة، والذين يفرحون بالموت في سبيل الله، والذين يطلبون الشهادة، هل نعتقد أنهم أقل شأناً، أو قدراً، أو عدداً، أو عدةً، أو تضحيةً، أو إيماناً بالهدف، وأنهم أقل من أولئك الكفار الشيوعيين الذين لقَّنوا الأمريكان درساً لم ينسوه ولن ينسوه أبداً.
إنه يجب أن يجتمع المسلمون المخلصون، وأن تتوحد صفوفهم، في مقاومة الكفر وأهله، فإلى متى نستمر، ونحن نمضغ خلافاتنا، ونترامى ونتراشق بالسباب، ونتبادل الاتهامات، أفي كل يوم لا تعقلون! أوَ يصح أن نسكت عن عدونا، وهو يتدخل مباشرة بقوته، وبسلاحه، وبجنوده، وبجمعياته، وينصِّر المسلمين، ومن رفض التنصير يتدخل عسكرياً لمقاتلته، ونـزع سلاحه وفرض حكومة بوصاية أجنبية! أوَ يصح أن نسكت عن هذا العدو المعلن بحجة أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً، ثم ننشغل فيما بيننا بإخواننا، فننشغل بالشتم والاتهام والسب!
إخواننا في العقيدة وفي الدين وفي المنهج، ألا نخاف الله عز وجل؟ ألم يقل الله تبارك وتعالى للمؤمنين الصادقين: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] متى تدرك هذه الأمة حجم التحدي الذي تواجهه؟ متى نعرف ونعقل كما عرف وعَقِلَ لقيط بن حارثة وكان رجلاً جاهلياً رأى الحرب التي توجه إلى قومه، فقال تلك القصيدة التي سار بها الركبان يحذرهم، ويحثهم على الاستعداد لعدوهم:
يا دار عمرة من محتلها الجرعا هاجت لك الهم والأحزان والجزعا |
بل أيها الراكب المسري على عجلٍ نحو الجزيرة مرتاداً ومنتجعا |
أبلغ إياداً وخلل في سراتِهمُ إني أرى الأمر إن لم أُعصَ قد نصعا |
يا لهف نفسي إن كانت أموركم شتى وأُحكِم أمرُ الناس واجتمعا |
ألا تخافون قوماً لا أبا لكُمُ مشوا إليكم كأمثال الدبا شرعا |
لو أن جمعهم راموا بهدته شُمَّ الشماريخ من ثهلان لانصدعا |
في كل يوم يسنُّون الحراب لكُم لا يهجعون إذا ما غافل هجعا |
لا حرف يشغلهم بل لا يرون لهم من دون قتلكم رياً ولا شِبعا |
وأنتم تحرثون الأرض من سفهٍ في كل ناحية تبغون مزدرعا |
وتلقحون حيال الشول آونةً وتنتجون بدار القلعة الربعا |
وتلبسون ثياب الأمن ضاحية لا تجمعون وهذا الليث قد جمعا |
ما لي أراكم نياماً في بَلهنيةٍ وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا |
وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم يغشاكم قطعا |
صونوا خيولكُمُ واجلوا سيوفكمُ وحدِّدوا للقسيِّ النُّبل والشرعا |
واشروا بلادكم في حرز أنفسكم وحرز نسوتكم لا تهلكوا هلعا |
أذكوا العيون وراء السرح واحترسوا حتى ترى الخيل من تعدادها رجعا |
لا تثمروا المال للأعداء إنهمُ إن يظهروا يحتووكم والتلاد معا |
هيهات ما زالت الأموال مذ أبَدٍ لأهلها إذ أصيبوا مرةً تبعا |
قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم ثم افزعوا قد ينال الأمر من فزعا |
وقلدوا أمركم لله دركُمُ رحب الذراع بأمر الحرب مطلعا |
لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده ولا إذا عضَّ مكروهٌ به خشعا |
مسهَّدُ النوم تعنيه أموركم يروم منها إلى الأعداء مُطَّلعا |
ما انفك يحلب هذا الدهر أشطره يكون مُتَّبِعاً يوماً ومُتَّبَعا |
لا يطعم النوم إلا ريث يحجزه همٌ تكاد حشاه تحطم الضلعا |
حتى استمرت على شزر مريرته مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعا |
عبل الذراع أبياً ذا مزابنةٍ في الحرب يحتبل الريبال والسبعا |
لقد محضت لكم ودي بلا ذخرٍ فاستيقظوا إن خير العلم ما نفعا |
إنني ادعوا كل مسلم وكل غيور إلى أن يعيد قراءة هذه الأبيات مرة أخرى، بؤساً لأمة زانها الله تعالى بالإسلام، وصانها بالتقوى، ومع ذلك وجد هذا الرجل الجاهلي من حسن المشورة، وقوة الرأي، وبعد النظر، وسداد الأمر ما غاب على كثيرين ممن قد يكونون في موقع الرأي أحياناً، وفي موقع المشورة، وفي موقع العلم، وفي موقع المسئولية، والله تعالى وحده المستعان.
فأقول: نعم الإعداد فرض عين، ولكن ماذا يعني الإعداد؟
إن الكثيرين اليوم يظنون أن معنى الإعداد هو فقط تدريب الناس على حمل السلاح، ووجود الأسلحة في أيدي المسلمين، وهذا لا شك أنه أحد صور الإعداد، ولكن هناك وراء ذلك ألوان وألوان.
هناك الإعداد العقائدي الإيماني الذي يكون به النصر، بتقوية قلوب المؤمنين، وتصحيح عقائدهم، وتربيتهم، وإحياء معاني التقوى في نفوسهم، وتربيتهم على الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والاستعداد للقاء الله عز وجل، فإنَّ هذا الإعداد العقائدي الإيماني لا بد منه.
هناك الإعداد العلمي الشرعي لتربية المؤمن الذي يعرف دينه، ويعرف الحلال والحرام، ويعرف متى يقاتل، ومتى لا يقاتل، ومتى يحارب، ومتى يسالم، ومن يتبع، ويفقه دين الله عز وجل عن علم وبصيرة، ولا يكون قتاله لمجرد الحماس، أو مجرد الاندفاع، أو مجرد الغيرة الغامضة، بل يكون قتاله عن علم ويقظة وبصيرة، فلا يستغله خصم ولا يوظفه عدو، بل يعرف عدوه من صديقه.
هناك الإعداد السلوكي والتربوي بحسن العبادة لله عز وجل وحسن الخلق، والسلامة من أمراض القلوب وآفاتها، هناك الخبرات والكفاءات المتنوعة في المعركة الكبرى التي يحتاجها المسلمون.
والإعلام يؤثر اليوم في عقول المسلمين، فيوصل إليهم أفكار الغرب، ونظرة الغرب، ويحقق أهداف الأمم الكافرة في بلاد الإسلام، وبناءً عليه أقول أين الإعلاميون المسلمون؟ وأين المؤسسات الإعلامية الإسلامية؟
مثال آخر: الاقتصاد: إن الاقتصاد شأنه عظيم وكبير، وأي أمة اقتصادها بيد عدوها فهي أمة مهزومة، ولا يمكن أبداً أن نتصور أن القتال في أوساط البلاد الإسلامية يقوم على التسول، وعلى الطلب من أفراد المسلمين من قرش وريال، إن الحرب بين المسلمين وبين عدوهم الكافر، يجب أن تقوم على: اقتصاد مدروس، ومؤسسات ناجحة، وعلى قوة إسلامية اقتصادية تدعم كل مشروع إسلامي، سواء كان مشروعاً عسكرياً قتالياً، أم كان مشروعاً دعوياً، أو كان مشروعاً إنسانياً إغاثياً، أو كان غير ذلك.
الأول: الصدق مع الله تعالى بقلوبنا وإخلاصنا.
الثاني: أن نبذل المستطاع في الإعداد، قال الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7].
وقد ظهروا على المسلمين بقوتهم، واقتصادهم وسلاحهم، فهم الآن يخيرون المسلمين بين أمرين:
إما أن يكفروا، ويتنصروا، ويتخلوا عن دينهم، وإما القتال، ونحن نعلم أن المسلمين لن يرضوا بالدنية في دينهم، وإن ارتد منهم من ارتد فسوف يأتي الله تعالى بخير منهم كما وعد، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].
فانظر كيف أشار إلى الجهاد هنا: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المائدة:54] وكذلك في شأن المال قال الله تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
وهذه الأشياء تستخدم في المعاكسات الهاتفية، وتستخدم في الخداع، والغريب أن خلاصة هذا التحقيق في عكاظ الأسبوعية أن الجميع يتنصلون من المسئولية، فالأجهزة هذه تباع في جدة وفي الرياض وفي كل مكان، والجمارك تقول ليس لدينا مسئولية، والتجارة، والجميع، والبائع والمشتري كذلك، وإنني أتعجب من أمرٍ، هناك قوانين وأنظمة صريحة في منعه، ومع ذلك يباع علانية ولا أحد يفكر بمصادرته، أو منعه أو ملاحقته!
الجواب: قد جاءت لي عشرات الأسئلة من هذا القبيل، وسألني مشافهة ما يزيد على خمسين من الإخوة، فضلاً عن بعض الإخوة الذين اتصلوا بي مهاتفةً، وأنا أتعجب! هي زيارة شخصية، ليس فيها شيء يذكر، ولا داعي أن يشتغل الإخوة بذلك، وينبغي أن يقبلوا على ما ينفعهم ويخدمهم، ولم يحصل فيها بحمد الله تعالى إلا الخير، ذهبنا ثلاثة أيام إلى الأحساء والمنطقة الشرقية، وألقينا بعض الكلمات في التجمعات: تجمعات الطلاب، وأساتذة الجامعات، وتجمعات المسلمين، وكلمات في المساجد، وصلينا مع المسلمين، والتقينا بالمشايخ، والقضاة، والدعاة، وطلاب العلم، وخطباء المساجد، ورجال الدعوة، وجمهور المسلمين.
وحصلت مناسبات كبيرة، وعبر لنا المسلمون هناك عن جميل مشاعرهم، وصار هناك فرصة للإجابة على بعض الأسئلة والحديث عن بعض الموضوعات، أما بعض الإشاعات وبعض الأمور التي ينقلها إليكم الآخرون فينبغي ألا تشغلكم ولا تلقون لها بالاً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك، وكتابك، وعبادك الصالحين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشْغِلْه بنفسه، اللهم أرنا في الظالمين عجائب قدرتك، اللهم أنـزل عليهم بأسَك الذي لا يُرَد عن القوم المجرمين، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً لهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم وما ملكوا غنيمة للمسلمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر