إسلام ويب

شرح الوصية الكبرى [3]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصوفيه أقسام ودرجات ذكرها أهل العلم والمقالات، فهناك صوفية الحقائق، وصوفية الرسم، وصوفية الأرزاق، أما من حيث الحقائق فهناك صوفية أهل الحديث، وصوفية المتكلمين، وصوفية المتفلسفة، ولكل أقوال وأحوال يختلف بها الحكم على كل منها بحسبها، فينبغي فقه هذه الأقوال والأحوال على حقيقتها لمن يريد الحكم على أي منها أو على أي أحد ينتسب إليها.
    ثمة تقاسيم لأهل العلم والمقالات -بل وللصوفية أنفسهم- لدرجات المتصوفة، ونقف باختصار مع بعض التقاسيم التي ذكرها الإمام ابن تيمية رحمه الله.

    فقد ذكر في كلامه جملاً من التقاسيم، ومن أخصها تقسيمان:

    التقسيم الأول: يقول فيه شيخ الإسلام : "الصوفية ثلاثة أقسام:

    صوفية الحقائق، وصوفية الرسم، وصوفية الأرزاق".

    صوفية الحقائق

    ومقصوده بصوفية الحقائق: من قصدوا إلى تحقيق معاني التصوف بطرقهم أو بالطرق التي يعتبرونها، فإن قيل: فما هي الطرق التي قصدوا إلى تحقيق معاني التصوف والسلوك والتعبد بها؟

    قيل في جوابه: هذا مما يختلفون فيه كثيراً، فإن منهم من هو في تصوفه على طريقة المتفلسفة، ومنهم من هو في تصوفه على أصول كلامية، ومنهم من هو في تصوفه على أصول مجملة من الكتاب والسنة وهدي السلف الأول، لكنه أخطأ في ذلك.

    فصوفية الحقائق درجات، ولكن مقصوده بذكرهم أنهم المشتغلون بنظم التصوف وتطبيقه وتفسيره، ويغلب على صوفية الحقائق أنهم يستعملون لتفسير هذا أسماء كثيرة، كالفناء والبقاء، والجمع والتفرقة، والكشف والوجد، والسكر والصحو، وما إلى ذلك.

    فإن قيل: فما تفسير هذه؟

    فأقول: لا ينبغي لمن أراد أن يكتب جواباً أو تعريفاً أو ما إلى ذلك أن يبني على مثل تعريفات الجرجاني لمثل هذه الأسماء؛ فإن هذه الأسماء أو هذه المراميز -كما يسميها الصوفية كـابن سينا من المتفلسفة أو كـأبي حامد الغزالي - هذه المراميز كل طبقة أو كل مدرسة من الصوفية تفسرها بدرجة تختلف عن غيرها.

    فمثلاً: إذا استعمل أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي كلمة (الجمع) فإنه لا يصلح أن تفسر بالتفسير الذي يفسره التلمساني ؛ فإنه لما صنف منازل السائرين -وهي رسالة له في التصوف- وذكر فيها الأحوال وما إلى ذلك، شرح هذه الرسالة العفيف التلمساني ، والعفيف التلمساني هو من متفلسفة الصوفية، بل يقول ابن تيمية : "ليس فيهم من هو أجلد منه في هذا الباب"، بل يجعل تمسكه بفلسفة الصوفية أكثر من تمسك ابن عربي بها، لكن ابن عربي كان أشهر عند العامة.

    فالمقصود: أن التلمساني لما فسر كلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي ، فسره تفسيراً غالياً مقارباً لطريقة متفلسفة الصوفية، لكن لما جاء من ليس صوفياً في المفهوم بالكلمة وهو ابن القيم رحمه الله، فشرح رسالة الهروي في كتابه مدارج السالكين، تباعد عن كثير من مقاصد الصوفية، ليس المتفلسفة بل حتى من دون المتفلسفة، بل حاول أن يقرب مقاصد الهروي بمراميزه وجمله وحروفه إلى المعنى المعروف عند أئمة السنة والجماعة المتقدمين.

    وهذا يدلك على أن تفسير كلام الصوفية ينبغي أن يكون بعلم وعدل، فلا ينقص عن قدره الذي كتبوا عليه حتى لا يخدع العامة بإنقاص، ولا يزاد في العدوان فيفسر الكلام تفسيراً غالياً من قائل لم يكن على هذه الدرجة.

    إذاً: هذه صوفية الحقائق، وهم المشتغلون بنظم التصوف وتفسيره، ثم هم درجات شتى.

    صوفية الرسم

    القسم الثاني: صوفية الرسم، ومقصود ابن تيمية بصوفية الرسم يبينه بقوله: "هم الذين اهتموا بشعار التصوف من حيث اللباس والآداب الوضعية"، وليس المقصود بالآداب الوضعية أنها خارجة عن أصول الإسلام مطلقاً، وإنما المقصود أنها آداب يختص المتصوف بها، ويختص كل صاحب درجة بشيء منها، فالمريد له آداب معينة أمام العارف، وهذه يسمونها بالآداب الوضعية لحركة الجلوس والحضور وما إلى ذلك.

    وفي الغالب أن هؤلاء ليسوا مرحلة تاريخية انتهت، بل ما زال هذا قائماً إلى الآن وبشكل كثيف، والإمام ابن تيمية لم يرد أن صوفية الرسم ليس عندهم من التصوف إلا اللباس والآداب الوضعية، لكن المقصود أنهم لم يدخلوا في عمق التصوف، بل يعنون بالذكر، ويعنون بالصلاة، ويعنون ببعض القربات، ويعنون ببعض الانتفاء عن بعض الملذات، وما إلى ذلك من الطرق التي يرسمها الصوفية، ولكن الغالب عليهم أنهم يعنون بالرسم وبالآداب الوضعية، أي: اللباس والآداب التي درج عليها المتصوفة.

    صوفية الأرزاق

    القسم الثالث: وهم من سماهم بصوفية الأرزاق، وهؤلاء أقل تأثراً بحقيقة التصوف ونظمه من القسم الثاني فضلاً عن القسم الأول.

    وهؤلاء تسموا بالتصوف وانخرطوا في بعض حضور مجالس التصوف كسباً للأوقات؛ فإنه من المعلوم أن الوقف في الشريعة أحد أوجه البر والإحسان، وله نظم معروف في الفقه، لكن لما كان بعض المسلمين والصالحين والقاصدين للخير من أهل المال يوقفون -وهذا جرى عليه عمل كثيرين في كثير من الأمصار- بعض الدور وبعض الأماكن وبعض الأرزاق على الصوفية، أو يقولون: على فقراء الصوفية، أو ما إلى ذلك، ولقلة ذات اليد في كثير من بلاد الإسلام؛ صار كثير من العامة يقصد إلى أن ينتسب ويدخل في هذا الاسم حتى يجرى عليه شيء من الوقف، فيكون داخلاً في الحكم شرعاً.

    وعليه: فصوفية الحقائق هم الخاصة وفي الغالب هم من المتصوفة أصحاب النظم والمعرفة، ثم كثير من العامة أكثر ما يكونون عليه هم من صوفية الرسم وإن أصابوا شيئاً من تصوف الحقائق، وكثير من العامة أيضاً هم من صوفية الأرزاق وإن أصابوا شيئاً من تصوف الرسم وتصوف الحقائق.

    فليس مقصود الإمام ابن تيمية وليس المقصود من القول أيضاً هنا أن نقول: إن صوفية الرسم عندهم براءة مطلقة من تصوف الحقائق، ولا أن صوفية الأرزاق كذلك، إنما المقصود أن يفقه طالب العلم أنه قد ينتسب إلى التصوف من يكون الغالب عليه شعار التصوف لسبب عاشه في بيئته أو إلف عاشه في مجتمعه، فيكون عنده بعض الغلط، وبعض السقط، وربما انتسب لاسم من الأسماء التي عندهم بدع مغلظة، لكنه ليس عليها ولا يعملها ولا يفقهها ولا يصل إلى درجتها، فمثل هؤلاء يقربون إلى السنة والجماعة؛ لأنهم في جملة أحوالهم على السنة وإن انتسبوا إلى من انتسبوا إليه وهم يجهلون كثيراً من حاله، أو يظنون في حاله كثيراً من الخير.

    إذاً: في تقييم التصوف يراعى هذا التقسيم، وهو من أهم التقاسيم التي ينبغي أن تطبق اليوم، إلا أنه ليس كل من حمل هذا الاسم يلزم أن يكون ضالاً مضلاً خارجاً عن السنة إلى البدع المغلظة في الإسلام، بل قد يكون عنده وجه من الضلال أو وجه من الخطأ أو وجه من الابتداع، لكن لا يلزم أنه قد استحكم في البدعة، وقد أشرت إلى أن جمهور العامة من المسلمين برآء من الاستحكام في البدعة، والإقامة عليها، بل إذا دعوا إلى أصول الهدى والحق فإنهم مقاربون لها، وليس عندهم تمسك مطلق بما يخالفون ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518473

    عدد مرات الحفظ

    777079964