إسلام ويب

شرح حديث الافتراق [4]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مذهب السلف إنما يعلم بالنقل وليس بالفهم، وأخذه عن طريق الفهم قد عمل به بعض أصحاب السنة من المتأخرين. وأهل السنة والجماعة هم أحق من انتسب إلى مذهب السلف، وذلك أن معتقدهم الأخذ بالكتاب والسنة والإجماع، فمن فارق واحداً من هذه الثلاث فقد خرج عن السنة، ومن التزم بها فهو من أهل السنة والجماعة.
    [فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة] .

    شعار الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة: الأخذ بالكتاب والسنة والإجماع، فمن فارق الكتاب والسنة والإجماع فهو خارج عن السنة، ومن التزم هذه الأصول الثلاثة فهو من أهل السنة والجماعة.

    حكم زيادة لفظة: (على فهم السلف الصالح)

    هنا طريقة يقررها البعض أحياناً وهي أنه لابد أن يقال: الكتاب والسنة والإجماع على فهم السلف الصالح، فيذكرون هذا القيد وهو: على فهم السلف الصالح.

    وهذا القيد هو قيدٌ بياني على الصحيح، وليس قيداً لازماً، بمعنى أنه قيد فاضل صحيح إذا اقتضت الحاجة إلى ذكره ذكر، وهو من جنس كلمة سهل بن عبد الله في الإيمان، حيث قال: "الإيمان قولٌ وعملٌ ونية واتباع" . فقوله: "واتباع" أي: للسنة، ليس خطأ، لكنه ليس قيداً لازماً؛ لأننا لو قلنا: الإيمان قولٌ وعمل ونية كان كافياً، ولا يلزم أن نقول: "واتباع"؛ لأننا نقصد بلفظة "قول" القول الشرعي، وبلفظة "وعمل": العمل الشرعي.. وهكذا، فهذا من القيود البيانية.

    لكن هل الأفضل ذكره أو عدم ذكره؟

    يقال: هذا بحسب الاقتضاء، فإذا شاع عند كثيرين دعوى الاتباع للكتاب والسنة على خلاف منهج السلف وفهمهم كان استدعاء ذكره استدعاءً مشروعاً ومقصوداً... إلخ.

    وهذا هو المقصود، فإنه لا يقصد من هذا أن طالب العلم لابد أن ينفك عن هذا التعبير، حتى من التزم هذا التعبير في كلامه وتقاريره وكتبه ودروسه، فإن التزامه صحيح، وقد كان الشيخ الألباني رحمه الله يلتزم هذا التعبير في الغالب -فيما أحسب-، وهو التزام سلفي صحيح.

    لكن إذا عبر معبر من علماء السنة والجماعة فقال: ومذهب السلف معتبر بالكتاب والسنة، فإنه لا يجوز أن يقال: إنه قد أخطأ، أو فاته التقرير لكلمة على فهم السلف الصالح، إلا إذا عُلم أنه كان يقصد عدم الاعتبار لفهم السلف.

    وإذا قيل: إن من لم ينطق بكلمة فهم السلف الصالح يُتعقب ويقال: إنه لم يقرر التقرير المناسب، فإنه يلزم من هذا أن يتعقب الجمهور من السلف؛ فإن الناظر في كلام السلف وألفاظ الصحابة والتابعين والأئمة أنهم يذكرون الكتاب والسنة.

    إذاً: لماذا لم يذكر أهل الطبقة الثالثة الفهم الذي سبقهم وهو فهم الطبقة الثانية؟ ولماذا لم يذكر التابعون الالتزام بفهم الصحابة؟ لم يذكروه لأنه معلوم علماً ضرورياً.

    أما من يحتج ويقول: إننا إن قلنا الكتاب والسنة لم نميز أهل السنة؛ لأن أهل البدع يقولون: الكتاب والسنة.

    نقول: حتى لو قالوا ذلك؛ فإن هذا لا يستدعي هجر هذه الاستعمالات؛ لأنها مستعملة في كلام الله ورسوله قبل أن نقول: إنها مستعملة في كلام أعيان السلف؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) وقال: (فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله) ولم يقل صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: وسنتي، إنما قال: (وأنتم تسألون عني) فكان عليه الصلاة والسلام تارة يذكر القرآن، وتارة يذكر هديه، وتارة يذكر الكتاب والسنة... إلخ، وكل هذا حق.

    وفي قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [آل عمران:103] قال جملة من السلف: حبل الله القرآن، ومنهم من قال: حبل الله الإسلام، ومنهم من قال: حبل الله السنة وهدي محمد، فهل نأتي ونقول: هذا تقصير في التحقيق، كان يجب أن يقولوا: حبل الله القرآن والسنة وفهم السلف؟ لا؛ فإن كل هذه المعاني صحيحة.

    وكمثال على هذا: قال الإمام أحمد : "نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث" . فهل يحق لأحد أن يأتي ويقول: فات الإمام ذكر الإجماع؟ الجواب: لا.

    إذاً: هذه التعابير هي قيود بيانية إذا استدعت المصلحة إلى ذكرها ذكرت، وإذا لم تستدع المصلحة لا نقول: إنها لا تذكر، وإنما نقول: إن ذكرها أو عدم ذكرها أمر فيه سعة.

    ونقول لمن يخطئ من لم يذكرها: دعك من فرضيات قد لا يكون لها وجود في الخارج، فإن من يلتزم ألا يذكر الإجماع ولا يذكر السلف ولا فهم السلف في كلامه لابد أن التفاته عن هذا الذكر في جميع كلامه يكون عن ابتداع وقصد للمخالفة.

    إذاً هذه مسائل ينبغي أن تأخذ على هذا التحقيق.

    الأسماء الشرعية لأهل السنة والجماعة

    مما ينبه إليه هنا: هو أن الأسماء المضافة لهذه الطائفة كلها شرعية، فإذا قيل: السلفيون، أو قيل: أهل السنة والجماعة، أو قيل: المسلمون، أو قيل: المحققون، أو قيل: المؤمنون، أو قيل: الصالحون، فكلها أسماء شرعية، ولهذا ينبغي ألا يختص اسم واحد من هذه الأسماء بالالتزام، ويكون الذكر لغيره ليس تحقيقاً، فلا شك أن اسم المؤمنين والصالحين والصديقين والشهداء إلى غير ذلك أشرف وأعظم من اسم السلفية، فإن هذه أسماء عظمها الله سبحانه وتعالى في كتابه.

    وهذا لا يعني المنع من استعمال هذا الاسم -السلفية أو السلفيون- فإنه اسم شرعي، وهو يدل على الاتباع للسلف الذين هم القرون الثلاثة الفاضلة، لكن القصد: أنه ليس وحده المستعمل، بل يستعمل هو ويستعمل غيره.

    دعوى بعض أهل البدع أنهم يلتزمون بفهم السلف الصالح

    هناك أيضاً مسألة: من يقول إن أهل البدع يقولون: الكتاب والسنة ويخطئون في فهمهم.

    يقال: حتى مسألة فهم السلف الصالح كثير من أهل البدع يقولون فهم السلف الصالح ويخطئون في فهمهم، كما أنهم غلطوا في فهمهم لكلام الله والمراد من كلامه ومراد الرسول، فإنهم يغلطون في فهمهم لكلام السلف.

    مثلاً: الإمام أبو الحسن الأشعري أول ما ترك الاعتزال بعد ما أمضى فيه ما يقارب الأربعين سنة -كان فيها تلميذاً لشيخه وزوج أمه أبي علي الجبائي ، الذي كان من كبار شيوخ المعتزلة- انتسب إلى مذهب الإمام أحمد مباشرة، أما ما يقرره بعض الباحثين من أنه رجع إلى طريقة ابن كلاب أولاً فهذا خطأ، فإنه لا توجد مسألة كلابية في الانتساب الأشعري أساساً، وهذا الخطأ دخل على بعض الباحثين من كلام الإمام ابن كثير رحمه الله ، فالصحيح هو الذي يقرره ابن تيمية ، وهو المعروف في طريقة الأشعري رحمه الله: أن الأشعري أول ما ترك الاعتزال صرح أنه على مذهب الصحابة والتابعين والأئمة، وأنه على مذهب الإمام أحمد ؛ لأن الإمام أحمد وقتها كان هو المعروف بإمامة السنة أكثر من غيره.

    لكن بقي سؤال، وهو: هل حقق الأشعري مذهب أهل السنة؟

    الجواب: إن الإمام الأشعري كان عارفاً بعلم الكلام وطرق المعتزلة والجدل علماً مفصلاً، وعارفاً بكلام السلف علماً مجملاً، ولذلك إذا تكلم في المجملات ففي الغالب أنه يحسن، وإذا تكلم في المفصلات ففي الغالب أنه يخطئ، وذلك لأن علمه بكلام أهل السنة علم قليل، والدليل على هذا: إنك إذا قرأت في كتابه مقالات الإسلاميين -والذي يعد من آخر كتبه- تجد أنه تكلم عن المعتزلة بكلام تفصيلي، وفند آراءهم وذكر الفروقات الدقيقة بين أعيان المعتزلة، وشرح مذهب المعتزلة ومقالات المعتزلة في جوهر الكلام شرحاً دقيقاً؛ لكن لما جاء إلى مذهب أهل السنة ما استوعب عنده حتى ثلاث صفحات، فتراه جاء بجمل عامة، فقال: "جملة مقالة أهل السنة والحديث: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.. يدينون بدين الإسلام.. يؤمنون بالصلاة والزكاة.. يؤمنون بصفات الله.. يؤمنون بكمال الله، يؤمنون بالقدر خيره وشره..." جمل عامة، ثم قال في الأخير: "وبكل ما قال أهل السنة نقول" .

    فهو في كتبه الكلامية المفصلة بعد الاعتزال ما استطاع أن يفصل تفصيلاً سلفياً؛ لأن من يعرف الشيء مجملاً لا يعني أنه يعرفه على التفصيل.

    والمقصود من هذا: أن الأشعري وجملة أصحابه -ولا سيما المتقدمون من الأشاعرة- جميعهم ينتسبون إلى الكتاب والسنة وإلى فهم السلف؛ فـالأشعري في مقدمة الإبانة لما زجر أقوال أهل البدع قال: "فإن قيل: فما قولكم الذي تقولون به ودينكم الذي تدينون الله به؟ قال: هو ما كان عليه أصحاب محمد... إلخ"، ثم قال: "ونحن بكل ما قال به أبو عبد الله أحمد بن حنبل قائلون، ولما يعتقده المعتقدون، فإنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل... إلخ" .

    فكان يتوهم أن فهمه فهمٌ مناسب لفهم السلف.

    إذاً مسألة أن الناس قد يدّعون هذا فلابد أن نزيد التمييزات، يقال: هذه زيادات مناسبة إذا استدعت الحاجة ذكرها، وأما أنها لازمة فلا؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما ظهر النفاق في المدينة النبوية لم يقل: سنغير اسم الاسلام أو سنهجر اسم الإسلام إلى اسم لا يدخل فيه المنافق وهو اسم الإيمان -مثلاً-، فإن اسم الإيمان لا يدخل فيه المنافق، ولم يقل صلى الله عليه وسلم كذلك للمسلمين من بعده: التزموا اسم الإيمان ولا تلتزموا اسم الإسلام.

    إذاً: هذه مسألة لابد أن تفقه على هذا الوجه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088584864

    عدد مرات الحفظ

    777498644