إسلام ويب

شرح حديث الافتراق [5]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من معتقد أهل السنة الرجوع إلى الكتاب والسنة في كل شيء، وعدم اتباع الظن فيما يتعلق بمسائل الدين والعقيدة، فمذهبهم ليس مذهباً مقولاً في المسائل النظرية، بل هو الدين جميعه.
    [وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفةٍ بمعانيها واتباعاً لها: تصديقاً وعملاً وحباً وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها] .

    هذا الكلام فيه توضيح لأن مذهب السلف ليس مذهباً مقولاً في المسائل النظرية، بل هو الدين جميعه، ولهذا مذهبهم محقق في الإيمان الذي هو قولٌ وعمل، ولذلك من خالف طريقتهم في الأقوال كان على البدعة، ومن خالف طريقتهم في الأعمال كان على البدعة، كما هو ظاهر عند طوائف التنسك والأحوال المفارقة للسلف.

    رجوعهم إلى الكتاب والسنة في كل شيء

    [الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه] .

    قوله: "فلا ينصبون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم " هذا هو الأصل المطرد عند أهل السنة والجماعة، وهو أنهم لا ينصبون مقالةً ويجعلونها لازمةً على المسلمين إلا أن تكون هذه المقالة مما علم مجيء الرسول به صلى الله عليه وسلم ضرورةً، وما علم مجيء الرسول به ضرورةً فإنه يكون مجمعاً عليه، ولهذا كل ما علم مجيء الرسول به ضرورة فإنه يكون من أصولهم، ومن السنة اللازمة عندهم.

    [وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله] .

    قوله: "والأسماء" أي: الأسماء المتعلقة بالمخالفين أو المقصرين من المسلمين، ويقال أحياناً: مسألة الأسماء والأحكام، والمراد بالأسماء: اسم مرتكب الكبيرة في الدنيا، هل يسمى مؤمناً أم فاسقاً أم مسلماً أم كافراً إلى غير ذلك. والمراد بالأحكام: حكم مرتكب الكبيرة في الآخره.

    [ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقاً للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفاً للكتاب والسنة أبطلوه] .

    وهذه قاعدة: أن كل لفظ مجمل حادث، فإنه يتوقف فيه ويستفصل في معناه.

    ولهذا لم يكن السلف رحمهم الله يتكلمون بالألفاظ المجملة، إنما يستفصلون في معانيها عند ذكرها، ولا يلزم أن يكون اللفظ مجملاً من جهة وضع اللغة، فقد يعرض الإجمال للفظ لسبب ما، مثلاً: إذا قيل: هل نصوص الصفات على ظاهرها أم ليست على ظاهرها؟

    يقال: لفظ الظاهر من جهة كلام العرب فيه بيان، وليس من الألفاظ المجملة المترددة بين كثير من المعاني، ولكن المتأخرين من أهل البدع من المتكلمين صاروا يستعملون لفظ الظاهر ويريدون به التشبيه؛ فلهذا الاستعمال صار هذا اللفظُ إذا تكلم به أرباب البدعة لفظاً مجملاً.

    فإذا قيل: أتكون النصوص على ظاهرها؟

    قيل: إذا أريد بالظاهر المعنى المناسب اللائق به سبحانه وتعالى فهي على ظاهرها... إلخ.

    فالقاعدة: أن كل لفظ مجمل حادث -أي: ليس له ذكر في الكتاب والسنة- لا يجوز التعبير به إطلاقاً، لا إثباتاً ولا نفياً.

    عدم اتباعهم للظن وما تهوى الأنفس

    [ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل، واتباع هو النفس بغير هدىً من الله ظلم] .

    هذا من أصول أخلاق العلم عند هذه الطائفة: أنهم إنما يتبعون العلم ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس.

    وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه أن اتباع الظن وما تهوى الأنفس من طرائق المشركين في العلم والمعارف؛ ولذلك لما تكلم شيخ الإسلام رحمه الله عن مسألة التشبه في كتابه اقتضاء الصراط المستقم، قال: "وكثير من العامة لا يعرفون التشبه إلا في الأحوال الظاهرة كالتشبه بالكفار في لباسهم ومآكلهم ومشاربهم... ونحو ذلك، قال: ومما يقصد إلى ذكره في هذا المقام ما ذكره الله من الأخلاق العلمية عن أجناس الكفار، التي دخلت على كثيرٍ من المنتسبين للشريعة والعبادة، قال: كقول الله تعالى: وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ [البقرة:113]، قال: وكذلك كثير من أهل الشريعة في المتأخرين لا يرى صاحب التعبد على شيء، وصاحب التعبد والنسك لا يرى صاحب العلم والشريعة على شيء.." .

    فهذا من أخلاق أهل الكتاب الكفار. وهذا كما ذكره رحمه الله في كتبه -وفي الاقتضاء على وجه خاص- بينٌ في بعض المتأخرين، وهذا من تقصير تحقيقهم للاتباع وترك التشبه بأهل الكتاب وبالكفار.

    وعلى هذا: ما يعنى به بعض طلبة العلم أو بعض الشباب من التنبيه على اليسير وعلى الصغير والكبير من مسائل التشبه في أحوال الناس العامة كاللباس ونحوه.. هذا صحيح، ومنهج في التربية سليم، ولابد أن يقرر ويميز المسلمون بأحوالهم وأشكالهم...إلخ على ما قضت به الشريعة، لكن هنا نوع آخر: أن بعض من ينبه إلى ذلك قد يكون هو قد وقع في بعض التشبه، حينما يكون صاحب الجهاد لا يرى صاحب العلم على شيء، أو يرى صاحب العلم صاحب التعبد والنسك ليس على شيء، أو صاحب التعبد لا يرى صاحب العلم على شيء.. هذه التعارضات هي من جنس قول الله تعالى كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:53] وهذا من مثل قوله تعالى: وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113] وكذلك من الأخلاق العلمية عند الكفار: أنهم يتبعون الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى، الهدى: هو البيان؛ فإن أصل الهداية هي المحجة البينة؛ ولهذا يقال: هداية الطريق.. إلى غير ذلك.

    إذاً لا مكان للظن في حكم الله سبحانه وتعالى ورسوله.

    قد يقول قائل: كثير من الأحكام الشرعية ظنية.

    نقول: الأحكام الشرعية في نفس الأمر ليست ظنية، فكل أحكام الله ورسوله الظاهرة والباطنة هي أحكام قطعية، وإنما الظن في فهم المخاطبين؛ ولهذا من لم يعرف هذا الحكم إلا ظناً، ولم يقع عنده قطعاً وضرورةً لا يجوز أن يجعل هذا القول سنةً لازمة أو حقاً منتصباً لا يجوز لأحدٍ أن يخالفه.

    إذاً: معنى قول من يقول: إن أكثر أحكام الشريعة ظنية، أي: أن أكثرها ظنية في فهم المجتهدين؛ ولهذا وجب على المجتهدين وأتباعهم ألا يلزموا المسلمين باجتهاد واحد ما دام أن المسألة مبنية على الاجتهاد الظني، وأما إذا تحقق العلم والضرورة وحصل الإجماع فهذا هو اللازم.

    [وجماع الشر الجهل والظلم، قال الله تعال: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] إلى آخر السورة، وذكر التوبة لعلمه سبحانه وتعالى: أنه لابد لكل إنسان من أن يكون فيه جهلٌ وظلم، ثم يتوب الله على من يشاء، فلا يزال العبد المؤمن دائماً يتبين له من الحق ما كان جاهلاً به، ويرجع عن عملٍ كان ظالماً فيه، وأدناه ظلمه لنفسه كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الحديد:9]، وقال تعالى: الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1]] .

    وهذه قاعدة: أن كل خطأ لابد أن يكون الموجب له إما الجهل وإما الظلم، ودليل هذا ما ذكره سبحانه وتعالى في قوله: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] فكل خطأ لابد أن يكون صادراً عن مادة من الجهل، أو عن مادة من الظلم، أو عن مركب منهما، وأما أن يكون الخطأ ليس صادراً عن هذين فهذا ممتنع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088584929

    عدد مرات الحفظ

    777499429