إسلام ويب

شرح كتاب الإيمان [11]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الذنوب والمعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، أما صغائر الذنوب فإنها تكفر بأمور مطردة، من أهمها: ترك الكبائر، ومحض المغفرة، وآحاد الأعمال الصالحة وغيرها، وأما الكبائر فإنها تكفر بالتوبة، ويمكن أن تكفر بالأعمال الصالحة أيضاً، ولكن ليس على إطلاقه، بل بحسب تحقيقها وبحسب حال صاحب الكبيرة.
    قال المصنف رحمه الله: [باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان].

    [قال أبو عبيد : حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المؤمن كقتله)وكذلك قوله: (حرمة ماله كحرمة دمه) ومنه قول عبد الله : (شارب الخمر كعابد اللات والعزى) وما كان من هذا النوع مما يشبه فيه الذنب بآخر أعظم منه، وقد كان في الناس من يحمل ذلك على التساوي بينهما، ولا وجه لهذا عندي، لأن الله قد جعل الذنوب بعضها أعظم من بعض فقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31]في أشياء كثيرة من الكتاب والسنة يطول ذكرها، ولكن وجوهها عندي أن الله قد نهى عن هذه كلها وإن كان بعضها عنده أجل من بعض، يقول: من أتى شيئاً من هذه المعاصي فقد لحق بأهل المعاصي، كما لحق بها الآخرون، لأن كل واحد منهم على قدر ذنبه قد لزمه اسم المعصية، وإن كان بعضهم أعظم جرماً من بعض، وفسر ذلك كله الحديث المرفوع حين قال: (عدلت شهادة الزور الإشراك بالله، ثم قرأ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]) فقد تبين لنا الشرك والزور، وإنما تساويا في النهي نهى الله عنهما معاً في مكان واحد، فهما في النهي متساويان وفي الأوزار والمأثم متفاوتان، ومن هنا وجدنا الجرائم كلها، ألا ترى السارق يقطع في ربع دينار فصاعداً وإن كان دون ذلك لم يلزمه قطع؟ فقد يجوز في الكلام أن يقال: هذا سارق كهذا، فيجمعهما في الاسم وفي ركوبهما المعصية، ويفترقان في العقوبة على قدر الزيادة في الذنب، وكذلك البكر والثيب يذنبان فيقال: هما لله عاصيان معاً، وأحدهما أعظم ذنباً وأجل عقوبة من الآخر، وكذلك قوله: (لعن المؤمن كقتله)إنما اشتركا في المعصية حين ركباها، ثم يلزم كل واحد منهما من العقوبة في الدنيا بقدر ذنبه، ومثل ذلك قوله: (حرمة ماله كحرمة دمه) وعلى هذا وما أشبه أيضاً.

    قال أبو عبيد : كتبنا هذا الكتاب على مبلغ علمنا، وما انتهى إلينا من الكتاب، وآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، والعلماء بعده، وما عليه لغات العرب ومذاهبها، وعلى الله التوكل، وهو المستعان].

    هذا الباب إشارةٌ من المصنف إلى أن الكبائر درجات وليست واحدة، وهو إشارة من وجهٍ آخر إلى أن ما سماه الشارع كفراً أو نفاقاً، أو نفى اسم الإيمان عن صاحبه، أو ذكر البراءة منه في الجملة أعظم من غيره، وهذا حكمٌ مجمل، ولا يلزم منه أن يكون حكماً مفصلاً.

    وأما ما قرره بعض المتأخرين من أن ما سماه الشارع نفاقاً أو سماه كفراً أعظم مما كان من الكبائر مما لم يسم في كلام الله أو رسوله بهذا الاسم، فهذا خطأ.

    مسالك العلماء في تسمية بعض الكبائر كفراً قياساً على تسمية الشارع لبعض المعاصي كفراً

    بهذا التفصيل يظهر أن الأحاديث التي فيها تسمية بعض الأقوال أو الأفعال كفراً أو نفاقاً فيها مسلكان -كلاهما فيه نظر- لبعض أصحاب السنة المتأخرين:

    المسلك الأول: هو طرد التسمية على باب القياس، وهذا المسلك ليس بصحيح.

    المسلك الثاني: هو التزام أن ما سميّ من الأعمال كفراً أو نفاقاً يكون في الشدة والتحريم والتغليظ أعظم مما لم يسم كذلك.

    وهذا -أيضاً- خطأ، وهو فرعٌ عن الخطأ الأول؛ لأن هؤلاء اعتبروا أن تسمية الشارع عملاً ما كفراً إنما هي لاعتبار القدر فقط، لكن إذا عُلم أن الشارع إنما سمى هذا لاعتبار القدر والمناسبة ظهر أنه لا يلزم أن ما لم يسم كذلك يكون بالضرورة أخف.

    مثلاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما عبدٍ أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم)لكنه لم يسم من قتل نفسه منافقاً أو كافراً -وإن كان سمى قتل الآخرين من المسلمين، فقال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً)- مع أن قتل المؤمن أو المسلم لنفسه -بلا شك- أعظم من إباق العبد أو من الكذب الذي سمي نفاقاً، ومثل هذا أكل الربا... وما شابهه.

    والمقصود: أن هذا الالتزام ليس بصحيح، فهذه أسماء، والأسماء معتبرة بمقاماتها في كلام الله ورسوله، والوعيد يقدر قدره بحسب تغليظ الشارع عليه في الدنيا والآخرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088558581

    عدد مرات الحفظ

    777319959