الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وأسعد الله مساءكم بالمسرات وقد فعل، يوم زارنا شيخ من شيوخ الصحوة، وعالم من علماء البلاد، فمرحباً وأهلاً وسهلا، مرحباً باسم رئيس محاكم منطقة عسير وباسم نائبه، مرحباً باسم العلماء والدعاة، مرحباً باسم القبائل التي أعلنت توحيدها وصمودها في وجه الزندقة، مرحباً باسم الجبال الشامخة شموخ أبنائها في هممهم، والراسية رسوَّ مبادئهم الخالدة، مرحباً يا أبا معاذ، ومرحباً يا مشايخ الرياض، ومرحباً يا مشايخ القصيم، حياك الله يا شيخ سلمان بن فهد العودة، الذي طالما سمعناك وأحببناك وعرفناك، وإذا لم يعبر شعري هذه الليلة مرحباً بشيخنا وأستاذنا، فمتى أدخره؟!
أتاني رسولك مستعجلاً فلباه شعري الذي أذخرُ |
ولو كان يوم وغىً قاتم للباه سيفي والأشقرُ |
أصرِّف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمرُ |
هنا قصيدة بعنوان (وجئت صحبك يا أغلى الرجال):
هذا اللقاء الذي قد كنت أنتظرُ وهذه ليلة في متنها عبر |
وهذه أعين الأحباب قد نظرت إليك يا من به يستمتع النظر |
وجئت صحبك يا أغلى الرجال فيا أبا معاذ رعاك السمع والبصر |
نظمت فيك مُنَاي اليوم أجمعها يزهو مع ذكرك الياقوت والدرر |
بك الجنوب تباهت في مطارفها والأقحوان على الأغصان يفتخر |
والجيل حياك يا سلمان منتشياً هم الشباب إلى رؤياك قد عبروا |
يا أقرب الناس من قلبي مودته مكتوبة في دمي تجري وتنتشر |
محبة رسمت والله سطرها في موكب أهله سلمان أو عمر |
أكارم غرباء أنت تعرفهم وأنت في ركبهم يا صاحبي قمر |
هادي الحوار به الأرواح قد علقت إذ كان في مقلتيه السحر والحور |
أوردتها يا أبا العلياء هادئة لكنها ثَمَّ لا تبقي ولا تذر |
صَلَّت على شفتيك الضاد وارتسمت على محياك آيُ الذكر والسور |
ورافقتك براهين مسددة أمضى من السيف في هام الأُلى كفروا |
ماذا عن القوم يا سلمان ما فعلوا أعني القصيم لهم في مجدنا خبر |
أعني الأباة حماة الدين هل بقيت أرواحهم في سبيل الله تبتدر |
أعني الأشاوس كل الناس تعرفهم تروي مكارمهم قحطان أو مُضَرُ |
هم القوادم والأذناب غيرهم هم الأبوة والتاريخ والظفر |
يا شيخ هذي رجال الأزد قد سعدت بكم وفي حبكم يا شيخ قد حضروا |
الأوس والخزرج الأبطال سالفهم وهؤلاء بنوهم للسلام سروا |
يا شيخ بشر عيون المجد إن نظرت بفتية في علاها ينسج الخطر |
قامت على كعبة التوحيد قبلتها وفي فم العلمنات الطين والحجر |
يا شيخ أول ما نهدي جماجمنا لا ذاقت العيش والإسلام يعتصر |
قل للفروخ دعوا الميدان ويحكُمُ من قبل أن تكسر العيدان والعشر |
يوم يعز به الرحمن ملته ويدحر الناكث المأفون والأشِرُ |
هناك يا شيخ طعم الموت غايتنا وما لنا عن حياض الموت مقتصر |
أولى لمن حارب الإسلام إن عقلوا من قبل أن تلتقي في رأسه السَّمُرُ |
أيها الأحباب! أنا أعرف أن آذانكم تستأذن لتسمع من فضيلة الشيخ، فليتفضل على بركات الله وباسم الله، ليتبوأ مكانه الطبيعي، وليتحدث للقلوب، فأهلاً وسهلاً، واسمعوا لـأبي معاذ.
يقول الشيخ سلمان:
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله، بعثه الله تعالى على حين فترةٍ من الرسل، وانطماس من السبل، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وجمع به من الفرقة، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، ما تعاقب الليل والنهار.
مشايخي وأساتذتي الكرام! إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن المشاعر لتتداخل في نفسي وأنا أقف بين يديكم الآن، فما أدري عم أتحدث، هل أتحدث عن هذه المشاعر الفياضة التي غمرتمونا بها وهذا الكرم الكبير، وهذه الابتسامات الصادقة، وهذه البشاشة المعبرة، أم أتحدث عن هذا الحرص على المشاركة في مثل هذا المجلس الطيب المبارك، خاصة من آبائنا المشايخ والقضاة، الذين يعتبر وجودهم بين أظهرنا الآن إعلاناً عملياً على أن هذه الصحوة الإسلامية صحوة راشدة مباركة موفقة، إن صحوة يكون العلماء في مقدمتها وفي طليعة ركبها لصحوة مضمونة معصومة بإذن الله عز وجل أن تطيش بها السهام أو تتفرق بها السبل.
إخوتي الكرام! وأدع هذا الحديث جانباً، فإنه حديث يطول، وهو حديث ذو شجون، وأنتم أرباب صناعة الكلمة والحرف والشعر، ولذلك فإنني لا أستطيع أن أتقدم بين أيديكم بأكثر من أن أدعو لكم دعوة صادقة حاضرة، فأقول لكم: جزاكم الله خيراً، ثم دعوة أدخرها بظهر الغيب.
أما بعــد:
فإن موضوع حديثنا هذه الليلة معركة الإسلام والعلمانية.
إنها معركة الإسلام مع الجاهلية، تلك الجاهلية التي إن قاتلت فإنما تقاتل بعصبيتها وحميتها الجاهلية، لا تقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ [الفتح:26] فهي تدعو إلى حمية الجاهلية، وترفع دعوى الجاهلية، التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: {أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة}.
وطني لو صوروه لي وثنا لهممت ألثم ذلك الوثنا |
وقال آخر:
ويا وطني لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا |
أُدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا |
فأي راية ترفع غير راية الإسلام فهي راية جاهلية، فراية الإقليمية، وراية العصبية، وراية القومية، التي تؤمن بالعروبة ديناً ماله ثاني، كلها رايات مرغت بالتراب منذ أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فجعله فرقاً بين الناس، والتقى على دعوته الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، والقريب والبعيد، والوضيع والشريف، كلهم يقولون: لا إله إلا الله، فيصطفون إخوة لا يفرق بينهم مفرق، على حين نصب الرسول صلى الله عليه وسلم العداوة الصراح البواح لـأبي جهل، وأبي لهب، وأمثالهما من صناديد قريش وزعمائها، على أنهم في الذروة من النسب والمكانة.
حرية زعموها واسمها لغة فوضى وسيان جاءوا الحق أم جاروا |
إن هذه الحرية لو سموا الأشياء بأسمائها الحقيقية لسموها تبرج الجاهلية الأولى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] ولو أنصفوا لسموها نعرة الجاهلية التي لم يكن يحكمها دين ولا خلق ولا نصح.
هذه الجاهلية التي إن درست الاقتصاد درسته على ضوء أنظمة ومفاهيم الجاهلية الأولى، التي أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته الشهيرة في حجة الوداع، حين كان يستمع إليه ما يربو على مائة وعشرة آلاف من المؤمنين، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: {إن ربا الجاهلية كله موضوع، وأول رباً أضعه ربا
ظنت أن لا مستقبل للإسلام، وتجاهلت هذا المد الإسلامي الذي يتسع، حتى إننا نجد اليوم تلك الجاهلية المعاصرة تتكلم عن كل القوى وكل الاحتمالات، ولكنها لا تضرب للإسلام حساباً، تحاول أن ترفع شرذمة قليلة من الذين خرجوا عن هذه الأمة، وانسلخوا عنها، وخالفوا حقيقتها وروحها، وخرجوا على دينها وأخلاقها، فتحاول أن تجعلهم في طليعة الركب، وأن تجعلهم أنموذجاً للجيل الجديد المثقف -كما تعبر- وتتجاهل هذه الجموع الهائلة الهادرة المائجة، التي تعلن صبحاً ومساءً أنها لا ترضى إلا الإسلام، ولا تعيش إلا للإسلام وبالإسلام.
إذاً: معركة الإسلام مع العلمانية هي معركة الإسلام مع الجاهلية بكافة صورها وألوانها.
إن هذه الجاهلية المعاصرة هي نفسها الجاهلية الأولى، فهي تنادي أن يكون المسجد لله، والمحراب لله، وما عدا ذلك يكون لـقيصر، تنادي أن تكون المدرسة لـقيصر، وأن يكون المنبر الإعلامي لـقيصر، وأن يكون المصرف لـقيصر، وأن يكون السوق لقيصر، وأن تكون الراية، وكل شيء لغير الله عز وجل، فهي تنادي بحصر الإسلام في زاوية، أو مسجد، أو معبد، أما ما سوى ذلك، فهي تطالب أن يحكم ويدار بغير شريعة الله عز وجل وهذا هو الشرك بعينه.
إذاً: فالتناقض بين هذا المعنى وبين المعنى الحقيقي للإسلام، لكلمة التوحيد التي نرددها صباح مساء، هو تناقض صارخ وصريح.
كيف يمكن أن نوفق بين هذا المعنى الجاهلي الصريح، وبين قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] كيف نوفق بين هذا وهذا؟!
كيف نوفق بينها وبين كلمة لا إله إلا الله، التي تعني أن العبادة بجميع صورها وأشكالها وأنواعها لا تصرف إلا لله عز وجل، وأن كل عبادة تصرف لغيره هي عبادة باطلة، مردودة على صاحبها!! وهي شرك بالله عز وجل.
كيف يستطيع مسلم -يتردد على المسجد ويصلي في المسجد- أن يفهم ذلك؟!
والمسجد في حسه ليس كنيسة تقع فيها بعض الطقوس ثم يخرج منها، بل المسجد في حسه منبر إعلامي، يجلس المسلمون في كل جمعة، وفي أوقات أخرى، ليستمعوا من خطيب المسجد، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خلفاؤه من بعده يخطبون على هذا المنبر، فيستمع الناس إلى توجيهات الإسلام وحكمه، وما يتعلق به في جميع شئون الحياة.
كيف يستطيع المسلم الذي يتردد على المسجد أن يقبل بـالعلمانية وهو يعلم أن المسجد مؤسسة تعليمية تلقى فيها الدروس، ويسمع فيها كلام الله عز وجل وتلقى فيها السنة، ويتحدث فيها عن الحلال والحرام؟! كيف يستطيع أن يفهم ذلك وهو يدرك أن المسجد مجلس للشورى يلتقي فيه المسلمون، كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإلى يوم الناس هذا، فيتبادلون أطراف الحديث، ويتشاورون في كل ما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم؟!
كيف يستطيع أن يفهم ذلك والمسجد في حسه ليس معبداً للطقوس فقط، بل هو مؤسسة أمنية، ومؤسسة اجتماعية، ومؤسسة صحية، ومنطلق للحياة كلها؟!
أولهما: أن الإسلام دين شرعه الله عز وجل، وأنـزله مهيمناً على الحياة كلها، مهيمناً على الأديان السابقة، ومهيمناً على جميع شئون الحياة، فإن المسلم العادي البسيط المغفل يدرك أن الإسلام فيه تفصيل لكل شيء، وبيان لكل شيء، وأنه يستحيل في حس المسلم أن الدين الذي نظم العلاقة بين الرجل وزوجته، والذي نظم للإنسان كيف ينام، ونظم للإنسان كيف يكون في حال قضاء الحاجة، لا يمكن أن يترك إدارة الأمور الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، وغيرها لغير الله عز وجل مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] وَنـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] فهذه القضية غير قابلة للمناقشة، أن الدين الخاتم هو الدين المهيمن على الأديان كلها وعلى الحياة كلها، ومن ثم ففي بلاد الإسلام وبين المسلمين لا مكان للعلمانية.
لم يجد المسلمون في تاريخهم الطويل اضطهاداً للعلم ولا تضييقاً عليه بأي حال من الأحوال، لم يعرف المسلمون محاكم التفتيش التي عاشتها أوروبا، ولم يعرف المسلمون طغيان الكنيسة التي كانت تأخذ الأموال الهائلة الطائلة من الناس باسم الدين، ولم يعرفوا استبدادها وطغيانها المادي ولا السياسي ولا غيره، فالتاريخ الإسلامي هو تاريخ التلاحم بين الدين الذي كان أول ما نـزل منه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] وبين العلم الذي هو ثمرة من ثمرات التمسك بهذا الدين، واستجابة لأمر الله عز وجل بالعلم والتعلم والقراءة، لذلك فإن الذين يريدون نقل العلمانية إلى بلاد المسلمين يتجاهلون هذا الفرق الكبير بين تاريخ الإسلام ودين الإسلام وبين تاريخ أوروبا ودين أوروبا.
وأتبع هذا السؤال بسؤال آخر: كم من بلد إسلامي سقط في أيدي الكفار؟
لقد سقطت ولا شك قلاع كبيرة من قلاع المسلمين بأيدي الكفرة من النصارى أو اليهود أو المشركين، سقطت الأندلس وقد كانت جنة للمسلمين، وسقطت فلسطين، وسقطت أفغانستان، سقطت بلاد كثيرة، وسقطت بلاد أخرى في أيدي الشيوعيين، لكن هذه البلاد تبقى محدودة معلومة، لكن حين نسأل: كم من بلد إسلامي سقط في أيدي المنافقين وفي أيدي العلمانيين؟
فإن هذا مما لا يأتي عليه الحصر، بل إن كثيراً من البلاد الإسلامية هي التي سقطت في أيدي المنافقين، وليس في أيدي الكفار، وذلك لأن المنافقين يعرفون كيف يحكمون القبضة، ويعرفون كيف يتسللون في الظلام، حيث يعمدون إلى مواقع التأثير حتى يؤثروا في البلاد الإسلامية، ويمسخوا تلك البلاد، وهذا يؤكد خطورة النفاق والمنافقين، حيث يجيدون السباحة في كل بحر، يجيدون العوم في كل بحر، ويلبسون أكثر من ثوب، ويتكلمون بأكثر من لغة، ويمثلون أكثر من دور، ويتقمصون أكثر من شخصية!
له ألف وجهٍ بعد ما ضاع وجهه فلم تدر فيها أي وجه تصدِّقُ |
هذا شأن العلماني، قلب متقلب، ومن ثم فإنه يجب كشفهم وتعريتهم، قال الله عز وجل: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].
سقطت نتيجة الكفاح كما يقال أولاً بين الهلال والصليب، وهذا تعبير من النصارى يعبرون به عن الصراع بين الإسلام والنصرانية، يقول رئيس الإرساليات التنصيرية الألمانية: إن ثمار الكفاح بين الصليب والهلال لا تؤتي أكلها في البلاد البعيدة ولا في مستعمراتنا في آسيا وأفريقيا، بل ستكون في المراكز التي يستمد الإسلام منها قوته، وينتشر وينبثق منها، سواء كانت في أفريقيا أو في آسيا، وبما أن الشعوب الإسلامية التي نواجهها تولي وجهها نحو الأستانة وهي يومئذٍ عاصمة تركيا وعاصمة الخلافة- فإن المجهودات التي نأتي بها لا تأتي بفائدة إذا لم نتوصل إلى قضاء رغباتنا في مركز الخلافة وعاصمة المسلمين، هكذا يقول، ولذلك عمل النصارى بالتعاون مع إخوانهم اليهود على إسقاط الخلافة العثمانية، فاندس فيها أمثال مدحت باشا وهو يهودي، كان له دور كبير في الخلافة العثمانية، حتى إنه ساهم أحياناً في إسقاط خليفة ونصب خليفة آخر والمصادقية على الدستور، وكان ينادي بإتاحة الحريات وتبين فيما بعد كما قال السلطان عبد الحميد قال: تبين أنه كان ينادي بالحريات له ولقومه من اليهود ولحزبه وطائفته، ولا ينادي بالحريات الحقيقية للناس كلهم أجمعين، ولذلك كان اليهود يتربصون سقوط الخلافة حتى ينفذوا مخططاتهم في فلسطين، حتى أنهم أعلنوا الإسلام كما هو معروف في يهود الدونمة، وتغلغلوا في الخلافة بالطريقة التي سوف أتحدث عنها الآن.
مدحت باشا هذا هو يهودي، كان الغربيون يسمونه في أوروبا أبا الحرية، لماذا؟
لأنه كان ينادي بالحرية، ويطالب بالمصادقة على ما يسمونه بالدستور، الذي يضمن حقوق الأقليات، يضمن حقوق اليهود في التمتع بحرياتهم كما يشاءون، داخل ستار وراية الدولة العثمانية.
ثم خطوا خطوة أخرى حين نصبوه، وأعلنوا إلغاء ما يسموه بالخلافة يومئذٍ، فأفلحوا بذلك في عزل تركيا عن العالم الإسلامي، وأصبح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه لا يبالي ماذا يجري في تركيا، بالأمس كان الحدث الذي يقع في اسطنبول يقلق كل مسلم في أقصى الأرض، لأنه يحس أنه حدث يتعلق بجزء من الأمة، وكان كثير من المسلمين مرتبطين مع هذه الخلافة، على رغم ما كان فيها من انحرافات عقدية، وسياسية، واقتصادية، وغير ذلك مما هذا ليس مجال بيانه، لكن المقصود أن جماهير غفيرة من المسلمين كانت حقيقة مرتبطة ارتباطاً عاطفياً بذلك الرمز، فلما أسقطوها انفض المسلمون من حولها، وأصبح الأمر الذي يجري في تلك البلاد، إنما يهم أهل تلك البلاد ولا يهم المسلمين في قليل ولا كثير، وهكذا يصنعون دائماً وأبداً، يحاولون أن يعزلوا بلاد الإسلام بعضها عن بعض، حتى إذا أصيب هذا البلد لم يحزن له أحد، ولم يتأثر لمصيبته أحد، ولم يقم له أحد لأنهم قد أفلحوا في إلهاء كل واحد بنفسه، وإشعار المسلمين بأنه ليس ثمة رابطة، ضاع من المسلمين ذلك المعنى الذي يقول:
ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان |
وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني |
بـالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـالرقمتين وبـالفسطاط جيراني |
ولي بـطيبة أوطار مجنحة تسمو بروحي فوق العالم الفاني |
دنيا بناها لنا الهادي فأحكمها أكرم بأحمد من هادٍ ومن باني |
ضاع هذا المعنى، وأصبح المسلم يبغض أخاه المسلم، ويحقد عليه، بل ويتمنى أن تنـزل به النوازل، كل بلد لا يعبأ ولا يأبه بما يصيب بلاد المسلمين الأخرى، بل أكثر من ذلك أنهم استغلوا هذا لتأجيج العداوات وتعميقها، وتوسيع هوتها بين المسلمين، فربما عملوا على نشر كل أمر من شأنه أن يجعل المسلم في تركيا يبغض المسلم في أي مكان، ويحس أنه عدو له، ويكيد له، وهكذا المسلم في هذه البلاد، قد يجد الشعور نفسه نحو المسلم في تلك البلاد، وما ذلك إلا تمهيداً لعزل المسلمين، لأن مواجهة المسلمين كأمة كاملة من الأمور الصعبة عليهم، ولكن كما قيل:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحاداً |
لقد كان من أعظم الأعمال التي قام بها مصطفى أتاتورك أنه اضطهد العلماء وقتلهم، وزج بهم في غياهب السجون، بل وعلق جثثهم على الأشجار في الشوارع، وطمس معالم الدين كلها، حتى منع الأذان، ومنع التعليم باللغة العربية، ومنع أي لباس يدل على الانتماء والانتساب للإسلام، وفرض على الناس اللباس الأوروبي الغربي، وفرض عليهم لغة مختلفة، وحاول أن يمسخ الناس، وأن يصبغهم بصبغة قومية جديدة.
كيف توصل العلمانيون إلى هذا المستوى في تركيا منذ أن بدأت حركة العلمنة وإلى أن أعلن مصطفى أتاتورك دولته وجمهوريته العلمانية؟
أولاً: مما ينبغي أن يعلم أن العلمانيين -في تركيا وفي كل بلد- غالباً ما يحاول أعداء الإسلام من اليهود والنصارى الذين يتحالفون معهم حلفاً تاريخياً ظاهراً وباطناً أن ينتقوا وينتخبوا من رموز العلمانية طوائف، ويرسلوهم إلى بلاد الغرب ليتعلموا هناك، فيرجعوا بالخبرة، ويرجعوا بالعلم المادي، ويرجعوا ببعض التقدم، -بعض المهارات الإدارية أو العلمية أو الصناعية التي تميزهم عن باقي المجتمع- بحيث يصبحون طبقة متميزة، قد يسمونهم المثقفين أو المتنورين، وقد يطلقون عليهم أي لفظ براق، لكن المهم أن الغرب عمل على أن يكون لهؤلاء تميز بخبرات ومهارات إدارية وعلمية وتقنية وغير ذلك، تمهيداً لقيامهم بالدور الذي يوكل إليهم.
إذاً فالغرب اختارهم أولاً، ثم حاول أن يزودهم بالمهارات، في مقابل محاولة تجهيل غيرهم، وفرض الغيبوبة عليهم، بعد ذلك يتركهم ليمارسوا الدور الذي يريد، هذا الدور الذي يتلخص في أمور:
منها أنهم أول ما بدءوا يتحركون في تركيا، وفي غيرها من البلاد التي تغلغلوا فيها، ودخلوا فيها، وحاولوا الإفساد، دخلوا مع ما كان يسمى بالخلافة ضد العلماء، وبذلك كسبوا أموراً كثيرة:
الأمر الثاني: من الأمور التي كسبوها أيضاً كونهم كانوا في بداية الأمر مع الحكومة العثمانية، ضد العلماء وضد الأمة، فقد أفلحوا في تشويه صورة تلك الحكومة، وملء نفوس الناس عليها، وتمهيد نفوسهم للقضاء عليها، فإن الناس ضجوا، وبعد أن تغلغل العلمانيون في دولة بني عثمان أبغضها كثير من الناس، بل ربما أكثر الناس حتى المتدينون أبغضوها، لأنها أصبحت تحاربهم، والمفسدون أبغضوها لأنها لا تحقق لهم مآربهم، وهكذا تهيأت الظروف والفرص لإحداث نوع من التغيير الذي كان ينشده العلمانيون آنذاك.
في المرحلة الأولى كان حكام بني عثمان وغيرهم من الحكام هم الذين يقودون، والعلمانيون في ركابهم، أما في المرحلة الثانية فقد انعكست الآية، وأصبح العلمانيون هم الذين يقودون ويجرون إلى الفساد، وأصبح بنو عثمان وغيرهم من الحكام ممن مالئوهم وواطئوهم، يسيرون في ركابهم على شيء من التخوف، خاصة حين ننتقل إلى المرحلة الثالثة التي يبدءونها.
فيتعرضون للدين مثلاً، ويتعرضون للعلماء، ويتعرضون للقضايا الكبيرة الخطيرة، في هذه المرحلة الثالثة، رغبة في إحداث شيء من التوتر الجِدِّي، والإنشداد للمجتمع، وهذا أيضاً تمهيد عندهم لما بعده، وفي هذه المرحلة لا شك يملكون جراءة على الشرع، في وسائلهم وخطبهم وأحاديثهم وكلماتهم، ولو قرأت الصحف التركية التي كانت تصدر في تلك المرحلة؛ لوجدتها قريبة الشبة جداً بالصحف التي تصدر في هذا الوقت في عدد من البلاد الإسلامية، وأصبحت تحاول أن تنال في كل عدد من بعض القيم الدينية، وتشكك المسلمين في عبادة من العبادات، أو في جانب من جوانب الإسلام، أو تنال من عالم من العلماء، أو تحط من قدره، أو تحاول أن تكرس العلمانية "أن الدين لله والوطن للجميع"، أو " ما لـقيصر لقيصر وما لله لله ".
ومما يجعل مواجهتهم صعبة في هذه المرحلة، أنهم لا يظهرون لتلك الدول على أنهم قوة واحدة متآلفة تخيف، بل تحالفهم خفي، يصعب إدراكه أو كشفه، ولذلك ينظر إليهم على أنهم أفراد، قد يكون لديهم نوع من الانحلال، قد يكون لديهم نوع من رقة الدين، قد يكون عندهم أفكار غريبة، لكن ليس هناك بينهم أي روابط تربط بينهم، فقد أفلحوا في إخفاء الروابط التي تربطهم، حتى لا يثيروا مخاوف الآخرين، وفي بعض تلك الفترات كانت الدول تعتمد عليهم في تحقيق قدر من الفساد الذي تريد، فتسند إليهم مهمة معينة، وتعطيهم الضوء الأخضر أن يفعلوا بعض الفساد، افعلوا، جربوا جرعة هنا، فإذا هضمها المجتمع يعطى جرعة أكبر منها، أما إذا عجز عنها فإنه من السهل التراجع عنها، على أن هذا العمل ليس عملاً رسمياً قامت به السلطة الرسمية، إنما هو عمل قامت به جهة معينة، ويمكن أن تردع وتوقف عند حدها، حتى قال أحدهم: إن حالهم في تلك المرحلة سواء في الدولة العثمانية أم في غيرها، كحال ذلك الرجل الذي كان يسرق الحجيج؟
فقد كان معه عصى، في نهايته محجن، فكان يمشي فيمر بالحجاج، فيجعل المحجن يتعلق ببعض المتاع ثم يجره إليه ويمشى، فإذا تفطن الحجاج لذلك التفت وقال: سبحان الله! ما علمت، إنما تعلق بمحجني من غير قصد، فرد إليهم مالهم، وإن لم يتفطنوا له أخذ المتاع وهرب به، أي أنها سرقة بطريقة ذكية مغلفة، يسهل التراجع عنها، هذه هي طريقة العلمانيين، يسرقون على طريقة صاحب المحجن، إن فُطِن قال: تعلق بمحجني وما علمت به، وإن لم يُفطن له مضى وحاول أن يسرق شيئاً آخر.
الوجه الأول: جر المجتمع إلى الخراب، ومسخ هويته، فإن المجتمع الذي فسدت فيه المرأة قُلْ: عليه السلام، أي مجتمع يستطيع أن يحافظ على استقامته وصلاحه، والمرأة تبدو سافرة كاشفة تذهب وتجيء بالروائح الجميلة النفاذة، وقد كشفت عن حسنها وجمالها، وتعرضت للغادين والرائحين، وحاولت أن تفتن الرجال؟!
كم من العزائم الصلبة تستطيع أن تقف أمام هذا الإغراء؟!
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء}.
إذاً: إفساد المرأة هو إفساد للمجتمع، ومن جهة أخرى فإنهم يعرفون أن البدء بموضوع المرأة يعتبر تمزيقاً لوحدة المجتمع، وذلك أن قضايا المرأة والأمور الاجتماعية من الأشياء الحساسة، التي تستثير في كثير من الأحيان ليس المتدينين فحسب، بل أصحاب النخوة والغيرة والشهامة والمروءة، حتى من غير المتدينين، فرب إنسان يغضب غضبة الأسد الهصور لو رأى امرأته -مثلاً- أو بنته أو أخته أو قريبته سافرة، أو رآها مع رجل أجنبي، أو رآها تمارس بعض ما لا يليق بالمروءة وبخصال المروءة وخصال الفطرة، فهم بذلك يعملون على تمزيق المجتمع وتفتيت وحدته، وتحويل الأمة إلى أمتين، وهم وإن فعلوا ذلك بقصد الإفساد إلا أنهم يسعون إلى حتفهم بظلفهم، فإن هذه البلاد وغيرها من بلاد الإسلام لا تزال تعلن صباح مساء أنها لا تريد إلا الإسلام، وأن كل صوت يرتفع بغير الإسلام في هذه البلاد وفي غيرها، فهو صوت آيل إلى الزوال والفناء، وأن كل راية ترفع غير راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهي راية منكسة، هذه البلاد قالتها: إنها لا تريد إلا الإسلام، والله عز وجل قاله، ورسوله صلى الله عليه وسلم بين لنا أن هذه البلاد للإسلام، منها بدأ الإسلام وإليها يعود.
فكم حاولوا إطفاء نور كتابه لكنه أبقى على الأزمان |
كم حاولوا وكم مكروا، فكان كيدهم في نحورهم، استجابة لدعاء المؤمنين الذين يقولون صباح مساء: (اللهم إنّا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم).
وقد يكون العلماني أحياناً كافراً لا يدين بدين، لكن لا مانع عنده من مجاملة عواطف الناس، والتربيت على عواطفهم وركوب الموجة كما يقال، ويوم أن كانت الصحف الكويتية تصدر كنا نقرأ لكثير من رموز العلمانية ورءوسها من مصر وغيرها، كانوا يتكلمون، وبالأمس كانوا ضد الإسلام على طول الخط، أصبحوا بعد ذلك يتكلمون عن الإسلام الاشتراكي، والإسلام الديمقراطي، والإسلام العلماني، والإسلام الناصري، بل والإسلام الشيوعي، يقول الواحد منهم: ليس هناك مانع، إسلام شيوعي، هكذا موجود في قصاصات مضبوطة وموجودة، وبعضهم صرح وقال: إن القضية قضية ركوب الموجة، اليوم الأمة مقبلة على الإسلام، ليس هناك مانع، نحن نرفع راية الإسلام حتى نركب الموجة ونمشى مع التيار إلى أمد معين، ثم بعد ذلك نحقق مآربنا ومطالبنا.
إذاً لا مانع أن نستشهد بالآيات وبالأحاديث، ووفق ديننا الحنيف وشريعتنا السمحة.
قال: لأنه يعلم ويدرب الطفل على الشك في كل شيء منذ نعومة أظفاره، فينشأ الطفل علمياً لا يقبل شيئاً إلا بدليل، ينشأ ويتدرب على الشك، أما في بلادنا يقول: فإنما يتعلم الأطفال الاستنجاء والاستجمار، وأحضر إناءً من الماء، وقل: بسم الله، هذا الذي يتعلمونه، أما في أمريكا فهو تعليم راقٍ، لأنه يربي الطفل على الشك في كل شيء حتى في الدين، والغريب أنه منذ سنوات صدر كتاب خطير اسمه "أمة مهددة بالخطر" كتبه ثمانية عشر كاتباً كونوا لجنة اشتغلت ثمانية عشر شهراً من جهات شتى، وكان من أهم التوصيات التي خرجوا بها لدعم مسيرة الأمة الأمريكية وحمايتها من الانهيار؛ أنه لا بد من تعميق التعليم الديني، وتكثيف المعاني الدينية والعاطفية في نفوس الطلاب؛ لحمايتهم من ألوان الفساد والرذيلة والانحلال، الذي يجعلهم لا يستطيعون أن يخدموا أمتهم وبلادهم كما يراد لهم، ففي الوقت الذي يطالب الأمريكان فيه والروس أيضاً وغيرهم، بإعطاء جرعات من الدين والتدين للطلاب، وهؤلاء ينادون بعزل الدين عن التعليم وتكثيف المواد الرياضية أو العلمية البحتة مثلاً، وتقليل المواد الشرعية، كالحديث والثقافة الإسلامية وغيرها.
يطالبون بعزل الدين عن الإعلام مثلاً، يطالبون بعزل الدين عن الفن، يطالبون -بكل اختصار- بعزل الدين عن الحياة كلها. إذاً: فـالعلمانية هي: عزل الدين عن الحياة.
وأقتصر في نهاية هذه المحاضرة على أسلوبين من أهم أساليب المواجهة:
إذاً لا بد من فضحهم وكشفهم، وبيان عوراتهم، خاصة وأن كثيراً من العامة ينخدعون بهم، وهذه مصيبة، أن تسير الأمة خلف ركابهم مخدوعة، لأنهم يستخدمون ألفاظاً إسلامية، وقد يستشهد أحدهم بآية أو حديث، أو كتاب لأهل العلم، وقد ينقل قاعدة فقهية، وقد يتكلم، وقد يصلي أحياناً، وهذا الفضح لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون من خلال التشويش والتهويش والغضب والانفعال والصراخ أبداً، يجب أن يكون من خلال الوثائق والحقائق والمعلومات الدامغة التي تجعل حتى عدوك لا يملك إلا أن يوافقك على ما تقول.
إخوتي الكرام! إن هذا التاريخ الذي سمعناه عن تركيا وعن غيرها من البلاد الإسلامية التي سقطت في أيدي العلمانيين يعيد نفسه.
ومن وعى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمرهِ |
فينبغي أن نتعظ بغيرنا، وأن ندرك جيداً الخطط التي يبرمها علمانيو هذه البلاد للهيمنة على المجتمع، وجره إلى التعاسة والشقاء، ومحاولة مسخ دين هذا البلد وعقائده وأخلاقه، بل وحتى عاداته الاجتماعية، وجعله قطعة من بلاد الغرب التي فيها درسوا، والتي من ألبانها رضعوا.
أسأل الله عز وجل أن يكفي المسلمين شرهم، وأسأله -جل وعلا- أن يفضحهم وأن يكشف عوارهم للمسلمين عامة حتى يحذروهم، ويدركوا خطرهم، كما إني أسأل الله تعالى وأتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أن يجعل في قلوب المؤمنين الحماس والرغبة الصادقة في العمل الجاد لما يرضيه، وفي الجهاد الصادق في سبيله، وفي قول كلمة الحق، وفي الدعوة إلى الله تعالى، وفي جمع الكلمة، وفي بذل النصيحة، وفي محاولة رد كيد الكائدين، سواء كانوا من العدو الداخلي المستتر، أم من العدو الخارجي المعلن، وأسأله تعالى أن يكلل العاملين بالنجاح، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص؛ إنه على كل شيء قدير، وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
الجواب: إن كانت العلمانية مشتقة من العلم كما ذهب إليه بعض الباحثين فنعم، هذا من باب تسمية الشيء باسم ضده، أو باسم لماع جذاب مؤثر في نفوس الآخرين، وأما إن كان مشتقاً من أمر آخر كما ذهبت إليه بعض الدراسات الدقيقة، فالأمر يختلف.
وما هي طرق الحصانة منها؟
الجواب: من أهم وسائل العلمانيين أنهم يحاولون الهيمنة على وسائل التأثير، التي تدخل إلى كل بيت، بل إلى كل عقل، كالجريدة والصحيفة والمذياع والتلفزة والكتاب، فضلاً عن المؤتمرات، فضلاً عن الندوات وغيرها، ومن خلال ذلك يحاولون أن يؤثروا في عقول الشباب، كما أنهم يستغلون الأدب والشعر، لمحاولة إيصال هذه الأفكار التعيسة إلى عقول عاشقي الأدب والشعر.
الجواب: في الواقع أن لفظ الأصولية ينبغي أن يعلم الجميع أنه مصطلح نصراني، ولم نعلم هذا المصطلح إلا في دوائر المخابرات الغربية، التي أطلقت هذا المصطلح على المسلمين، وتعني بالأصولية ما نسميه نحن في هذه البلاد بـالسلفية، فالأصولية أصلاً تعني أن فئة من النصارى أنفسهم، وهم يسمون بالحرفيين، حسب ما ذكرت بعض الدراسات أنهم الذين يفهمون الكتاب المقدس عند النصارى فهماً حرفياً، ولا يقبلون أي تأويل فيه، فأطلقوا هذا الاسم على المسلمين الذين يعتبرون أنهم سلفيون، مثلاً الحركة الوهابية التي قادها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذه تسمى أصولية عندهم، لأنها حركة جهاد وليست حركة سياسية، أي: ليست بحركة سياسية تؤمن بالوسائل الدبلوماسية والمداهنة والمجاملة على حساب الدين، لا. بل هي حركة صريحة واضحة متميزة، من أهم أصولها الولاء والبراء وتمحيص ذلك، قضية تحقيق العبادة، قضية البراءة من الطاغوت.. إلى غير ذلك من المعاني والأسس التي قامت عليها.
فنقلها بعض بني قومنا إلى صحفهم، وبدءوا يتداولونها ويطلقون لفظ الأصولية، واستغل بعضهم الخطأ الذي وقعت فيه بعض الطوائف الإسلامية، في ضجيج المشاكل القائمة، حين أيدت العراق في مواقفه، وحاولوا أن يستغلوا ذلك بإلصاق شتى التهم بكل من ينتسب إلى الدعوة الإسلامية، وأطلقوا عليه لفظ الأصولية، مع أن المقصود بلفظ الأصولية في دوائر الإعلام الغربي بالدرجة الأولى هذه البلاد، فهم قد يقولون: الأصولية في مصر تتمثل في جماعات أو فئات، وكذلك في أفغانستان، لكن في السعودية كما يقولون: يعتبرون أن الأمة أمة أصولية.
هل من الممكن أن تذكر بعض رموز العلمانية في بعض البلدان الإسلامية، التي تقوم بدور في هتك أستار الإسلام والمسلمين؟
ما هي الأقنعة التي ترتديها العلمانية متمثلة في رموزها لكي تخدر الأمة بأسلوب الصحافة أو غيرها؟
الجواب: ترتدي كل قناع دون حياء كما ذكرت لكم، حتى الإسلام يمكنه أن تتاجر به في فترة من الفترات، وهم غالباً يظهرون على أنهم رموز وطنية، مخلصة، مع الوطن في أزماته وشدائده، وهم الذين أثبتت الأحداث ولاءهم، هذا الذي يحاولون أن يلقوه في قلوب الناس.
الجواب: نحن نطالب المؤمنين ونطالب الشباب المتدين دائماً بأن ينطلق من منطلقات إدراك المصلحة، وذلك أن الإنسان قد يتصرف بأحد سببين، وأود من أحبتي الشباب أن يدركوا ذلك جيداً؛ أحياناً قد يتصرف الإنسان من منطلق أني أريد أن أُنَفِّسَ عن نفسي، أنا أجد في نفسي شيئاً أريد أن أنفس عنه، فهنا عليه أن يدرك جيداً ما هو الدافع، ليس الدافع دافعاً شرعياً مصلحياً، إنما هو دافع غضب شخصي ذاتي، هذا لا كلام لنا فيه، ولا أعتقد أن مسلماً يرضى لنفسه أن يكون هذا منطلقه.
الأمر الآخر: أنك تجد الشاب يقول: أنا دافعي الغضب لله ورسوله، والغيرة على الحرمات، والحرص على مصلحة الإسلام، حينئذٍ نقول له: الحرص على مصلحة الإسلام يتطلب منك أن تدرس أي أمر قبل أن تقدم عليه، لأن نفسك قد تدعوك إلى أمر العاطفة القوية، أو الغضب لله ورسوله، أو الاستفزاز من قبل الأعداء، فتتصرف تصرفاً هو في الحقيقة ليس في المصلحة، وأود أن أقول: إن العلمانيين من خططهم -كما أشرت أثناء المحاضرة- في ضمن سياق تاريخهم، أقصد به التطبيق على الواقع- أن العلمانيين من ضمن وسائلهم في كثير من الأحيان، يحاولون أن يقوموا بحركات استفزاز، حركات استفزاز لمشاعر الأمة، لمشاعر المتدينين، لمشاعر العلماء، لأنهم يتمنون أن يحصل الخطأ، حتى يرقصوا على هذا الأمر، ويجعلوا من الحبة قبة، ويبنوا هناك جبالاً من المخاوف، مبنية على أمر واحد، أو تصرف واحد، والغريب أنني لا أعلم في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، أن هناك ثورة قامت في بلد باسم الإسلام، لكن كم من الانقلابات كشفت شيوعية، أو علمانية، أو لا دينية، أياً كان لونها! ومع ذلك تجد الخوف الشديد عند كثير من هؤلاء من الإسلام، ولعل من أهم الأسباب هؤلاء العلمانيون الذين يحاولون أن يدقوا طبول الخطر من الإسلام باستمرار.
الجواب: أقول: الحل هو واجب الجميع، وليس واجب جهة واحدة فقط، فإن من السهل أن نجعل المسئولية على جهات مختصة، وندع ما سوى ذلك، لكن أليس أولادي وأولادك وبناتي وبناتك هم الذين يدرسون في هذه المدارس؟!
فلماذا لا نسهر على تصحيح هذه المناهج؟!
لماذا لا نسهر على تنقيتها؟!
والواقع يقول: إن التنقية ما زالت ممكنة، الآن ما زالت التنقية ممكنة، وقد جربت وجرب غيري أن تدوين بعض الملاحظات على بعض المناهج الدراسية، أو حتى على أسس المناهج وإيصالها إلى الجهات المختصة، كوازرة المعارف مثلاً، أو رئاسة تعليم البنات، إنها تثمر بكل حال، فهذه مسئوليتنا جميعاً، كما أن على الإنسان ألا يعمد إلى أولاده، فيسلمهم لغيره ليربيهم، بل عليه أن يشارك هو في تربيتهم حتى لو فرض أن المناهج قاصرة، أو فيها أشياء يريد أن يمسحها من أذهان بنيه وبناته، فإن عليه أن يقوم بدوره هو في ذلك، في التربية، وفي تكميل المهمة.
وهل كان للشباب ردة فعل؟
الجواب: في الواقع أن المسلمين كلهم من الشباب والشيب والرجال والنساء، كان لهم ردة فعل، لا أبالغ إذا قلت: إنني لا أعلم أنني رأيت في قلوب الناس وفي نفوسهم وعلى سحناتهم من الغضب والتأثر ما رأيته في تلك الحادثة، وأحلف بالله الذي لا إله غيره، إنني لا أذكر أنني رأيت في الناس الإجماع على رفض أمره، والامتعاض منه والتذمر والإنكار بكل وسائل الإنكار مثلما رأيت في تلك الأيام، أمر غريب في الواقع! وهو ترمومتر كشف لنا فعلاً عن أصالة هذه الأمة، وأنها وفية للإسلام أبداً:
بلاد أعزتها جيوش محمد فما عذرها ألا تعز محمدا |
هذه بلاد محمد صلى الله عليه وسلم، هذه وفية لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيها دينه، فيها القبلة، فيها المسجد الحرام، فيها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فيها درج أتباعه، فيها قام بنيانه، وهي للإسلام إلى قيام الساعة، أما من وراءها، فلا شك أن وراءها كثيرين، منهم نحن، فإننا بتفريطنا في مقاومة المنكرات التي سرت في مجتمعنا، وفي كشف رموز الفساد في مجتمعنا، وفي القيام بواجب الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ساهمنا في صناعة هذا الحدث، لم يكن ما حدث ليحدث لو كنا يقظين واعين، لو كان كل امرئ منا يعلم أنه على ثغرة من ثغور الإسلام؛ فيجب أن يظل منتبهاً لا ينام يحرس هذه الثغرة لئلا نؤتى من قبلها.
ما الذي يدري الإنسان؟
ربما تحدث أحداث في المستقبل، قد يكون أقرب قريب لك مشاركاً فيها، لماذا؟
لأنك لم تقم بدورك، قد يكون الواحد منا في بيته لغزاً، مهمته أن يأكل ويشرب وينام، أما ما سوى ذلك فخارج البيت، إما في العمل، أو الوظيفة، أو المزرعة، أو المتجر، أو ما أشبه ذلك، لا يراه أطفاله إلا على وجبة الغداء أو العشاء، إذا لم يكن معزوماً على الغداء أو العشاء، فنحن ساهمنا بذلك.
العلمانيون في البلاد لا شك أنهم وراء الموضوع، الأعداء في الخارج دائماً وأبداً يتحالفون مع من يوافقهم في الداخل، ولذلك أجهزة الإعلام الغربي طبلت كثيراً وراء هذا الحدث، وتكلمت عنه وضخمته، وجعلت من الأربعين تسعين، واعتبرت هؤلاء النسوة نموذجاً للمرأة السعودية المثقفة نموذجاً للجيل الجديد، وتناست وتجاهلت هذه الحشود الهائلة الرافضة، وهي والله بعشرات الألوف الرسائل والبرقيات -كما بلغنا- للاستنكار من هذا العمل، تجاهلوا كل هذا، وأبرزوا ثمانين، امرأة، ثم قالوا: المرأة السعودية الجديدة المثقفة أصبحت تتمرد على القيود!
الجواب: على كل حال مسألة الدعوة إلى الوطنية أصبحت معروفة على أنها نعرة قومية جاهلية، باعتبار أن الذين تبنوا الدعوة الوطنية -كما ذكرت لكم بعض أقوالهم- أنهم ليسوا من أولياء الإسلام وأهله وحزبه، لكن إذا جردنا هذا الموضوع، ونظرنا إلى قضية الدفاع عن الأرض التي يقيم بها المسلمون: ما حكمها؟
فحينئذٍ لا شك أن الدفاع عن هذه الأرض ضد المعتدي مشروع، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد} لكن عليك أن تدرك أن القتال حينئذٍ ليس فقط من أجل التراب لأنه الوطن الذي نشأت فيه، وأقلتني أرضه وأظلتني سماؤه.
الشمس أجمل في بلادي حتى السماء هناك أجمل |
إنما من أجل أن تظل البلاد بلاد الإسلام، من أجل حماية القائمين والعاكفين والركع السجود، من أجل حماية أعراض المؤمنات، من أجل إقامة حكم الله عز وجل في جميع شئون الحياة، من أجل تطبيق شريعة الله تعالى، وليس من أجل ترابها كما يقولون!
وهذا سؤال مشابه، يقول: قلت: لا مكان للعلمانية، ونسأل الله ذلك، لكن الملاحظ أن البلاد تعج بكثير من المغريات على شكل مجلات هابطة خليعة، وكتب مملوءة بالأفكار العلمانية الصريحة، وغيرها كثير، وهذه الأشياء متوفرة في كل مكان، ويقرؤها كثير من الشباب غير الواعي، مما يكون له أثر سلبي، لماذا لا تصدر مجلات إسلامية من عندنا لترد على أي مخرب، وليعي الشباب المسلم ما يدور حوله؟
الجواب: إن الدعوة لإصدار مجلات إسلامية أو جرائد إسلامية أصبح مطلباً ملحاً، واجهني في عدد من البلاد التي زرتها، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، أحداث الخليج، ثم بعد الأحداث الداخلية، أما وجود هذه المجلات الخليعة، فلا شك أن المسئولية عندنا على شقين:
الشق الأول على ولاة الأمر، ولا شك أن دخول مثل هذه المجلات لا يجوز، لما فيه من تعريض المؤمنين للخطر والفتنة سواء الفتنة، في أديانهم بما فيها من الشبهات، أو الفتنة في أخلاقهم بما فيها من الشهوات، التي تدعو إلى الرذيلة، ولا شك أن مجرد النظر إلى تلك الصور فيه من الفتنة ما فيه، وكثير منها تتاجر بصورة المرأة، لا تملك أكثر من هذا، وكلما كانت المرأة، التي في الغلاف أجمل كانت المبيعات أكثر، هذا كل ما عندهم، أفلسوا من كل شيء، وأصبحوا يدغدغون عواطف الشباب ومشاعرهم، برسم صور الجميلات على أغلفة المجلات.
أما المسئولية الثانية وهي تعنينا الآن، لأنه ليس هناك داعٍ أن نقول: لماذا توجد؟
ثم نقف متفرجين! هو أن نكون نحن إيجابيين في التغيير، وأعلم أيها الإخوة عدداً من البلاد أغلقت محلات الغناء فيها أبوابها عن آخرها، أكثر من بلد، لماذا؟
لأن أهل البلد تضافروا وتعاونوا على إزالة هذه المحلات بالنصيحة، فأثرت النصيحة في جماعة من هؤلاء، وتركوا المحلات، بعضهم أراد أن يبيعها فاشتروا منه وأغلقوه، أو حولوه إلى محل لبيع المواد الطيبة المفيدة، وبذلك أصبح لا يوجد فيها محل للغناء، أماكن أخرى لا تجد فيها مجلات سيئة، حتى أصحاب المحلات مثلاً، صار أهل البلد نتيجة التوعية والدعوة، صاروا يشترون بضائعهم من عند صاحب البقالة الذي لا يبيع الدخان، لا يبيع المجلة السيئة، ولا يبيع الشريط السيئ المنحل، ولا يبيع مجلات الأزياء، حتى إن أحدهم يأتي إلى البقالة مثلاً فيشتري بضاعة بأربعمائة ريال، فإذا اشتراها رفع رأسه فقال: هاه سبحان الله! تبيع الدخان! لا نأخذ شيئاً، خذ بضاعتك، أبقها عندك، لا يشتري، يذهب ويتركها، فيصاب هذا بصدمة.
مرة من المرات قال أحدهم: نحن لا نحب أن نبيعها، لكن لأجل الزبائن، لكن قلت له: أنا لست من الزبائن؟
تجاملهم ولا تجاملني؟
أنا أترك بضاعتك، إذاً نستطيع إذا كان كل واحداً منا إيجابياً، فقط نريد منكم شيئاً واحداً هو أن نكون إيجابيين جميعاً، لا نلقي بالمسئولية على أحد، ثم نمشي ونقول انتهينا: لا، نريد من كل واحد أن يكون إيجابياً بقدر ما يستطيع.
الجواب: الآية ذكر الله عز وجل فيها أن أشد الناس عداوة للمؤمنين هم اليهود والمشركون، وأن أقرب الناس مودةً للذين آمنوا هم الذين قالوا: إنا نصارى، وعلل الله عز وجل ذلك بقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [المائدة:82-84] إلى آخر الآيات، المهم إذا جاءنا شخص وكان نصرانياً قال: آمنت بالله، وبرسل الله، وبما جاء من الحق، ودمعت عيناه من قراءة القرآن، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهو أخونا وإن كان بالأمس نصرانياً، لكن اليوم أصبح مسلماً، له مالنا وعليه ما علينا، هذه واحدة، وإلا فإن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] فاليهود والنصارى وإن كانوا أعداءً في مرحلة من مراحل التاريخ إلا أنهم حلفاء حين يكون العدو هو الإسلام، وما الحلف الذي نشهده اليوم بين إسرائيل والدول الغربية، وبين إسرائيل والدول الشرقية، بإمدادها بالأموال وبالصناعات وبالخبرات وبالرجال وبالمعلومات، إلا دليل صارخ على أن هذا الحلف لا ينفك أبداً، حتى والمسلمون في أضعف فترات تاريخهم، حلف كبير وعميق وراسخ، وثقوا بأن أوروبا لا تثق بالعرب وإن جاملتهم، وأمريكا وإن جاملتهم وسايرتهم، إلا أن حليفها التاريخي الذي تطمئن إليه هو إسرائيل، وتعتبر أنها هي الورقة الرابحة دائماً وأبداً بيدها في المنطقة، ومن خلالها تحاول أن تنفذ ما تريد من مخططاتها.
الجواب: في الواقع أن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يجب أن نتذكر أنه من أهم الأسباب التي يدفع الله تعالى العذاب عن الأمم، كما نص على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث زينب في الصحيحين: {لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، قالت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث} متى يكثر الخبث؟
إذا تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجب أن يكون هذا هماً عند كل امرئ منكم، بدءاً بالعلماء وطلبة العلم وغيرهم، فإنهم قادة الناس في هذا الأمر، وقد حملهم الله عز وجل من المسئولية ما ليس على غيرهم، ومروراً بالشباب المتدين وسائر الأمة، تأمر نفسك وتأمر غيرك، وتأمر مَنْ في بيتك، وتأمر جيرانك، وتأمر زملاءك في العمل، وتأمر سائر الناس، ولو قمنا بهذا الدور لتغيرت أشياء كثيرة كما ذكرت في الجواب قبل قليل.
الجواب: هناك كتب للتعريف بـالعلمانية لعل من أفضلها وأوسعها، خاصة من الناحية التاريخية وعرض كيف نشأت العلمانية في أوروبا، كتاب الدكتور الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله العلمانية وأثرها في الحياة الإسلامية المعاصرة وكذلك هناك كتاب مفيد جداً لـإسماعيل الكيلاني، اسمه فصل الدين عن الدولة وهناك تهافت العلمانية لـعماد الدين خليل، إلى غير ذلك من الكتب، أما أفضل طريقة لمعرفة العلمانيين فهم كما حكى الله عز وجل عن المنافقين وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30].. اجمع تراثهم وكتاباتهم ومقالاتهم الصحفية ودواوين شعرهم وتعليقاتهم ومشاركاتهم، واقرأها جميعاً، تستخرج منها معالم واضحة يدورون حولها.
الجواب: علاقتهم أنهم يصطادون في الماء العكر، ويستغلون كل فرصة للانقضاض والاستفادة من انشغال الأمة بالأحداث الكبرى، كما فعلوا حين وجدوا الأمة مشغولة بأحداثها الكبرى، ففاجئوا الأمة بهذا الحدث الذي أنسى ما قبله، وجعل أعصاب الناس كلها مشدودة تجاه هذا الحدث الجديد.
الجواب: في الواقع أن ذكر رءوس العلمانية وأسمائها واجب شرعي، وكما أن علماء هذه الأمة في الماضي كشفوا أهل البدعة وتكلموا عنهم ولا كرامة، وفضحوهم بفسقهم، واعتدائهم على كلمة الله عز وجل بتعريتهم وحماية الأمة من شرهم وفسادهم، وكما أن علماء الأمة في الماضي تكلموا عن رجال الحديث جرحاً وتعديلا، فقالوا: فلان ضعيف، وفلان سيئ الحفظ، وفلان كذاب، وفلان متهم، وفلان يسرق، وفلان وفلان، كذلك واجب على علماء هذا الزمان فضح وتعرية رءوس العلمانية، ولكن من خلال الوثائق كما ذكرت لكم، وبناءً عليه فلو ذكرت لكم رموز العلمانية الآن، لما كنت موافقاً للمنهج الذي قلته، أن يكون الفضح من خلال الكلام والحقائق والوثائق، لا من خلال حكم أطلقه دون أن أقدم لكم دليلاً عليه.
الجواب: لقد سبقت الإجابة على بعض هذه الأسئلة، أما متى ظهرت؟
يعتبرون أن حركة مسيرتهم التي أعلنوها بداية لظهور العلمانية، والتغريب والتخريب، وتحرير المرأة بصورة واضحة مكشوفة، على أنهم كانوا قبل ذلك يعملون في السراديب المظلمة، كالخفافيش التي لا تعمل إلا في الظلام.
فقال لهم: إنها تقع في قلب الجزيرة، وهي منبع الأصولية، إذاً فالخطر من الأصولية، وهذا يؤيد ما ذكرت، فالأصولية التي يذكرونها هي هذه الديار حفظها الله من كيدهم ومكرهم.
الجواب: لي رجاء للأخ الذي كتب السؤال، والإخوة جميعاً، أن ننهي كلمة: أين دور، أين دور هذه اجعلوها مؤقتاً على الرف، أين دور فلان؟!
أين دور كبار العلماء؟!
أين دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
أين دور المسئولين؟!
هذه ينبغي ألا نقولها، ينبغي أن ننصح من نستطيع نصيحته، وهذا مطلوب، الشيء الثاني: أن نقوم بما نستطيع أن نقدمه، عندك شيء تستطيع أن تقدمه للإسلام أسرع به، فالنار تشتعل في بلاد الإسلام، غير هذا ليس هناك داعٍ؛ فعلى رغم أن العدو يدق الأبواب ما زلنا في مرحلة التلاوم، المسئولية على فلان، أين دور فلان؟
أين دور علان؟!
بالأمس جاءني أحد الشباب مغضباً، والشرر يتطاير من عينيه! فقال أين دوركم؟
ماذا تصنعون؟
من لم يتحمس في الوقت فمتى يتحمس؟!
وأصبح يرتجل عليَّ خطبة عصماء قوية، فلما انتهى قلت: بارك الله فيك، نحن نريد أن نعمل شيئاً لكن نريد أن تشارك معنا، نريد أن تقوم معنا بعمل، هل لديك استعداد؟
فبدأ ينسحب شيئاً فشيئاً، قال: والله إذا كان على الكتاب والسنة، وهل نحن سنأمرك بما في التوراة والإنجيل؟!
نحن لا نأمرك إلا بما في الكتاب والسنة، وإن وجدت ما يخالف فاعترض.
فكثير من الناس يجيدون تحديد مسئوليات الآخرين، وتوزيع الصلاحيات، ويخرجون هم أبرياء، وكثيراً ما أذكر لبعض الإخوة، وربما سمعتموها مني في بعض المحاضرات، كلمة أو مثلاً يُضْحَكُ به، ويتندر على أمثالنا، أننا نقول: المشاكل التي نعيشها من صنع الجيل السابق، وسيحلها الجيل اللاحق، إذاً نحن خرجنا خارج الدائرة، ولا يرضى امرؤ عاقل -وهبه الله عز وجل نعمة الإسلام- لا يرضى لنفسه هذا الدور، أن يكون صفراً على الشمال، يجب أن يقوم كل امرئ منا بدوره ولو كان صغيراً.
في ختام هذه الجلسة الطيبة المباركة أكرر وأجدد شكري القلبي العميق لمشايخي وإخواني المشايخ، من رجالات هذا البلد، وفضلائه وعلمائه، ولإخواني المشايخ الذين قدموا من بلاد أخرى، وأسأل الله أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر