إسلام ويب

لقاء مفتوح حول قضايا المرأةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للمرأة دور كبير في المجتمع الإسلامي الذي ارتفعت فيه منـزلتها، ونالت حقوقها، وينبغي للمرأة أن تكون على المستوى الذي أنيط بها في جانب الدعوة إلى الله. هذا هو حديث الشيخ حفظه الله في هذا اللقاء المفتوح.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إنما هذا الاجتماع لقاء مفتوح حول قضايا المرأة، وقد آثرت أن يكون عبارة عن حوار من خلال بعض الأسئلة التي تشعر المرأة بضرورة وأهمية وحاجة الحديث عنها؛ انطلاقاً من واقعها ومشكلاتها وما تواجهه في حياتها العملية أو الدعوية. ليس ذلك شحاً في الموضوعات فإن الموضوعات التي تحتاج المرأة إلى الحديث عنها كثيرة.

    خطاب التكليف عام في المرأة والرجل

    وبصورة عامة فإنني أعتقد أنه ليس ضرورياً أن يكون الحديث إلى المرأة -دائماً- حديثاً خاصاً موجهاً إليها هي بالذات، فإن هذا الفصل بين المرأة والرجل? -الفصل الكامل- ليس له مكان، بمعنى أن الأصل في جميع التكاليف أنها موجهة إلى الرجل والمرأة على حد سواء! وأن الأنشطة الموجودة في المجتمع المسلم تشارك فيها المرأة كما يشارك فيها الرجل مع الالتزام بالضوابط الشرعية الواردة! وقليل جدّاً من الآيات والأحاديث التي نـزلت تخاطب المرأة بالذات، أو تخاطب المرأة والرجل مع التنصيص على كل منهما، فأنتِ -مثلاً- قد تجدين في القرآن قول الله عز وجل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] ذكر الرجال وذكر النساء أيضاً، أو مثل قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] ثم في الآية التي تليها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31].

    لكن هذا ليس بمطرد؛ بل الغالب أن النصوص في القرآن والسنة تأتي عامة ويخاطب فيها الجميع، دون حاجة إلى تخصيص الرجال دون النساء أو تخصيص النساء دون الرجال، وعلى سبيل المثال فقول النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: {طلب العلم فريضة على كل مسلم } هذا الحديث اختلف العلماء فيه والراجح أنه حديث حسن؛ لكن بعضهم جاء بزيادة لفظ في الحديث وهي: {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} هذه الزيادة ليست بصحيحة ولا يحتاج إليها أيضاً، لأن قولنا على كل مسلم ليس المقصود به الرجل بالذات، بل المقصود به كل من اتصف بصفة الإسلام سواء أكان رجلاً أم امرأة، عربياً أم أعجمياً على حد سواء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي وغيره وسنده لا بأس به أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إنما النساء شقائق الرجال} الله تعالى خلق آدم وخلق حواء قال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1].

    فالمرأة خلقت من الرجل ومع الرجل، وهي شريكته في الحياة ورفيقة دربه وسفره، ولذلك لا يكون ثَمَّ حاجة في النص الشرعي إلى أن يكون هناك نص على الرجل، وبعد ذلك نص على المرأة كما هي الحال بالنسبة لبعض القوانين الوضعية، لا؛ لأن الله تعالى يخاطب المسلمين جميعاً بخطاب واحد، إلا إذا كان هناك حكم يخص الرجال بينه الله تعالى، أو هناك حكم يخص النساء بينه الله تعالى، وإذا لم يوجد هذا، ولا ذاك فالأصل أن الحكم عام شامل للجميع? ولا يحتاج الأمر إلى تخصيص فئة دون أخرى أو جنس دون آخر، وهذا من كمال عناية الإسلام بالمرأة ورفعه لمقامها جعل الخطاب لها مع الرجل على قدم المساواة كما هو الأصل.

    النقلة التي حققها الإسلام للمرأة

    ولا يدرك عظمة النقلة التي حققها الإسلام للمرأة إلا من تصور وضع المرأة في المجتمع العربي الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ونـزل القرآن بلغته، كان ذلك المجتمع يبخس المرأة كل حقوقها أو أكثرها، وبما في ذلك حق الحرية في اختيار الزوج، وحق الميراث، وحقوق كثيرة جداً عادية فضلاً عن الحقوق الأخرى، كان المجتمع العربي في الجاهلية يحرم المرأة منها، وكانت مناداة الإسلام بحقوق المرأة في ذلك المجتمع من الأسباب التي تجعل العربي -أحياناً- يتوقف عن قبوله؛ لأنه أتى بأشياء مخالفة لما ألفه، ومع ذلك صدع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوة على رغم ما فيها من مخالفة لمألوف الناس ومعهودهم وموروثهم؛ حتى أثبت الإسلام للمرأة تلك المكانة الرفيعة العظيمة.

    وكم يدرك الإنسان العجب حينما يقارن مثلا بين المرأة في المجتمع الجاهلي حين كان الرجل يخجل أن يحمل بنته الصغيرة على كتفه أمام الرجال، ويرى أن هذا عيب ينقص من قدره، أو يحط من رجولته وإنسانيته، فكبرياء أبي جهل أو أبي لهب لا تطيق أن يحمل أنثى على كتفه أو يضعها في حجره في مجتمع الرجال؛ بل كان يصل الحال ببعضهم إلى أن يئدها وهي حية خوف العار، أو خوف الحاجة، فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام تحدى هذه الأشياء؛ تحداها ليس بقوله فقط بل تحداها بفعله وهذا أكبر وأخطر، فكان عليه الصلاة والسلام.. لا أقول: يحمل بناته هو على كتفه أو يضعهن في حجره فهذا أمر طبيعي؛ لكن حتى بنات الناس تولد البنت لبيت من بيوت المسلمين فيأتون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لها بالبركة ويضعها في حجره، ويطيب خواطر أهلها بمثل هذا العمل على مرأى ومسمع من أصحابه، متحدياً بذلك كثيراً من العوائد والموروثات والتقاليد التي كانت موجودة في البيئة الجاهلية العربية الأولى، فيدرك الإنسان عظمة النقلة التي أحدثها الإسلام.

    هذا فضلاً عن أشياء أخرى كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها: -مثلاً- تأتي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فيقوم لها ويجلسها إلى جنبه. ما كانت البيئة العربية تطيق مثل هذا الأمر ولا تعرفه، أو اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بزوجته عائشة وبقية أزواجه حتى يصل الحال إلى أنه يسافر فيسافر بها معه، أو يقول لأصحابه: تقدموا، ثم يتسابق هو وإياها، ومرة أخرى يتسابق، وفي الأولى فازت عائشة، وفى الثانية فاز النبي صلى الله عليه وسلم فكان يمازحها ويقول لها: {هذه بتلك} أي غلبتيني مرة وغلبتك مرة أخرى.

    ضعف المرأة هو مكمن قوتها وخصائصها

    ورث أصحابه عنه هذا الأمر، وخلعوا ما كان في الجاهلية من احتقار المرأة أو ازدرائها أو الحط من قدرها، ورفعوا مكانتها، ورأوا أنه من الطرق الموصلة إلى رضوان الله تعالى والجنة العناية بالمرأة والاهتمام بها وتكريمها، وكيف لا وهم يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة} فيعتبر أن هذا الضعف الفطري في المرأة مدعاة إلى تقديرها واحترامها وحفظها وصيانتها، وهو الضعف الذي جعلها أنثى تسد هذه الخانة الموجودة في المجتمع، فهو ليس ضعفاً تعاب به أو تؤاخذ أو تنتقص؛ بل على النقيض لو حاولت المرأة أن تخرج من إطار أنوثتها لتترجل أو تتشبه بالرجال لفقدت أخص خصائصها، إذ قوة المرأة هي في ضعفها، وكما قال الشاعر العربي وهو يخاطب المرأة:

    أتجمع ضعفاً واقتداراً على الهوى      أليس غريباً ضعفها واقتدارها

    فهذا الجانب هو الجانب الذي تميزت به المرأة عن الرجل وبه أصبحت المرأة قادرة على إدارة شئون البيت، وعلى تربية الأطفال، وعلى ملء قلب الرجل، وعلى القيام بمهماتها الحقيقية داخل المجتمع المسلم.

    المقصود من هذا الاستطراد الإشارة إلى أن الإسلام رفع مكانة المرأة، ومن رفعه لمكانتها أنه لم يجعل للمرأة خطاباً خاصاً يخاطبها به دون الرجل، كما لم يجعل للرجل خطاباً خاصاً يخاطبه به دون المرأة؛ بل الأصل أن الخطاب واحد في الشرع للرجل والمرأة، وقليل جداً من الحالات خاطب الله فيها الرجل دون المرأة، أو خاطب المرأة دون الرجل بأحكام تخص أحدهما.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088539413

    عدد مرات الحفظ

    777208411