أيها الإخوة:إن الله تبارك وتعالى بين لنا في القرآن الكريم أعظم بيان وأوضحه حقيقة هذه الحياة الدنيا،فقال تعالى:وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف:45] وقال سبحانه:إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ [يونس:24] وقال سبحانه: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17].
وبيَّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته أوضح بيان، فقال عليه الصلاة والسلام: {مالي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم قام وتركها} إن هذه الدنيا كما رُوي عن عيسى عليه السلام: [[إنما هي قنطرة يجب على الإنسان أن يعبرها ولا يَعمُرها]] فهذه الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، أما الدار التي فيها القرار فهي الدار الآخرة: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].
وأنتم تعرفون في حياتكم العملية كثيراً من الناس حتى مع غناهم ومع سلطانهم ومع كثرة أموالهم وأولادهم تجدونهم يصابون -مثلاً- بالقلق النفسي أو بغيره من الأمراض فتتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، ويتمنى الواحد منهم أن يتخلى عن كل ما يملك في سبيل تحصيل السعادة التي فقدها، وهذا يبين لك أن الغنى ليس في المال والولد وغيره، وإنما الغنى في القلب، وأن العبد فقير في جميع الأحوال محتاج إلى الله عز وجل ثم هو مع هذا كله؛ حتى ولو فرض بقاء المال والولد والسلطان وحتى لو فرض وجود السعادة في قلبه؛ هو فقيرٌ في هذه الحال، ولا أدل على فقره من أنه يبقى خائفاً من هذا الموت المحتوم المقدور عليه، فهو يترقبه بكرة وعشياً، وهذا الموت هو سلطان جعله الله على رقبة كل مخلوق حتى الرسل والملائكة، فجميع المخلوقين يموتون ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
ولذلك فالإنسان يحس دائماً وأبداً بالخوف والقلق من هذه الأعراض التي تنهشه أو تتناوشه، ثم من هذا الموت الذي لا بد له منه، ولذلك روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطاً مربعاً، وخط في وسطه خطاً خارجاً منه، وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الخط الطويل من جهته التي في الوسط -في وسط المربع- ثم قال صلى الله عليه وسلم: هذا الإنسان -هذا الخط الطويل الخارج من المربع هو الإنسان- وهذا أجله محيط به، وهذه الخطط الصغار هي الأعراض، إن أخطأه هذا نهشه هذا}.
إذاً: فالإنسان معرض لهذه الأعراض من الأمراض والمصائب والنكبات والفقر وغيرها؛ فإن سلم من هذا أصابه هذا ولابد، لأن الدنيا دار أقدار، ولا بد فيها من المصائب لكل إنسان، ثم بعد هذه الأعراض كلها يأتي هذا الموت الذي يقطع على الإنسان آماله وطموحاته وتطلعاته.
هذا هو الإنسان، وإذا كنا جميعاً ندرك حقيقة هذا الأمر وحقيقة هذه الدنيا، فإننا نجد كثيراً من الناس، بل أكثرهم يعيشون دنياهم في خوفٍ وقلق، فلو نظرنا -مثلاً- إلى غير المسلمين بكافة أنواعهم لوجدنا أنهم يعيشون في حالة خوفٍ دائم لا يهنأ لهم ضمير ولا يرتاح لهم بال؛ خوفاً من هذه المصائب والكوارث، ثم خوفاً من هذا الموت الذي يدركون أنه ملاقيهم لا محالة.
ولذلك تجدون الكافرين يشعرون بأن هذا الكون كله عدوٌ لهم، وهم حين يتجهون فيه إلى العلم الذي يكتشفون فيه أسرار الكون؛ يتجهون من منطلق شعورهم بأن هذا الكون عدوٌ لهم فيحاولون اكتشافه، ويسمون هذه الاكتشافات قهراً للطبيعة؛ لأنهم يظنون ويدركون أن الطبيعة عدو لهم.
أما المؤمن فإنه يدرك مع هذا الخوف الذي يصيب قلبه ويعرض له أحياناً أن الملجأ من الله عز وجل هو إليه؛ كما قال الله عز وجل في شأن الثلاثة الذين خلفوا: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118] ويقول سبحانه: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ الذاريات:50].
فالإنسان إذا خاف من شيء فر منه، إلا المسلم فإنه إذا خاف من الله عز وجل فر إليه، ولذلك يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبد الذي يخاف من المصائب، ويخاف من الأمراض، ويخاف من الأعراض، ويخاف من الموت، ويخاف مما بعد الموت، وما بعد الموت أشد من الموت وإن كان الموت أشد مما قبله، المؤمن الذي يخاف من ذلك كله لا مهرب له ولا مفر إلا عبر طريق واحد؛ وهو أن يتعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء ليعرفه الله عز وجل في حال الشدة.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في النصيحة التي وجهها لحبر الأمة عبد الله بن عباس كما يرويها ابن عباس نفسه رضي الله عنه يقول: {كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك -وفي رواية تجده أمامك- تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده.
وهذا الوعد الذي جاء على لسان محمد صلى الله عليه وسلم شهد الواقع والتاريخ بصدقه، فإننا نجد الغرباء الأولين الذين بدأ الإسلام على أيديهم أول مرة؛ نجد أن الله عز وجل كتب لهم من الخير الكثير ما يعرفه الخاص والعام، فهم حين كانوا في مكة والناس حولهم مشركون كثيرون وهم مسلمون قليلون؛ والناس يعادونهم ويرمونهم عن قوس واحدة، نجد أن الله عز وجل يقيض لهم من يحميهم وينصرهم.
حتى إذا مر بهم مرة أخرى قالوا له مثلما قالوا في المرة الأولى، فمضى صلى الله عليه وسلم وتركهم، حتى إذا كانوا في المرة الثالثة قالوا له مثلما قالوا في المرة الثانية، فأقبل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: تسمعون يا معشر قريش، والله لقد جئتكم بالذبح، قال
فلما سمعت قريش بما لقوه في الحبشة أرسلت إليهم من يحاول أن يغير من رأي ملك الحبشة فيهم، ولكن هذين الرسولين باءا بالخيبة والفشل، وقال النجاشي للمسلمين: [[اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي -يعني آمنون- من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم]] وبقي المسلون في الحبشة في خير دار عند خير جار، ثم قيض الله عز وجل لهم بعد ذلك من إسلام الأنصار واستقبالهم وإيوائهم ما لا يخفى على أحد، وكان هذا جزءاً من الخير الكثير الطيب الذي وعد النبي صلى الله عليه وسلم الغرباء في هذا الحديث.
فهذا أيضا نموذج من الخير الطيب والجزاء الحسن في الدنيا الذي أعده الله تعالى للغرباء.
أولاً: التعرف إلى الله عز وجل بالإقرار به والإيمان به ومعرفة أنه لا يتصرف في هذه الأكوان ولا يديرها إلا الله عز وجل، وبهذا يخرج الدهريون والشيوعيون والملحدون والصوفيون وغيرهم ممن لا يؤمن بالله أو ممن يعتقد أن هناك مدبراً للكون مع الله عز وجل.
ثانياً: التوجه إلى الله عز وجل بالعبادة وصرف كل أنواعها إليه سبحانه لا إلى غيره، فلا يبقى الإنسان بدون معبود كما هو شأن كثيرٍ من الضالين والمنحرفين الذين لا يجدون شيئاً يعبدونه، حيث لم تتوجه قلوبهم إلى عبادة الله عز وجل، فمنهم من يعبد الدنيا، ومنهم من يعبد الكرة، ومنهم من يعبد معشوقته، ومنهم من يعبد المال، ومنهم من يعبد غيرها من الأشياء التي لا يدركون أنهم قد عبدوها وهم في الحقيقة قد عبدوها وتألهت قلوبهم إليها.
فلا بد من العبادة، ثم لا بد من العبادة لله عز وجل وحده لا إلى غيره، وهذا هو معنى التوحيد، وهو معنى كلمه لا إله إلا الله: أي لا معبود بحق إلا الله عز وجل، ويخرج بهذا من لا يدركون أنهم عابدون، كما يخرج به من يعبدون غير الله كمن يعبدون الملائكة أو يعبدون الأنبياء أو يعبدون الأولياء أو يعبدون غيرهم من المقربين أو سواهم، فلا بد من التقرب إلى الله عز وجل، والتعرف إليه بالأعمال الصالحة، وكلما زادت عبادة الإنسان وكثرت أعماله الصالحة كان أكثر تعرفاً إلى الله عز وجل، وأكثر قرباً منه، وضمن أن يكون الله عز وجل في الشدائد معه في الدنيا والآخرة.
ثالثاً: التعرف إلى الله بأسمائه وصفاته، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة يقول صلى الله عليه وسلم: {إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر} والله عز وجل له أسماء كثيرة غير محصورة، ولذلك فإن الدعاء المأثور كما نردده في دعاء القنوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنـزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك} والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث الشفاعة الطويل أنه صلى الله عليه وسلم: {يخر ساجداً تحت العرش فيفتح الله عليه فيحمده بمحامد يعلمه إياها ذلك الوقت؛ لا يعلمها الآن} أي: وقت حياته صلى الله عليه وسلم.
فأسماء الله لا يحصيها إلا الله ولكن من هذه الأسماء تسعة وتسعون اسماً لها خاصية هي أن من أحصاها دخل الجنة، فلننظر ما معنى الإحصاء؟
إن الإحصاء يشمل أموراً عديدة:
- يشمل أن تعرف هذه الأسماء، فمن كان لا يعرف هذه الأسماء فهو لم يحصها، فعليك أن تبحث عن كتاب من الكتب التي عنيت بإحصاء أسماء الله الحسنى وتحفظ هذه الأسماء عن ظهر قلب.
- ثم عليك أن تعرف ما معنى هذه الأسماء، فإن لكل اسم منها معنىً مراداً منها تدل عليه لغة العرب، فعليك أن تتعرف على هذا المعنى.
- ثم إن كل اسم منها يدل على صفة من صفات الله عز وجل، فعليك أن تتعرف على الصفة التي يدل عليها هذا الاسم.
ثم عليك أن تُقرِّ بهذه الأسماء وبالصفات التي دلت عليها.
ثم عليك أن تمرر هذه المعاني على قلبك وتحرص على تذكرها بكرة وعشياً، وتعمل بمقتضاها من فعل الطاعات وترك المعاصي.
فإذا فعلت ذلك فإنك حينئذ قد أحصيت هذه الأسماء وقد فزت بالبشارة النبوية، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: {من أحصاها دخل الجنة }.
إذاً: التعرف إلى الله عز وجل يكون بثلاثة أمور:
أولاً: بالإقرار به وتوحيده.
ثانياً: بصرف العبادة إليه والتقرب إليه بالأعمال الصالحة.
ثالثاً: بمعرفة أسمائه وصفاته والعمل بمقتضاها من فعل الطاعة وترك المعصية.
فإذا تعرفت إلى الله عز وجل بهذه الأشياء في حال الرخاء، كان الله عز وجل لك في الشدة، سواء الشدائد التي تعرض لك في الدنيا من الفقر أو المرض أو غيرها، أو في الشدة التي تعرض لك لا محالة عند نـزول الموت، أو في الشدة التي تعرض لك في قبرك أو في الشدائد التي تواجهك بعد اليوم في يوم القيامة.
وهذا وعد صادق من الله عز وجل على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
فأولاً: الإنسان يحتاج إلى الثبات على دينه، وإلى أن يكون الله عز وجل موفقاً له في ذلك ليحفظه من الشهوات ومن الشبهات.
فإذا عرفت الله عز وجل في الرخاء عرفك فيما يعرض لك في شئون دينك، فحفظك من الشبهات التي قد تصدك عن سبيل الله، ولذلك يذكر الله عز وجل في كتابه قصة ذلك الرجل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، يقول تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176].
وإنك تجد كثيراً من الناس تعرض لهم في فترة من فترات عمرهم -خاصةً في فترة الشباب- بعض الشبهات والوساوس التي تتعلق بالألوهية أو بالنبوة أو بغيرها من قضايا الاعتقاد، فإذا كان الواحد منهم صادقاً في اللجوء إلى الله عز وجل فسرعان ما تزول هذه الشبهة وتغادر قلبه، حتى ولو لم يقرأ في الكتب ولو لم يجد حلاً لما أشكل عليه من القضايا والمشكلات والشبهات، وإنما يدفع الله عز وجل عنه التفكير في هذا الأمر ويغادره إلى غير رجعة ويصبح مطمئن القلب بالإيمان.
وتجد آخرين مهما أوتوا من العقل والعلم؛ ومهما قرءوا وسمعوا تجدهم يعانون من ألوان الشبهات بسبب ضعف يقينهم، وضعفت عبادتهم، وضعف تعرفهم إلى الله عز وجل في الرخاء فلم يتعرف عليهم في الشدة.
وكذلك قد يعرض للإنسان مصيبة في شأن دنياه كما عرض لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار، فقال الله عز وجل: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] وهذا كما قال أحد الشعراء:
خذوا إيمان إبراهيم تنبت لكم في النار جنات النعيم |
فهذا الأمر هو سنة الله عز وجل في أنبيائه وفى أتباعه، فإذا صدقوا في التقرب إليه والتعرف عليه كان الله عز وجل لهم في حال الشدة.
وإنني أضرب لكم في نهاية هذه الكلمة مثلين متقابلين يبينان الفرق بين من تقرب إلى الله وبين من تنكر لله عز وجل:
المثل الأول: هو ما حكاه الله عز وجل من قصة يونس عليه السلام: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:140-141] حين أداروا القرعة فوقعت على يونس -عليه السلام- فألقوه في اليم فالتقمه الحوت وهو مليم، يقول الله عز وجل: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144] فإنه لما قال: سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] قال الله عز وجل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ [الأنبياء:88] ثم بين تعالى أن هذا ليس خاصاً بيونس بل هو عام لكل من تعرفوا إلى الله عز وجل في الرخاء فقال: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88].
وانظر إلى المثل الآخر المقابل لذلك، وهو مثل فرعون حين أطبق عليه البحر وأدركه الغرق، فحينئذ أدرك فرعون أنه هالك لا محالة، وأدرك أن ما كان له من المال والولد والسلطان والخدم لم يعد ينفعه، فقال: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] قال ذلك بعد فوات الأوان، فجاءه الجواب: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:91-92].
وفى الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه وقال: حديث حسن صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يقول: كيف لو رأيتني يا محمد وأنا آخذ من حالِّ البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة} وفعلاً بين الله عز وجل مصيره يوم القيامة، فقال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98] وبين مصيره في حياة البرزخ ويوم القيامة في آية أخرى، فقال: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:45-46].
فيا أيها المسلم، يا أيها العبد الذي يدرك لا محالة أنه معرض لكثير من المصائب والنكبات في نفسه وفى ماله وفى ولده، ومعرض لأن تصيبه مصيبة الموت في كل لحظة، خذ بوصية الصادق المصدوق، الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، فتعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء ليعرفك في حال الشدة.
أما إذا لم تفعل فإن الله عز وجل يتركك حتى لا يبالي في أي واد هلكت، وحينئذ لا ينفعك أن تجأر إليه إذا نـزلت بك الشدة وألمت بك المصيبة.
اللهم اجعلنا ممن تعرف إليك في حال الرخاء فتعرفت إليه في حال الشدة، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: بالنسبة لموضوع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فمن المعلوم أن البيئة العربية التي بعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت بيئة قبلية، فكانوا يتناصرون ويتفاخرون على أساس القبيلة، فيقول قائلهم:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد |
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان المؤمنون به من قبائل شتى بل كان منهم العربي، وغير العربي فكان يوجد في أتباع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مثلاً سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، إضافةً إلى أتباعه من العرب وهم كثير.
ولذلك ذكر كثير من العلماء والأئمة أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين بعض أصحابه في مكة كما في مستدرك الحاكم وغيره، وورد في ذلك روايات عديدة وإن كان علماء آخرون ينكرون هذه المؤاخاة قبل الهجرة.
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة نـزلوا على الأوس والخزرج، وكان الأوس والخزرج أيضا بينهم من العداوة والبغضاء والحروب المدمرة ما حفل بذكره التاريخ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم كلمتهم عليه وألف بينهم فأصبحوا بنعمة الله عز وجل إخواناً، فاستقبلوا المهاجرين أفضل استقبال وفرحوا بهم وتنافسوا في ضيافتهم حتى أنه لم ينـزل مهاجريٌ على أنصاري إلا بقرعة، وقد بلغ حد الإيثار بينهم؛ ما ورد في القصة الصحيحة أن سعد بن الربيع يقول لـعبد الرحمن بن عوف وكان أخاه: [[انظر أي زوجتي أفضل فأطلقها حتى تعتد فتتزوجها وخذ من مالي ما شئت، فيقول له: بارك الله لك في أهلك ومالك]].
وقد ذكر الله عز وجل لهم هذا الجميل فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] فإذا استطاع المسلم في هذا الزمان وفى كل زمان أن يتخلص من شح نفسه؛ ومن حب المال ومن حب الدنيا وأن يؤثر أخاه على نفسه فإنه حينئذ يكون قد تشبه بهؤلاء القوم الصالحين فيحشر معهم، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو يعلى وأحمد وغيرهم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ومن تشبه بقوم فهو معهم}.
الجواب: أما الصوفية الذين ذكرت أنهم خرجوا من الإيمان بالأمر الأول وهو المتعلق بالإقرار بالله عز وجل وتوحيده، فهم من وصفتهم بأنهم يقولون: بوجود متصرف مع الله عز وجل، فمن الصوفية من يزعم أن من الأقطاب أو الأوتاد أو غيرهم من له مشاركة في التصرف في شئون الكون، وهذا أمر ثابت بالنسبة لبعضهم، فمن كان منهم على مثل ما ذكرت فهو داخل في هذا الأمر.
أما عموم الصوفية فهم لا شك أنهم أنواع وأقسام ويتفاوتون في حجم شدة البدعة أو ضعفها، فمنهم من تصل به البدعة إلى الكفر كهؤلاء القوم، وكـالصوفية القائلين بوحدة الوجود مثلاً، ومنهم دون ذلك، وإن كان التصوف في جملته دخيلاً على الإسلام من حيث الاصطلاح في رأى كثير من الباحثين.
الجواب: هذا الحديث ليس خاصاً بعصر معين، فطوبى للغرباء في كل زمان وفي كل مكان، وقد توجد الغربة في مكان دون مكان، فيصبح المسلمون غرباء في بلد ويصبحون أعزة في بلدٍ آخر، وقد تكون الغربة في المكان الواحد، وأيضاً في زمان دون زمان فيصبح المسلمون غرباء اليوم في هذا البلد مثلاً؛ ثم يكتب الله عز وجل لهم النصر والتمكين فتزول غربتهم عنهم في هذا البلد ويصبحون غرباء في بلد آخر وهكذا.
أما الزمن الذي تستحكم فيه غربة الإسلام استحكاماً تاماً فهو في آخر الزمان بعد عهود عيسى والمهدي عليهما السلام، بدليل ما روى ابن ماجة وغيره بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة حتى لا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى الرجل الكبير والشيخ والعجوز يقولون: لا إله إلا الله، أدركنا آباءنا يقولونها فنحن نقولها} فحديث حذيفة هذا يدل على أن استحكام الغربة هو في آخر الزمان، أما اليوم فالمسلمون في زمن غربة ولكن ليس زمن استحكام الغربة.
الجواب: معناه: أنه يقرر ويقول: إن الدنيا كالجسر والمعبر الذي يمضي عليه الإنسان إلى غيره، فالإنسان لا يقيم الأبنية على الجسور والقناطر والمعابر وإنما يمضي عليها إلى غيرها، فهو يقرر أن الدنيا جسر إلى الآخرة؛ ومعبر وقنطرة إليها وإلى حياة البرزخ، فعلى الإنسان أن يعبرها ويمضي عليها ويحرص على تقديم الأعمال الصالحة فيها وألا يشتغل بعمارتها والمبالغة في ذلك بحيث يخرجه هذا الأمر عما خلق له، أما عمارة الدنيا من حيث الأصل فهو جزءٌ من العبادة، فالله عز وجل يقول: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61] والإنسان مطلوب منه أن يقوم بشئونه في هذه الدنيا، وأن ينفق على نفسه وعلى من ولاه الله أمره، وأن يقيم بناء دولة الإسلام إلى غير ذلك من الأمور التي لابد منها، وإنما المقصود الاشتغال بفضول الدنيا والتوسع فيها بما لا حاجة له في الدار الآخرة.
الجواب: أولاً لا شك أن حفظ القرآن فضيلة ومزية ينبغي أن نحرص عليها ونتنافس فيها، يقول الله عز وجل عن هذا القرآن: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] فحفظ القرآن ثروة عظيمة للإنسان، وعلى الذي يحفظ القرآن أن يحرص على تعاهده، وأن يجعل لنفسه برنامجاً مستمراً يتعاهد فيه هذا القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: {تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً أو تفصياً من الإبل في عُقلها} فعلى الإنسان أن يحرص على الحفظ واستكماله، وأن يحرص على تعاهد ما حفظ بالصلاة وغيرها حتى يستمر معه، ولا ينبغي أن يقول: إنني أنسى ما حفظت ولذلك لن استمر في الحفظ، فهذا الكلام في نظري غير صحيح، بل عليه أن يحفظ ويواصل الحفظ ويحرص على تعاهد ما حفظ، ويتوكل على الله عز وجل ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
الجواب: لعله اتضح من خلال الكلمة معنى الرخاء، والشده والرخاء حالة السعة التي تكون في هذه الدنيا للإنسان من توسيع عليه في المال والولد ومن غير ذلك من ألوان النعيم الدنيوي.
وأما الشدة فهي ضد ذلك مما يعرض له من الأعراض والمصائب والنكبات، وقد يدخل في الشدة أيضاً ما يعرض للإنسان في شأن دينه من الشدائد، كما أسلفت من الشبهات أو من الشهوات، ويدخل في الشدة شدة الموت، وشدة القبر، كما يدخل فيه الشدائد التي تعرض للإنسان في يوم القيامة.
الجواب: السبيل هو المجاهدة، فالله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] وكل إنسان يعرف كثيراً من أسباب الطاعات المقربة إلى الله عز وجل الموصلة إلى رضاه، من الصلاة والصيام والزكاة والصدقات وكثرة النوافل وقراءة القرآن وصلة الرحم وكثرة الدعاء وغيرها مما لا يتسع المجال لذكرها.
كل إنسان يعرف أشياءً كثيرة من هذا الباب، ولكن السائل وغيره كثيراً ما يتساءلون عن السبيل الذي يجعل الإنسان يستمر على هذه الأشياء.
فأقول: إن الشيء الغالي النفيس لا يأتي إلا بتعب حتى أمور الدنيا الغالية النفيسة لا تأتي إلا بشيءٍ من التعب، ولو نظر الواحد منا في حياته لوجد أنه إذا اقتنع بأمر وأراده بذل في سبيله الكثير من الوقت والجهد حتى يصل إليه، وكذلك الحال في شأن الدين فإذا كنت مؤمناً -وأنت بحمد الله مؤمن بالله واليوم الآخر، وبأن الذي يرضي الله يحظى بالسعادة في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، وهي سعادة لا يمكن وصفها بحال من الأحوال- فاعلم أن تحصيل ذلك يحتاج إلى شيءٍ من التعب، وإلى شيءٍ من المجاهدة، فقد تجاهد نفسك وتعمل الطاعات ثم يحصل لك شيء من الضعف أو التردد أو التأخر.
فحينئذٍ عليك أن تخرج نفسك من هذا مرة أخرى وتجرها من هذا الأمر الذي صارت إليه، وتجاهدها حتى تصل إلى وضع أحسن مما كنت قبل ذلك، وهكذا مع القناعة التامة بأن الله عز وجل وعد كل من جاهد فيه أن يوصله إلى ما يريد من الخير والحق، فقال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] وأكد الله عز وجل هذا بأكثر من مؤكد أكده باللام والنون: (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) فلا بد من الإيمان بهذا وأنه وعد حق وصدق قطعه الله عز وجل على نفسه، فجاهد تجد الهداية.
الجواب: إذا كنا في زمن رخاء فعلينا أن نستغل هذا الرخاء ونستفيد منه حتى يدفع الله عز وجل عنا الشدة، ولا شك أن الرخاء يختلف في الفرد عنه في الأمة، فبالنسبة للأفراد: منهم من هو في حال رخاء، ومنهم من هو في حال شدة، أما بالنسبة للأمة فالناس في هذا البلد لا شك أنهم في حال رخاء وسعة من العيش وبحبوحة من الرزق، ولكنهم في بلدان أخرى هم في حال شدة، فالمسلمون -مثلاً- في أفغانستان لا شك أنهم في حال شدة، والمسلمون في كثير من بلدان الشام كـفلسطين ولبنان وغيرها وفي كثير من بقاع الأرض هم في حال شدة وقد سُلط عليهم الأعداء، وهذا يجعلك أيها المسلم تتذكر أن الرخاء لا يدوم، فكما أن رخاء الفرد يتغير فالغني يفتقر والصحيح يمرض، فكذلك رخاء الأمم لا يدوم فإن الأيام دول: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] فعلينا أن نتعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء فننفق ما وهبنا الله عز وجل من الأموال؛ وندرك أنها ليست لنا وإنما نحن مستخلفون فيها، ولذلك يقول الله عز وجل: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] وعلينا أن نستفيد مما أعطانا الله عز وجل في هذه الحال وننفقه في طاعة الله حتى نكون ممن تعرف إلى الله في الرخاء ليعرفنا في الشدة، وييسر لنا أسباب دفعها، وإلا فإن الله عز وجل إذا تخلى عن فرد أو أمة وإن كان بأيديهم أسباب ووسائل كثيرة فهم إلى هزيمة وبوار ودمار.
الجواب: لعل هذه الآية أو معناها جزءٌ مما تهدف إليه المحاضرة -في الجملة- فإن المضطر هو في حال شدة، فإن كان قد تعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء؛ فإن الله تعالى يتعرف إليه في حال الشدة كما وعد، كما إن هذا لا يعني حجر رحمة الله عز وجل، فرحمة الله واسعة وقد يجيب الله عز وجل المضطر إذا دعاه، لعلمه سبحانه بما قام في قلب هذا الداعي من الضعف والانكسار والتذلل والتعبد لله عز وجل فيجيبه سبحانه وتعالى.
الجواب: لا بأس بمذاكرة الدروس في حال الاعتكاف؛ لأنها لا تخل بالاعتكاف، وإن كان الإنسان في حال اعتكافه الأصل تفرغه لطاعة الله عز وجل وذكره، ولكن هذه الدروس إن كانت نية الدارس فيها صالحة فهي -إن شاء الله- جزءٌ من التقرب إلى الله عز وجل، وإلا فإن الإنسان يشتغل بها حيناً ويشتغل بعبادة الله وقراءة القرآن أحياناً أخرى حال اعتكافه.
الجواب: أما بالنسبة لركوب المرأة مع غير محرمها وخاصة وأنها قد جاءت إلى المسجد، فهذا أمر عجيب؛ لأن المسلمة الحريصة على قيام رمضان وعلى سماع القرآن، فالأصل فيها أن تحرص على طاعة الله عز وجل وتجنب معصيته في كل أمرٍ من الأمور، ولهذا فإنه لا ينبغي لها أن تركب بصحبة سائقٍ وليس معها محرم، كما إنه لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تخرج سافرة ولا متعطرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: {أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا} وبين في الرواية الأخرى معنى قوله فهي كذا وكذا: {فهي زانية} والحديث صحيح، وفي الحديث الآخر الصحيح أيضاً: {ثلاثة لا يُسأل عنهم: رجل عصى إمامه وخرج عن الطاعة، وعبد أبق من مواليه، وامرأة خرج عنها زوجها فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم} يعني من شدة ما ينتظرهم من العذاب، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم: {نهيه عن الدخول على النساء والخلوة بهن فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت} فينبغي للمرأة المسلمة أن تحرص على تعلم حدود ما أنـزل الله على رسوله، وتعليمها وعلى التزامها، وخاصة أولئك الأخوات اللاتي يأتين إلى المسجد لمشاركة المسلمين في الصلاة مما يدل على حرصهن -إن شاء الله- على الخير.
الجواب: والله في هذا التعبير نظر؛ لأن الصداقة جرى بين الناس في تعريفها معنى معين، ولا أعلم أن هذا المعنى ورد في القرآن أو في السنة، فعلينا إذا أردنا أن نذكر الله عز وجل أو أسمائه أو صفاته أو شيئاً يتعلق به سبحانه أن نقتصر في ذلك على الوارد، وألا نسمي الله عز وجل بأسماء لم ترد أو نصفه بصفات لم ترد، ولو كان معناها صحيحاً ووارداً.
الجواب: أما وسائل تقوية الإيمان فمرت الإشارة العابرة إلى ذلك.
أما ما يعرض للإنسان من فتور، فإنني أقول: إنه قد يكون طبيعياً في بعض الحالات، فإن الإنسان إذا اهتدى إلى الله عز وجل وتنسك وأقبل على العبادة؛ يكون في أول أمره متحمساً وشديد الحرص، ثم مع الزمن والاستمرار قد يعرض له بعض الفتور في العبادة؛ وقد لا يجد بعض ما كان يجده من اللذة في أول الأمر، فأقول: إن كل عابد له شِرَّة وله فترة -كما في الحديث الصحيح- فإما إلى سنة وإما إلى بدعة، فالمقصود أن يكون العابد في حالي شرته وفترته، يعني: في حال قوته وضعفه، ألا تخرجه الشدة إلى بدعة وألا يخرجه الفتور إلى تقصير وإخلال بالعبادة، وعليه أن يحرص على أن يرفع نفسه دائماً، فإن الخطر كل الخطر هو أن يرضى الإنسان بالوضع الذي يعيشه، ويقنع بما هو فيه؛ لأنه حينئذ سيبدأ بالهبوط دون أن يشعر.
أما حين يحرص الإنسان دائماً على الارتفاع ويجعل له مثلاً أعلى وقدوة بـالسلف الصالح، ويحرص على أن يزيد من العبادة بين وقت وآخر فهو حينئذٍ -إن شاء الله- إلى خير ولو حصل له حالات فتور في بعض الوقت.
الجواب: الحل يتمثل في عدة أمور:
الأمر الأول: أن يحرص الأخ السائل وغيره على التعرف إلى الله عز وجل حق المعرفة؛ لأنه حينئذٍ سيدرك من عظمة الله عز وجل ما يجعله يحتقر العمل للمخلوقين، ويدرك أن العمل ينبغي ألا يقصد به غير هذا العظيم سبحانه وتعالى، وهذا يحتاج إلى مجاهدة وطول تأمل وتفكر في معاني الأسماء والصفات كما سبق.
الأمر الآخر: أن يحرص على كثرة الدعاء بأن يرزقه الله عز وجل النية الصالحة ويحفظه من الرياء.
الأمر الثالث: أن يحرص على إخفاء عمله ما استطاع، فإذا ظهر هذا العمل دون إرادته ففرح بذلك، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تلك عاجل بشرى المؤمن} لما سئل عن الرجل يعمل العمل فيعرف ويذكر بذلك، فقال: {تلك عاجل بشرى المؤمن} فاحرص على إخفاء العمل، فإذا ظهر العمل دون علمك ففرحت بذلك فلا شيء فيه.
الأمر الرابع: أن تحرص على مجاهدة نفسك في النية حتى في الأمور الظاهرة؛ لأنني لا أرى أن يترك الإنسان بعض الأعمال التي يعلمها الناس خوف الرياء كإمامة المسجد -مثلاً- أو النصيحة والموعظة أو غيرها من الأمور فيقول أخاف من الرياء، بل عليه أن يؤدي ما يستطيع من هذه الأعمال ويحرص على مجاهدة نفسه، وهذا نوع من الجهاد العملي؛ لأن الإنسان الذي عنده مراقبة ويخاف من الرياء فهذا دليل على وجود شيء من الإيمان في قلبه، فإذا استمر هذا الإيمان وحرص على تنميته فإنه -إن شاء الله- إلى خير، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر