هذه الليلة الثانية ضمن حديثي عن بعض الموضوعات التي تمس المرأة من قريب أو من بعيد، وهي في هذه الليلة ليلة الجمعة الخامس من شهر رمضان من عام (1413هـ).
أيها الأحبة... أستهل حديثي بذكر طرفة وقعت في الأمس، فقد جاءني أحد الإخوة الشباب ومعه طفل له ولم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، ومع هذا الطفل ما يزيد على ألف ريال، قال: هذه للمسلمين في البوسنة وبعضها لصالح مشروع تفطير صائم، وقد كان هذا الطفل المبارك -إن شاء الله تعالى- يواصلني بين حين وآخر بمبالغ طيبة من المال، جمعها من المحسنين لصالح إخوانه المسلمين، وقال لي والده وهو يبتسم: إنني أربي ولدي على أن يكون شحاذاً للمسلمين، نعم! شحاذ ولكن للمسلمين، وشتان شتان بين هذا وبين غيره.
فهؤلاء الذين يدعون الناس إلى الخير وإلى مشاريع الخير وإلى أعمال البر؛ إن لهم من الأجر مثل أجور أولئك الذين انتفعوا بدعوتهم واستجابوا لندائهم، وشاركوا في أعمال الخير بسببهم، بل إنني أقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بشخصه الكريم بمثل هذا العمل النبيل الجليل، ففي صحيح مسلم، من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: {أن قوماً من مضر جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم متقلدي السيوف والعباءة، مجتابي النمار، فقراء جياع، حتى تمعَّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما رآهم، وقام على المنبر، فقال عليه الصلاة والسلام: تصدق رجل من ديناره من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ولو بشق تمرة، فجاء رجل بصرة كادت يده تعجز عنها، بل قد عجزت، وجاء آخر بصاع تمر، وجاء آخر بصاع بر، حتى رأى الصحابي رضي الله عنه أكواماً من الطعام، ورأى خيراً كثيراً من الذهب والفضة، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}.
فطوبى لك أيها الأخ المسلم، ولك أيتها الأخت المسلمة، إذا كنتم مفاتيح للخير، سارعتم إلى الإنفاق، وأعلنتم بالصدقة؛ فامتثل الناس وأسرعوا، وسننتم بذلك سنة حسنة، قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] طوبى لكم إن كنتم دعاة إلى الخير، تفتحون للناس أبوابه، وتحرضونهم عليه، وتحثونهم على فعله، فيفعل الناس؛ فلكم أجركم وأجر من عمل بذلك بسببكم.
ونعرف أن أختكِ التي تجلس إلى جوارك في هذا المسجد المبارك، أنها هي الأخرى أرملة لفلان بن فلان الغني الكبير الذي مات عنها وترك أموالاً طائلة؛ فورثت بعده هذا المال أو جزءاً منه، وهي لا تدري فيما تنفق هذا المال، وربما صرفته في غير وجوهه، أو على أحسن الأحوال، ادخرته لنفسها، فهل تظنين أن لك عمراً آخر سوف تنفقين فيه هذا المال؟
كلا.
إن مالك هو ما قدمت ومال وارثك ما أخرت.
أما أختك الثالثة، تلك التي تقبع وراءً، فنحن -أيضاً- نعرف طرقها فهي مدرسة تستلم في نهاية كل شهر ما يزيد على عشرة آلاف ريال، ونعلم أنها تغير أثاث منـزلها كل سنة، وأنها تخرج أحياناً إلى السوق في شهر رمضان وفي غيره، فتشتري ألواناً من الملابس والفساتين، وبعض متطلبات المنـزل،وبعض الأواني، ثم تُهدي ما كان عندها من الأشياء إلى جيرانها وأقاربها ومعارفها ونعلم أن أهون شيء عليها؛ أن تشتري فستاناً بألف ريال أو ألفي ريال ثم تكتشف بعدما تعود إلى المنـزل؛ أنه طويل أو قصير أو ضيق أو لونه غير مناسب، ثم لا ترجعه إلى صاحب الدكان، وإنما ترمي به وتقول الأمر هين والخطب يسير، وبدله غيره.
لماذا؟ لأن عندها هذا المال الكثير، الذي لا تكلف بإنفاق شيء منه.
إن زوجها مطالب شرعاً حتى بتأمين الطعام الذي تأكله، واللباس الذي تلبسه، والشراب الذي تحتاجه، والحذاء الذي تنتعله، وكذلك ما يتعلق بأطفالها وأولادها، ولذلك كان هذا المال الكثير الذي تستلمه، كان زيادة لا تدري كيف تصرفه.
وأحسن من هذا تلك الأخت الأخرى، التي تحتفظ بالمال، أو تنفقه في وجوه مباحة، أو تعمل على أن تزيد المال من خلال المضاربات التجارية والمساهمات المباحة.
ونقول لهذه الأخت وتلك وللثالثة: أمامكن ذلك المجال الخصب العظيم: للإنفاق في سبيل الله، إن هذا المال مهما ربي، فإنه يكسب (100%) على أحسن الأحوال، ولكن أمام الأخوات جميعاً تلك المساهمة الكبيرة العظيمة الريال بسبعمائة ريال، إنه في سبيل الخير، وإنها المسابقة في الطاعات، إنها المتاجرة مع الله: َمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].
إنه الربح العظيم، والتجارة التي لا تبور، وإذا كانت مشاركتكن -أيتها الأخوات- في أعمال الدنيا قد تخسر وقد تربح، فإن المشاركة والمتاجرة مع رب العالمين ربح مضمون، وليس فيه شائبة ربا ولكنه حلال وأجر وبر وذخر، عند من لا يضيع عنده شيء، فأين المتسابقون والمتسابقات؟
وأين المتنافسون والمتنافسات؟
أيتها الأخوات الكريمات، أقلكن من تملك مقداراً من المال، ومن تدَّخرُ شيئاً منه لمقبلات الأيام، فلماذا لا تسرع الأخت بالإنفاق، وتدرك أن رزق اليوم يأتي به الله عز وجل، ورزق غدٍ يأتي معه؟
كل يوم له رزقه الخاص، وعلى العبد ألاَّ يحمل هم غد تقول سكينة بنت الحسين:
سهرت أعين ونامت عيون لأمور تكون أو لا تكون |
إن رباً كفاك ما كان بالأمس سيكفيك ما غداً سيكون |
جربنا حظنا مع أولئك الرجال؛ فاليوم نريد أن نجرب حظنا مع الأخوات الكريمات من النساء، ليس في هذا اليوم فحسب، بل وفي كل يوم، أن يكنَّ من المسارعات في سد الخلة، وإعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، وتطبيب المريض والعائل، ودفن الميت.
أيتها الأخوات الكريمات؛ كل ذلك يحتاج إلى المساهمة والمسارعة، وقد ذكرت لكن بالأمس نماذجاً حرصت على أن تكون من معاناة أخواتكم من النساء سواء في كشمير أو في الهند أو في البوسنة والهرسك، أو في غيرها من البلاد، وذلك حتى تدرك المرأة؛ أن أخواتها وبنات جنسها يعانين مثل هذه الآلام، وأنهن بحاجة إلى الريال قبل العشرة، والعشرة قبل المائة، والمائة قبل الألف مما تملكه الأخت الكريمة.
يقولان رفقاً بجسمي الرقيق فعيناك تهمي وفي الصدر ضيق |
وتحيا أسيراً لِحرِّ الأسى وإن كنت تبدو كحر طليق |
وقالا دع الهم أو بعضه ولم يعلما أنني لا أطيق |
فكيف السبيل إلى ضحكة وليس يقهقه صدر الخليق |
أنضحك والهدم في البابري ومن قبل في القدس شب الحريق |
وفي طاجكستان قتل لنا على القتل في سراييفو يفوق |
قتل المسلمون في طاجكستان، أكثر من مائة ألف مسلم قتيل، وعندي صورهم، ولولا حرمة المسجد؛ لأحضرتها لكم، مائة ألف مسلم قتلوا خلال أقل من شهر على يد الشيوعيين الذين تدخلوا في طاجكستان، كما تدخلوا في أفغانستان، وحاربوا المسلمين وألقوا بجثثهم في نهر جيحون، حتى صر النهر ماءً أحمراً من دماء المسلمين، وأما الذين هربوا إلى الأدغال والغابات فقد أنـزلوا عليهم إنـزالا مظلياً، ولاحقوهم وتتبعوهم بالرصاص، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة.
أما الذين هربوا من هذه النيران والحروب، فهم يزيدون على ثلاثمائة ألف مسلم بين الرجال والأطفال والنساء وكثير منهم ذهبوا إلى أفغانستان، المشغولة بهمومها، المنهمكة في مشاكلها الخاصة.
وفي طاجكستان قتل لنا على القتل في سراييفو يفوق |
ويذبح راموس إخواننا على أرض مورو وما من شفيق |
في الفلبين هجمات شرسة من جيشهم على المسلمين في المناطق الجنوبية:
وفي مقديشو تسال الدماء ليصنع منها لسان الغبوق |
وبث الصليب رجالاته برغم الخلافات عند الرفيق |
وفي إرتيريا وجاراتها ليخنقنا سام عند المضيق |
وكشمير والهند لا تسألا عن الهتك فيها لشعب عتيق |
فكم حرة مزقوا ثوبها ووالدها مثخن والشقيق |
ألم تسمعا أهل أبخازيا عشية نادوا نداء الزعيق |
أيا عرب السان فلتنفروا فإن التواني بكم لا يليق |
فما بعث القوم منا سوى غطيط فهم في سبات عميق |
وماذا يؤمل من ملأٍ أضلوا وضلوا سواء الطريق |
ومنهم مولون شطر الغروب ومنهم مولون شطر الشروق |
ويرجم فينا دعاة الهدى ويكرم فينا دعاة الفسوق |
ومتهمٌ كل ذي لحية من العرب بل والتقي الخليق |
فأي الفريقين أأبخازيا أم العرب أولى بعون المطيق |
هما كالغريقين في لجة فكيف يعين الغريق الغريق |
خليلي حل بإخواننا من الظلم ما لا يسر الصديق |
أذيقوا من الذل ألوانه فهل نتضاحك حتى نذوق |
وحتام نسفل في همنا وأعداؤنا همهم في سبوق |
ونشرب من قيء أعدائنا وإسلامنا فيه أحلى رحيق |
وتبقى هتافات أبنائنا تعيش النجوم يعيش الفريق |
هذه همومنا لا تتجاوز الكرة أو الفن.
وتبقى هتافات أبنائنا تعيش النجوم يعيش الفريق |
وتبقى وسائل إعلامنا لنشر الرذيلة والزور بوق |
ونغمس في الفن أولادنا لتخرج معشوقة أو عشيق |
إذا زرع الفسق في نسلنا فهل نتوقع غير العقوق |
ومن كان عبداً لأهوائه ستهوي به في مكان سحيق |
عجبت لمن سار نحو الهوى كسير الفراشات نحو البريق |
وإسلامنا فيه تمكيننا وفيه ننال جميع الحقوق |
فؤادي يخفق من حبه فتسري محبته في العروق |
فهيا نحيي به أنفساً وإن لم يشأ كل نذلٍ صفيق |
نجادل بالحق كل الورى ولا نرم من أسلموا بالمروق |
خليلي سيرا على منهجي على منهجٍ سلفي عريق |
وكفا عن اللوم ولتحملا معي الهم أو فاتركاني أفيق |
أيها الإخوة والأخوات؛ إننا لا نتحدث في مثل هذه القضايا؛ لمجرد أن نثير الهموم والأحزان، ولا أن نـزجي وقت الفراغ، فإن الوقت ثمين وخاصة في هذا الشهر الكريم، ولكنني أشعر أننا وأنكم جميعاً بأمس الحاجة إلى من يحرك ساكن قلوبكم، وقلوبكن -أيتها الأخوات- بشكل خاص؛ لتتعاطفوا مع مصاب إخوانكم المسلمين وأخواتكم المسلمات.
فإن هذه الصدقة من أعظم وأهم أسباب النجاة من عذاب النار، ولهذا قال: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم} فدل على أن الصدقة من أعظم أسباب الوقاية من عذاب النار، ومن أهم أسباب النجاة من السعير، ومن أهم أسباب دخول الجنة، والمرء في ظل صدقته يوم القيامة ذكراً كان أو أنثى.
فعلى المرأة المسلمة أن تساهم في الصدقة، وإنني أسأل الله تعالى لكل أخت مسلمة، جادت يدها بما تستطيع، أن يجعل الله تعالى ما جادت به رفعة في درجاتها، وطولاً في عمرها، وصحة في بدنها، وسعادة في قلبها، وصلاحاً في ولدها، وعافية لها، ورفعة في درجاتها عند الله تعالى يوم القيامة، ونجاة لها من عذاب السعير، اللهم آمين اللهم آمين.
صاحب الحديقة - كما جاء في صحيح مسلم- ملك خاص يبعث إلى السحابة في السماء، ويقول لها: يا سحابة، أمطري على حديقة فلان بن فلان، فإذا توسطت السحابة من هذا البستان؛ أفرغت ما فيها من الماء، والحدائق عن يمينها وشمالها ما أصابتها قطرة، فيأتي رجل إلى فلاح بسيط يسوي الماء بمسحاته، ويقول له: ما اسمك؟
قال: اسمي فلان بالاسم الذي سمعه في السحابة، فيقول: وما شأنك بي؟
قال: إني سمعت صوتاً في السحاب، يقول: أسق حديقة فلان، فماذا تصنع بمالك؟
هل هو يصنع معجزة؟!
لا، الأمر يسير قال: هو ما رأيت، أنا أقسم المال إلى ثلاثة: ثلث أتصدق به، وثلث آكله أنا وأولادي وثلث أعيده في هذه الحديقة، فالأمر يسير، لا تضر بدنياك ولا تضر بآخرتك.
وعلى فرض أنهم محتاجون؛ أفنقيس المأساة الفردية بمأساة الأمة؟
مصاب هذه المرأة أو ذلك الرجل، مصاب فرد واحد، أو بيت واحد، أو أسرة واحدة، لكنك الآن وأنتِ أيتها المسلمة، أمام مصيبة أمة بأكملها، برجالها وبنسائها وبأطفالها، أمة لا ينقصها إلا المال.
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول |
فيا أيتها الأخوات المؤمنات -وأنا إذ أنادي النساء خاصة فإني أريد أن أثير حمية الرجال أيضاً- يا أيتها الأخوات المؤمنات تصدقن ولو من حليكن، كما قال لكن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الناصح الأمين {تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم} ويا أيها الرجال، إذا بذلت النساء، وتخلت المرأة المسلمة عن ساعتها أو عن قرطها، أو عن شيء من حليها، أفتعجز أنت أن تتخلى عن جزء من مرتبك أو رصيدك، في سبيل الله تعالى.
إن المحروم من حرم هذا الخير، خاصة في هذه الأيام المباركات، والساعات التي يرجى أن تضاعف فيها الحسنات، وتقال فيها العثرات، وتكفر فيها السيئات. فأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم جميعاً ممن أسرعوا إلى الخيرات، وسابقوا إليها فكانوا لها سابقين، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنت قد وعدتكم أيها الإخوة والأخوات، أن أتحدث إليكم هذه الليلة والليلة القابلة، عن موضوع المرأة، وقد جرت عادة الناس أن يظنوا أن الحديث عن المرأة لا يعدو الحديث عن ثيابها فإن تجاوز ذلك فإلى شعرها، وقد ظن الظانون أن المرأة لا تعدوا أن تكون ديكوراً أو هنداماً يعتني بتزيينه وتحسينه فحسب، ونسوا الجانب الإيماني في المرأة، الجانب التكليفي الجانب الشرعي الذي جعل المرأة مع الرجل على قدم المساواة في أصل التكليف فما كلف به الرجل كلفت به المرأة، وما حرم عليه حرم عليها، هذا هو الأصل إلا ما استثني قال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].
ويظنون أنهم بذلك يعملون شيئاً، ويزوقون هذا العمل بألفاظ مثل: تحرير المرأة، وإخراج المرأة من تسلط الرجل، والواقع أنهم أخرجوها من عناية الأب الحنون، أو من غيرة الزوج المشفق، إلى عبث الأجنبي البعيد الغريب، الذي لا يهمه من المرأة إلا أن تكون زهرة تقطف أو تشم، ثم يلقي بها بعيداً عن وجهه.
لقد كان الإعلام منذ سنوات ليست بالبعيدة، إذا احتاج إلى أن يقدم صورة المرأة على شاشات التلفاز للطبخ -مثلاً- فإنك لا ترى من المرأة إلا كفيها وهي تقوم بعملية الطبخ، كانت هذه هي البداية، لكن ما هي النهاية؟ لا أحد -إلا الله- يدري ما هي النهاية؛ لأن النهاية ما تأت بعد.
ولكننا نستطيع أن نعرف ما هو الواقع الذي نعيشه الآن، البارحة وبالذات ليلة الأربعاء وفي الساعة الواحدة ليلاً وفي القناة الثانية برنامج: الكاميرا الخفية، باللغة الإنجليزية، ماذا يعرض على أولاد وبنات المسلمين؟
شاب إنجليزي وسيم الوجه، يلبس تنورة أسكتلندية واسعة فضفاضة، وليس عليه ملابس داخلية تستر سوأته، وأمامه مجموعة من الفتيات في الثامنة عشرة، وهو يريد أن يعلق إعلاناً على الحائط، فيطلب من هؤلاء البنات أن يمسكن بالسلم حتى يصعد، ويصعد فينظرن إليه من أسفل، ويتضاحكن ويتغامزن، ثم تأتي نساء كبيرات السن، يحركن عيونهن ويرفعن حواجبهن، ويتحركن ويتحادثن بلغة معروفة.
نعم هذا في شهر رمضان المبارك، يا أخي هذا ليس سراً، هذا يعرض على ملايين المشاهدين من المسلمين، وهذه القناة ليست وقفاً على الكفار ولا وقفاً على هؤلاء الغربيين الموجودين في هذه البلاد، ونحن نجد أن أكثر الناس يتابعونها، حتى ولو كانوا لا يجيدون لغتها.
أما الملابس فقد أصبح عادياً أن تظهر المرأة وعليها ثياب إلى ركبتها، بل إلى ما فوق الركبة، وهذه الثياب تنحسر يوماً بعد يوم، وإذا استمر ذلك، ولم تتحرك غيرة الغيورين فما الذي يدريك أن تعرض المرأة على شاشة التلفاز في بلاد الإسلام وهي في ثياب النوم، أو بثياب البحر، أو وهي تراقص الرجال بصورة أو بأخرى.
إن من يرى بداية الطريق يعرف نهايته، إذا لم يتحرك الغيورون، وإذا لم يؤخذ على أيدي القائمين على هذه الأجهزة، ممن لا يراقبون الله تعالى، بل ولا يراعون مشاعر المسلمين.
أما القنوات التي تبث باللغة العربية فقد أصبح معتاداً أن تظهر الفتاة، بل والفتاة من هذه البلاد، وهي تلبس البنطلون، وتجلس أو تقوم مع رجل صور في المسرحية أو التمثيلية على أنه زوجها؛ فهو يحادثها، ويضاحكها، ويدنو منها، ويلمسها، ويتحدث معها حديث الزوج إلى زوجته!! فإذا عرضت مسرحية كويتية بعدما لقي إخواننا في الكويت الآلام والابتلاءات من الله عز وجل، والاختبار وجدنا أن الأمر لم يزدنا إلا إعراضاً، فالفتاة تظهر بأبهى زينتها، بل وقد لبست اللباس الضيق الذي يشرب الجلد شرباًً وهو ما يسمى بالاسترتش وهو عبارة عن ثوب ضيق جداً إذا لبسته الفتاة فإنه يلتصق بجسدها كما يلتصق الشراب بالقدم، ويصفها ويصف حجمها، بل يضاعف من فتنتها وإغرائها، وإلى أمامها شاب في قوة الشباب، وريعان الشباب، وهو يلامسها ويحادثها ويدنو منها ويكاد أن يلتصق جسده بجسدها، ويعرض هذا في شهر رمضان المبارك، بعدما خرج المسلمون من صلاة التراويح، وبعدما بللوا دموعهم بالبكاء، وبعدما سجدوا لله لرب العالمين، وبعدما سمعوا كلام الله تعالى، وإذا بهذه المشاهد والمناظر المؤذية تكدرهم أو تغيرهم، هذا هو ما يقدمه الإعلام للمرأة المسلمة.
يقول أحدهم مثلاً: إذا خرجت من المباراة أجد خمسين فتاة في انتظاري وهن مستعدات لتقديم كل شيء، أنت تدري ماذا يعني كل هذا الكلام!
وآخر يقول: زوجتي أحبها ولكنها لا تكفيني وحدها، وهم بطبيعة الحال لا يؤمنون بتعدد الزوجات، فهذا الكلام يعني تعدد الخليلات وتعدد العشيقات، أي أنه يخون ويرتكب ما حرم الله عز وجل، ويعلن ذلك وهو كافر، لكن العجب ممن يحمل اسماً إسلامياً، ويتكلم باللغة العربية، بل وفي بلد من بلاد الإسلام ينشر مثل هذا الكلام.
وأعجب من هذا، أن يتداول المسلمون مثل هذا الوباء الفاحش البذيء، ثم لا تسمع صوتاً ينكر، ماذا بقي أكثر من هذا؟! ندع هذا الأمر جانباً!
لقد تمردت على الدنيا وأعرضت عن قصر الملك وما فيه من الفتنة والمال والترف والنعيم، وقالت: لا أريد قصور الدنيا ولكن قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ [التحريم:11] إنها لم تغتر بكونها محظية أو زوجة ملك مصر المتأله الطاغية، ولم تنخدع بزخرف الدنيا، بل تمنت الخلاص لأن قلبها يتحرق بالإيمان رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11].
إنها المرأة المؤمنة التي صبرت، وكان في قلبها من القوة، لا أقول: ما يواجه زوجاً عادياً من بني جنسها أو بني جلدتها، بل ما يتحدى رجلاً طاغية، خضعت له أمم بأكملها، وذلت له رقاب الأكابر من الرجال، وكان يقول على الملأ: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات:24] فلا يقول له أحد كذبت، أما تلك المرأة فقد تمردت عليه، ورفضت فرعنته، وتسلطه، وألوهيته المدعاة، وأعلنت كفرها به، ودعت الله تعالى أن ينجيها من فرعون ومن عمله، وأن ينجيها من القوم الظالمين.
فهي نموذج للمؤمنة الصابرة، المؤمنة القوية، المؤمنة المجاهدة، المؤمنة التي هي تعد بآلاف الرجال:
والناس ألف منهم كواحدٍ وواحد كالألف إن أمر عنا |
ثم تأملي في حال ماشطة بنت فرعون، تلك المرأة التي كانت هي الأخرى بليت بطغيان فرعون، وكانت مؤمنة موحدة ولكنها تكتم إيمانها على خوف من فرعون وملإه أن يفتنها عن دينها، فعلم فرعون أنها مؤمنة تعبد الله تعالى وحده ولا تشرك به شيئاً، فأحضرها وحقق معها، ألك رب غيري؟
قالت: ربي وربك الله رب العالمين، فأحضر قدراً من نحاس وأوقد عليه حتى أصبح أحمر يتلهّب، ثم أحضر أطفالها الصغار وقد أمسكوا بثوبها وأحدهم على كتفها، فأخذهم من بين يديها وألقى بهم في هذا القدر الذي يتلهب حتى رأتهم بعينيها والنار تحرقهم واحترق قلب الأم شفقة على الأولاد، وفي قلب الأم من الرحمة والحنان والعطف على أولادها ما فيه، ولكن الإيمان فيه أغلب وأقوى.
فرأت هذا بعينها فما قالت له انتظر ولا قالت له سأرجع عن ديني، لكنها قالت لي إليك حاجة؟
قال: وما حاجتك؟
قالت: أن تجعل عظامي وعظامهم في قبر واحد، قال: ذلك لك علينا من الحق، ثم أخذها وألقاها في هذا القدر الذي يتلهب ناراً، فلما عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء شم ريحاً طيبة، فقال: يا جبريل! ما هذه الريح الطيبة؟
قال: هذه ريح ماشطة بنت فرعون.
تأتي هذه المرأة تحمل صبيها على كتفها لتلقى في النار، فلما قربت من النار تكعكت وتلكأت وأشفقت على طفلها، فأنطقه الله الذي أنطق كل شيء: يا أماه اصبري فإنك على الحق، فتتقدم فتلقي بولدها إلى النار ثم تلقي بنفسها وراءه فيحترقون في نار الدنيا؛ لينتقلوا في لمحة بصر إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
بذلك الأمر الغريب أن يأتي لها ولد دون أن يكون لها زوج، قال الله تعالى: قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:27-28] إنه موقف صعب عظيم عصيب، ولكن الله تعالى مع المؤمنين، فينطق الله تعالى عيسى عليه السلام: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم:30] ويعلم هؤلاء براءة مريم، وأنها أطهر من السحابة في سماءها، وأن الله تعالى أجرى على يديها هذه الآية العظيمة فُولِدَ لها عيسى من غير أب: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:59-60] وتصبر وتصابر وينالها الأذى من اليهود ومن غيرهم، في نفسها، وفي ولدها، حتى يجعل الله تعالى سيرتها أنموذجاً يحتذى، وخبراً يتلى إلى يوم القيامة.
هذه الأمثلة الرائعة، والنماذج الحية، من نساء المؤمنين، الصادقات، الصابرات، المجاهدات، العابدات، العالمات، المعلمات، الفقيهات هذا هو تاريخنا، هذه حياتنا هذه سيرتنا هذه نماذجنا التي نقدمها للناس، فليفخر علينا الفاخرون.
أيها الأحبة؛ إن البون شاسع، والخطب عظيم بين هذه الصورة التاريخية الحية للمرأة المسلمة وبين الواقع المر الذي يريد أعداء الإسلام وأعداء المرأة أن يجروها إليهم.
هذا نشرته وكالات الأنباء في الشهر الماضي، بنت عمرها تسع عشرة سنة، كانت ضحية للاغتصاب الجماعي، يتناوب عليها مجموعة من الرجال بالقوة وهي الآن بين الموت والحياة في أحد المستشفيات الحكومية وهي من المظلومين الذين ذهبوا ضحية، في يوم (10/ديسمبر/1992م)، في القطار الذي غادر إحدى المدن في بهوسال وأخوها الذي كان يصحبها طعن بالسكاكين، ثم أحرق حياً أمامها.
ثانياً: امرأة أخرى، عمرها عشرون سنة، تزوجت حديثاً من شاب مسلم، وجاءت من ولاية آسام الهندية، وراحت ضحية الاغتصاب الجماعي، أما زوجها فقد ذبح أمامها، وهي الآن بين الموت والحياة في أحد المستشفيات، بعدما صب عليها الحامض الأسيت.
الثالثة: امرأة أخرى في العشرينات من عمرها راحت ضحية لضابط في الشرطة، ولقيت نفس المصير في ليلة السابع من ذلك الشهر في إحدى الشوارع.
الانتهاكات والاغتصابات، التي راحت ضحيتها نساء مسلمات في إحدى المدن الهندية، كانت نتيجة للتطرف الهندوسي، الذي فتح أبواب العذاب على هؤلاء الأبرياء، والأنباء التي لا زالت ترد من مخيمات اللاجئين التي أقيمت لهؤلاء المنكوبين مروعة جداً، وهناك أحياء ومجتمعات استهدفت فيها النساء المسلمات خاصة لهذا العمل البربري الذي هو من أبشع وأظلم الأعمال.
بعض النساء المسلمات، انتزعت ملابسهن بالقوة، ثم طلب منهن الفرار والمغادرة، والواحدة منهن لا تستطيع أن تواري بدنها من الرجال وهن في غاية الخوف والذعر يلتصق بأجسادهن أطفالهن الفزعون المذعورون، هذه المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، بل اخترع الإرهابيون الهندوس وسائل شنيعة بإقامة الحواجز حتى تتساقط النساء فرائس سهلة لهؤلاء الإرهابيين.
إن هناك قاعة يقال لها: قاعة مرجان، يلتجئ فيها حالياً أكثر من ألف وخمسمائة لاجئ من الرجال والنساء، وهي تعطي شيئاً مذهلاً عن هذا المنظر الرهيب الرعيب ونجد عند الكثير من هؤلاء قصصاً مخفاة لا يستطيعون أن يبيحوا بها، ولا تكاد أن تصدقها العقول.
إن هؤلاء المجرمون القتلة، يصورون جرائمهم بكاميرات الفيديو، ويصورون مناظر الاغتصاب الجماعي والقتل والإحراق، ولا أحد يعلم بما يفعلون، غير أن من المؤكد أنهم لو خافوا من المسلمين لما فعلوا، ولو خافوا من القوات الدولية، أو الأمم المتحدة، أو منظمات حقوق الإنسان؛ لما تجرءوا على مثل هذا العمل الفاحش المشين.
امرأة أخرى عمرها اثنتان وعشرون سنة، ذبح زوجها بالسكين أمام عينيها كما تذبح الشياه.
الخامسة تحكي قصتها، بأن زوجها خرج ليعيد الأولاد من الخارج إلى داخل المنـزل، ولكنه لم يرجع ولم يحدث ذلك، حيث أن الأسرة غادرت المنـزل بأكملها، بعدما هاجمها الإرهابيون من الهندوس، وأمسكوا رب الأسرة وقتلوه، وضربوا على رأس بعض الأطفال بالسكاكين والسيوف، حتى جرحوهم وقتلوا منهم من قتلوا.
ضحية أخرى تحكي قصتها بأنها سافرت مع أخيها ومع زوجة أخيها إلى موطنهم بالقطار الذي غادر مدينتهم، وهاجم الإرهابيون ذلك القطار واغتصبوها اغتصاباً جماعياً وضربوها بالعصا، ثم أشعلوا فيها النار وطرحوها خارج القطار، فوجدها اثنان من الشرطة فغطوها وأسرعوا بها إلى المستشفى وقد حُجِزَ بعض هؤلاء الذين قاموا بهذا العمل، وأدخلوا إلى السجن، كما أن أطفالها وبعضهم من الرضع أخذهم الإرهابيون كرهائن، ومن المعلوم أن بنات صغيرات قد اختطفن من المناطق المجاورة ولم يعرف مصيرهن بعد إلى اليوم.
هذا بعض خبر أخواتكم وأخواتكن المسلمات، يلقين ما يلقين على أيدي عبدة البقر، وعلى أيدي عبدة الأوثان، وعلى أيدي المشركين، وهؤلاء -أيها الإخوة- ما حملوا السلاح، ولا قاتلوا، ولا أعلنوا الجهاد، ولا حاربوا، كل ما فعلوه أنهم مسلمون، وهم يترددون على المساجد، ويشهدون أن لا إله إلا الله، ويرفضون أن يتمسحوا بأرواث البقر، ويرفضون أن يعبدوا بوذا هذا كل ما فعلوا قال الله تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:8-9].
أيها الإخوة، أما نبأ أخواتكم المسلمات في البوسنة والهرسك فهو خبر آخر، ولا أريد أن أبدأه الآن وسأحدثكم عنه بعد صلاة التراويح وسأتلوا عليكم رسالتين باكيتين في إحداهما دمعة حزن، وفي الأخرى دمعة فرح كلتاهما من أرض البوسنة والهرسك.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحم هؤلاء المسلمين المستضعفين، أسأل الله تعالى أن يرحم هؤلاء المستضعفين، وأسأله جل وعلا أن ينـزل بأعدائه عجائب قدرته، وأن يصب عليهم عذابه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا نسألك لهؤلاء المسلمين في هذه البلاد وفي كل البلاد يا أرحم الراحمين، اللهم أغثهم يا مغيث، اللهم انصرهم يا خير الناصرين، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم انصرهم على من بغى عليهم، اللهم إنا نسألك أن تصغي لهم قلوب إخوانهم المسلمين، وقلوب أخواتهم المسلمات.
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم |
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم |
1- رسالة من البوسنة:
تقول هذه الرسالة:
الحمد لله والصلاة على رسول الله أما بعد؛ إلى كل مسلم ومسلمة إلى كل مؤمن ومؤمنة إلى كل عالم إلى كل شيخ إلى كل طالب علم إلى كل إنسان هذه صيحات ستين ألف امرأة حامل على أيدي الصرب، هذا نداء الخلاص من الجحيم الذي نعيش فيه، ونقول: يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا من تطلبون صحبته يا من تتمنون لقاء الله يا من تطمعون في الفردوس الأعلى من الجنة، يا أصحاب القلوب الحية، يا أصحاب القلوب العامرة بذكر الله، يا من في قلبه رحمة، يا من في قلبه شفقة، يا من في قلبه غيرة، يا من في قلبه نخوة، نحن نرسل لكم هذه الصرخات وهذه الاستغاثات، فنحن أخواتك، ونحن زوجاتك، ونحن بناتك، ونحن أمهاتك، نرسل لك التهاني، ونقول لك ولمن حولك من المسلمين: أنتم الآن تنتظرون شهر رمضان بهمة ونشاط، وعزم وفرح، وهو المطلوب في ذلك، لكن نحب أن نذكرك فنحن أيضاً ننتظر وضع أولاد الصرب، فالفرق في ذلك أن في انتظاركم فرح وسرور، وفي انتظارنا ألم وحسرة وبكاء ونخشى أن يظل هذا البكاء إلى الأبد، لكننا مع ذلك ما زلنا ننتظركم، وننتظر الفرح معكم، فلا نريد أن يحل علينا عيد الفطر المبارك إلا ونحن معكم في فرح وسرور خاصة إذا علمنا أننا تحررنا من الصليب، لذلك نناشدكم بالله أن تنقذونا مما نحن فيه.
أطاب لكم العيش! أطاب لكم طعام! أطاب لكم نوم! أطاب لكم فرح! أطابت لكم سعادة! أطابت لكم ملذات الحياة الدنيا ونعيمها، وأنتم تعلمون ما نحن فيه؟!
نحن نحب أن نطرح عليكم هذه الأسئلة ولا تهمنا الإجابة لنعرفها، فعندنا الإجابة، لكن لتعدوها أنتم لعلها تكون بداية لخلاصنا.
كيف استطاع الصليبيون إخراج رجالهم من الخمّارات وهم سكارى لقتالنا واغتصابنا وهم على باطل؟
وكيف لم نستطع نحن ولم تستطيعوا أنتم إخراج رجالنا من المساجد لإعلاء راية الإسلام والجهاد في سبيل الله؟ ونقول لكم: نحن نطالبكم بالحق الشرعي الإسلامي فقط لا غير، فإذا لم يهز قلبك هذا الخبر، ولم تحرك قلبك هذه الصيحات، فما الذي سيهزك، فلقد هزت وامعتصماه واحدة وليس ستون ألف (وامعتصماه)، هزت جيوشاً، هزت الجبال والأرض والنفوس، فمتى تصل وامعتصماه إلى قلوبكم؟
إننا ننتظر الموت فلم يعد للحياة طعم بعد الآن.
أخواتكم النساء المسلمات في البوسنة، هذه دمعة حزن تترقرق على خد كل فتاة مسلمة.
2- رسالة أخرى من البوسنة:
وفي مقابلها دمعة فرح لا بد أن نأسوا بها جراح القلوب التي أمرتها الجراح، فهذه رسالة بليغة معبرة بعثت بها أخت مؤمنة إلى ولدها المرابط على الثغور، إلى ابنها وفلذة كبدها الذي يحمل السلاح؛ دفاعاً عن أعراض المسلمات في البوسنة والهرسك:
إلى ولدي الغالي الحبيب أبي العالية؛ حفظك الله ورعاك، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، ما أجمل اللقاء بعد الانتظار ولو عبر السطور وبين الكلمات، بها يعلو الوجه النظارة ويرفرف القلب ليتابع البسمات، أعيش معك ومعكم جميعاً، ومن بين السطور لنا كلام، مرفوعٌ بيننا الغضب والملام، عتاب المحبة في الأجواء يسري كالهمام.
ولدي الحبيب أخاطبك وأخاطب أبنائي جميعاً، حقاً إن الإخوة في الإسلام والعقيدة، أقوى وأحلى وأحب وأقرب من الإخوة في الدم والنسب، كلنا شوق للقّاء، لكن الجدير بالذكر أين اللقاء؟
في الأرض أم في السماء؟
على أرض من الطين والحصباء، أم على أرض ترابها زعفران وبهاء، في ليلة بعدها ليلة بعدها الفناء أم في زمان في ضحوة ما لها انتهاء، مع صحبة بعدها فراق، أم صحبة خلد وفردوس وبقاء؟
فلنعبر الشوك جميعاً لنلقى الأحباء يقول الله عز وجل: قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61].
ولدي الحبيب، كلنا يعد عدته للقائكم فأنتم الأعلون أيها المجاهدون إن أخلصتم النية لله تعالى فأنتم الظاهرون، وعدنا الله بالنصر المؤزر والفتح، فلنحذر أنفسنا التي بين جنبينا.
أبا العالية الأم هي التي تحب ولدها، هي التي تتطلع إلى الغد كي يزهو نجم ولدها، كيف سيظهر ولدها في الآفاق، كيف تعلو درجاته؛ كيف يكون إنساناً ناجحاً، تتطلع إليه العيون بالاحترام والتقدير بما وصل إليه دائماً تتطلع إلى الأمام للغد الذي ينتظر ولدها كيف تفرش له الأرض رياحين، كيف تحل البسمة لا تفارق جبينه، هأنذا أصدقك القول يا أبا العالية أتمنى من الله العلي القدير أن يجعل لك نصيباً في العلو والرفعة عند الله، وأن يجعلك الله من الصديقين الذين صدقوا الوعد وباعوا أموالهم؛ ليشتروا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
أنا أتطلع إلى الغد المشرق الذي وعدنا بها ربنا جنات عدن لقاء دائم، سعادة أبدية، نشوة روحية، زوجات حسان كأنهن الياقوت والمرجان، تذكر قول الله عز وجل في سورة الرحمن التي تسمى عروس القرآن: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:47] ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:49] فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:51] فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:53] مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:55] فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:57] كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:59] هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلَّا الإحسان [الرحمن:60] اللهم اجعلنا معهم يا رب العالمين، هذا ما أتمناه لك ولجميع أبنائي في الجبهة، هذا هو الأمل المنشود، أتمنى لكم الراحة والطمأنينة والعزة والرفعة والخلود غداً الدائم، كما يقول رب العزة في الحديث القدسي {يا أهل الجنة خلود فلا موت} هذا هو العز الحقيقي هذه هي المكانة.
ولدي الحبيب، أنا لا أريد أن تعود إلى الدار الفانية، ولكن عندكم المعبر للعز والخلود والشرف والرفعة فكيف أسمح لقلبي وعقلي وفكري أن يناديك من الأعلى إلى الأدنى، أنا التي أحاول أن أصعد إلى الدرجات التي وصلتم إليها فشدوا من أزري وادعوا لي جميعاً أن ألحق بكم حتى أناضل إلى جانبكم بقدر ما أعطاني الله تعالى من وسع وقوة.
أبا العالية؛ أناديك وأناشدك الله، أنت وجميع الأبناء الأحبة، أقولها صدقاً وأنت تعلم جيداً أنني لا أتكلم إلا إذا كنت على يقين من كلامي، لقد أحببت الجهاد في سبيل الله، لقد تغير فكري كثيراً، كل كياني ينضب بالجهاد، عيناي لا تتخيل غيركم، فكري لا يحتوي سواكم، فأنا أحبكم جميعاً.
أرجو أن تبلغ جميع من تراهم أني أبلغهم التحية.
ابني الحبيب حفظه الله؛ {أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل} من هذا المنطلق العظيم والأجر الوفير الذي ينال المجاهد احتسبتك عند الله تعالى صبرت وسأصبر الكثير والكثير حتى آخر لحظة من عمري، وحتى آخر قطرة من دمي، الفراق صعب والضنى والولد غالي، ولكن الجنة لها ثمن، وهذا أبسط ما نقدمه لله، الشهادة لننال بها رضاء الله تعالى.
والمجرمون الملاحدة الكفار، قد انتهكوا العورات، وهتكوا أعراض المسلمات، واعتدوا على البلاد، وأنتم الأمل المنشود لا بد أن نثابر ونناضل ونجاهد حتى النصر، النصر لدين الإسلام النصر لتكون كلمة الله هي العليا، التضحية من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له، بحرية وراحة وطمأنينة، الكثيرون ممن أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأولادهم يدعون الله تعالى لكم بالثبات وبالنصر المؤزر من عنده وهو العلي العظيم.
ولدي عبد العزيز؛ الكل لا ينجو من عذاب القبر، الكل لا يفرمن ضمة القبر، إلا المجاهد في سبيل الله، هو الذي لا يكدر صفوه عند نومه مكدر، ولا أقول موته فإنه حي كما ذكر الله عز وجل أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام يوم وقيامه، وإن مات فيه؛ أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن فيه من الفتنة}.
سبحان الله! هذا كله في انتظاركم؛ إن صدقتم النية مع الله تعالى.
يا ولدي، أنت حملت في اسمك من أسماء الله تعالى العزيز وهو القوي القادر القاهر، فأرجو أن تتمثل فيك عزة الإسلام وأن تكون قوياً على أعداء الله من الكفار والمشركين رحيماً بإخوانك المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من قاتل في سبيل الله فواق بالألف ناقة وجبت له الجنة، ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها المسك}.
عبد العزيز.. يا ولدي الحبيب؛ أرجو أن يكون جهادك خالصاً لوجه الله، وأن تنقي جهادك من الرياء والسمعة، وأن تحافظ على نفسك، وتكون سماعاً مطواعاً لأميرك، حتى تنال الدرجات العلا وأن تكون قوياً دائماً ولا تخاف في الله تعالى لومة لائم، وأن تحافظ على نفسك من أجل الجهاد، لا تدفع بنفسك إلى الهلاك لتسرع إلى الشهادة، وحافظ على نفسك وأبل بلاءً حسناً، وذلك يزيد درجاتك في الجنة. جميع من تعرفهم يبلغونك السلام والتحيات، ويدعون الله تعالى لك بالثبات، فأرجو أن تكون كما نتمنى جميعاً، وإليك تحيات الجميع، وأسأل الله تعالى أن يرزقك الشهادة في سبيله، وإلى اللقاء، وموعدنا الجنة بحول الله تعالى ورحمته وقوته.
3- تعليق على الرسالة:
أيها الأحبة؛ إن مثل هذه الكلمات العظيمة النيرة، إن مثل هذه الكلمات لا يقولها من تربى على أصوات الأغنيات الهابطة، ولا يقولها من سمر عينيه في مشاهدة الشاشة الصغيرة، ولا يقولها من يتابع أخبار المباريات يوماً فيوماً وليلة فليلة، حتى في شهر رمضان المبارك، ولا يقولها أولئك الذين انغمسوا في الدنيا وفي الأوحال إلى آذانهم، إنما يقولها الذين هم في الدنيا، ولكن قلوبهم وأرواحهم تسرح في الجنة، وأنوفهم تشم ريح الجنة، فيقول قائلهم: [[الجنة ورب الكعبة إني أجد ريحها من دون أحد]] ويقول آخر وقد أقبل إلى الشهادة في سبيل الله:
ياحبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها |
علي إذ لاقيتها ضرابها |
وجهادكم أن تبذلوا مما أعطاكم الله عز وجل، فقد ناداكم المنادي، وصاح بكم، وأصبح يتسول على أعتابكم، لا ليكسب من ورائكم لقمة العيش فهو عنكم في غنى، ولكن يطالبكم أن تؤدوا بعض ما أوجب الله عليكم، لكم لا لغيركم فأنتم الرابح الأول والأخير، فإن مال أحدكم له ما قدم ومال وارثه ما أخر، وليس أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، جهادكم وجهادكن أيتها الأخوات، أن تربوا أولادكم على معاني الرجولة والبطولة والفداء، وأن تربوهم على دين الله عز وجل، على حفظ كتاب الله، وحفظ حديث رسول الله وعلى طلب العلم النافع وعلى الدعوة وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الولاء للإسلام وأهل الإسلام.
فأين المشمرون؟
وأين المجاهدون؟
وأين المرابطون؟
وإذا لم تذهب بنفسك وربما أمامك عقبات وعقبات فلا أقل من دعوة صادقة،وإنني على ثقة بإذن الله تعالى وهذا من حسن الظن به جل وعلا أن ألوفاً من المسلمين قد قضوا فريضة من فرائض الله وهي الصلاة، وانتهوا من صيام يوم من رمضان، ثم تجمعوا في بيت من بيوت الله، وضجوا إلى الله تعالى بالدعاء وارتفعت أصواتهم، وعلا نحيبهم، وصفت قلوبهم، أن الله تعالى لا يرد هذا الدعاء.
وكيف يرده وهو القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وكيف يرده وهو القائل: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] لكن بصدق النية وصدق اللهجة والإخلاص والانقطاع إليه تعالى، وأن نعلم أن كل العرى وكل الحبال قد تقطعت في أيدينا، وكل الأبواب قد أغلقت في وجوهنا وما بقي إلا باب واحد وهو باب الله عز وجل، فلنطرق هذا الباب ولنلح:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجت ومدمن القرع للأبواب أن يلجا |
أفرأيتم أيها الأحبة هذه الجموع الغفيرة ما فيها واحد لو أقسم على الله لأبره يقول صلى الله عليه وسلم: {إن من عباد الله من أقسم على الله لأبره} لو سأل الله لأعطاه ولو طلب من الله لأجابه الله، وقد يكون ضعيفاً وقد يكون فقيراً وقد يكون مسكيناً وقد يكون مغفلاً، ولكن الله تعالى أعلم بعباده قال الله: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] فاصدقوا الله تعالى من قلوبكم، وأصلحوا أحوالكم، وتفقدوا بيوتكم، وعليكم جميعاً القيام بدوركم الذي ينتظره منكم إخوانكم المسلمون.
والحمد لله رب العالمين.
الجواب: وأقول نعم، لقد ظهر اسم رئيس تحرير هذه الجريدة يوسف دمنهوري، ظهر مؤخراً على الجريدة مرة أخرى بعدما كان أقصي بسبب تعرضه للدعاة والعلماء، ونيله من أعراضهم، وكان إبعاده كان لمجرد تهدئة النفوس، ثم عاد مرة أخرى، وقد كتب في أول عودته مقالاً، كأنه يشيد بنفسه من طرف خفي وبموقفه وبثباته، وواجب على أهل الخير والاحتساب، أن يحتسبوا على هذا المنكر الكبير، ويسعوا في إزالته بقدر ما يستطيعون.
الجواب: لا شك أن مثل هذا العمل فيه مضار كبيرة وعظيمة، أولها: ضياع الوقت والعمر الذي به يحاسب الإنسان، وعلى ضوءه يكون من أهل الجنة أو من أهل النار أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] وإذا مات ابن آدم كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء وابن مسعود وأبي برزة وغيرهم رضي الله عنهم: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، منها عن عمره، ومنها عن شبابه}.
والوقت أثمن ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع |
المفسدة الثانية: أن فيه ضياع المال، فإن هذه السيارات وما فيها، التي تشترى بأغلى الأثمان ثم يكون مصيرها التلف أو التصادم أو الضياع أو ما أشبه ذلك، إنها أيضاً من المال الذي يضيع بغير طائل.
المفسدة الثالثة: والمشكلة الثالثة هي تعرض الإنسان للأخطار، فإن من الشباب من يموت في مثل هذه الأحداث، ومنهم من يصاب، وقد أخبرني بعض الإخوة العاملين في المستشفى، أن الذي يشاهد أقسام الحوادث في المستشفيات يصاب من ذلك بهم وغم شديد، فإن فلذات الأكباد، وزهرات الشباب، يذهب الكثير منهم بسبب حوادث السيارات، من الاصطدام أو الانقلابات أو ما أشبه ذلك، مع أن هؤلاء كثير منهم يحجمون عن أن سيدفعوا إلى ميادين المعارك، حيث قتيلهم شهيد في سبيل الله تعالى.
ومن أعظم المفاسد المفاسد الأخلاقية، فإن اجتماع الكبار والصغار يترتب عليه علاقات مريبة، وصداقات لا يرتاح الإنسان إليها، وقد يترتب من جراء ذلك وسوسة الشيطان وتلبيسه على هؤلاء وأولئك.
بل إن المتأمل والمشاهد يدرك أن كثيراً من هؤلاء الشباب خاصة الكبار، يصطحبون معهم صغار السن، من أصحاب الوجوه الوسيمة، والطلعات الصبيحة، ويفتخرون بهم ويتنافسون في مثل ذلك فهي مفاسد عظيمة، وحق علينا جميعاً أن نقوم بواجبنا في مقاومة هذا المنكر، فالمسؤولية العظمى تقع على من يستطيعون منع ذلك بالقوة أن يمنعوه كما يمنعوا غيره من التجمعات، التي تكون مباحة أو محمودة أحياناً، كما أنه واجب على أولياء الأمور، من الآباء والكبار والإخوة وغيرهم أن يسعوا إلى منع إخوانهم وأبناءهم ومن لهم سلطة عليهم، من الذهاب إلى تلك التجمعات.
كما أن علينا جميعاً أن نقوم بدورنا كأجهزة الهيئات مثلاً، وكذلك أقول: على الدعاة وطلبة العلم والمخلصين أن يذهبوا إلى هناك، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويوزعوا الكتاب والشريط ويتكلموا، وسيكون لذلك أثر كبير إن شاء الله.
الجواب: أقول: ذلك جائز، إذا كان لا يضر بصحة المرأة، بحيث تصلي المرأة مع المسلمين، وتصوم مع المسلمين، خاصة إذا كان عندها بعض الظروف التي تحوجها إلى ذلك، وإن بقيت المرأة على طبيعتها وخلقتها وتركت الحيضة بعادتها، وأفطرت أيام حيضها، ثم قضتها بعد ذلك، فهذا خير لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة عن الحيض: {ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم} لكن جائز ذلك إذا كان لا يضر بالمرأة.
أيضاً من الأمور التي تحتاج المرأة إلى معرفتها: إن لها أن تتناول هذه الحبوب في رمضان، ثم يتوقف عنها الدم وتصوم، فإنها لا تقضي تلك الأيام التي صامتها؛ فبعض النساء تظن أنها تصوم في رمضان، ثم تقضيها بعد ذلك، وهذا خطأ كبير، بل إذا توقف عنها الدم وصامت في رمضان فليس عليها بعد ذلك قضاء لا لصومها ولا لصلاتها.
الجواب: الشبكة قبل الزواج، هي عبارة عن هدية يعطيها أهل الزوج للفتاة قبل عقد النكاح، والأظهر أن هذا ليس فيه حرج إن شاء الله، وإن كنت أنصح بعدم استعماله؛ لأن البعض يقولون: إنه ليس من عادات المسلمين بل هو من عادات الأمم الأخرى، فإن ترك فهو أفضل، وإن كان تركه يؤدي إلى مفسدة، أو يجعل أهل الزوجة يظنون بأهل الزوج البخل أو ما أشبه ذلك، فلا حرج إن شاء الله تعالى.
الجواب: إذا كان هذا البخاخ ليس فيه إلا مجرد الهواء الأكسجين فلا حرج فيه، أما إن كان مع الأكسجين مواد أخرى، كالبودرة أو الماء أو ما أشبه ذلك فلا يستخدم حال الصيام.
الجواب: ترفع اليدين حال الدعاء، وفي المواضع المشروعة؛ كالدعاء عند القنوت، والدعاء فيما أشبه ذلك من الأحوال، وليس كل دعاء ترفع فيه اليدين، فالدعاء بين السجدتين مجزوم ومقطوع أنه لا ترفع فيه اليدين، ومثله الدعاء في آخر التشهد، ومثله الدعاء عقب صلاة الفريضة، فكل ذلك مما يجزم ويقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يرفعون فيه أيديهم.
ولكن لو هجس بالإنسان هاجس في حالة معينة، أو نـزل به ضر، فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا الله تعالى، فهذا أيضاً مشروع.
الجواب: على كل حال لا ينبغي للمسلم أن يكون كذلك، فإنه ما من أحد من البشر إلا ويؤخذ من قوله ويترك كما قال الإمام مالك إلا صاحب هذا القبر، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالبشر من طبيعتهم الخطأ، ومن شأنهم الزلل، ومن تتبع عورات الناس؛ تتبع الله عورته ففضحه ولو في عقر بيته، والعاقل من لا يحسب أخطاء الناس، بل يحسب صوابهم.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه |
الجواب: أولاً: الأخبار التي تأتي عن طريق الدش من الأقمار الصناعية، غالبها بغير اللغة العربية، ومعظم هؤلاء لا يتقنون اللغات الأخرى.
ثانياً: إن مستوى الوعي عند الناس عندنا، لا يزال دون ذلك، فالكثيرون لا يتابعون الأخبار حتى عبر المذياع، فضلاً عن أن يتابعوا الأخبار المصورة التي تبث من الأقمار الصناعية.
ثالثاً: لا شك أن هناك من يتابع الأخبار عن هذا الطريق وعن غيره، ولكنني أقول: ما ذنب النساء والأطفال والشباب المراهقين والبنات المراهقات في بيتك؟
واللاتي قد لا تستطيع أن تحول بينهن وبين ذلك، ثم ما ذنب أولئك الناس، الذين رأوا هذا على سطح بيتك فأساءوا بك الظن، وظنوا بك أموراً ربما لا تكون أنت أهلاً لها؟
بل ما ذنب من رأوك فقلدوك في ذلك واتبعوك، ففتحت باباً ربما كنت من أول من فتحه؟
وسننت سنة سيئة {ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة} فننصح هذا الأخ بأن يقلع عن ذلك ويتركه، وإذا كان حريصاً على الأخبار فقنوات الاتصال والتعرف على الأخبار ممكنة كثيرة بغير هذا السبيل.
الجواب: أما حديث البشرى بفتح روما فهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قول النبي صلى الله عليه وسلم { مدينة
أما حديث: {من صلى أربعين يوماً في جماعة…} عند الترمذي وغيره فهو أيضاً صحيح عند جمع من أهل العلم وهو الراجح: {كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق}.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة: {أعندك شيء؟ قالت: لا، قال: فإني إذن صائم} وهو في الصحيح.
أما الفطر في صيام النفل، إذا صام الإنسان نفلاً فهو أمير نفسه، بإمكانه أن يفطر وبإمكانه أن يواصل، أما لو صام فرضاً، كأن يكون صام قضاء رمضان، أو صام نذراً أو صام كفارة؛ فلا يجوز له أن يفطر.
الجواب: لقد تحدثت عن هذا الموضوع في أكثر من مناسبة منها محاضرة (
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن الخروج إلى المسجد وهي متطيبة، فكيف بخروج بعض الفتيات إلى السوق أو حتى لمقابلة رجل يخادعها عبر الهاتف، إنه من أعظم الإثم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن: {أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على رجال ليجدوا ريحها فهي زانية}.
ثم إنك تطيبين كلامك وتلينين قولك، وتحرصين على كسب هذا الرجل، أو كسب إعجابه وربما غرك بوعود الزواج، وأقول: إن كان عاقلاً لن يتقبل مثلك زوجة له، وإن كنت عاقلة فلن تقبليه أيضاً لأن بينكما سر يدل على عدم الأمانة بينكما، فإذا مضت أيام الزواج، ومضى عام أو عامان، قال: تذكرين يوم كذا وكذا، قلتِ له: وتذكر يوم كذا وكذا فاكتشف أنك لست بالأمينة، وصار يشك في اتصالاتك، فإذا دخل البيت ووجد أنك تكلمين أمك أو قريبتك، ثم اختصرت المكالمة شك فيك، وربما ركب على الجهاز تسجيلاً حتى يكتشف حقيقة الأمر.
إذا كان الله تعالى يؤدب أمهات المؤمنين زوجات رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه [الأحزاب:32-33] فكيف تخالفين ذلك وأنت عرضة للفتنة والإغراء أكثر من غيرك؟
وهذا الرجل لا شك أن في قلبه مرض مرض الشهوة، وربما مرض العشق، وربما مرض الخداع. فاتقي الله أيتها الفتاة واتق الله أيها الشاب وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر