أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا المجلس (78) في سلسلة الدروس العلمية العامة في ليلة الإثنين الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى من سنة 1413 للهجرة، وأول عنوان أطرحه بين أيديكم (لكي نكون منصفين).
لقد قلت لكم بالأمس: (
أولهما: أن أقول: إن ما سوف أذكره اليوم من مظالم حاقت بهؤلاء النفر الضعاف من العمال الذين لا يملكون حولاً ولا طولاً، وكثرت وانتشرت وذاعت وشاعت، إنها وإن كانت أمراً مشتهراً كثيراً إلا أنه ليس قاعدة مطردة، فنحن نعرف بين أرباب العمل والكفلاء من يتميزون بالصدق والإنصاف والإخلاص والعدل حتى إن أحدهم يعامل عماله ومن تحت يده كما يعامل أولاده.
إذاً ما نقوله ليس قاعدة عامة، وليس اتهاماً لكل صاحب عمل، ولا لكل مالك مؤسسة، ولا لكل قائم على شركة، فإننا نعلم بين هؤلاء من يقوم بالحق والعدل والقسط، ولهؤلاء منا الدعاء ولهم من الله عز وجل الأجر والثواب بإذنه سبحانه، ولكنَّ حديثنا عن فئة خاصة، وطائفة معينة -وليست بالقليلة- من أولئك الذين يسومون عُمَّالهم سوء العذاب.
وثانيهما: أن كلاً من الطرفين: العمال وأرباب العمل، يتحمل جزءاً من المسئولية، وكما أن للعامل حقوقاً يجب أن يأخذها، فإن عليه واجبات يجب أن يؤديها، وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم العامل راعياً ومسئولاً عن رعيته وكما في الحديث الصحيح {ما من والٍ يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة} فالمحافظة على مواعيد العمل بإتقان ودقةٍ وانتظام هو من الواجبات على العامل، وقد يتأخر الكثير من العمال بعذرٍ أو بغير عذرٍ عن أداء عمله في الوقت المحدد وعلى الوجه المطلوب.
والمحافظة على مال الغير كفيلاً كان أو رب عمل أو غيرهما هو ضرورة أيضاً وواجب وهو جزء من الأمانة في عنق العامل، قال الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك} والحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه أبو داود وغيرهما عن أبي هريرة وهو حديث صحيح، وفي الباب عن أنس وأبي أمامة وأبي بن كعب وغيرهم، فلا يجوز أن تأخذ مال الغير ظلماً أو سرقةً أو اختلاساً أو غصباً، ولا حتى يجوز عند طائفة من أهل العلم أن تأخذ ماله وأنت تقول: إنه ظلمني وأنا آخذ بعض حقي منه وقد ظفرت به؛ فإن من أهل العلم من لا يجيز ذلك قط، ومنهم من يحمل الحديث على الاستحباب ألا تأخذ مال الكفيل، ولو كان ظالماً لك معتدياً على حقك.
وقد يحافظ العامل أحياناً على الوقت المحدد للعمل، ولكنه لا يقوم بالواجب المنوط به ولا يؤديه على الكفاية وهو يعلم في قرارة نفسه أنه يستطيع أن يقوم بالعمل بصورة أفضل، وأن ينجزه بطريقة أحسن مما فعل لو أنه استشغر المسئولية وستحضر الإخلاص لله تعالى، وقد روى البيهقي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه} إنه ليس من الإتقان، ولا من المسؤولية في شيء أن يقدم الإنسان نفسه للآخرين على أنه يحسن كل عمل، ويجيد كل فن ولا يعتذر عن شيء، ولكنه لا يحسن شيئاً قط.
كما إنه ليس من القيام بالمسؤولية أن يحضر العامل في الوقت المحدد، ويورَّي بالقليل من الأعمال، فإذا جاء الكفيل تظاهر بأنه منهمك في العمل، مخلص فيه، فإذا أعرض عنه عاد إلى الدعة والراحة والسكون، فإن خصمه حينئذٍ هو الله عز وجل وليس خصمه الكفيل الذي يحضر ويغيب.
فواجبنا جميعاً أهل الإسلام أن نتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أعيننا وهو حديث رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: {أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصرة المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام }.
الأمة يجب أن تقدم نفسها نصيراً للمظلومين ومدافعاً عن حقوقهم حتى ولو كانوا في أرضٍ غير أرضها، وفي بلادٍ غير بلادها، ولو كان الذي يمارس الظلم معهم من جنس آخر، أو دين آخر، أو نحلة أخرى، فكيف وقد أصبح الظلم اليوم قائماً في الأمة نفسها، تمارسه وترضى به وتقره، وربما سمعنا -مع الأسف الشديد- اليوم أصواتاً منكرة غريبة غربية وشرقية تنتقد انتهاكات حقوق العمال في هذه البلاد، وفي بلاد أخرى, وتعلن أنها المدافع عن حقوقهم وتناديهم باسم النصرانية ليرفضوا هذا الظلم الذي يقع عليهم من المسلمين.
إنها المرتبة التي فرطنا فيها وتخلينا عنها يوم رضينا أن ننشغل بأمورنا الخاصة، وتركنا للكافر أن يتظاهر بالعدل، وأن يقدم نفسه مدافعاً عن حقوق المستضعفين، فهذا سبب.
ملاعب جلة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان |
ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان |
وهنا في هذه البلاد يقول الكتاب الثانوي الإحصائي لوزارة المالية والاقتصاد الوطني لعام (1410هـ) يقول ما يلي:
إن عدد الإقامات الممنوحة من الجوازات في جميع المناطق عام (1406هـ) هو (563.747) خمسمائة وثلاث وستون ألف وسبعمائة وسبع وأربعون، أي أكثر من (560) ألف إقامة (خمسمائة وستون ألف) إقامة.
أما في عام (1410هـ) وبعد أربع سنوات فقد قفز العدد على رغم الظروف قفز إلى (705.679) إقامة أفلا تعتقد أن سبعمائة وخمس آلاف أو جزءً كبيراً من هذا العدد أنهم جديرين بأن يتحدث الإنسان عنهم، إن من بين هؤلاء خمسمائة وست وأربعون أو ست وسبعون ألف رجل، أما البقية فمن النساء.
فمثل هذا العدد الضخم الذي يقارب المليون -هذا قبل ثلاث سنوات- وربما وصل الآن إلى أكثر من ذلك، إن مثل هذا العدد يشكل جزءاً كبيراً في المجتمع، ويؤثر فيه تأثيراً بليغاً في أداء المجتمع وأخلاقه وأعماله ومستوياته ولابد أن يحظى بحديثٍ عنه.
ثم هذا الإنسان لم يواجه من الكثير فحسب، بل واجه من المجتمع كله النظرة المحتقرة، وعدم الاحترام، وعدم التجاوب، وعدم الاهتمام به، وكأننا نتصور أحياناً أن هؤلاء العمال ليسوا داخلين في البشر الذين يشرع الإحسان إليهم، ولو بلقمة العيش، أو بأن تحمله على سيارتك، فإن لم تطق فلو بكلمة طيبة.
أم ماذا تقول عن خادمة سيمت سوء العذاب من ربة المنـزل، واقتطع جزء من راتبها، وأهينت في المطار ذاهبة وآيبة، ثم أعيدت إلى أهلها قبل تمام مدة العقد وفي بطنها جنين يتحرك من غير الحلال.
نعم لقد قرأت هذا في صحف طبعت في إندونيسيا، وفي الفلبين وفي تايلند، وهي تشير بأصابع الاتهام والسب والشتم إلى بلاد طهرها الله تعالى وقدسها وباركها، وفضلها وأغناها، وجعلها قبلة المسلمين ومنطلق الرسالة والوحي، تشير بالحق لا بالباطل، وبالوثائق لا بالاتهامات المبهمة.
وكيف تتوقع لو أننا استفدنا من هذا القادم المسلم، فربيناه تربية إسلامية، وثقفناه ثقافة شرعية، وغرسنا في قلبه عقيدة التوحيد، وغرسنا في شخصيته أخلاق الإسلام، وعلمناه أحكام الشرع في العبادات والمعاملات وسائر شئون الحياة.
إذاً لعاد هذا العامل إلى بلده يحمل المنهج السليم، ويبلغه لمن وراءه وكان داعية خير وعدلٍ وصلاح، وكان من الممكن أيضاً أن يستفاد من ذلك العامل الكافر مادمنا قد بلينا به، ومادمنا خالفنا فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن استعمالهم واستقدامهم وإسكانهم هنا، لكن مادام الأمر قد وقع؛ فكان من الممكن دعوتهم إلى الإسلام بالقول وبالفعل وتهيئة الأسباب لذلك من الأشرطة المسموعة بلغتهم، والمرئية بلغتهم أيضاً، والكتب، والنشرات، والمطويات، والندوات، والدروس، والجمعيات، والمراكز، والمكاتب التي تهتم بأمر هؤلاء من غير المسلمين؛ ولاشك أن شيئاً من ذلك يحدث، ولكن ليس هذا موضع دراسة مدى نجاح هذه التجربة أو فشلها، إنما لا نشك أن ما يقع هو أقل من المطلوب بكثير.
إننا نعلم أن المسلمين ينصرون، وقبل أيام قرأت خبراً أن أربعة آلاف مسلم عراقي تنصروا على يد منظمات الإغاثة التي تحمل الإنجيل بيد وتحمل الغذاء والدواء والكساء باليد الأخرى، أتدري في أي دولة تنصروا؟ إنني لا أقول لك: في فرنسا ولا في أمريكا ولا في إيطاليا؛ وإنما في بلاد الشام في سوريا، تنصر أربعة آلاف عراقي على يد جمعيات الإغاثة النصرانية، فهذا العدد الكثير موجودين في بلادنا، وقد ذكرت في إحصائية سابقة أن عددهم يزيد على ثلاثمائة وخمسين ألفاً!!! أين المكاتب التي تسعى إلى دعوتهم إلى الإسلام؟ أين الجهود؟ فعلى الأقل إن لم نفلح في دعوتهم إلى الإسلام نشككهم في دينهم أو على أقل تقدير ليضعف حماسهم لعقيدتهم، وربما يشك اليوم ويسلم غداً أو بعد غد، المهم السهم الذي لا يقتل فإنه يصيب.
وليست العبرة عند الله تعالى بحسن البزة، ولا برفعة المنصب، بل بحال المضغة التي إذا أصلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله تعالى لأبره}.
إن الضعفاء هم أتباع الأنبياء، قالوا: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ [هود:27] وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس {أن
بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الأكابر أبو جهل وأبو لهب وعتبة وشيبة والملأ المستكبرون قالوا له: كذبت إن هذا لشيء يراد، وقاله له الفقراء والضعفاء والشباب وغيرهم صدقت وآمنوا به وصدقوه واتبعوا النور الذي أنـزل معه.
فإن كنت رجلاً مؤمناً فلا تحتقرن أحداً، ولو كان بأسمال بالية، ولو كان على وجهه ويده أثر العمل، ولو كان لا ينطق ولا يبين، وتواضع لرب العالمين.
ولأن هذا العامل ضعيف لا يملك القدرة على رفع الظلم عن نفسه، ولا يجد من يدافع عنه إلا احتساباً، كان واجباً علينا جميعاً أن ننتدب للمدافعة عن المظلومين.
وما إن أعلنت هذا الدرس حتى انهالت عليَّ الأوراق والشكاوى والوثائق تدل على أن عدداً كبيراً من هؤلاء يسامون سوء العذاب، ولا يجدون الجهة التي يشتكون إليها، لأن صاحب العمل قد أتقن اللعبة، وحبك المؤامرة، ونظَّم الخيوط كما سوف يبين لك.
فها هنا الصفات المطلوبة في العامل: القوة لئلا يعجز عما وكل إليه، والأمانة لئلا يخون أو يغش، فضلاً عن الشهامة والرجولة والمروءة التي بدت على سيما موسى عليه السلام وخلقه ورفقة بالضعيف والمسكين والمحتاج، وعفافه وبعده عن النظر إلى ما لا يحل له.
فأولاً حدد له قيمة الأجرة قبل أن يطلب منه العمل، الأجرة ما هي؟ إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، أما العمل فهو أن تأجرني ثماني حجج -ثماني سنوات- فإن أتممت عشراً فمن عندك. وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القصص:27] هذا هو العقد الكامل، العمل بالرعي والسقي معروف واضح، والأجرة هي الزواج من إحدى هاتين الفتاتين، المدة ثمان سنوات إلزامية، وسنتان اختيارية ليس فيهما إلزام.
أما رب العمل فهذه صفاته: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ [القصص:27] لا يشق على العامل، ولا يحمل عليه ما لا يطيق ولا يعنته ولا يكلفه يكلفه، فليس في العمل أعباء يعجز عن حملها ولا مسؤوليات يضعف عنها، ثم: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القصص:27] في أخلاقه، في معاملته، في رفقه، في حلمه، في تعليمه له، إن صحبة الصالحين سبب للصلاح والفلاح، وافق موسى عليه السلام وأعلن ذلك، قال: ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص:28].
وهاهنا يظهر التراضي التام بين الطرفين والاتفاق على شروط العمل، ثم قال موسى عليه السلام: وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص:28] إنها كلمة عظيمة الدلالة تؤكد أن الحقوق لا تضمن أبداً من خلال منظمات حقوق الإنسان، ولا من خلال مكاتب العمل، ولا حتى من خلال المحاكم، حقوقية كانت أم شرعية فحسب، وإنما تضمن الحقوق أولاً من خلال الضمير الحي الذي يراقب الله عز وجل، ويعلم أنه موقوف بين يديه، قال الله تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ [القصص:29].
سبحان الله! أرأيت كم بين العقد وبين انتهائه من المسافة، إنها بضع آيات ذلك بيني وبينك فلما قضى موسى الأجل، بل آية واحدة، عشر سنوات قضاها موسى، فقد قضى أطول الأجلين، لأنه رجل كريم جواد معطاء فقد رضي أن يشتغل عشر سنوات، انتهت بهذه السرعة بدون مشكلات ولا صعوبات ولا تأخير في العمل، ولا مماطلة في الأجرة، كل ذلك لم يكن بل قضى الأجل وسار بأهله، زوجته التي كانت هي التي وقع عليها الاختيار.
1- عن ابن عمر رضى الله عنه وقد أعتق مملوكاً، فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال ما فيه من الأجر ما يساوي هذا، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من لطم مملوكاً أو ضربه فكفارته أن يعتقه }
2- وعن ابن عمر أيضاً: [[أنه دعا بغلام له؛ فرأى بظهره أثراً- أي أن
3- عن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لي فهربت، ثم جئت قبيل الظهر فصليت مع أبي فدعاه ودعاني -محكمة- ثم قال امتثل منه، قال: فعفى -خذ حقك، قال سامحتك، ثم قال له أبوه له يعلمه، قال: كنا بني مقرنٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {أعتقوها، قالوا: يا رسول الله! ليس لهم مملوك ولا خادم غيرها، قال: فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها}.
4- عن أبي مسعود رضى الله عنه قال: {كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خلفي: اعلم
5- عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قذف مملوكه بالزنا؛ يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال} إذاً كل حق لا يؤخذ منك في هذه الدنيا يستوفى منك في الآخرة.
6- عن المعرور بن سويد قال: {مررت بـ
7- عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به، وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام مشفوهاً -أي قليلاً- فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين} يعني: لقمة أو لقمتين.
لقد بينت هذه الآيات وتلك الأحاديث كل شيء:
أولاً: بينت الحقوق للعامل سواء كانت حقوقاً شخصية تتعلق بلباسه، وطعامه، وشرابه، ومسكنه، وغذائه، وعلاجه، أو كانت حقوقاً معنوية تتعلق باحترامه وتكريمه وتقديره وعدم سبه أو شتمه أو السخرية منه.
ثانياً: بينت أصول العمل، في قيام العامل بما يستطيع وعدم تكليفه بما لا يطيق أو ما لا يستطيع.
ثالثاً: حددت العقوبات، ومتى تستخدم، وفي حق من، ومن هو الذي يستخدم العقوبة ويقرها.
رابعاً: بينت التعويضات التي تكون للعامل على أي تقصير يبدر في حقه، وكل ذلك مربوط محفوف بالخوف من الله عز وجل ومراقبته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي مسعود: {اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه}.
إن الظلم الذي يحيق بالعمال اليوم ضخم عظيم، ولو أنني ذكرت لكم قصة واحدة من قصص العمال لتعجبتم من ذلك، فكيف إذا تصورنا هذا العدد الكبير الذي يزيد على نصف مليون إنسان، وكثيرٌ منهم يواجهون في مقر عملهم أو إقامتهم ألواناً من الظلم لا يرضى الله تعالى عنها أبداً، من ذلك:
لماذا لا تسأل عاملك عن الصلاة وأدائها كما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتعطيه فرصة القيام بها؟
لماذا لم تهيئ له فرصة العبادة كالصيام، والحج المفروض الذي تتحرق نفسه إليه، وإلى قراءة القرآن، وإلى غير ذلك من الأعمال الصالحة؛ مع أن هذا لن ينقص من عمله، بل سوف يزيده، وسيشعر بأن العلاقة بينك وبينه علاقة ود ومحبة وإخاء وحياء وسيضاعف من جهده ونشاطه؟!
لماذا تترك العامل لعاداته الموروثة التي تلقاها في بيئته وأسرته أو تدعه لزملائه -زملاء العمل أو زملاء السكن- الذين هم مثله أو أقل أمنه، أو تتركه لأشرطة الفيديو يقتل بها وقت الفراغ وكل ما عملته أنك سهلت له مهمة الحصول على جهاز التلفاز وجهاز الفيديو، وشراء هذه الأشرطة أو حتى استقدامها عن طريق البريد الذي يسمح بألوان من الأشرطة للعمال وغيرهم حتى ولو كان فيها العري الكامل أحياناً وحتى لو كانت مما لا يسمح به في قوانين وزارة الإعلام؟!!
أين المجهود الدعوي الذي تؤديه أنت مع عمالك؟
إنني أسألك سؤالاً: ألست تريد الدنيا، وتحب المال؟ لاشك أنك كذلك.
سؤال آخر: ألست تثق بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً ويقيناً؟ قطعاً ويقيناً أنت تثق بأنك مسلم موحد، إذاً فاسمع يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان في قصة علي رضى الله عنه قال: {والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} حتى ولو كان عاملاً؟ نعم، حتى ولو كان جاهلاً؟ المهم أنه إنسان، خيرٌ لك من حمر النعم، خيرٌ لك من الذهب والفضة والدرهم والدينار والإبل التي كانت من أنفس وأعظم مقتنيات العرب وأموالهم، فأين أنت من هذا الخير الكثير.
ومثل ذلك أيضاً تلك الخادمة أو الممرضة أو غيرها، لماذا لم نأمرها بالحجاب الشرعي؟ ونسترها ونصونها ونربيها على العفاف والبعد عن الرجال ومجانبتهم، والتحرز من الاحتكاك بهم أو مقابلتهم أو القيام على خدمتهم بأي وسيلة، هذا من أعظم الأمور والمسئوليات.
وإنني بمناسبة الحديث عن موضوع دعوة العمال إلى الله عز وجل، وتربيتهم على الخير، وتعليمهم أمور الإسلام، أذكر ذلك التعميم القضائي الذي وزع على جميع المحاكم في (21/10/1411هـ) والذي يقول بما يتعلق بهذه الفقرة يقول التعميم: على كافة أصحاب الأعمال من شركات ومؤسسات وأفراد الذين تحت كفالتهم أيدٍ عاملة غير مسلمة؛ بوجوب العمل بكل الوسائل الممكنة لترغيبهم في الإسلام، وتمكين من يسلم منهم بإقامة شعائر الدين أسوة بإخوانهم المسلمين؛ وعدم التضييق عليهم، ومن يخالف ذلك من أصحاب الأعمال أو تابعيهم يحال إلى القضاء الشرعي لتقرير الجزاء الرادع في حقه، ويشار في التعميم إلى أن مراكز الدعوة والإرشاد هي الجهة المختصة لمتابعة ورعاية أحوال المسلمين الجدد، كما يشار فيه إلى حث أصحاب الأعمال على أن يكون مراقبو العمال والمسئولون المباشرون عنهم من المسلمين.
نأمل اتخاذ الترتيب لإنفاذ ما يخص هذه الوزارة بما يتعلق بالتعميم المشار إليه، وللإحاطة واعتماد موجبه فيما يخصكم جرى تعميمه والله يحفظكم، التوقيع وكيل وزارة العدل: -سابقاً الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى.
إن هذه فرصة أن يمكن العمال من الدعوة إلى الله تعالى، ويمكنون من القيام بشعائر الدين، بل وأن يكون القائمون عليهم من المسلمين؛ وأن من يعارض أحكام هذا التعميم يحال إلى القضاء الشرعي، ولدى المحاكم أوامر باستقبال كل قضية من هذا النوع.
يا أخي! بئس الدرهم والدينار الذي يدخل جيبك من عرق هذا المسكين، واسمع هذا التهديد النبوي المخيف الذي رواه مسلم في صحيحه عن إياس بن ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم الله عليه الجنة، وإن كان شيئاً يسيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن كان قضيباً من أراك} ما يساوي ريالاً واحد، أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، إن عجز هذا العامل عن استيفاء حقه لا يُسَوِّغُ لك أبداً الاعتداء عليه، ولا تقول: هذا ضعيف لا يستطيع أن يطالب بحقه، ولا أن يصل إلى المحاكم، ولا إلى مكتب العمل، ولا إلى أين يذهب، لا تقل هذا لأنه ليس هو خصمك، بل أن خصمك هو الله، من يقل هذا؟ يقوله الرسول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، يقول في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره} أي استوفى منه العمل ولم يعطه مقابله، فالله تعالى خصمك يوم القيامة.
لقد استوفيت منه العمل أو بعض العمل، فلماذا لم يستوف منك الأجرة كلها أو جلها؟ ألم تعلم أن من أسباب البركة في مالك، والسعة في رزقك، ألَّا يدخله قرش ولا ريال من كد هذا العامل، ألا تعرف قصة الرجل الإسرائيلي {الذي عمل عنده عامل أحد الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار عمل عنده عامل، فذهب وترك أجرته، فنماها له، فأتاه بعد سنين، فقال: اتق الله وأعطني حقي، فقال: كل ما ترى من حقك فأخذ وادياً من الإبل ووادياً من البقر ووادياً من الغنم، حتى كان يقول: أتسخر بي! قال: إني لا أسخر بك، فاستاقه كله وما ترك منه شيئاً}.
إنه عزل حقه ونصيبه ونماه له حتى أصبح هذا العدد الكبير من الشاة والبقر والإبل ثم أعطاه إياه، ولذلك بارك الله تعالى له في رزقه ووسع له في دنياه، ولذلك كشف الله تعالى عنه الشدائد فلما انطبقت عليهم الصخرة فسأل الله تعالى بهذا العمل الصالح زالت عنهم وخرجوا يمشون، فإذا كنت تريد أن يكون الله لك في شدائدك وكربك وأزماتك المالية وأزماتك الاقتصادية، بل ومصائبك في نفسك، وفي أهلك، وفي مالك، وفي ولدك، وأنت قادم على مصائب أعظمها مصيبة الموت، فإياك إياك أن يدخل جيبك قرش أو ريال بغير حق.
وبعض أصحاب العمل يفرض على العامل نسبة معينة ثقيلة، فهو قد جاء به أنه سوف يعمل بشروط معينة لقاء راتب معين، ألف ريال مثلاً أو أقل أو أكثر، فإذا جاء قال له: لا، نغير العقد، المطلوب منك مثلاً أن تعطيني شهرياً مبلغ ألف ريال أو ألفين ريال أو ثمانمائة ريال، فما زاد فهو لك، فهذه النسبة أحياناً تكون نسبة ثقيلة لا يستطيع العامل أن يقوم بها، ولا أن يحققها، وما يسر له الكفيل شيئا، لا سكنناً، ولا سيارة، ولا عقود عمل، ولا مراقبة، ولا شيئاً، وإنما تركه يسيح في الأرض يبحث عن عمل، المهم أن يأتي بخراج شهري تأتي به إليه وهو ذلك المبلغ المعلوم، وبئس هذا المال أيضاً الذي جاء نتيجة كد هذا العامل وسرقة جهده، فماذا عملت أصلاً مقابل هذه النسبة التي تأخذها؟ ماذا وفرت له؟ نعم، أنا أعترف أن منهم من يحسن فيوفر للعامل سكناً ويوفر له سيارة وقد يوفر له عقود عمل أحياناً ويراقبه أيضاً، ويرفق به، وتكون النسبة المتفق عليها نسبة معقولة مرضية للعامل ومرضيه لصاحب العمل وليس فيها ظلم، ومثل هذا لا إشكال فيه، الإشكال هو في تلك النسب الباهظة العظيمة؛ مع الإهمال الكامل للعامل.
وآخرون يقتطعون من راتب العامل شهرياً مبلغاً معيناً بعدما يستلمه أو يوقع على استلام المبلغ كله ويأخذون جزءاً منه، ويحتفظون بهذا؛ فإذا أرادوا أن يسفروه -مثلاً- سفروه على حسابه هو، مع أنهم ملتزمون أن يكون السفر على حسابهم.
وبعضهم يبخسون العمال مرتباتهم؛ فيعطونهم راتباً لا يكفي لشيء، حتى إن بعض العمال يشتغل بثلاثمائة ريال شهرياً، وعنده هو أعمال يريد أن يقوم بها وهو يريد أن يجمع للزواج، ويريد أن يرسل لأبويه، وقد ترك وراءه أقارب كثيرين هناك بل ربما يكون متزوجاً وله أطفال، وربما كان هذا الرجل قد تحمَّل مبالغ ضخمة -كما سوف يأتي- من أجل أن يجيء إلى هذه البلاد؛ وأخيراً يكون مرتبه ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال.
بل أشد من ذلك أن بعض الناس قد يكون موظفاً في عمل، فيتفق مع عامل آخر على أن يقوم بالعمل بالنيابة عنه، ويكون الرجل الأصلي الذي العمل باسمه يستلم ألفي ريال مثلاً، يعطي للعامل منها الذي يقوم بالعمل فعلاً ويتعب ثلاثمائة ريال، ويضع في جيبه ألفاً وسبعمائة ريال مقابل أنه يوقع على الكشف في نهاية الشهر، ولاشك أن هذا المال حرام حرام حرام! شاء أم أبى واستفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك، ألف وسبعمائة ريال تأخذها من عرق وجهد هذا المسكين مقابل ماذا؟
أيها الأحبة.. إن العامل يأتي إلى بلاد الثروة والنفط في بلاد الخليج خاصة؛ وفي تصوره أنه سوف يرفن فقره وفقر أبويه وأولاده في سنوات قليلة يقضيها هنا، وأنها كفيلة بأن تجعله يعيش في رغدٍ من العيش ما بقي، حتى إن بعضهم يدفع مئات الألوف من أجل تأشيرة يشتريها هناك، ويظن أنه سوف يسددها خلال فترة وجيزة، فإذا جاء فوجئ بالأمور على غير ما تصور وأن العقد المبرم الذي جاء بموجبه لابد أن يُغيَّر لصالح رب العمل، أيها الأخ، الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] وهذا عقد أبرمته مع إنسان.
يا أخي! والله لو كان كافراً فربما يجوز ذلك هذا، فكيف وهو مسلم، (أوفوا بالعقود) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم، أحدهم: رجل أعطى بي ثم غدر} لقد قطع هذا المسكين آلاف الكيلومترات بناءً على عقد معين، فلما جاء فوجئ بأمرٍ آخر لم يكن في حسابه.
لقد أصبحت عملة ذات قيمة؛ يتم تداولها بين الأطراف المستفيدة، والذي لا شأن له ولا قيمة هو العامل، وهو الذي يدفع الثمن غالياً، يدفع الثمن من عرقه ومن دمه ومن دمعه، بل ويدفع الثمن أحياناً -والله- من دينه ومن شرفه، وفي معظم البلاد التي يتم فيها الاستخدام والاستقدام منها بكثرة، يوجد شركات يسمونها شركات، وقد رأينا هاهنا ووقفنا عليها، لها بيوت وأحواش واسعة تحشر فيها النساء اللاتي يراد استقدامهن، والرجال لزمن طويل في أوضاع مأساوية، ومهمة تلك الشركات امتصاص دماء الكادحين، تبيع التأشيرة بثمن باهظ لا يستطيع العامل أن يوفره إلا بعد أن ينسى بلده لسنوات وسنوات يجمع المبلغ، وربما باع العامل مزرعته وأرضه وعقاره ومتاعه وما يملك.
المهم عند ذلك العامل المسكين أن يأتي، إلى الجنة الموعودة التي صُوِّرت له هنا، وليس في الدار الآخرة، ولا يحتاج هذا العامل المسكين ليكتشف الخدعة الكبيرة، والكذبة العظيمة؛ إلا إلى بضع ساعات يقضيها في الطائرة، وما أن تقع قدمه هنا حتى يفاجئ بالأمر العظيم الخطير.
إن مسألة بيع التأشيرات من أخطر الأمور وقد علمت من خلال أسئلةٍ كثيرة، ومن خلال الأخبار وبعض القصص أن مثل هذه الأشياء أصبحت تباع بشكل كبير.
أما المصافحة والبشاشة في وجوههم، وإدخال السرور على قلوبهم، والحديث معهم؛ فأعتقد أن الكثيرين منا يعتقدون أن هذا مما لا يليق أن يفعله الإنسان مع العامل.
إذاً يعتقدُ الكثيرون أن النصوص الشرعية يُستثنى منها العمال، ولا أدري من أين جاء هذا الاستثناء الذي أصبح قاعدة مستقرة في قلوب وعقول الكثيرين، إن هذا ليس خاصاً برب العمل؛ بل هو عامٌ في المجتمع كله، وكلمة هندي -مثلاً- في دول الخليج كلها لها معنى خاص، ولها تداعيات معروفة، بل الذي يكره زوجته يناديها، ويقول لها: تعالي يا هندية، روحي يا هندية، يا أخي! الإسلام ليس فيه عربي وعجمي وهندي، وغير هندي، إنما فيه مسلم وكافر!
{المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره يحذره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم}
مجتمع الإسلام الأول كان فيه محمد صلى الله عليه وسلم العربي، وأبو بكر العربي، وفيه بلال الحبشي، وفيه صهيب الرومي، وفيه سلمان الفارسي، وبناة الإسلام من القواد والفاتحين والعظماء والعلماء والدعاة كان فيهم من كل بلاد الدنيا دون استثناء، فلماذا التعيير بالجنسية، أو باللون، أو بطبيعة العمل، أو بأي شيء آخر؟! ولماذا تتخذ من ضعفه مجالاً لأن تمارس عليه ألوان التسلط والإذلال؟ يا أخي! يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم: {اعلم يا فلان لله تعالى أقدر عليك من قدرتك أنت على هذا الغلام أو على هذا العامل}.
أما التهوية فلا تهوية، أما الإنارة فهي عبارة عن أسلاك من الكهرباء في غاية الخطورة، وإذا جاءت الأمطار صارت عرضة للإصابات وغيرها، أما التدفئة أو التكييف في الشتاء والصيف، فهذا أمر قد انتهى منه والله المستعان، وصاحب العمل يقول: مسكين أنت تريد أيها العامل تدفئة تريد تهوية! أنا في بيتي لا يوجد مكيف، فكيف أستطيع أن أحضر لك ذلك.
أما المرافق من دورات المياه فلا توجد أو توجد بصورة سيئة ورديئة.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى توفير الماء للشرب لا يوجد، الملابس قلما توجد، الطعام لا يوجد، العلاج لا يوجد.
بل إن أحد الإخوة كتب إليّ ورقة يقول فيها: يجب ألَّا يمرض إلا إذا كان كفيله موجوداً وأذن له بذلك! هل سمعتم بهذا؟ نعم لأن المستوصفات لا تقبله في حالة مرضه إلا بشروط، الأول: وجود إقامة سارية المفعول وهذا لا غبار عليه، الثاني: وجود ورقة مختومة من الكفيل بالنسبة لمستوصفات الأحياء، أما المستشفيات فلا تستقبل أصلاً مراجعة من تسميهم بالأجانب، وأعتقد أن الأجانب ليسوا هم إخواننا المسلمون حتى لو كانوا من أي جنسية أو بلد، إنما الأجانب هم الكفار الذين في أحيان كثيرة يملكون من توفير ضروريات الحياة أكثر مما يملكه المسلم، ولعلي ذكرت لكم نماذج من هذا فيما مضى.
ألم تعرف أن الأطباء أنفسهم في الغالب ينتمون إلى جنسيات شتى من غير هذه البلاد، فكيف ترى يحدث في مثل ذلك من الحزازات والأحقاد والبغضاء حينما يرى الطبيب مثل هذه المعاملة والتمييز والتفرقة، ويرى العامل أيضاً مثل ذلك!! إنها ضروريات الحياة التي لم نفلح في توفيرها لهؤلاء العمال الكادحين؛ بل لعلك تعجب أنه حتى الموت أحياناً تكتنفه بعض الصعوبات، نعم! العامل المسلم إذا مات قد يصعب دفنه بعد موته، أما قبل موته فربما يكون من الممكن أحياناً أن يدفن بركام المظالم التي يثقل بها كاهله، ربما جلس العامل المسلم الميت في الثلاجة ثلاثة أشهر أو أربعة اشهر، والكفيل متهاون بهذا الأمر، خاصة وأن الميت لا يمكن أن يؤدي أي خدمات، والقضية عندنا قضية مصالح دنيوية، والمستشفى لا يصرح بدفنه إلا بعد استكمال الإجراءات.
لقد وقفت -أيها الإخوة- على الصورة المرسومة للسكن الذي يجب أن يعيش فيه العامل حسبما هو موجود في نظام العمل والعمال السعودي، فوجدت أمراً عجيباً.
إن نظام العمل يقدم صورة للسكن لما قرأتها أقول لكم بصراحة: تمنيت أن يتاح لي سكنٌ تتوفر فيه تلك الشروط، (مساكن واسعة، ملاعب رياضية، مستوصفات، مدارس، أماكن ترفيه، أماكن علاج، تكييف، تهوية، تدفئة، مياه نقية، دورات مياه) إنها صورة تشبه الصورة التي رسمها أفلاطون لجمهوريته، لكن هذا هو المكتوب على الورق، أما المعروف على الطبيعة فإنه لا يحتاج الى بيان.
أولاً: تكدس أعداد كبيرة من العمال أكثر من الحاجة المطلوبة دون أن يكون هناك عمل يقومون به، وهذا لاشك له أضرار كبيرة جداً من الناحية الاجتماعية، والأخلاقية، والاقتصادية، في البلاد لو أن هناك من يلاحظ ذلك ويراقبه.
ثانياً: عجز وفشل في الشركات والمؤسسات الكثيرة التي أصبحت تتاجر بجهد العمال وعرقهم ثم تشهر إفلاسها وتعلن عنه بعد ذلك.
ثالثاً: هي الجرائم العظيمة والخطيرة لمثل هؤلاء، إن الكثيرين ممن يحضرون العمال ويفرضون عليهم نسبة معينة لا يراقبونهم، ولا يدرون أين يذهبون، ولا بماذا يتاجرون، فربما تحول العامل في كثير من الأحيان إلى تاجر مخدرات، لأن هذا أقرب طريق، ولأنه يضمن من ورائه أرباحاً طائلة، وتحوَّل آخرون إلى متاجرين بالرذيلة والفاحشة والفساد، وتحولت فئة ثالثة إلى قوم يتعاطون ويبيعون الأفلام المحرمة من أفلام السكس وغيرها؛ لأن هذه الأشياء أمور يستطيعون أن يقومون بها ويجدون من ورائها أرباحاً طائلة؛ وهم قومٌ مغفول عنهم لا يسألون أين راحو، ولا أين أتوا، ولا مما كسبوا، ثم إن من جراء ذلك: الحوادث والجرائم الضخمة العظيمة، وعلى سبيل المثال:
في عام (1410هـ) ذكر الكتاب الإحصائي لوزارة الداخلية -وهو كتاب رسمي موثق- يتكلم عن الجرائم والحوادث المسجلة رسمياً، دعك من الأمور التي انتهت، ودعك من الذي لم يكشف، دعك من هذا كله اقتصر فقط على المعلن رسمياً من كتاب الإحصاء لوزارة الداخلية عام (1410هـ) يقول لك: إن الحوادث الجنائية (22952) حادثاً لهؤلاء الذين -اتهموا طبعاً بهذه الحوادث- من خارج البلاد تسعة الآلاف وستمائة إنسان (9600) هذا خلال عام واحد، وفي خلال حوادث معينة فقط وهي الحوادث الجنائية أيضاً، فما بالك بكل الجرائم، وما بالك بما لم يصل إلى المستوى الرسمي، وما بالك بما كان بعد ذلك في السنوات التالية.
أما حوادث الانتقام والقتل فهي كثيرة، فكثيراً ما يعتدي العامل أو الخادمة أو المربية على أهل المنـزل فيبيتهم ليلاً ويقتل منهم بسبب من الأسباب.
وكذلك أيضاً حوادث السحر والشعوذة والكهانة وغير ذلك وقد انتشرت في البيوت وكثرت كثرةّ غريبة ملفتة للأنظار، وأدعو طلبة العلم والمهتمين بالأحوال الاجتماعية والخطباء إلى الانتباه والاهتمام لهذا الخطر الراهن، فقد علمت من خلال الأسئلة الكثيرة التي تصل إليَّ أن كثيراً من البيوت أصبح فيها مخاوف من السحر والشعوذة والكهانة وغير ذلك، وأصبح كثير من النساء تستخدم بعض العاملات الأجنبيات في مثل هذا العمل، وكثير من العمال أيضاً الذين لا يجدون عملاً يتاجرون بمثل هذه الأشياء.
ومثله أيضاً الأعمال غير الأخلاقية التي يتورطون بها رجالاً أو نساء، وقد فتحت الصحافة المصرية بعد حرب الخليج ملفاً خطيراً للعمال المصريين في منطقة الخليج سمته: الرق المؤقت، وهذه الكلمة لها دلالتها على بعض الظلم الذي يقع فعلاً على العمال، والذي قد نظن أنه ينسى؛ ولكن الواقع أنه مكتوب محسوب لا أقصد في الدار الآخرة فهذا أمر معروف، ولكن حتى في هذه الدنيا فإن روائحه أصبحت تتكلم عنها الصحف العربية وغير العربية.
إن الإنسان المسلم الذي جاء ثم لم يجد عملاً سوف يأخذ انطباعاً سيئاً عن هذه البلاد وأهلها، وسوف يرجع بصورة غير الصورة التي جاء بها.
لقد جاء يتصور أنه قادم على أولاد الصحابة، وعلى الفضلاء النبلاء الأخيار الأتقياء الأبرار، فوجد أن الأمر بخلاف ذلك فرجع بغير الوجه الذي ذهب به، رجع يحمل انطباعاً سيئاً عن هذه البلاد وأهلها من خلال رب العمل والكفيل!! بل من خلال المجتمع الذي يعتبر في نظره متواطئاً على تلك الجريمة، أما غير المسلم فقد أكدَّت له تلك التصرفات والأعمال المعلومات التي كانت تقال له من قبل عن الإسلام والمسلمين، لقد عُثِّئ قبل أن يأتي عن صورة الإسلام وصورة المسلمين واضطهادهم وظلمهم وعدم إنسانيتهم وغير ذلك، فلما جاء رأى بعينه ما كان يقال له من قبل، فأصبح بالنسبة له عين اليقين.
ولو أن هؤلاء رشد استخدامهم أصلاً بحيث لا يستخدم أحد إلا وفق شروط ومعايير قوية وواضحة؛ واقتصرنا على الأقل على نصف هذا العدد، ثم أذنا لهم أن يستقدموا نساءهم لعملوا في جو آمن مريح هادئ، وضمنا بإذن الله تعالى تقلص نسب الفساد، شريطة أن تكون القادمة معه زوجته فعلاً، وليست -مثلاً- خدعة كما يرتكب في أحيان كثيرة، أنه قد يأتي بامرأة على أنها زوجته ويتبين بعد ذلك أنه لا علاقة له بها ألبتة.
النقطة الأولى: هذه مشاركة من أحد الإخوة بعنوان سباحة أو سياحة فكرية في عقل عامل نظافة، يقول: عندما ترى عامل النظافة في الأربعين عاماً ربما انـزعجت من صوت عربته، وارتطام عجلاتها بحفر الأرض، وربما التفت إليه ناهراً، وربما يراه أحد الأطفال وهو ينظف الأرض وقصاصات الأوراق وقطع الخشب؛ فدفعته غريزة العناد إلى أن يمزق أوراقاً أو مناديل كانت مستقرة في جيبه، ليقوم هذا الذي يسميه: رفيق، بجمعها وهو ينظر بتلذذ، وربما كان عمر هذا الطفل ثمانية عشرة عاماً، نعم هو طفل ولكنه كبير، وربما لفت نظرك عناية هذا العامل بشعره؛ فهو يقوم عليه بالدهن والمشط والتصفيف يومياً، ألم يخطر ببالك أنه ربما كان هذا الفعل هو العمل الوحيد الذي يستشعر به بقاء ذاته ويبقي على كبرياء نفسه؟ عندما يرى في طريقه طفلاً صغيراً ربما انفلتت من عينه دمعه، إنه تذكَّر أبناءه الصغار الذين خلفهم في بلاده البعيدة منذ زمن طويل لا يراهم إلا في الأحلام، ولا يعرف من أخبارهم إلا ما تجود به الأيام من رسائل على مدد متباعدة طويلة، وعندما يرى جمعاً من الناس في مناسبة ما يجمح به الخيال بعيداً حيث أبواه وإخوانه وأقربائه وخلانه وهو يلتقي بهم ويتحدث إليهم، وربما لم يرده من شروده إلا صوت المراقب ينهره ويأمره بمواصلة العمل.
عندما يدفع عربته التي باتت أقرب الناس إليه بين الشوارع، ويرى البيوت الشامخة المكللة بالمصابيح المختلفة ذات الأشكال الهندسية البديعة يستحضر في ذهنه كوخه المتهدم الذي يقطنه أولاده وزوجته وأبواه وإخوته.
وعندما يبصر صاحب البيت وهو يوقف السيارة ليفرغ حمولتها من كل لون وجنس من المطعوم والمشروب يتلمظ ويسيل لعابه وهو يتذكر واقعه الذي فر منه، وكيف كان يجهد وراء لقمة العيش ويجلب الماء من النهر، وربما أدركت صاحبة البيت الرقة فنفحته ببرتقاله أو تفاحة أو جمعت بينهما فرفع يديه بالشكر والدعاء وأجهد مكنسته وهي كل ما يملك حول هذا البيت المنعم، وعندما يهب إلى مسكنه وهي الغرفة التي يشاركه فيها أربعة من زملائه يحس بالإرهاق بعد تعب النهار، فلا يجد ما يُسلِّيه إلا صوت المذياع وربما لم يعرف اللغة التي يتكلم بها المذيع، وربما أحس بمرض، أو أصيب بحادث، ووقتها شعر بوحشة الوحدة، ولسع الغربة، ولا أحد يخفف عنه، ولا أحد يؤنسه حتى ثقلت عليه الساعات وأظلمت في وجهه الأيام، وربما مات وحيداً غريباً، وبينما كان أولاده ينتظرونه ليزغردوا في وجه، وكانت زوجته تترقب وصوله لتطمئن على سلامته، وكان أبواه ينتظرانه ليساعدهما بماله الذي جمعه على علاج مرضهما؛ ففوجئ الجميع بجثمانه يصقع أبصارهم، فماتت البسمات على شفاههم، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق37]
وآخر شارك بقصيدة تُعبِّر وتحمل بعض هموم صاحب العمل، ولعلها موعظة لرب العمل قبل أن تكون حكاية لواقع، شارك أحد الإخوة بهذه القصيدة:
اعلم هداك الله أن حياتنا لا تستديم لنا ولا تتخلد |
وأنا وأنت وكل حي نابغ تحت التراب مصيره سيمدد |
وهناك لا تحكي سوى أعمالنا كل صحيفته شراع مفرد |
فارجع وعدل ما استطعت فإننا ما بين غمضٍ ثم رمش نورد |
فالظلم ظلمات إذا بعث الورى وجوارح عند الإله ستشهد |
واحذر لمظلومٍ دعاءً صادقاً يدعو عليك وقلبه يتوقد |
ما بين دعوته وبين إلهه حجب تظلل أو صواعق ترعد |
حق الأجير معلق برقابكم ما ظل عرق لم يجف ويجحد |
فعلام تؤذينا بهظم حقوقنا ولكم بذلك واجبات تحمد |
سبع قضيناها بكل أمانةٍ ما زاد فيها الراتب المتجمد |
وتضاعفت أعباؤنا فحملتها ثقلاً على كتفي وما فترت يدي |
لكنني ما نلت أي مقابل معنى يكون لنا وشيء ينقد |
فظللت أستجدي لآخذ أجرتي حقاً تذللني به لا أبعد |
وتؤخر المصروف عن ميعاده ومعاشنا فيه ومنه المرقد |
ولأنني أنا قد طلبت إجازتي تقسو عليَّ وبالخروج تهددُ |
أتظن إن عدنا إلى أوطاننا سنموت جوعاً أو سيطفأ موقد |
الرزق عند الله وهو كفيلنا ما ظل نبض قلوبنا يتجدد |
ما لي أراك عدلت عن خلق الألى وخصال قومك أنت عنها تبعد |
فأبوك نجم في المروءة ساطع هش اللسان وفي المكارم فرقد |
نعم، هكذا كان أبوه، أما الولد فكما قيل: أرى ناراً قد انقلبت رمادا.
جم التواضع لا يحقر غيره شهمٌ وعند الحق لا يتردد |
ملك القلوب بنيله ووفائه عدل وما لقضائه أبداً غدر |
ما غره مال ولا متقلب أفضاله في البر لا تتعدد |
فالله أسأله بحق صفاته صبراً على الدنيا به أتجلد |
ويرد مظلمتي غداً يا … …… إذ ذاك يوم تقول ما فعل الغدُ< |
أولاً: يبدو أن هذا النظام مستل في معظم مواده من قانون العمل المصري، وقانون العمل المصري مأخوذ بطبيعة الحال من القوانين الإنجليزية والفرنسية والأجنبية بشكل عام.
ثانياً: يتكلم القانون الذي سُمي (تلطيفاً بنظام) يتكلم عن مسألة الأجانب، ولا أدري من المقصود بالأجانب.
إن الأجانب في حصن المسلم هم الكفار، أما المسلم فهو أخونا، له ما لنا وعليه ما علينا بغض النظر عن بلده، أو لونه أو جنسيته أو دولته، إن هذا التعريف للأجنبي تعريف غريب؛ فالسعودي -مثلاً- هو المواطن أياً كان، لا يلتفت إلى أي شيء آخر، أما الأجنبي فهو غير السعودي أياً كان لونه أو دينه أو بلده أو عمله.
ملاحظة أخرى يقول النظام: لا يجوز اتهام العامل في مخالفة مضى على كشفها أكثر من خمسة عشر يوماً كما أن في المادة رقم (126) وفي الشرح يقول: إن إيقاع الجزاء على العامل مقابل عقوبة أو خطأ وقع فيه لا يجوز بعد ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً، إذا كان العامل يتقاضى راتباً شهرياً لشهر، أو خمسة عشر يوماً لغير هؤلاء، وهذه فيها نظر؛ لأن الحق لا يسقط لمضي خمس عشر يوماً، بل يؤخذ من صاحبه ولو مضى على ذلك ما مضى.
في المادة (129) كلام جميل من الناحية النظرية: حالة صحية نظيفة لسكن العمال، حالة صحية نظيفة خالية من الروائح، تهوية للغرف، الوقاية من الغبار والدخان، الإنارة لابد أن تكون كافية، دورات المياه، المياة صالحة للشرب، مياه الغسيل … إلخ، لكن في الواقع العملي كما أسلفت، ما يدل على أننا بحاجة إلى رقابة جيدة على إسكانات العمال.
أولئك الذين يملك الواحد منهم خمسين عاملاً أو أكثر نصت المادة (137) على ما يلي: لابد مع ما سبق من وجود:
أولاً: حوانيت لبيع الحاجيات التي يحتاجون إليها.
ثانياً: متنـزهات وملاعب رياضية.
ثالثاً: ترتيبات طبية مناسبة.
رابعاً: مدارس لتعليم أولاد العمال.
خامساً: برامج لمحو الأمية.
سادساً: نظام للتعيينات والترقيات مناسب.
وأقول: كلام جميل، إضافة إلى ذلك فهناك الإجازات المتنوعة للأعياد السنوية فضلاً عن النفقات والمصاريف وغيرها، إجازات -كما قلت- أعياد: عيد الأضحى، عيد الفطر العيد الوطني هذا فيه إجازة أيضاً، إجازة مرضية، إجازة الوضع بالنسبة للنساء ومدتها في اعتقادي حوالي سبعين يوماً، إضافة إلى ذلك كله النظام أعطى للعامل باليد الملىء من كل الجوانب، لكن هذه من الناحية النظرية لكن من الناحية العملية، فالأمر كما أشرت إليه.
هناك قضية خطيرة تتعلق بتسوية الخلافات فيما يتعلق بالخلافات بين العمال أو بينهم وبين أرباب العمل، فهناك لجان، النوع الأول من اللجان تسمى: لجان ابتدائية، هذه في القضايا الصغيرة أو الجزئية أو المؤقتة، واختصاص هذه اللجان بعض الخصومات يرأسها حاكم شرعي ولابد أن يشارك فيها رجل حقوقي أو قانوني كما نصت المادة (173).
النوع الثاني:
وهو الخطير: اللجنة العليا التي تعتبر مجالاً للاستئناف، وتسوي الخلافات الكبيرة، وتعتبر قضاياها نهائية، هذه اللجنة تؤلف من خمسة أعضاء، ثلاثة يمثلون وزارة العمل، والرابع وزارة التجارة، والخامس يمثل وزارة البترول، ويجب أن يكون رئيس اللجنة وأعضاءها من المتصفين بالحيدة والخبرة في الشئون الحقوقية.
قال الشارح: الشئون القانونية كما نصت المادة (175) ولم يرد ذكر للشرع قط في هذه المادة.
مهمة هذه اللجان العليا:
أولاً: الاستئناف كما ذكرت.
ثانياً: عقوبة من يخالف أحكام نظام العمل والعمال، أما إذا خالف الشريعة فلا عقوبة.
ثالثاً: قرارات هذه اللجان قرارات نهائية واجبة التنفيذ فوراً.
رابعاً: صلح هذه اللجان ملزم، فإذا صالحت بين طرفين فصلحها ملزم ولا يحق لأحد أن يعترض على ذلك.
المادة (185) تقول: لا يجوز لأي لجنة من اللجان المنصوص عليها أن تمتنع عن إصدار قرارها بحجة عدم وجود نص في هذا النظام يمكن تطبيقه، يعني: لا ترفض النظر في قضية، وتقول: لا يوجد في نظام العمل السعودي نص يصلح لهذه الحالة، وعلى اللجان في هذه الحالة -يعني: في حالة عدم وجود نص في قانون العمل والعمال- عليها في هذه الحالة أن تستعين بماذا؟ مبادئ الشريعة الإسلامية والقواعد المحلية، وما استقرت عليه الثوابت القضائية، ومباديء الحق والعدل، وقواعد العدالة، وهذه كلها أشياء معروفة في القانون الدولي.
في الفصل الثاني عشر هناك شيء اسمه العقوبات الجزائية، وهو يؤكد أن معظم أو كل العقوبات هي عبارة عن غرامات مالية، ثم كل التجريم الذي ينـزل بالعامل يتعلق بمخالفته لنصوص نظام العمل والعمال. للمراجعة: راجع كتاب شرح نصوص نظام العمل والعمال، في المملكة العربية السعودية للمستشار يوسف عبد العزيز محمد عبد المجيد، طباعة الدار السعودية للنشر، الطبعة الأولى عام (1407هـ).
هناك أشياء لم تبرز في هذا النظام وقد سبق أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله تعالى رسالة قيمة سماها " نقد نظام العمل والعمال " وتكلم فيها عن مخالفة هذا النظام للشريعة في التسوية بين المسلمين والكفار، بل في تفضيل الكفار على المسلمين في أشياء كثيرة في أمور الدية والأعمال والمرتبات وغيرها وإن كان هناك تعديلات فإنها لم تمس جوهر هذا النظام.
1- لقد رغبت في نقل كفالة عامل ووافقت الجهات المختصة، ثم طلبت مني تنازلاً من الكفيل فوافق على التنازل بشرط أن يتنازل العامل عن جميع الرواتب الباقية وعددها ثمانية أشهر فرفض العامل ذلك ومن حقه أن يرفض.
إن في هذا أكلاً لحقوق العمال وأجرتهم متأخرة لها.
هذا نموذج قد ذكرناه قبل قليل.
2- عدم الاهتمام بسكن العمال حيث أني قد رأيت عاملاً أجبره الكفيل على أن يضع سريراً له عند الأغنام من أجل الحراسة.
3- وضع بعض الكفلاء العمال في مسكن واحد وقد يكونون على ديانات مختلفة.
هذا أيضاً من الأخطاء.
4- عدم توفير متطلبات العمال الضرورية مثل الأكل والتكييف والسخانة والملابس وغيرها.
الجواب: نعم وقد ذكر لي وأرسل لي عدد من الإخوة قصصاً طويلة تمنيت أن أذكرها لولا ضيق الوقت.
الجواب: هذه أولاً مسئوليته لأنه بشر مكلف.
ثانياً: مسئولية صاحب العمل أن عليه أن يعلمه ويرشده بالخير والمعروف وينهاه عن المنكر.
الجواب: هذا يلقى جزاءه عند الله تعالى بل يلقى جزاءه في الدنيا والله لا يوفق مثل هذا أبداً.
الجواب: هذا من باب الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ولا يقوله إنسان يخاف الله تعالى، بل عليه أن يأمره بالمعروف ويربيه على مكارم الأخلاق في ظاهره وباطنه.
الجواب: ينبغي أن يعمل هؤلاء -إذا كانوا من الأخيار والطيبين- على التراضي فيما بينهم وأن تحل القضية صلحاً أو يجعلوا بينهم رجلاً صالحاً ولا داعي لأن يرجعوا إلى مثل هذه القوانين في المواد والأنظمة التي تخالف الشريعة.
أسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وأن يرزقنا العدل في أقوالنا وأعمالنا إنه على كل شيء قدير، وأسأله أن يعز الإسلام والمسلمين ويذل الشرك والمشركين ويعلي كلمة الحق والعدل إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآهل وأصحابه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر