روى الإمام أبو داود عن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء).
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة).
أما الحديث الأول فيرويه فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدب الدعاء، وأن الإنسان لا يعجل، فقد أمر الله عباده بالدعاء فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل). والتعجب قد يكون بتعجل حصول المطلوب.
وقد يكون تعجل طريقة الدعاء، حيث يبدأ مباشرة في ذكر حاجته، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الأدب في ذلك، حيث أمر هذا الرجل بالبدء بتوفير الله تعالى ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فالأدب مع الله أن تبدأ أيها الداعي! بالثناء على ربك سبحانه وتعالى، وتحمده وتصلي على نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من أسباب الإجابة.
وأنت بهذا لا تطيل دعاءك وإنما تقصر الطريق على نفسك، فأنت عندما تبدأ بالتحميد والتمجيد لله فإن الله عز وجل يقبل عليك، وإذا بدأت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يحبه الله عز وجل -فإنه تعالى يسرع بالصلاة عليك عشر مرات، فإذا سألت الله بعدها كنت جديراً بالإجابة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه)، يعني: إذا صلى أحدكم ثم أراد أن يدعوا فيبدأ بتمجيد الله عز وجل، فأنت وأنت في الصلاة وعند التشهد تبدأ بتمجيد الله عز وجل والثناء عليه سبحانه تعالى، ثم الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي النهاية تدعو الله عز وجل بما شئت فيستجيب الله عز وجل لك.
أما إن كنت في غير الصلاة فتبدأ دعاءك أيضاً بالحمد لله وتمجيده والثناء عليه ثم بعد ذلك تصلي على النبي صلوات الله وسلامه عليه، ثم تدعو بما شئت.
ولو نظرنا إلى حال البشر لوجدنا أن من عادة الملوك أنهم إذا جاء من يمدحهم فإنهم يكافئونه يصلونه بأموالهم نظير هذا المدح، فكيف بالخالق تبارك وتعالى -وله المثل الأعلى- الذي أمرنا أن نمجده وأن نثني عليه وأن نحمده سبحانه وتعالى.
و (رغم) من الرغام وهو التراب، والمعنى: التصقت أنفه بالتراب، وفي هذا زجر للإنسان عن أن يسمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأنف ويستكبر أو يتجاهل أن يصلي عليه.
وكثير من الناس لما يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي عليه، وأحياناً نقول النبي قال كذا، أو النبي عمل كذا، فإن من قال عندها: صلى الله عليه وسلم هو المستفيد؛ لأن الله عز وجل هو الذي أمر بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى صلاتك؛ لأن الله وملائكته يصلون على النبي، فمن أراد لنفسه البركة والخير: فليصل على النبي كما قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
فالمؤمن كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم انشرح قلبه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء إنسان وقال: لماذا تطلب منا أن نصلي على النبي باستمرار، ويظهر الملل من ذلك، فهذا يندرج تحت قوله: (رغم أنف رجل ذكرت عنده) فهو يستحق الذل طالما أنه لم يوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه.
وهذا رمضان الآن لا زال ينسلخ منا شيئاً فشيئاً وتتسرب أيامه كما يتسرب الماء من بين الأصابع، فبالأمس دخل رمضان واليوم دخلنا في ليلة أربع وعشرين، وهي ليلة نزول القرآن، وكل ليلة من الليالي الباقية لها فضيلة من الفضائل، وقد تكون ليلة القدر من رمضان حين يوفى العامل فيها أجره على ما أسلف من عمل في هذا الشهر.
فلا تفرط في هذه الليالي الباقية، واحرص على ذكر الله عز وجل واحرص على الدعاء، والإلحاح على الله سبحانه وتعالى، فالله يحب من عبده أن يلح عليه بالدعاء.
وشهر رمضان هو شهر مليء بالمغفرة من الله عز وجل، فأنت صائم وإذا جئت تفطر فإن الله يغفر لك، وقد يكون العبد من عتقاء الله سبحانه وتعالى من النار، لأن له عتقاء في كل ليلة من ليالي هذا الشهر.
وأنت في هذا الشهر عندما تصلي الصلوات الخمس فربنا يغفر لك ما بين الصلاة إلى الصلاة، وبمجرد ما ينتهي رمضان ربنا يغفر لك بالصيام ما بين رمضان إلى رمضان، لصيام وقيام رمضان له فضل عظيم، وإدراك ليلة القدر وقيامها كم فيه من المغفرة والفضل الزائد.
ورغم كل هذه الفضائل فيأتي من الناس من يخرج من رمضان ولم يغفر له، فهذا إما أن يكون مرائياً بعمله، وإما ما عمل أصلاً، وإما أن يكون كافراً، فإنسان لم ينتهز مثل هذه الفرصة العظيمة يستحق دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له).
والله عز وجل يأمرك في كتابه العزيز بالإحسان إليهما فيقول: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]، وهنا يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على من قصر وفرط وابتعد عن أبويه وعقهما بأن لا يدخل الجنة، فالأب كبير السن والأم كبيرة السن وهما كنز عند الابن، فعليه أن يستغل ذلك ويسعى في رضاهما طلباً لرضا الله سبحانه وتعالى، ليكونا سبباً من أسباب دخوله الجنة.
كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]
وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]
وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].
وقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ [الإسراء:111].
وقوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1].
وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15].
وقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59].
وقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ:1].
وقوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1].
فذكر الله عز وجل بما حمد به نفسه في كتابه من أعظم ما يكون.
كذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حمده ربه، وأنت مهما حاولت أن تثني على الله سبحانه وتعالى من عند نفسك فلن تصل إلى مستوى الثناء الذي ذكره الله أو ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في صلاة الليل ويحمد ربه فيقول: (اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن) وقيوم يعني: القائم بهن، فلا قيام للسماوات ولا للأرض إلا بقضاء الله وقدرته سبحانه، (ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق، والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).
فهذا من أفضل الحمد لله تبارك وتعالى.
فالحمد يجعل الله سبحانه وتعالى يقبل على عبده، والملائكة تفرح بالكلمة وترفعها لربها سبحانه.
وأيضاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله عز وجل في صلاته فيقول: (ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد).
وهذا فيه تحقيق العبودية، فأحمدك يا ربي، لأنك ربي وإلهي، ولأنني عبد أحتاج أن أحمدك فتمن علي بكرمك وفضلك.
فأكثروا من الحمد فإن من صفات أفراد هذه الأمة أنهم هم الحمادون، أي: الذين يكثرون الحمد لله رب العالمين.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الحامدين لفضله ونعمه وكرمه سبحانه، والشاكرين نعمته والمصلين على نبيه صلوات الله وسلامه عليه.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر