إسلام ويب

شبهات حول حد الردةللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جعل الله سبحانه وتعالى لهذا الدين أعداء؛ ليميز الخبيث من الطيب، وأعداء هذا الدين لا يفترون في تشويهه وإثارة الشبهات في أحكامه الشرعية؛ ليلبسوا على المؤمنين دينهم، ومن ذلك شبهاتهم حول حد الردة ورده بتأويلات باطلة سخيفة، وقد رد عليهم علماؤنا بالحجة والبرهان، وبينوا كذبهم وضلالهم، فزالت تلك الشبهة بفضل الله سبحانه وتعالى.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    ما زال الله جل في علاه يبين لنا أن هذه الأمة تحتاج إلى رجال يدافعوا عن دينه جل في علاه، فالأغرار لا يستطيعون القيام بدين الله جل في علاه، والفتن تأتي قسراً، وتَدْلَهِم الخطوب والظلمات على الناس بسبب الجهالات، ولا يستطيع أحد أن يقف ليرفع نور راية لا إله إلا الله إلا طالب العلم المسلم، ونحن نعلم من سنين طوال الحرب الضروس على ثوابت هذا الدين، لكن المسألة لا تعلن صراحة أنها حرب على ثوابت وأصول الدين، بل يؤخذ بها ويرد على الثوابت بشبهات حولها مع تلبيس وتدليس لا بد للأغمار الأغرار أن يقعوا فيها، ولن تجد أحداً من العامة يستطيع أن يرفع رأسه إذا سمع هذا الكلام المعسول المنمق بقال الله وقال الرسول، ومن استطاع أن يقف أمام هذه الهجمة فليقف الآن، فإن حدود الله جل في علاه هي من الثوابت، وهناك من يأتي بحدود ليسقط الحدود، ثم يأتي بشبهات حول كون هذا حداً أو ليس بحد ويذكر أدلة يغطي بها ما يقول، ولن يستطيع أحد أن يقف أمام هذا التيار إلا طالب العلم، ولذلك فإن الذي يحدث الآن هو طمس لهوية العلم؛ حتى لا يخرج أحد يستطيع أن يقف وقفة ثابتة ضد من يريدون طمس الدين ومعالمه، وحتى لا يظهر من الدين إلا رسمه أو اسمه، فليس هناك معنى للدين، ولا مضمون له، ولا ثوابت يمكن لها أن تقود الإنسان إلى الله جل في علاه.

    تعطيل معنى الردة عن طريق الحرية الشخصية وإثارة الشبهات حول دين الله

    هناك شبهات كثيرة جداً حول حد الردة، وأنه لا يوجد شيء اسمه ردة، بل هي حرية شخصية، وهذه الحرية الشخصية تسوغ لأي إنسان أن يسب الله ويسب رسوله، وأن يكون منافقاً فيسب هذا الدين، ثم يبني الدين على هواه، فهذه الشبهات تنفي أن الرسول أثبت حداً للردة، فيقوم الرجل علناً ويسب الله أمامك، ثم يقول: هذه حرية شخصية ويسب الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إنك لا تستطيع أن تقول: هناك حد للردة، فلابد من قتل هذا المرتد؛ لأنه سب الرسول وسب الله.

    كيفية مواجهة مثل هذه الشبهات ودعاتها

    إن الذي يدور حوله الناس في هذا العصر هو هدم هذه المعالم الدينية، وهدم هذه الثوابت والأصول؛ حتى لا يكون هناك دين ولا هوية إسلامية يتمسك بها، ولا يمكن مواجهة مثل هذه الشبهات بالسيف أو الثورات الحماسية أو القتل، فإنك إن فعلت ذلك أتيت بمفاسد أعظم، وقد تعلن راية لا تعرف صحة منهج هذه الراية؛ لذلك فإن مواجهة هؤلاء تكون بإظهار عوارهم، والرد عليهم بالحجة، وأن تبين عطب ما هم فيه من فكر، وتبين للناس أن هؤلاء من الجهل بمكان، وأنهم ما يريدون إلا فعل إبليس وهو التلبيس على الناس، قال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام:121].

    فأنت إن لم تكن راسخاً في العلم فلا تستطيع أن تقف، وهذه أيضاً من تلبيسات الشيطان، إذ يلبس على أناس فيهم من الخير العميم ما هو فيهم، وهم من المجتهدين في طلب العلم، فيدعوهم إلى التقاعس من الطلب، أو الانسلاخ من بعض الطلب، فيلبس عليهم، ويقول: السؤالات كثيرة .. تكرارات .. هي مسائل نظرية وليست عملية، وهذا هو تلبيس إبليس، إذ يجعل المجد الذي تظن فيه أنه يحمل الراية يتقاعس مرة تلو المرة، فيجعله يكثر من الأسئلة والنقاشات الكثيرة حتى يمل منها فيتقاعس، فيبقى على ما هو عليه، فتأتيه الفتن فلا يستطيع أن يقف أمامها.

    فلابد للإنسان أن يتقي الله ربه، وأن يتقن الطلب، وأن يثبت أمام هذه الشبهات.

    بعض الشبهات التي يقولها بعض الناس حول الردة

    لابد من سرد بعض الشبهات حول هذه المسألة، منها قول الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، وهذه آية عامة، ولا يمكن لأحد أن تكرهه على الدين بنص الآية، فلا يجوز لك أن تكره أحداً على الدخول في دين الإسلام، فالناس أحرار، فمن وجد أن دين الإسلام دين عصبية، فخرج منه إلى دين اليهود والمجوس فأنت ليس لك أن تقتله؛ لهذه الأية.

    وأيضاً قول الله تعالى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، وقول الله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]، فانظروا إلى هذا التأصيل الباطل الذي يوحيه الشيطان.

    وقالوا: إن دلالة القرآن قطعية، وحديث (من بدل دينه فاقتلوه)، دلالته ظنية، وإذا تعارض القطع مع الظن فلا بد من تقديم القطع على الظن، وهذا في الحقيقة حق أريد به باطل.

    ومن الشبه الأخرى أيضاً قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ارتد في وقته وفي حينه أكثر من شخص ولم يقم عليهم حد الردة، وهذا فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى أن هذا حد، إذاً فهذه المسألة من عمر وأبي بكر هي مسألة اجتهاد ولي الأمر.

    وهناك شبهة أخرى، حيث قالوا: إن حديث: (من بدل دينه فاقتلوه)، من رواية عكرمة عن ابن عباس، وعكرمة كذاب كما قال ابن المسيب ، فهو مقدوح فيه ومجروح، وقد وهم البخاري حين رواه عن عكرمة.

    وقالوا: إن الإمام مسلم رفض الرواية عن عكرمة وهذه شبهة من أقوى الشبهات؛ إذ إن مسلم بن الحجاج النيسابوري مفخرة المسلمين في رواية الحديث، وقد عضد الإمام مسلماً في رفضه لرواية عكرمة الإمام مالك، فقد طرح رواية عكرمة، فقالوا: نحن نرد الحديث؛ إذ الحديث عندنا فيه شبهة فلا يمكن أن نأخذ به، إذاً فلا دليل على حد للردة في القرآن ولا في السنة، ونحن نعرف أن هناك أناساً ارتدوا، وهناك أناس قتلوا فيها بسبب الردة، لكن هذا اجتهاد فقهاء، والفقهاء رجال قد يقبل اجتهادهم أو يرد.

    وهكذا انقطع هذا الدين بإسقاط حد من حدود الله، وكل ذلك بسبب هذه الشبهات والتلبيسات التي تحدث، والأحناف أيضاً يقولون بذلك.

    فالحاصل: أن هذه المسائل لا يمكن أن يقف أمامها صاحب دين وعبادة وزهد فقط، بل لا بد أن يكون صاحب علم، وهذا من فضل العالم على العابد، ومن فضل مجالس العلم على غيرها، وسنبين أيضاً أننا في حاجة ماسة لعلم التفسير؛ بسبب هذه المسائل التي يدخلون علينا بها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088562838

    عدد مرات الحفظ

    777348843