إسلام ويب

الأصل في النكاح التعددللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النكاح سنة كونية لا يمكن إهمالها أو تجاهلها بحال من الأحوال، فهي رغبة دفينة أودعها الله في قلوب الناس ليحقق الإنسان غايته العظمى التي خلق من أجلها ألا وهي: العبودية، ولذلك كله جاء الشرع ليؤكد على أهمية النكاح، ويزيل ما علق به من العلائق الخبيثة، وينظم إقامته على وجه البسيطة، بدءاً من اختيار الزوجين كل منهما للآخر، وانتهاء بالحكمة الجليلة لمشروعية تعدد الزوجات.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    بسم الله الرحمن الرحيم، فمن روائع البيان أن يُبدأ بتسمية الله جل وعلا، وهذه من السنن التي ما من مصنف كما قال البخاري يفتتح كتابه إلا ويبدأ باسم الله اقتداءً بكتاب الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، واقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بعث الرسل إلى ملوك الدنيا يقول: باسم الله من محمد رسول الله إلى قيصر الروم أو كسرى فارس.

    تعريف النكاح لغة وشرعاً

    أفرد الفقهاء للنكاح كتاباً وأسموه كتاب النكاح، والكتاب: فعال بمعنى: مفعول أي: مكتوب.

    النكاح: لغة: الضم والجمع، وقد اختلف الفقهاء هل هو حقيقة في عقد النكاح أم حقيقة في الجماع؟ وكان اختلافهم على ثلاثة أقوال، والصحيح الراجح الذي تدل عليه الآثار أنه حقيقة في العقد، ومجاز في الوطء، ويدل على ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، ففيها دلالة صريحة على أن المقصود بقوله: نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ أي: كسبتم أو عقدتم هذا العقد عليهن.

    وقد فرق بينهما بعض الفضلاء والعلماء فقال: إذا قيل: نكحت بنت فلان أو أخت فلان، قصد بذلك العقد، وإذا قيل: نكح امرأته قصد بذلك الوطء والجماع.

    وشرعاً: هو عقد يفيد حل استمتاع الرجل بالمرأة أو حل استمتاع الزوجين كل منهما بالآخر على وجه مقصود.

    وقوله: على وجه مقصود بمعنى أن هناك أموراً محظورة لا يستطيع المرء أن يستمتع بها مثل الجماع في الدبر، فهو ممنوع ومحرم على الزوج أن يفعل ذلك مع زوجته.

    مشروعية النكاح

    النكاح مشروع، وأصل مشروعيته في الكتاب والسنة والإجماع:

    أما الكتاب فقد قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ [النور:32]، وقال جل وعلا: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].

    ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي - يعني هذه سنتي - فليس مني) فهذه دلالة واضحة على أن من سنة الأنبياء النكاح.

    وورد في بعض الآثار -وإن كان في أسانيدها كلام إلا أنه يستأنس بها- إن من سنن المرسلين أربع: منها النكاح، والشواهد تعضد هذه الآثار، وتدل عليها السنة الصريحة بأن النكاح مشروع بالسنة.

    وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع في شريعتنا الإسلامية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل والرهبانية فقال: (لا رهبانية في الإسلام) وهذا يخالف ما يتعبد النصارى به من عدم الجماع والنكاح، فالنكاح مشروع بالكتاب وبالسنة وإجماع المسلمين.

    أنكحة الجاهلية وحكم الإسلام فيها

    كانت الأنكحة في الجاهلية على أقسام أربعة ذكرتها عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما ذكرها البخاري عنها، وهذه الأقسام كالتالي:

    القسم الأول: مناكح أصحاب الرايات: أي: العاهرات، وكن يضعن الرايات على بيوتهن حتى يعرفن أنهن معدات لذلك.

    القسم الثاني: مناكح الرهط والقبائل: فكل قبيلة فحولها يأخذون امرأة تعجبهم، ثم يجامع كل واحد من هذه القبيلة هذه المرأة حتى تلد فإذا ولدت ولداً نظروا إلى أشبه رجل به فألحقوه بهذا الرجل من القبيلة.

    القسم الثالث: نكاح الاستنجاب للشرف: فإذا أرادت امرأة أن تلد ولداً شريفاً، ذهبت إلى القبائل تبحث عن أفحل رجل في القبيلة، فتبذل نفسها له، فيطأها الرجل تلو الرجل حتى تلد ولداً، فتدعو من جامعها فتلقيه على من أحبت من هؤلاء الفحول.

    القسم الرابع: النكاح الصحيح: وهو نكاح التعفف، وهو الذي ولد منه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (ولدت من نكاح لا من سفاح) فهو نبي من ذرية نبي ابن نبي من خير الأمم أجمعين.

    أقوال العلماء في حكم النكاح

    اختلف الفقهاء في حكم النكاح على قولين:

    القول الأول: قول الجمهور من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة على اختلاف بينهم وليس هذا مقام التفصيل فقالوا: هو مستحب، واستدلوا على ذلك من الكتاب بقول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، ووجه الدلالة في الآية قوله: (ما طاب لكم)، فقد علق النكاح بالاستطابة، واستطابة النفوس لا يتعلق بها الوجوب، والنبي صلى الله عليه وسلم ما استطاب الضب فما أكله، فقال خالد : أحرام هو؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لا ولكني أعافه، ما كان يؤكل بدار قومي) فالاستطابة لا يتعلق بها وجوب، كما استدلوا بالآثار التي تقدمت، منها قوله: (من سنن المرسلين النكاح) فقالوا: هي سنة من سنن المرسلين بالتصريح، فهي سنة.

    القول الثاني: قول داود الظاهري أنه يجب على كل امرئ أن يتزوج، واستدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) فقوله: (فليتزوج) أمر، وظاهر الأمر الوجوب، وإذا قلنا بعدم الوجوب فلابد من صارف ولا صارف له، وأسعد الناس بالدليل الظاهرية، فأمر النكاح على الوجوب لمن تيسر له، لقوله: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج).

    والدليل الذي استدل به المالكية والشافعية والأحناف والحنابلة وهو قول الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] يدل على الوجوب أيضاً، فقوله: (فانكحوا) أمر، وظاهر الأمر يفيد الوجوب، ويرجع الاستحباب إلى التعدد كما سنبين في طيات هذا المبحث.

    وبذلك يعلم أن حكم النكاح الوجوب لمن تيسرت له الآلة، ويأثم إن ترك النكاح خلافاً للشافعية الذين يقولون: النكاح أصله ليس من العبادة، فهو كالبيوع والشراء والهبة، والصحيح الراجح: أن النكاح عبادة، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة)، وقوله: (إنما الأعمال بالنيات)، فكل عمل يقدم عليه المرء فإنه يكون عبادة إذ أحسن النية، لكن الشافعي وضع على الفقهاء إشكالاً عظيماً فقال: إن كان عبادة فهو يصح من الكافر، ولا عبادة تصح من الكافر؟!

    ويرد عليه أن هناك فرقاً بين الأجر والصحة والبطلان، إذ الأجر لله جل وعلا، فلا يتحكم فيه أحد، لكن الصحة والبطلان لها أمور شرعية ظاهرة، فلذا نقول: يصح من الكافر النكاح، فيصح أن النصارى واليهود والبوذيين يعقدون النكاح بعضهم على بعض.

    ولا يؤجر أحدهم عليه؛ لأن عمارة الدنيا لا تتحقق إلا بذاك، كما أننا لو قلنا: لا يصح! فإن الدنيا ستفنى، فاستثني ذلك للكافر لأجل عمارة الدنيا، والصحيح الراجح أنها عبادة، وأن حكم النكاح الوجوب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088525759

    عدد مرات الحفظ

    777130296