الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر المؤلف فيما سبق أن المياه ثلاثة أقسام، واختار شيخ الإسلام أن الماء قسمان: طاهر، ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير.
وذكرنا أن ما سموه طاهراً في نفسه لا يرفع الحدث، هو في الغالب لا يسمى ماءً، حيث إنه يكتسب اسماً آخر كأن يسمى لبناً أو مرقاً أو قهوة أو شاهياً أو نحو ذلك.
وذكرنا في باب الآنية أن الراجح: أن جلد الميتة يطهر بعد الدبغ، لقوة الأدلة في ذلك، وهي واضحة الدلالة، والحديث الذي تمسك به من قال: إنها لا تطهر فيه اضطراب.
وذكرنا في الاستنجاء أن مسح الذكر باليد اليسرى بعد البول ونتره لا دليل عليه، والحديث الذي فيه ضعيف، وأنه يسبب السلس، كما وقع ذلك كثيراً.
وذكرنا في استقبال القبلة واستدبارها في البنيان أنه رجح شيخ الإسلام عدم جوازه كما لا يجوز في الصحراء، أخذاً بعموم الأحاديث التي فيها النهي.
كذلك ذكرنا أن السواك يصح للصائم قبل الزوال وبعده، والحديث الذي فيه: (إذا صمتم فاستاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخره) لا يصح، والتعليل أيضاً غير صحيح.
هذه الأمور التي نبه عليها العلماء في المخالفات، سواء كانت مأمورات أو منهيات، والآن نبدأ فيما يتعلق بالوضوء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل:
فروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضة واستنشاق، وغسل اليدين، والرجلين، ومسح جميع الرأس مع الأذنين، وترتيب، وموالاة، والنية شرط لكل طهارة شرعية غير إزالة الخبث، وغسل كتابية لحل وطء، ومسلمة ممتنعة.
والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل ناقض لوضوء، وتسقط سهواً وجهلاً.
ومن سننه: استقبال قبلة، وسواك، وبداءة بغسل يدي غير قائم من نوم ليل، ويجب له ثلاثاً تعبداً، وبمضمضة فاستنشاق، ومبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل شعر كثيف، والأصابع، وغسلة ثانية وثالثة، وكره أكثر، وسن بعد فراغه رفع بصره إلى السماء، وقول ما ورد.
فصل:
يجوز المسح على خف ونحوه، وعمامة ذكر محنكة أو ذات ذؤابة، وخُمُر نساء مدارة تحت حلوقهن، وعلى جبيرة لم تجاوز قدر الحاجة إلى حلها، وإن جاوزته أو وضعها على غير طهارة لزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم، مع مسح موضوعة على طهارة.
ويمسح مقيم، وعاصٍ بسفره من حدث بعد لبس يوماً وليلة، ومسافر سفر قصر ثلاثة بلياليها، فإن مسح في سفر ثم أقام أو عكس فكمقيم.
وشرط تقدم كمال طهارة، وستر ممسوح محل فرض، وثبوته بنفسه، وإمكان مشي به عرفاً، وطهارته، وإباحته ويجب مسح أكثر دوائر عمامة، وأكثر ظاهر قدم خف، وجميع جبيرة.
وإن ظهر بعض محل فرض أو تمت المدة استأنف الطهارة.
فصل:
نواقض الوضوء ثمانية: خارج من سبيل مطلقاً، وخارج من بقية البدن من بول وغائط وكثير نجس غيرهما، وزوال عقل، إلا يسير نوم من قائم أو قاعد، وغسل ميت، وأكل لحم إبل، والردة، وكل ما أوجب غسلاً غير موت، ومس فرج آدمي متصل، أو حلقة دبره بيد، ولمس ذكر أو أنثى الآخر لشهوة بلا حائل فيهما، لا لشعر وسِن، ولا بها، ولا من دون سبع، ولا ينقض وضوء ملموس مطلقاً.
ومن شك في طهارة أو حدث بنى على يقينه.
وحرم على محدث مس مصحف وصلاة وطواف، وعلى جنب ونحوه ذلك، وقراءة آية قرآن، ولبث في مسجد بغير وضوء.
فصل:
موجبات الغسل سبعة: خروج المني من مخرجه بلذة، وانتقاله، وتغييب حشفة في فرج أو دبر، ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وإسلام كافر، وموت، وحيض ونفاس.
وسُن: لجمعة، وعيد، وكسوف، واستسقاء، وجنون وإغماء لا احتلام فيهما، واستحاضة لكل صلاة، وإحرام، ودخول مكة، وحرمها، ووقوف بعرفة، وطواف زيارة، ووداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار.
وتنقض المرأة شعرها لحيض ونفاس لا جنابة إذا روت أصوله.
وسُن توضؤ بمد، واغتسال بصاع، وكره الإسراف، وإن نوى بالغسل رفع الحدثين أو الحدث وأطلق ارتفع.
وسن لجنب غسل فرجه، والوضوء لأكل وشرب ونوم ومعاودة وطء، والغسل لها أفضل، وكره نوم جنب بلا وضوء].
المؤلف كما رأينا يختصر كثيراً، فإنه اقتصر على فروض الوضوء ولم يذكر صفته؛ وذلك لأنه إذا أتى بهذه الفروض فقد أتى بالوضوء المطلوب، وكذلك إذا حافظ على سننه وشروطه وواجباته، وهذه الأشياء التي هي السنن والواجبات والشروط وما أشبهها، مأخوذة من عمومات الأدلة.
من شرطه الإسلام، فلا يصح الوضوء من كافر، والعقل فلا يصح من فاقده، والتمييز فلا يصح من الصغير الذي لا يميز.. إلى آخرها.
وفروضه ستة: يعني: بالتتبع وجد أنها لا تخرج عن ستة، والمراد: اللازمات والواجبات فيه، وكأنهم بهذا فرقوا بين الفرض والواجب، والجمهور على أنه لا فرق بينهما.
فهاهنا جعلوا هذه هي الفروض وجعلوا الواجب هو التسمية، والفرق بينهما: أن الواجبات تسقط سهواً وجهلاً، وأما الفروض فلا تسقط سهواً ولا جهلا.
والذين فرقوا بينهما كالحنفية قالوا: الفرض آكد، وهو: ما ثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني، ولعل هذا اصطلاح خاص بالأحناف، وإلا فالفرض والواجب تعريف كل منهما واحد، فالواجب هو: ما يثاب فاعله احتساباً ويعاقب تاركه تهاوناً، فيدخل في ذلك الفروض، فإنه يثاب من فعلها تقرباً إلى الله تعالى، ويعاقب من تركها عصياناً وتهاوناً بها، فيعم الفروض والواجبات.
قوله: (وفروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضمة واستنشاق) الوجه: ما تحصل به المواجهة، يعني: المقابلة فلا يدخل فيه الرأس الذي هو منبت الشعر؛ لأنه غالباً يستر بالعمامة والقلنسوة، ولا تدخل فيه الأذنان، فالغالب أنها تستر بالعمامة ونحوها، وتدخل فيه اللحية والعارضان؛ لأنها تحصل بهما المقابلة والمواجهة، فعلى هذا يلزم غسل الشعر كما سيأتي.
والمضمضة والاستنشاق ألحقا بالوجه، والجمهور على أنه واجب أن يتمضمض ويستنشق.
والمضمضة: تحريك الماء في الفم، والاستنشاق: اجتذاب الماء إلى الأنف بقوة النفس، والحكمة تنظيف الفم؛ لأنه قد يكون فيه شيء من الوسخ بعد الأكل وطول الصمت ونحو ذلك؛ ولذلك شرع تنظيفه بالسواك، وكذلك تنظيف الأنف -يعني: المنخرين- لأنهما قد يتحلل منهما شيء من الرأس من المخاط ونحوه، فشرع تنظيفه معه، حتى يأتي الإنسان إلى الصلاة نظيفاً بقدر ما يستطيع.
واستدل على الوجوب بقوله في الحديث: (إذا توضأت فمضمض) وفي حديث آخر: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، واستدل بأن الوجه يدخل فيه ما يلحق به كالعينين، فالمنخران تابعان له، ويلزم غسل داخلهما بقدر الاستطاعة، والفم أيضاً داخل، فيجعلونه في حكم الظاهر؛ لأنه إذا وضع في فمه ماءً وهو صائم ثم مجه لم يفطر، فدل على أن حكمه حكم الظاهر، ولو وضع في فمه جرعة خمر ثم مجها ما حُد لذلك، ولو أن الصبي الذي في سن الرضاع صب في فمه لبن المرأة ثم مجه لم يعد ابناً لها، فدل على أنه في حكم الظاهر، فيلزم تنظيفه.
وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: إنه في حكم الباطن؛ لأنه لا تحصل به المواجهة، فداخل الفم وداخل الأنف لا تحصل بهما المواجهة، فالأنف يستره المنخران، والفم تستره الشفتان، وبكل حال ثبت الفعل الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه أنه كان لا يترك المضمضة والاستنشاق، وكان هذا مبيناً للآية الكريمة: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6].
وغسل اليدين وغسل الرجلين فرضان بلا خلاف، وحد اليدين إلى المرفقين، والصحيح: دخول المرفقين في اليدين، وتكون إلى في قوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] أي: مع المرافق، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ يدير الماء إلى أعلى مرفقيه من جوانبه، مما يدل على أنه يدخل المرفق في الغسل، وكذا الكعبين يغسلهما مع القدمين، والكعب هو: العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وفي كل قدم كعبان من الجانبين، وينتهي الكعب بمستدق الساق، فنهاية الكعب وعروقه وما يغسل منه هو مستدق الساق، فيكون الغسل إلى ذلك المكان.
ومن الواجبات مسح الرأس مع الأذنين، والرأس هو: ما ينبت فيه الشعر غالباً، يعني: منابت الشعر المعتاد من نهاية الجبين إلى القفا، ورد مسحه مبتدئاً بالناصية لحديث عبد الله بن زيد : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، فأقبل بهما وأدبر) والواو هاهنا ليست للترتيب، ولكنها لمطلق الجمع، ثم فسر ذلك بقوله: (بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) هذه هي صفة المسح.
فيمررهما على الشعر إذا كان الشعر مسدولاً، أو معقوصاً، أو جعداً؛ لأن المرور يعم جميع الرأس.
واختلف في مسح الأذنين، هل يجوز مسحهما ببقية بلل الرأس أو يأخذ لهما ماءً جديداً؟
ورد في الحديث أنه: (أخذ لأذنيه ماءً جديداً)، والصحيح: أنه أخذ الماء الجديد لرأسه، (فمسح رأسه بماء غير فضل يديه)، هكذا ذكر في (بلوغ المرام).
وصفة مسح الأذنين: إدخال السبابتين في صماخ الأذن، يعني: في خرقها، ومسح ظهور الأذنين بالإبهامين، يعني: يمرر الإبهامين عليها، وأما غضاريف الأذن فلا تمسح، لما في ذلك من مشقة.
وقد ورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأذنان من الرأس) وهو صريح بأنهما يمسحان، وفي ذلك أحاديث مشهورة مروية عن عدة من الصحابة.
والسنة دلت على تعميم جميع رأسه بالمسح من أدناه إلى أقصاه، وخالف في ذلك الشافعية، فقالوا: يجزئ أن يمسح ولو بعض شعره، وهذا خلاف النصوص، فإن الوارد أنه عليه الصلاة والسلام كان يعمم رأسه بالمسح، ولم ينقل أنه كان يقتصر على بعضه.
وذهبت الحنفية إلى أنه يكفي ربع الرأس، واستدلوا بحديث المغيرة : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح ناصيته) وأجاب عن ذلك ابن كثير في التفسير بأنه مسح ناصيته؛ لأنها ظاهرة، وكمل المسح على العمامة، فإن في الحديث: (مسح ناصيته وعلى العمامة والخفين) ولم يقل: إنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فمسح جميع الرأس هو فرض، ولا يجزئ بعضه، وهذا هو الأصل.
ومن الفروض أيضاً الترتيب، فالترتيب يكون على ما في الآية، فيبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم بالرأس، ثم يختم بالرجلين، والرجلان مغسولتان، كما أن اليدين مغسولتان، وعليه أن يتأكد من غسل رجليه؛ فقد ورد في الحديث: (ويل للأعقاب من النار) والأعقاب هي: مؤخر الأقدام، وذلك لأن الذي يتوضأ سريعاً قد يكون من سرعته أنه لا يتعهد مؤخر القدم، فيبقى فيه بقعة أو بياض، فأمر بأن يتعهد ذلك ويدلكه.
ومذهب الرافضة مسح الرجلين، وهو خلاف السنة، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم مسحهما، بل كان يغسلهما، والسنة مبينة للقرآن.
فالترتيب يبدأه بوجهه، ثم بيده، ثم برأسه، ثم برجليه، فلو غسل يديه قبل وجهه لزمه إعادة غسلهما بعد الوجه، ولو غسل رجليه قبل أن يمسح رأسه لزمه غسلهما آخر وضوئه، ولو مسح رأسه قبل غسل يديه، لزمه أن يمسح رأسه بعد اليدين، حتى يكون وضوءه على ما ورد في الآية: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] فيتوضأ على هذا الترتيب، ويبدأ بما بدأ الله به، كما في الحديث.
والموالاة أيضاً فرض، والموالاة هي: أن يواليها ويسرع فيها، بأن يغسل كل عضو عقب الآخر ولا يتوقف، فإذا انتهى من غسل الوجه بدأ في غسل اليدين، ثم بعد اليدين يبدأ بمسح الرأس، وبعد الرأس يبدأ مباشرة في غسل الرجلين، فلو غسل وجهه ويديه ثم توقف ساعة أو نصف ساعة أو ربع ساعة ثم كمل لم يصح وضوءه؛ لأن الوضوء طهارة وعبادة، ولابد أن تكون متوالية في وقت واحد، ولا يصح أن يفرقها.
وحددوا ذلك: بألا ييبس عضو قبل غسل ما بعده، فلو يبس الوجه قبل غسل يديه أعاد غسل الوجه، إلا إذا كان هناك -مثلاً- ريح شديدة، أو حر وسموم، فإنه قد ييبس الوجه بسرعة، ولكن المراد الوضوء المعتاد.
وهناك بعض الموسوسين يبقى أحدهم في الوضوء ساعة أو ساعتين، ولا شك أن هذا من الشيطان، بحيث إنه يبقى يدلك يديه نصف ساعة، ويخيل إليه أنهما لم يبتلا، ويرجع يغسل رجليه ويدلكهما ساعة أو نصف ساعة على هذه الحال، ويعتبر أنه لم يتوضأ وضوءاً متوالياً، فعليه في هذه الحال إذا كان يشق عليه أن يتوضأ بسرعة في نحو دقيقة أن يعيد الوضوء متوالياً.
ومن فروض الوضوء: النية، وهي شرط لكل طهارة شرعية، والنية هي: عزم القلب على الفعل، بأن ينوي بقلبه أن يعمل فعلاً من العبادات الشرعية، فالطهارة، والوضوء، والغسل، والتيمم، تسمى كل هذه طهارات شرعية، فلابد لها من النية، فلو أن إنساناً غسل وجهه لإزالة نعاس أو نحو ذلك، ثم غسل يديه لنظافتهما ولم ينو الوضوء في ذلك ثم قال: سأكمل الوضوء، فمسح برأسه وغسل رجليه فنقول: يلزمه أن يعيد غسل وجهه ويديه؛ لأنه غسلهما بدون نية رفع الحدث، وإنما بنية رفع النعاس أو بنية النظافة أو ما أشبه ذلك.
وكذلك إذا اغتسل للتنظيف ولم يغتسل لرفع الجنابة، فإنه لا يرتفع حدثه.
والحاصل: أن النية شرط للطهارة كالوضوء والغسل والتيمم.
أما إزالة النجاسة فلا يشترط لها النية، فلو كان لك ثوب نجس ثم أصابه المطر وغمره طهر، أو وقع في سيل فغمره طهر، أو كان في نعله نجاسة فخاض بها في سيل أو في نهر بدون نية طهر.
وكذلك مما لا يشترط له النية غسل الكتابية، وكذا المسلمة الممتنعة لحل وطء، فإذا طهرت الحائض لا يحل وطؤها إلا بعد الغسل، فإذا امتنعت المسلمة أجبرها زوجها على الاغتسال، فغسلها مجبرة بدون نية يبيح الوطء، ولكنه لا يرفع حدثها، ولا يباح لها الصلاة بذلك، وكذلك إجبار الكتابية.
قوله: (والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم وغسل يدي قائم من نوم بليل) فالتسمية هي: قول: (باسم الله)، وقد ورد فيها حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وهذا الحديث روي من عدة طرق عن عدة من الصحابة، ولكن طرقه ضعيفة لا تبلغ درجة الصحة، وروي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يصح في هذا الباب شيء، ولكن يقولون: بمجموع تلك الطرق يتقوى، ويكون دليلاً على الوجوب، فيسمى قبل غسل اليدين، فإذا أراد أن يغسل يديه فإنه يقول: باسم الله، ثم يغسل يديه، ثم يتمضمض، ثم يكمل الوضوء.
وكذلك عند الاغتسال إذا أراد أن يغتسل قبل الوضوء يبدأ بالبسملة ثم يكمل.
وكذلك التيمم، فعندما يتيمم بالتراب يقول: باسم الله.
وهكذا من قام من نوم ليل نوماً مستغرقاً ناقضاً لوضوء فإنه يجب عليه غسل يديه قبل أن يدخلهما في الماء، ويذكر اسم الله فيقول: باسم الله.
ويسأل الكثير من الناس عما إذا كان الإنسان في داخل الحمام فإنه يمنع فيه من ذكر الله؛ لأنه مستقذر، وتنزه أسماء الله تعالى عن المكان المستقذر فكيف يسمي؟
بعض المشايخ يقول: يكفيه التسمية عند الدخول، وقد تقدم أنه إذا أراد أن يدخل قال: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) فيقول: تكفيه هذه البسملة، ولكن يفضلون أنه إذا دخل واستنجى خرج بعد ذلك وتوضأ خارجاً بمسافة حتى يسمي، وبعض المشايخ يقول: يسمي ولو كان في داخل الحمام؛ وذلك لأن هذه التسمية من مكملات الوضوء فيأتي بها، والاحتياط أنه يتوضأ خارجاً حتى يأتي بالتسمية.
وتسقط سهواً وجهلاً، كما قال تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ولكن الجاهل عليه أن يتعلم.
ومن سننه: السواك، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
ومن سننه: أن يبدأ بغسل يديه من غير قيام من نوم ليل؛ لأن غسل يدي القائم من نوم الليل واجب، ولكن غيره يغسل كفيه ثلاثاً؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما، فيغترف الماء باليد ويغسل بهما وجهه، ويغترفه باليد ويغسل يديه، وهكذا يغسل رجليه بيده، فلابد أن ينظف اليدين، وتنظيفهما سنة.
أما من نوم الليل فإنه يجب أن يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، واختلف في العلة في ذلك، واختار المؤلف أنه أمر تعبدي، لا تعرف فيه الحكمة؛ لأنه -مثلاً- لو جعل يديه في كيس حتى أصبح لوجب عليه أن يغسلهما.
ومن السنن: أن يقدم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، فيبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، فإن أخرهما جاز.
ومن السنن: المبالغة فيهما لغير صائم.
والمبالغة بالمضمضة هو: أن يحرك الماء بقوة في فمه، والمبالغة في الاستنشاق هو: أن يجتذب الماء بقوة النفس إلى أقصى خياشيمه حتى ينظفه، وأما الصائم فلا يبالغ مخافة أن يدخل إلى حلقه.
ومن السنن: تخليل شعر الوجه الكثيف، فإذا كان شعر اللحية كثيفاً فإنه يخلله، بأن يدخل فيها أصابعه حتى يصل إلى أصوله، وإذا اقتصر على غسل ظاهره إذا كان كثيفاً كفى، وضابط الكثيف: أنه الشعر الذي يستر البشرة، والخفيف هو: الذي تُرى البشرة من ورائه، فالخفيف يجب غسل داخله وظاهره.
ومن السنن: تخليل الأصابع، ويتأكد التخليل في أصابع القدمين؛ لأنها غالباً ملتصقة، فيدخل أصابع يديه بين أصابع رجليه حتى يتأكد من وصول الماء، وتخليل أصابع اليدين مستحب لأنها متفرقة يستطيع أن يدخل بعضها في بعض، والعادة والمعروف أن أصابع اليدين متفرقة، وأن الماء يصل إليها.
ومن السنن التثليث، بأن يغسل كل عضو ثلاث مرات: الوجه ثلاث غسلات، وكل يد يغسلها ثلاثاً، وكل رجل ثلاثاً؛ لأن الثلاث هي أكمل، والغسلتان دونهما، ومن اقتصر على غسلة واحدة فقد ارتفع حدثه، ومن غسل كل عضو مرتين فهو أفضل، والثلاث أفضل من الاثنتين، وما زاد على الثلاث لا يجوز، مكروه كراهة التحريم، وقد ورد النهي عن الإسراف، فروي في الحديث: (لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ) .
ومن السن: أن يرفع بصره إلى السماء ويقول ما ورد، فرفع بصره إلى السماء هو لذكر الله تعالى، وكأنه لما أراد أن يدعو الله ويذكره رفع بصره، والذي ورد أنه يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله) وورد أيضاً أنه يقول: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) وإن قال بعد ذلك شيئاً من الأدعية، كأن يقول: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) وهو من الدعاء الذي قاله إبراهيم عليه السلام؛ جاز ذلك.
وأنكر ذلك الرافضة ونحوهم من المبتدعة، ولأجل ذلك يذكر العلماء مسائل الخفين في كتب العقيدة؛ وذلك لأن المخالفين فيه هم مخالفون في العقائد.
قوله: (ونحوه) كما يوجد في هذه الأزمنة ألبسة على الأقدام منها ما يكون تحت الكعبين، ومنها ما يكون فوق الكعبين، فالذي يكون فوق الكعبين كالذي يسمى (البسطار) أو نحوه، وينظم على الساق يلحق بذلك، ويمسح عليه، والذي دون الكعبين لا يُمسح عليه؛ وذلك لأنه لا يستر القدم.
ومما ورد المسح عليه الجورب، وهي: عبارة عن منسوج من صوف أو نحوه يستر القدم، وينظم على الساق، فيمسح عليها إن كانت تكفي عن الأحذية، يعني: تنسج من الصوف أو من الشعر، وتكون غليظة تلبس على القدم، ويجعل تحتها رقعة من الجلد تمكن مواصلة المشي فيها، هذه هي الجوارب التي يجوز المسح عليها، ولابد أن تكون قوية النسج بحيث إنه لا يخرقها الماء.
وجاءت في هذه الأزمنة ما يسمى بالشراب، وسميت جوارب، وترخص الناس بالمسح عليها، وتوسعوا في ذلك، ونحن نقول: إذا كانت قوية بحيث إنه لا يخرقها الماء أو لا يخرقها إلا بعد صب كثير فإنه يمسح عليها، فأما إذا كانت شفافة أو رقيقة فلا يمسح عليها؛ وذلك لأنها لا تحصل بها التدفئة المطلوبة، ولأن الجوارب التي كانت في عهد الصحابة كانوا يجعلون تحتها رقعة من جلد ثم يمشون بها وحدها، وكانت تستر القدم كله، إلى مستدق الساق.
أو ذات ذؤابة: وهي التي تدار على الرأس كله، وتربط ويجعل لها طرف بين الكتفين يتدلى خلف الظهر يُسمى الذؤابة؛ لأن في رفعها مشقة، فإذا لم يكن في رفعها مشقة كالغترة والقلنسوة التي هي الطاقية فإنه لا حرج ولا مشقة في رفعها، فيلزم رفعها ومسح ما تحتها.
وخمار المرأة إذا كان قد أدارته تحت حلقها يمسح، يعني: أن هناك نوعاً من الخمر تديره المرأة على رأسها، ثم تديره تحت حلقها، ويشق عليها رفعه؛ فيجوز أن تمسح عليه.
والجبيرة هي: ما يجبر به الكسر في اليد أو في الرجل أو نحو ذلك، فإذا جبرت الجبيرة على الكسر فإنه يمسح عليها إذا لم تتجاوز قدر الحاجة، ولا تحديد لها، بل يمسح عليها إلى حلها.
أما إذا جاوزت قدر الحاجة كما يعمل الآن في الجبس، فقد يكون الكسر قدر أربع أصابع، ثم يجعل الجبس على اليد كلها إلى نصف العضد، ففي هذه الحال يلزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم بعد المسح.
وهل يشترط أن توضع على طهارة؟
الصحيح: أنه لا يشترط؛ وذلك لأن الكسر يقع بغتة، فيفزع أهله إلى جبره بسرعة، ويشق عليهم أن يأمروه أن يتوضأ، سيما في ذلك العضو الذي قد انكسر، فيجوز المسح عليها ولو لبسها على غير طهارة، فإذا وضعها على غير طهارة فالصحيح: أنه لا يلزم نزعها، وإذا جاوزت محل الحاجة مسح عليها وتيمم عن الزائد إذا خاف الضرر بنزعها.
مثال ذلك: إذا توضأ لصلاة الفجر وغسل قدميه، ولبس الخفين، وانتقض وضوءه في الضحى في الساعة العاشرة، ولم يمسح إلا في الساعة الثانية عشر عند صلاة الظهر، فيمسح لصلاة العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم توضأ في الساعة الحادية عشراً من اليوم الثاني فلا يمسح؛ لأن المدة قد انتهت، فإن توضأ في الساعة التاسعة مسح؛ لأن المدة لم تنته.
واختلف فيمن سافر سفر معصية، هل يمسح يوماً وليلة أو ثلاثة أيام، الفقهاء قالوا: يمسح يوماً وليلة؛ لأن العاصي لا يرخص له، والأقرب أنه مثل غيره كسائر المسافرين يمسح ثلاثة أيام بلياليها، ونحن نقول: يأثم بعصيانه، وأما الأحكام الشرعية فلا يختلف فيها العاصي وغيره.
والمسافر سفر قصر يمسح ثلاثة أيام بلياليها من باب التسهيل عليه؛ لأن السفر -كما ورد في الحديث-: (قطعة من العذاب).
قوله: (ومن مسح في سفره ثم أقام أو عكس) مثلاً مسح لصلاة الظهر، ثم سافر بعد صلاة الظهر، فيمسح مسح مقيم يوماً وليلة، أو مسح وهو في السفر لصلاة الظهر ثم وصل البلد بعد الظهر أو قبل العصر فيمسح مسح مقيم، تغليباً لجانب الإقامة، واحتياطاً للعبادة، أما إذا أحدث -مثلاً- في الساعة العاشرة قبل أن يمسح، ثم سافر في الساعة الحادية عشرة ومسح وهو في السفر، فإنه يمسح مسح مسافر.
الشرط الأول: أن يلبس الخفين بعد تمام الطهارة، فلا يلبس الخف الأيمن إلا بعد غسل رجله اليسرى، يعني: بعدما ينتهي من الطهارة، واستدلوا بقوله: (أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: ابتدأت بإدخالهما حال كونهما طاهرتين. هذا قول.
القول الثاني: أنه يجوز أن يلبس الخف الأيمن قبل أن يغسل الرجل اليسرى إذا غسل الرجل اليمنى وطهرها، وهذا أقرب؛ وذلك لأنه أدخلها وهي طاهرة، ثم يغسل اليسرى ويدخلها وهي طاهرة، واستدل الشوكاني في النيل بحديث: (أدخلتهما وهما طاهرتان) فكلمة (وهما) يعني: وكل منهما.
الشرط الثاني: أن يكون الممسوح ساتراً لمحل الفرض، فإذا كان ساتراً لبعضه فلا يمسح عليها ولو كانت تنظم على القدم؛ لأنها ما سترت القدم كله، فلابد للخف أن يستر محل الفرض كله إلى منتهى الكعبين.
الشرط الثالث: أن يثبت بنفسه، فإذا كان لا يثبت إلا بإمساكه باليد فإنه لا يسمى خفاً، ولابد أن ينظم ويستمسك بنفسه، ولو شده بخيط أو نحوه.
الشرط الرابع: أن يمكن المشي فيه عرفاً، فإذا كان لا يمشي فيه أو إذا مشى فيه سقط، وإنما يثبت إذا جلس أو ركب فلا يمسح عليه؛ لأنه عرضة للسقوط.
الشرط الخامس: طهارته، فإذا كان نجساً نجاسة طارئة، أو نجاسة أصلية كالمنسوج من جلد شاة قبل الدبغ أو جلد حمار أو كلب ونحو ذلك فلا يمسح عليه؛ وذلك لأنه سيصلي حينئذ بنجاسة.
الشرط السادس: الإباحة، فإذا كان مغصوباً فلا يمسح عليه، هذا على القول المشهور عند الفقهاء.
والقول الثاني ولعله الأقرب: أنه يمسح عليه، ونقول له: أنت آثم بلبسه، سواء في الصلاة أو في غيرها.
وأما صفة المسح: فالعمامة يمسح أكثر دوائرها، يعني: أطرافها التي تدور على الرأس، فيمسح دوائرها، ويمسح وسطها؛ وذلك لأن العمامة بدلاً عن الرأس، والرأس يمسح كله، وأما الخف فيمسح ظاهره، من أصابعه إلى ساقه، وأما الجبيرة فيمسحها كلها.
قوله: (متى ظهر بعض محل الفرض استأنف الطهارة) فلو انحسر الخف، وظهر الكعب؛ بطلت الطهارة بعد المسح، فيلزم أن يستأنفها. وكذلك متى تمت المدة بطلت الطهارة، فلو تمت المدة في الساعة الثانية ظهراً، وجاء وتوضأ للظهر اليوم الثاني، وبقي على طهارته إلى العصر، فنقول: انتقض وضوءك في الساعة الثانية التي هي تمام يوم وليلة، فيلزمه أن يخلع ويجدد الوضوء.
الناقض الأول: ما خرج من السبيلين، فهو ناقض، سواء كان له جرم، أو ليس له جرم كالريح، فإنه يعتبر ناقضاً، وسواء كان طاهراً أو نجساً، فلو خرج من دبره حجر أو خيط يابس أو دود طاهر، فإنه يعتبر ناقضاً؛ وذلك لأنه خارج من مخرج نجاسة، ولا خلاف في هذا.
الناقض الثاني: النجس الخارج من بقية البدن، الخارج من البدن إما أن يكون طاهراً أو نجساً، فإن كان طاهراً فلا ينقض، مثل: العرق والدموع واللعاب والمخاط، فهذه طاهرة لا ينقض خروجها الوضوء، أما النجس فمثل القيح، والصديد، والدم، والبول، والغائط، وقد يقول قائل: كيف يخرج البول والغائط من غير المخرج؟
فنقول: نعم، فلو انسد دبره ففتح له مخرج مع جنبه أو مع ظهره فإن ما خرج منه يعتبر ناقضاً، إلا إذا كان لا يتحكم فيه، فيعتبر كصاحب السلس، وكذلك لو انسد مخرج البول، ففتح له من المثانة فوق العانة أو نحو ذلك فإنه يعتبر ناقضاً، وسواء كان قليلاً أو كثيراً.
أما الخارج النجس من غيرهما فلا ينقض إلا الكثير، فلا تنقض -مثلاً- قطرة دم أو قطرتان، أو قيح أو صديد أو نحو ذلك، واختلف في القيء -وهو ما يسمى بالتطريش- هل ينقض أو لا؟
والصحيح: أنه ينقض إذا كان كثيراً متغيراً برائحة أو بلون، ولا ينقض إذا كان ليس متغيراً، أو كان قليلاً.
الناقض الثالث: زوال العقل، فالمجنون قد لا يشعر بحالته فلا يدري ما يخرج منه، فربما يخرج منه الريح والبول ونحو ذلك ولا يشعر، فإذا كان متوضئاً ثم جن ولو يسيراً انتقض وضوءه، وكذا الإغماء والغشية من نواقض الوضوء أيضاً؛ لأنه لا يشعر بنفسه، أما النوم فإذا كان يسيراً من قاعد أو قائم فلا ينقض، وأما إذا كان مضطجعاً فإنه ينقض ولو كان يسيراً؛ لأنه قد يستغرق، وحد القليل أو اليسير هو ما يبقى معه شعور بنفسه؛ وذلك لأنه إذا استغرق وهو قاعد سقط على جنبه.
الناقض الرابع: تغسيل الميت، وقد ورد فيه أحاديث، وفيها شيء من الخلاف، فورد ما يدل على أن من غسله أنه يغتسل: (من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) ولكن لعل الأقرب أنه يكفيه الوضوء، وذهب بعضهم إلى أنه لا حاجة إلى الوضوء إذا كان متوضئاً إلا إذا مس عورته أو نحو ذلك.
الناقض الخامس: أكل لحم الإبل، وفيه أيضاً خلاف مع الشافعية، والقول الصحيح: أنه ناقض، والشافعية يرون أنه غير ناقض لأحاديث ترك الوضوء مما مست النار، مع أن الأحاديث الصحيحة تدل على أنه ناقض للوضوء.
واختلف هل كل جميع أجزائها تنقض أو يختص باللحم؟
أكثر الفقهاء على أنه يختص باللحم الأحمر، والقول الثاني -ولعله الأرجح-: أنه ينقض جميع أجزائها، فإذا أكل من الكبد أو من الكرش أو من القلب أو من اللسان فكل ذلك يلحق باللحم.
الناقض السادس: الردة؛ لأن الردة عن الإسلام تبطل الأعمال، كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] والوضوء عمل شرعي، فإذا ارتد بطلت أعماله، ومنها الوضوء.
الناقض السابع: ما أوجب غسلاً، فكل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً، ومن موجبات الغسل إذا انتقل المني من الصلب ولم يخرج فإنه يغتسل.
الناقض الثامن: مس فرج آدمي متصل أو حلقه دبره بيده، وهذا أيضاً فيه خلاف، وكذلك الخلاف في قوله: (منفصل) فهل ينقض المنفصل كالذكر المقطوع أم لا؟
والصحيح أنه خاص بالمتصل، والخلاف فيه طويل، وكذلك النقض بمس الدبر فيه خلاف، ولعل الأقرب أنه لا ينقض مس الذكر إلا إذا كان يثير الشهوة.
وكذلك لو مسها بظفره أو مسها بشعره.
وكذلك لا ينقض مس طفلة دون سبع سنين؛ لأنها ليست محلاً للشهوة.
ووضوء الملموس لا ينتقض، فإذا مس امرأة بشهوة لا ينتقض وضوءها، وكذلك لو مسته بشهوة منها وهو لم يمسها لا ينتقض وضوءه.
قوله: (من شك في طهارة أو حدث بنى على اليقين) صورة ذلك: إذا شك وقال: هل أنا تطهرت أم لا؟ أو انتقض وضوءه مثلاً في الساعة العاشرة، فقال: لا أدري هل أنا توضأت بعد ذلك الوقت أم لا؟
ففي هذه الحالة نقول: الحدث يقين، والطهارة مشكوك فيها، فعليك تجديد الطهارة، والعكس إذا قال: أنا أتحقق أنني توضأت في الساعة العاشرة ولا أدري هل انتقض وضوئي أم لا؟ فالجواب: يبقى على طهارته؛ لأن الأصل الطهارة؛ فلا تزول إلا بيقين.
ولا يجوز أن يطوف إلا وهو متطهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)، ولقول الله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ [الحج:26]، فلابد أن يكون الطائفون متطهرين، ولأنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ.
فيحرم على الجنب الذي عليه جنابة مس المصحف، والصلاة، والطواف، وكذلك المرأة الحائض التي لم تغتسل.
ويحرم عليهم قراءة القرآن ولو من الحفظ، وبالنسبة إلى الحائض فيها خلاف، وأباح كثير من المشايخ أنه يجوز لها قراءة القرآن إذا خافت النسيان، وأنه يجوز للجنب قراءة آية على أنها دعاء، كقوله: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] أو على أنها ذكر كقوله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255].
فهذه نواقض الوضوء ذكرناها مع الاختصار، وذكرنا ما فيه خلاف قوي، وما هو الأصل فيه، على ما ذكره الفقهاء.
وهذه الموجبات هي:
الأول: خروج المني من مخرجه بلذة، واشترط بعض العلماء لخروج المني الموجب للغسل شرطان:
الأول: الدفق.
والثاني: اللذة.
يعني: أن يخرج في اليقظة ويشعر بلذة عند خروجه، فإذا كان يسيل سيلاناً كالبول فلا يوجب غسلاً، وكذلك إذا خرج دفقاً، يعني: اندفاعاً ولم يصحبه لذة، واستثنوا من ذلك النائم، فإنه إذا وجد المني قد خرج منه فإنه يغتسل؛ لأن النائم لا يشعر به حالة خروجه.
الموجب الثاني: انتقاله، وهو أن ينتقل من الصلب متوجهاً إلى مكان خروجه ولكن لم يخرج، فيغتسل له، فإذا خرج بعد ذلك فلا يعيد الاغتسال، ولكن يتوضأ؛ لأنه خارج من أحد السبيلين.
الموجب الثالث: مسمى الوطء، وحدّه: تغييب حشفة في فرج أصلي قبل أو دبر ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وفيه أيضاً كلامٌ كثير، والصحيح: أنه يوجب الغسل.
والذين قالوا: لا يوجب، استدلوا بالحديث الذي فيه: (الماء من الماء) يعني: أن الاغتسال لا يكون إلا بعد الإنزال.
والذين قالوا: يوجب، استدلوا بحديث: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ، فإذا غيّب الرجل رأس ذكره إلى محل الختان ولو في بهيمة، أو دبر، أو ميت، أو امرأة حلالاً أو حراماً وجب عليه الغسل، ولا شك أن الحرام يوجب الإثم، كالبهيمة، والدبر، والمرأة الحرام، ولكن مع ذلك يكون عليه جنابة.
واشترط: ألا يكون مع حائل، فإن كان من وراء ثوب فإنه لا يوجب.
الموجب الرابع: الكافر إذا أسلم؛ وذلك لأنه في حالة كفره نجس، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] ، وقد ورد أيضاً أنه عليه السلام أمر رجلاً أسلم أن يغتسل.
وذهب بعضهم: إلى أنه يستحب إلا أن يكون عليه نجاسة قبل أن يسلم كالجنابة التي لم يغتسل لها.
والأقرب: أنه واجب عليه.
الموجب الخامس: الموت، فإذا مات الإنسان وجب تغسيله، كما هو معروف.
السادس والسابع: الحيض، والنفاس، وهما مما يختص بالمرأة، لقول تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ [البقرة:222].
أما الاغتسالات المسنونة فكثيرة، منها:
الأول: غسل الجمعة، وقد ذهب بعضهم: إلى وجوبه، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم).
وذهب بعضهم: إلى أنه ليس بواجب وأنه سنة.
وذهب آخرون إلى أنه واجب على من هو بعيد العهد بالنظافة؛ لأن هذا إذا كان به وسخ أو قذر أو نحو ذلك فإنه يؤذي المصلين، فيجب عليه، وأما إذا كان نظيف البدن فلا.
الثاني: الغسل للعيد، قياساً على الجمعة؛ لأن فيه اجتماعاً عاماً.
الثالث: الاغتسال لصلاة الكسوف، قياساً أيضاً على الجمعة، ولكن ليس هناك دليل.
الرابع: الاغتسال للاستسقاء، ولعل الأقرب: أنه يكتفى بالوضوء لعدم الدليل؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما وقع الكسوف قام فزعاً إلى الصلاة، ولم ينقل عنه أنه اغتسل.
الخامس: الجنون، فإذا أفاق أحد من جنون فإنه يغتسل؛ وذلك لأنه لا يدري ما حدث فيه.
السادس: الإغماء، والغشية، فإذا غشي عليه ثم أفاق فليغتسل، ثبت أنه عليه السلام في مرض موته أغمي عليه، فلما أفاق قال (ضعوا لي ماء في مركن فاغتسل، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه) فإن وجد احتلام في الجنون أو الإغماء فإنه يكون واجباً، ولا يكون مسنوناً.
السابع: الاغتسال للاستحاضة عند كل صلاة، كما ورد الأمر لها بأن تغتسل لكل صلاة أو تجمع الصلاتين في اغتسال واحد إذا شق عليها.
الثامن: الاغتسال عند الإحرام، وقال بعضهم بوجوبه، والصحيح أنه سنة.
التاسع: عند دخول مكة، وكان في ذلك الوقت بين الإحرام وبين دخول مكة قد يكون عشرة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة، فأما في هذه الأزمنة فالزمن قصير، يدخلها بعد أن يحرم بساعة أو نحوها، فلا حاجة إلى تجديد الغسل.
العاشر: إذا وصل إلى حدود الحرم، كما يقول المؤلف أيضاً: يغتسل لحرم مكة.
الحادي عشر: يغتسل للوقوف بعرفة.
الثاني عشر: الاغتسال لطواف الزيارة (طواف الإفاضة).
الثالث عشر: الاغتسال لطواف الوداع.
الرابع عشر: الاغتسال للمبيت بمزدلفة.
الخامس عشر: الاغتسال لرمي الجمار.
هكذا عددوا هذه الاغتسالات، وأكثرها استحسان، وقالوا: لأنه عمل صالح فيسن أن يأتيه بنظافة، والصحيح: أنه لا دليل على ذلك، وأنه لا موجب للاستحباب إلا إذا كان الإنسان بعيد العهد بنظافة أو نحوها.
ولو اغتسل لسنة الجمعة وعليه جنابة لم يتذكرها إلا بعد الاغتسال، فالصحيح: أنه يرتفع حدث الجنابة؛ لأنه اغتسل ناوياً الطهارة لصلاة الجمعة فيطهر.
وقد تقدم أنه يسن إذا أراد الجنب أن يجلس في المسجد أن يتوضأ، وكذلك أيضاً إذا أراد أن يعود إلى الوطء، وقد ورد فيه حديث: (إذا وطأ أحدكم امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما) والاغتسال أفضل.
ويكره نوم جنب بلا وضوء، فأشدها كراهة النوم؛ لكثرة الأحاديث التي جاءت في النهي عن أن ينام أحد وهو جنب إلا بعد أن يتوضأ.
الجواب: معلوم أن الرجل يباح له أن يتزوج امرأة كتابية من أهل الكتاب، لقوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5] فإذا طهرت من الحيض فلا يحل له أن يطأها حتى تغتسل، فإذا امتنعت أجبرها، ومعلوم أن غسلها بإكراه بدون نية، فيجزئ هذا الغسل، ويحل له الوطء. وكذلك المرأة المسلمة إذا طهرت من الحيض في الصباح، وأراد زوجها أن يطأها، وامتنعت من الاغتسال، وقالت: لا أغتسل حتى يأتي وقت الصلاة، فأجبرها حتى اغتسلت بدون نية، فغسلها يحل به الوطء.
الجواب: هذه ترجع إلى العادات، والأصل أنه لا فرق بين العرب وبين الموالي، الموالي: والمولى هو: الذي يعرف بالخضيري والعرب يعرفون بالقبائل، فالأصل أنهم كلهم بنو آدم، وكلهم مسلمون، ولكن في ذلك خلاف قديم مذكور في كتب الفقه، كما في (المغني) و(المستوعب) ونحوها، ولكن الصحيح: أنه لا بأس بذلك، ولكن إذا كان يترتب على ذلك شيء من الخلافات ومن المشاكل ونحو ذلك، ويترتب على ذلك عقوق الوالدين؛ فعليه أن يلتمس رضا والديه، ويطيعهما.
الجواب: ورد فيه آثار، وذهب إليه الزيدية، فهم يرون أنه يسن مسح العنق، ورووا في ذلك حديثاً: (مسح العنق أمان من الغل)، والصحيح: أنه لا يصح في ذلك شيء، وتجدون الآثار في ذلك مذكورة في (نيل الأوطار)، وذلك لأن مؤلفه خالط أولئك الزيدية، ورأى عملهم هذا، وقرأ في كتبهم، فجمع ما يستدلون به، ولا يصح منها شيء.
الجواب: تصلون إلا إذا كان عليكم مشقة؛ وذلك لأن المسافر شرع له الجمع والقصر، وتسقط عنه السنن الرواتب لأجل المشقة، فإن كان عليكم مشقة وصعوبة وكلفة فإنها تسقط، وإذا لم يكن عليكم مشقة فتزودوا من الخير؛ فإن في هذه السنن فضلاً كبيراً، بل وفي جميع النوافل، يقول صلى الله عليه وسلم عن الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فالنوافل تصير سبباً في محبة الله تعالى للعبد.
الجواب: نعم؛ وذلك لأنه حصل بذلك الإيلاج، ولو كان هذا الحائل مقصوداً، وأيضاً يحصل غالباً معه الإنزال، فلابد من الاغتسال من الرجل والمرأة.
الجواب: ينقض إذا كان له جرم، يعني: إذا أكل ما يحتاج إلى مضغ فإنه ينقض، أما الشيء الذي يتفتت كالذي يجعل في السنبوسة أو نحو ذلك فلا ينقض، ففي رمضان قد يجعل بعض لحم الإبل في بعض الأطعمة، ولكنه يفرم ويذوب؛ فيعفى عنه.
الجواب: يجوز ذلك، يجوز أن يغسل كل عضو ثلاثاً، ويجوز أن يتوضأ ويغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها اثنتين، وبعضها واحدة.
الجواب: إذا أحس بانتقاله من الصلب فليغتسل، مثلاً: إذا ثارت شهوته أو حصل ما يحرك شهوته، بأن مس امرأة، أو حقق النظر إليها، أو نظر إلى صور أو نحو ذلك، ففي هذه الحال يغتسل إذا أحس بانتقاله، ولو لم يخرج.
الجواب: النقض خاص باللحم، أما اللبن فلا ينقض.
الجواب: لا يجوز تعمد ذلك، والإنسان معروف أنه ينام، ولكن عليه أن يأتي بالأسباب، فينام مبكراً مثلاً، ويوكل من يوقظه للصلاة، أو يجعل عنده ساعة منبهة أو نحو ذلك.
الجواب: لا نلزمه أن يقضي الشهر كله، وإنما نقول: هذا شيء قد يشق عليك، وأنت معذور بالجهل، وفي المستقبل عليك أن تمسح جميع الجبيرة، ثم تتيمم عن الزائد.
الجواب: إذا كنتم على سيارة فلا يجوز؛ لأن السيارة تقطع هذه العشرة الكيلو مترات في عشر دقائق أو في خمس دقائق، فيجب عليكم أن ترسلوا سيارة تأتيكم بماء للوضوء، وليس في ذلك صعوبة، وإذا كنتم على أرجلكم وليس معكم سيارة فأنتم معذورون في هذه المدة.
الجواب: الصحيح: أن مسحه يكون إلى القفا، أما القرون التي تتدلى ذراعاً أو أكثر فلا يلزم أن تتبع، وكذلك الرجل قد يكون عليه شعر يتدلى إلى ظهره -مثلاً- فلا يلزمه أن يتتبع الشعر ويمسحه.
الجواب: الصحيح: أنه إذا اغتسل للتبرد لم يرتفع الحدث، فلابد أن يعيد الصلوات التي صلاها بعد الجنابة، وقبل الاغتسال لها.
الجواب: نعم، إذا كنت على وضوء فإنك تصلي به صلاتين أو ثلاثاً أو أربعاً حتى ينتقض الوضوء.
الجواب: قوله: (الماء لا يجنب) في حالة خاصة، وهو أنه كان عندهم ماء في قدح كبير، فاغتسلت منه ميمونة من جنابة، ثم جاء ليغتسل منه أو ليتوضأ فقالت: (إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا يجنب) فاغتسل منه، يعني: من بقية الماء، فلا يضر مثل هذا، وثبت أنه كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد يغترفان منه جميعاً، فلا بأس بذلك، وهكذا أيضاً إذا اغتسل الإنسان في المغطس مثلاً، فإذا امتلأ المغطس ماءً واغترفا منه جميعاً يجوز ذلك، وكذلك إذا اغتسلا من الرشاش لا بأس.
الجواب: لا يجزئ الانغماس في الماء حتى ولو كان كثيراً، فإنه عليه السلام: (نهى أن يغتسل الرجل في الماء الراكد، قيل للراوي: كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولاً)، فإذا كان الماء راكداً فهذا لا يجزئ أن ينغمس فيه، وأما أن يغترف منه فلا بأس.
الجواب: الصحيح أنه لا ينقضها إذا كان الماء يدخلها، وإنما يدلكها حتى يصل الماء إلى أصولها.
الجواب: الصحيح أنه يجزئ، فإذا نوى الاغتسال دخل فيه الوضوء، وإن كان الأولى أن يتوضأ.
الجواب: قال الفقهاء: إنه لا يصيب السنة، وإن كان يخفف، فإذا لم يجد إلا أصبعه دلك بها أسنانه، أو خرقة خشنة دلك بها أسنانه؛ حتى يخفف ذلك وإن لم يكن مصيباً للسنة.
الجواب: ارتفع الحدث عنه، وإن كان ترك السنة، فيجوز ابتداء الغسل باليسرى قبل اليمنى ويرتفع الحدث.
الجواب: لعل ذلك كان لعذر، أو أن ذلك كان وضوء تجديد، لا أنه وضوء من حدث، فالمشهور أنهم كانوا جميعاً يرتبون الوضوء، والصحابة كانوا يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم، وصلى الله على محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر