إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [6]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اجتناب النجاسات واستقبال القبلة والنية من شروط الصلاة، وهي شروط تتعلق بها أحكام وتتفرع عليها مسائل ينبغي للمسلم معرفتها.

    1.   

    من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.

    ابتدأنا في كتاب الصلاة، وذكر المؤلف من تجب عليه الصلاة، ومن تسقط عنه، ومتى يؤمر بها الصغير، ومتى يضرب، وحكم تأخيرها إلى آخر الوقت، وحكم من جحدها، وكذلك ذكر الأذان والإقامة على من يجبا، وما يشترط للأذان من الترتيب والموالاة والنية، ومن يصح منه، وأنه يشترط أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، وذكرنا أن استثناء الفجر بناءً منهم على حديث بلال أنه كان يؤذن في آخر الليل، والظاهر من الأحاديث أنه ما كان يفعل إلا في رمضان أو آخر الليل، ولم يقتصروا على أذانه بل يؤذن بعده ابن أم مكتوم، فيترجح أنه لا يؤذن لصلاة إلا بعد أن يدخل وقتها، ولا فرق بين الفجر وغيره.

    وكذلك متابعة المؤذن في كلمات الأذان وما له في ذلك من الأجر، وأنه إذا كان ذلك خالصاً من قلبه دخل الجنة، وأنه لا يتابع في الحيعلة، ولا في التثويب ولا في قد قامت الصلاة؛ لأنها ليست من الأذكار، وما يقول بعد الفراغ من الأذان، وكذلك أيضاً شروط الصلاة والحكمة في تفريق المواقيت، ودخول وقت الظهر ونهاية ذاك الوقت، وأن صلاة العصر لها وقتان اختياري واضطراري، وكذا العشاء، وبأي شيء تدرك الصلاة في وقتها لتكون أداءً لا قضاءً، وترجيح أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، وكذا إدراك الجماعة، ووجوب التأكد من دخول الوقت ولو بغلبة الظن، وأنه إذا صلى قبل الوقت وأخطأ فإنه يعيد.

    وحكم من أدرك أول وقتها وهو غير مكلّف ثم كلِّف في آخر وقتها كالمجنون يفيق والحائض تطهر في آخر الوقت، وماذا تقضيه، وحكم قضاء الفوائت وكيفيته، وحكم ستر العورة، ومتى يجب، وهل يختص الستر بداخل الصلاة؟ ومقدار عورة الرجل والحرة والأمة والصغير، وكذلك من انكشف بعض عورته في الصلاة وفحُش، وحكم من صلى في مكان نجس أو مغصوب أو ثوب مغصوب يرجِّحون أنه يعيد، والراجح أنه لا يعيد إذا صلى في ثوب مغصوب أو بقعة مغصوبة، ولكنه يأثم.

    هذه خلاصة ما مر بنا.

    والآن نأتي إلى بقية الشروط.

    قال رحمه الله: [الرابع: اجتناب نجاسة غير معفو عنها في بدن وثوب وبقعة مع القدرة. ومن جبر عظمه أو خاطه بنجس وتضرر بقلعه لم يجب، ويتيمم إن لم يغطه اللحم، ولا تصح بلا عذر في مقبرة وخلاء وحمام وأعطان إبل، ومجزرة ومزبلة، وقارعة طريق، ولا في أسطحتها.

    الخامس: استقبال القبلة، ولا تصح بدونه إلا لعاجز ومتنفل في سفر مباح، وفرض قريب منها إصابة عينها وبعيد جهتها، ويعمل وجوباً بخبر ثقة بيقين وبمحاريب المسلمين، وإن اشتبهت في السفر اجتهد عارف بأدلتها وقلّد غيره، وإن صلى بلا أحدهما مع القدرة قضى مطلقاً.

    السادس: النية، فيجب تعيين معيَّنة وسنة مقارنتها لتكبيرة إحرام، ولا يضر تقديمها عليها بيسير، وشُرِط نية إمامة وائتمام ولمؤتم انفراد لعذر، وتبطل صلاته ببطلان صلاة إمامه لا عكسه إن نوى إمام الانفراد].

    من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة:

    النجاسة يراد بها النجاسة العينية كالبول والغائط والقيء النجس والدم وأجزاء الميتة والخمر والدواب النجسة كالخنزير والحُمُر، وأرواث الدواب النجسة كروث الحُمُر ونحوه، فهذه كلها تسمى نجاسات عينية، وهي التي لو غسلت لم تطهر، مثلاً الكلب لو غسل ثم غسل لا يطهر، الميتة لو غسلت لم تطهر بالغسل، وكذلك الخنزير والأعيان النجسة.

    فالمصلي يكون متطهراً ويجتنب النجاسات، سواء في ثيابه أو على بدنه أو في البقعة التي يصلي عليها حتى لا يكون حاملاً للنجاسة، لو حمل النجاسة ولو مثلاً قطرات بول في قارورة، أو نقط دم لا يعفى عنها في منديل، فإنه لا تصح صلاته.

    نجاسة الدم

    ويتساهل كثير من الناس في حمل المناديل التي فيها دم، أحدهم مثلاً يرعف، أو يظهر في أسنانه شيءٌ من الدم أو في جرح معه فتراه يمسحه بالمنديل ثم يستمر في صلاته ويجعل المنديل في مخبئه، ويكون ذلك الدم مما لا يعفى عنه، فمثل هذا لا يصح أن يحمله.

    وكذلك لو خرج منه الدم في خارج الصلاة ومسحه بمنديل مثلاً ثم حمل المنديل معه فإن هذا خطأ، لا يصلي وهو حامل لنجاسة.

    ثم نقول: قد تقدم في بعض الأسئلة التي عرضت أن بعضهم يشك في نجاسة الدم، وكثير من الإخوان يقولون: الدم ليس بنجس، وذكرنا أنه نجس، وإنما يعفى عن قليله، كنطفة أو نقطٍ يسيرة متفرقة، وذكرنا أن الدليل كونه محرَّماً: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [المائدة:3]، وكل محرم من السوائل فإنه نجس العين، ومن الأدلة أيضاً على نجاسته: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في تطهيره بثلاثة أشياء.. سُئِل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: (تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه)، وذلك دليل على نجاسته. ولا يقال: إن هذا خاص بدم الحيض فإن الحكم واحد، لأن دم الحيض أصله يخرج من عروق في جوف المرأة خلقها الله تعالى لتغذية الجنين، فهي من جملة بدن المرأة.

    وقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن دم المستحاضة دم عرق يقال له (العاذل)، فدل على أن مخرجه واحد ويُلحق به بقية الدماء من الجروح ومن البدن ومن الذبيحة ونحوها، وذكرنا أن صلاة عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً، لأنه معذور، ويُلحق بمن حدثه دائم، لأن الذي حدثه دائم كالجروح السيالة، وصاحب السلس يصلي على حسب حاله، ولأنه لو ترك الصلاة ما توقّف الدم، وكذلك صلاة الصحابي الذي رمي وهو يصلي واستمر في صلاته ودمه ينزف، لأنه لا يستطيع إيقاف الدم فاستمر في صلاته، فهو كمن حدثه دائم، وهناك أدلة أخرى كثيرة.

    ما يعفى عنه من النجاسات في الصلاة

    هناك نجاسة معفو عنها، وهي مثل نقط الدم اليسيرة؛ يعفى عن نقطة أو نقطتين أو ثلاث متفرقة من الدم، وذلك للمشقة.

    ويعفى أيضاً: عن أثر الاستجمار بمحله، إذا استجمر الإنسان بعد التغوط ومسح أثر الخارج بالحجارة وبقي شيءٌ لا يزيله إلا الماء فمثل هذا يُعفى عنه كما تقدّم في إزالة النجاسة، وذكر أنه يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم ونحوه من حيوان طاهر، لا دم سبيل.

    وكذلك أيضاً دم ما لا نفس له سائلة كدم البراغيث والقمل ونحو ذلك.

    النجاسة في الثوب والبدن

    ويتجنب النجاسة في ثوبه وفي بدنه وفي البقعة التي يصلي عليها، ويكون ذلك مع القدرة، فإن عجز فهو معذور، فإذا لم يجد إلا الثوب الذي فيه نجاسة، أو سجن في مكان نجس، أو ليس له قدرة كالمريض الذي لا يستطيع أن يتطهر، ولا يستطيع أن يمسك بوله، ولا يستطيع أن يتطهر بعد التخلي، فمثل هذا عاجز عن التطهر، فيصلي على حسب حاله.

    النجاسة في جبر العظم أو خياطه

    قال: (ومن جُبِر عظمه بنجس أو خاط جرحاً بنجس وتضرر بقلعه لم يجب قلعه وصلى على حسب حاله).

    الجبر قد يكون بعظم ميتة -مثلاً- يشدونه عليه، أو بجلد نجس يمسكون به الجرح. أو يخاط به الجرح أو يُجبر به العظم، ويشق عليه قلعه، فإنه لا يجب ولكن يتيمم.

    فإن غطاه اللحم. أي: نبت اللحم على هذا الشيء، كما لو جرح وأدخلوا في الجرح خيطاً نجساً خيط به ونبت اللحم عليه، فهل يلزمه أن يشق اللحم وأن يخرج ذلك الخيط النجس؟ هذا فيه مشقة، فيعفى عن ذلك.

    المواضع التي لا تصح الصلاة فيها

    وذكر بعد ذلك المواضع التي لا تصح الصلاة فيها، وهي:

    الأول: المقبرة، وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، والنهي عن الصلاة في المقبرة والحمام. واختُلِف في العلة، فأكثر الفقهاء على أن العلة تلوثها بصديد الموتى. يعني: أن الميت يتحلل ويخرج منه في قبره رائحة منتنة وأن تلك الرائحة تمتصها الأرض وتظهر على وجه الأرض فلا يجوز أن يصلى فيها لهذا السبب.

    والصحيح من التعليل أن العلة مظنة الغلو فيها، ولذلك نُهي عن الصلاة عند قبور الأنبياء: (لا تتخذوا القبور مساجد)، مع أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، فهو دليل على أن العلة خوف الغلو في الأموات ودعائهم مع الله، وهذا هو الذي وقع من القبوريين، فإنهم لما بنوا على القبور زيّن لهم الشيطان أن ذلك من تعظيمها ومن احترام أهلها، فوقع من بعدهم في دعاء الأموات، فصاروا يقصدون تلك القبور الذي يقال: إنها قبور أولياء وسادة، أو شهداء أو صالحين، فأدى الأمر إلى عبادتها مع الله.

    فالصحيح ما علل به شيخ الإسلام أنها مظنة الغلو، وقد ذكر ذلك في اقتضاء الصراط المستقيم.

    الثاني: الخلاء، يراد به: بيت الخلاء، ويسمى الحش والكنيف والمرحاض، وتسميته بالحمام تسمية جديدة، وهو محل قضاء الحاجة.

    وورد أيضاً: النهي عن الصلاة في الحمام، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقبرة والحمام، وليس المراد الحمام الذي في البيوت الذي هو بيت التخلي، بل المراد الحمام الذي يكون في البلاد الباردة كالشام والعراق ومصر وتركيا وغيرها، وهو عبارة عن بيت يحفر له في الأرض دور أو دورين ثم يكون فيه ماء ساخن يدخله الإنسان حتى يستحم بمعنى يتنظف، وكرهوا الصلاة فيه لما فيه من كشف العورات، أي: أنه يكثر فيه كشف العورات، وكان في الزمان القديم مظلِماً، وفي هذه الأزمنة بعد وجود الكهرباء استطاعوا أن ينوروه، فأصبح كأنه الأقبية التي يحفر لها في الأرض.

    والحاصل أنه نهي عن الصلاة فيه لهذه العلة.

    وأما النهي عن الصلاة في الخلاء، فلأجل أنه مأوى الشياطين، والشياطين تألف الأماكن القذرة، ولذلك ورد في حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، وأمر بالاستعاذة من الخبث والخبائث: ذكور الشياطين وإناثهم. فهذه هي العلة.

    الثالث: الحمام، ذكرنا أنه غير الخلاء، وأنه الدور التي يحفر لها في الأرض ويُستحم فيها، ويدخلها من يستحم فيها لوجود الماء الساخن.

    الرابع: أعطان الإبل، والعلة أنها مأوى الشياطين، وقد ورد في حديث: (إن على ذروة كل بعير شيطان)، وفي حديث: (إنها جن خلقت من جن)، وفي حديث آخر: إن الفضاضة وغلظ الطبع في الفدادين أصحاب الإبل، والسكينة في الغنم.

    هكذا علل كثير من العلماء، وعللوا بذلك أيضاً الوضوء من أكل لحمها، ومنهم من علل بأن مبارك الإبل مظنة النجاسة، وأن كثيراً إذا أراد التغوط أو التبول استتروا بالإبل فتكون تلك المبارك لا تخلو من نجاسة.

    الخامس: المجزرة، وهي التي تذبح فيها البهائم لأنها تتسخ بالدم وبالفرث، وذلك دليل على أنها نجسة ومستقذرة.

    السادس: المزبلة، التي هي مُلقى الزبالات والقمامات والنفايات؛ لأن الغالب أنها لا تخلو من نجاسة، ولأنها مستقذرة تقذرها النفوس وتنفر من هذه القمامات.

    السابع: قارعة الطريق، واختُلف في العلة، فقيل: إن الناس إذا سلكوا هذا الطريق غالباً ما يلقون النجاسة فيها، فإذا حقِن أحدهم تبوّل في الطريق أو قريباً منه، أو أنها لكثرة مرور الناس عليها يلقى فيها قمامات ونفايات ونحوها، وقيل: العلة التشويش، وأنه إذا صلى في قارعة الطريق تشوّش بكثرة المارين الذين يسيرون مع هذه الطريق فلا يقبل على صلاته.

    وأما الصلاة بأسطحها فيراد به سطح الحمام مثلاً، والخلاء وأشباهها، وقد ذكروا أنها لا تصح، ولكن لعل القول بالصحة أقرب، وذلك لأن الذي يصلي لا يشاهد نجاسة ولا يشاهد شيئاً مما نهي عنه فلا ضرر عليه، ولا أثر عليه. ولذلك إذا تنجست الأرض ويبست النجاسة عليها ولم تجد ما تغسلها به، وبسطت عليها بساطاً صحّت الصلاة.

    ويحدث كثيراً في المساجد أن البالوعة يُحتاج إلى سطحها، في التوسع فيفرش عليها إذا ضاق المسجد لصلاة جمعة أو نحوها، فيضطرون إلى أن يصلوا في سطحها مع أنها الذي فيها نجاسات محققة، فالصحيح أنه لا مانع من الصلاة في أسطحها.

    1.   

    من شروط الصلاة: استقبال القبلة

    الشرط الخامس: استقبال القبلة:

    قال الله تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، المسجد الحرام يراد به الكعبة، ويدخل في ذلك: المسجد الذي حول الكعبة، فالمصلي مأمور بأن يستقبل بيت الله تعالى الذي هو الكعبة المشرفة، ويستقبل المسجد الذي حولها إذا كان خارجه، ولكن الأصل أن القبلة هي الكعبة المشرفة، ولأجل ذلك إذا صليت خارج حيطان المسجد فعليك أن تتحقق أنك مستقبل بناية الكعبة، ولا تكتفي ببناية أو جانب من جوانب المسجد، ومن ثم يعفى في ذلك عن العاجز، مثلا:ً المريض الذي لا يستطيع التوجه؛ لأنه مضطجع على سريره والسرير موجه لغير القبلة، ولا يستطيع الحركة، وليس هناك حيلة في توجيه السرير إلى القبلة، فمثل هذا عاجز، يصلي على حسب حاله، ويدخل في قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]. أي: فثم الجهة التي تتوجهون إليها، وهي مجزئ أن يصلى فيها.

    قال: (والمتنفل إذا كان في سفر مباح)، قوله: (مباح) يخرج سفر المعصية، كالذي يسافر ليقطع الطريق، أو ليسرق، أو ليزني، أو ليقتل مسلماً، فلا تباح له الرخص، هكذا عللوا.

    السفر يأتينا أنه ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة، ولما كان السفر مظنة المشقة، وكان المسلم إذا سافر يحب أن لا تفوته أوراده وصلواته رخص له بأن يصلي على ظهر بعيره، ولو كان وجهه لغير القبلة، فقد تكون القبلة خلفه أو عن أحد جانبيه، فيصلي إلى جهته اغتناماً للصلاة، حتى لا تفوته هذه الأوراد والسنن الرواتب.

    كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر يصلي النوافل على راحلته حيثما توجهت به، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، فالفريضة لها مكانتها وأهميتها، فينزل ويصلي على الأرض، ويصلي بأصحابه وكذلك يأمرهم.

    ما بين الجهتين قبلة

    قوله: (وفرض قريب منها إصابة عينها وبعيد جهتها): أي: القريب الذي في مكة وفي حدودها يلزمه أن يحدد جهة الكعبة فيتوجه إلى عينها، وأما البعيد الذي في الجهات البعيدة كهذه البلاد وما حولها، وخارج المملكة فيكفيهم أن يتوجهوا إلى جهتها؛ لأن الجهات مثلاً أربع: جهة المشرق، وجهة المغرب، وجهة الشمال، وجهة الجنوب، فهذه الجهات الأربع يكفي إذا توجه إلى الجهات التي هي فيها، ولو مال عنها يمنة أو يسرة؛ وذلك لأن الجهات التالية ورد فيها حديث في السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)بالنسبة إلى أهل المدينة؛ لأن قبلتهم في جهة الجنوب، ويقول: هذه الجهة التي هي القبلة إذا مال عنها قليلاً، ولم يكن إلى جهة الغرب، أو مال عنها يساراً، ولم يكن إلى جهة الشرق، فما بين الجهتين كله قبلة، يقال في هذه البلدة -أي: في الرياض- ما بين الشمال والجنوب قبلة، أي: أنت على قبلة ما لم تستقبل الشمال وتستقبل الجنوب، ولكن مع ذلك يحرص على تحري الإصابة.

    قوله: (ويعمل وجوباً بخبر ثقات بيقين) أي: إذا أخبرك موثوق أن هذه القبلة فاعمل به ولو كان واحداً.

    قوله: (وبمحاريب المسلمين) أي: إذا كنت مسافراً ودخل عليك الوقت، ورأيت محراباً موجهاً إلى القبلة في بلاد الإسلام فاعمل به.

    قوله: (وإن اشتبهت في السفر اجتهد عارف بأدلتها): إذا اشتبهت عليه في السفر فإنه يجتهد بعلامتها كمطالع الشمس والقمر، ومنازل النجوم؛ فإن الذي يعرف النجوم يعرف أن نجماً يطلع من جهة الشرق، وآخر يطلع من جهة كذا ويعرف -مثلاً- أن نجم سهيل يطلع من جانب من المشرق، وأن نجماً يقال له الثريا يطلع من وسط المشرق، وكذلك بقية النجوم يعرفها بالمنازل فيجتهد.

    قوله: (وقلد غيره): من كان لا يعرف فإنه يقلد العارف، وإذا صلى بلا اجتهاد وهو قادر على أن يجتهد فأخطأ فعليه القضاء مطلقاً، وذلك لأنه لم يأت بشرطها.

    1.   

    من شروط الصلاة: النية

    الشرط السادس: النية: ويتوسع كثير من العلماء في النية ويشددون فيها؛ وسبب ذلك أن الشافعية رحمهم الله هم الذي توسعوا في أمر النية؛ لأنه نقل عن الشافعي أنه قال: تفتتح الصلاة بفرضين وسنة، الفرضان هما: النية والتحريم، والسنة رفع اليدين، فلما نقل هذا اعتقد الشافعية أنه يريد التلفظ بها، فصاروا يتلفظون بالنية عند الصلاة، والصحيح أن النية محلها القلب، وأن التلفظ بها بدعة، ولذلك قيل للإمام أحمد : تقول قبل التحريم شيئاً؟ قال: (لا. إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه). أي: لم ينقل عنهم أنهم كانوا يتلفظون بقول: نويت أن أصلي أربع ركعات صلاة العشاء مستقبلاً القبلة متطهراً إماماً أو مأموماً أداءً أو قضاءً. لم ينقل عنهم ذلك، فلا حاجة إلى ذلك.

    ولكن النية محلها القلب، فينوي بقلبه ولو لم يحرك قلبه، وذلك أنه يكفي فيه العزم التصميم على الشيء.

    يقول ابن القيم رحمه الله: كل عمل لا يخلو من نية، فإما أن تكون نية صادقة، أو نية كاذبة. ويقول: من التكليف الذي لا يطاق العمل بلا نية، فلا يعمل الإنسان عملاً إلا وله نية، تارة تكون صالحة، وتارة تكون فاسدة، فمثلاً: إذا تطهرت في بيتك، وتوجهت إلى المسجد، وقلبك يتحدث بأمر من الأمور الدنيوية مثلاً أو نحوها، واعترضك إنسان وقال لك: أين تذهب؟ تقول: إلى المسجد، ثم يقول: لماذا؟ تقول: لأداء الصلاة، نطق لسانك بما في قلبك.

    إذاً: النية ضرورية، فإذا كانت نيته أن يراه الناس ويمدحوه فالنية فاسدة، وهو كالمنافق الذين قال تعالى فيه: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ [النساء:142].

    والحاصل أنه يجب تعيين النية. يعني: بقلبه، ويسن مقارنتها بتكبيرة الإحرام، والصحيح أنها مستمرة قبل التكبيرة وبعدها، وتستمر إلى أن ينتهي من الصلاة، فلا حاجة إلى أن يحرك نيته عند التحريم، ولا يضر تقديمها عليه بيسير. نقول: إن النية متقدمة من حين دخل الوقت وأنت عازم وناوٍ أن تصلي.

    يقول: (شرط نية إمامة وائتمام)، معلوم أن الإمام عازم على أنه إمام؛ ولأجل ذلك يأتي بأعمال الإمام، والمأموم كذلك عازم على أنه مأموم، فلا حاجة إلى أن ينوي كل واحد. يعني: يجدد النية أو يحرك قلبه بذلك.

    جواز الانفراد للمأموم لعذر

    وكذلك ذكروا أنه يجوز للمأموم أن ينفرد عند عذر، ودليله في قصة معاذ أنه صلى مرة بأصحابه فافتتح الصلاة بسورة البقرة، وكان معه رجل مرهق ومتعب، فلما رأى أنه سوف يطيل انفرد وأتم صلاته لنفسه، فهذا دليل على أنه يجوز للمأموم أن ينوي الانفراد لعذر.

    جواز قلب المنفرد نفسه إماماً

    وهل يجوز للمنفرد أن يقلب نفسه إماماً؟

    إذا كبر إنسان وحده منفرداً ثم جاء آخر وصف معه فهل له أن يقلب نفسه إماماً مع أنه ما نوى إلا الصلاة وحده؟

    الصحيح الجواز، ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر وحده لصلاة التهجد، فجاء ابن عباس فكبر معه وصار إماماً، والحديث الذي في صحيح مسلم ذكر جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ قبلهم ثم كبر وحده.

    يقول جابر: فجئت فصففت عن يساره فأدارني عن يمينه، وقلب نفسه إماماً بعدما كان مأموماً، ثم جاء جبار بن صخر فصف عن يساره، فدفعهما خلفه.

    وفي حديث عن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وحده، وخلفه ستارة أو جدار فرآه ناس فصفوا خلفه، ولما علم بأنهم يصلون بصلاته رفع التكبير، فقلب نفسه إماماً. فهذا دليل على الجواز.

    صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة إمامهم

    قوله: (وتبطل صلاته ببطلان صلاة إمامه):

    إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين؛ وذلك لأنهم مرتبطون بإمامهم، وذلك في ما إذا كبر الإمام ثم تذكر أنه محدث، ففي هذه الحال بطلت صلاته، فيأمرهم أن يستأنفوا صلاتهم.

    أما إذا خاف أن يسبقه في أثناء الصلاة حدث كريح أو رعاف، وعلم أنه لا يستطيع إتمام الصلاة فله أن يستخلف، ويجتذب واحداً يصلي بهم.

    أما إذا سبقه الحدث، أو تذكر أنه محدث، فالمشهور أنه لا يستخلف، وأجازه بعض المشايخ، فالمسألة فيها خلاف مبني على أنه هل تبطل صلاة المأمومين إذا بطلت صلاة إمامهم كما هو القول المشهور، أو لا تبطل إذا كان الزمان يسيراً؟ فالمشهور أنها تبطل.

    قوله: (لا عكسه إن نوى إمام الانفراد):

    أما إذا بطلت صلاة المأموم فإنها لا تبطل صلاة الإمام، وصورة ذلك: إذا كبر الإمام ومعه واحد، أو معه اثنان، ثم بطلت صلاة أحدهما، في هذه الحالة إذا بطلت صلاة المأموم، فالإمام يتم صلاته سواء وحده أو معه فرد؛ لأنه لا فرق بين صلاة الإمام والمنفرد.

    مثاله: إذا كانوا اثنين، هذا إمام وهذا مأموم، وبطلت صلاة الإمام، فتبطل صلاة المأموم ولو لم يبق منها إلا التشهد، فإذا بطلت صلاة الإمام فإن المأموم ينصرف ويلتمس إماماً أو يصلي وحده، لا عكسه، فإذا بطلت صلاة المأموم فإن الإمام يركع على حالة الانفراد، وينوي أنه منفرد ويتم صلاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765792433