خيار مجلس: فالمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفاً.
وخيار شرط: وهو أن يشترطاه أو أحدهما مدة معلومة.
وحرم حيلة ولم يصح البيع، وينتقل الملك فيهما لمشتر، لكن يحرم، ولا يصح تصرف في مبيع وعوضه مدتهما إلا عتق مشتر مطلقاً، وإلا تصرفه في مبيع، والخيار له.
وخيار غبن يخرج عن العادة لنجش أو غيره، لا لاستعجال.
وخيار تدليس بما يزيد به الثمن، كتصرية وتسويد شعر جارية.
وخيار غبن وعيب وتدليس على التراخي ما لم يوجد دليل الرضا إلا في تصرية فثلاثة أيام.
وخيار عيب ينقص قيمة المبيع، كمرض وفقد عضو وزيادته، فإذا علم العيب خيّر بين إمساك مع أرش أو رد وأخذ ثمن.
وإن تلف مبيع، أو أعتق ونحوه تعين أرش، وإن تعيب عنده أيضاً خير فيه بين أخذ أرش ورد مع دفع أرش ويأخذ ثمنه، وإن اختلفا عند من حدث فقول مشتر بيمينه].
الخيار في اللغة: هو التخيير بين شيئين، كقولك مثلاً: اختر هذا أو هذا.
وعند الفقهاء: الخيار: طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الرد؛ وذلك لأن البيع قد يقع في حال عجلة، وفي هذه الحال قد يندم أحد المتعاقدين، فإذا ندم كان في إمكانه الرد، وإذا مضت المدة لم يتمكن من الرد، فلذلك شرع الخيار، وذكر أنه سبعة أقسام، ولكنه ذكر ثمانية.
وكذلك في كل عقد من العقود التي بمعنى البيع، مثاله: إذا جئت بجنيه، وطلبت من الصيرفي تحويله إلى دراهم، فقال: أشتريه منك بخمسمائة وخمسين، ثم سلم لك القيمة واستلم الجنيه، ثم تذكرت أنه لابد أن يشتريه بستمائة، فندمت وقلت: رد علي جنيهاتي وخذ دراهمك، نحن لا نزال في المجلس. فيلزم بأن يرده عليك.
وكذلك الإجارة: لو استأجرت من المكتب داراً بعشرة آلاف لمدة سنة أو نصفها، وبعدما سلم لك المفاتيح، وقبل أن تتفرقا، وقد أعطيته الأجرة أو نصفها تذكرت أنك مغلوب، وأنه يوجد عند فلان أرخص منها، وأنها لا تساوي إلا ثمانية، فندمت وقلت: رد علي دراهمي وخذ مفاتيح دارك، لا حاجة لي فيها، فهذا يصح.
وهكذا -أيضاً- العكس: لو أن صاحب الجنيه ندم، وقال: أنا اشتريت منك الجنيه بخمسمائة وخمسين، وأنا أعرف أنه غالٍ، لا أريده، رد علي دراهمي، أو أنا بحاجة إلى دراهمي ولا حاجة لي في هذا الجنيه، وكذا صاحب البيت إذا أجرك بعشرة، ثم بعد ذلك تذكر أنه يساوي اثني عشر، فقال: ندمت، لا أؤجره بهذا، رد علي مفاتيحي وخذ دراهمك، فمن ندم بعدما تم العقد، ورد في المجلس؛ فإنه يجوز ذلك.
وهكذا في الرهن، وفي السلم، وفي الشركات، وفي الصلح الذي هو بمعنى البيع وما أشبهها.
هذا النوع يسمى: خيار المجلس، ومتى يحصل لزوم البيع؟ بالتفرق بالأبدان، بأن يتفرقا، فإذا اشترى -مثلاً- الكيس، وحمله على سيارته، ثم ركب سيارته ومشى -مثلاً- عشرة أمتار، ثم ندم ورجع وقال: خذ كيسك. لزم البيع، ولا يتمكن من إرجاعه؛ وذلك لأنه قد حصل التفرق، وكذلك لو ندم البائع بعدما ركب المشتري سيارته ومشى عشرة أمتار أو نحوها فأدركه أو اتصل به هاتفياً وقال: ندمت، رد لي أكياسي. لا يصح، وقد وجب البيع، فالتفرق هو التفرق بالأبدان، هذا هو الصحيح، وخالف في ذلك المالكية والأحناف، وتكلفوا في رد هذا الحديث، فالإمام مالك رده لأنه مخالف لعمل أهل المدينة، وقال: لا أعرف أحداً يعمل به في المدينة من مشايخنا. وقد خالفه كثير من العلماء في زمانه وبعده، وذكر ابن عزيز أنه حديث مشهور، وأنه معروف معمول به في البلد، وابن عزيز من علماء قريش من أهل المدينة، فعرف بذلك أن القول بكونه مخالفاً لعمل أهل المدينة غير صحيح، وأتباع مالك الذين قلدوه تمسكوا بأنه ليس هناك خيار مجلس، وتكلفوا في صرف الحديث عن ظاهره، فقالوا: المراد بالتفرق التفرق بالأقوال. ولا شك أن هذا خلاف الواقع، وذلك لأنهما قبل الأقوال لا يسميان متبايعين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان) فقبل أن يقول: بعني، وقبل أن يقول: بعتك، هل يسميان بيعان؟! لا، فهذا صرف للفظ عن ظاهره، وكذلك الأحناف أعذارهم لرد هذا الحديث غير سديدة، ولا عذر عن العمل بهذا الحديث.
إذا اشترطا لهما أو لأحدهما مدة معلومة ولو طويلة فإنه لازم، ولابد من تحديد المدة، فيقول -مثلاً-: اشتريت السيارة بعشرين ألفاً، ولي الخيار أستشير مدة يوم أو يومين أو أسبوع. اشتريت منك البيت، ولي الخيار مدة شهر أبحث عن جيرانه -مثلاً-، وأبحث عن صفاته الخفية، عن أسسه، وعما فيه من العيوب، فلي الخيار في هذه المدة شهراً مثلاً أو نحوه. فإنه يصح ذلك، ولابد أن يحدد فيقول: شهراً هلالياً، أو أسبوعاً.
وكذلك -أيضاً- قد يكون البائع هو الذي يشترط، فيقول: بعتك الدار ولي الخيار شهراً أبحث هل أجد سكناً بثمنها أم لا. فيكون له الخيار مدة شهر أو أسبوع على حسب ما يتفقان عليه، ويسمى هذا خيار الشرط، ويصح لكل واحد منهما، فيقول -مثلاً-: بعتك السيارة بعشرين ألفاً، ولي الخيار مدة أسبوع. أو يقول: اشتريتها، ولي الخيار مدة عشرة أيام. وفي هذه الحال لو ندم البائع والمشتري يريدها فإنها ترد، ولو ندم المشتري والبائع يريد التنفيذ فإنها ترد، فمن ندم منهما وطلب فسخ البيع فإنه يستحق ذلك.
والخيار يصح في البيع، ويصح في الصلح -الذي هو بمعنى البيع-، وفي السلم، وفي الإجارة، إذا قلت -مثلاً-: استأجرت منك هذه الدار ولي الخيار يوماً أو أسبوعاً. جاز ذلك، فإن ندمت في هذه المدة، وإلا لزم عقد الإجارة.
وفي هذه المدة -مدة الأسبوع أو نحوها- الملك للمشتري، ومع ذلك لا يتصرفان في هذا المبيع، لا يتصرف المشتري ولا يتصرف البائع، يجوز للبائع إذا شرط الخيار في الدار مثلاً أن يسكنها، فله ذلك، مع أن له الخيار، ويمكن للمشتري أن يتصرف، فيركب السيارة -مثلاً- للتأكد من سلامتها، أو لمعرفة سرعتها، أو لمعرفة ما تحمله، أو يجرب الدابة إذا كانت مركوبة، يجربها ماذا تحمل، ويجرب لبنها هل فيها لبن كثير أم لا، يصح ذلك، وله أن يلبس الثوب ليقيسه أو ما أشبه ذلك، وفي هذه المدة لو انهدمت الدار فإنها من ضمان المشتري؛ لأنه هو الذي اشتراها في هذه المدة، وإذا كانت تؤجر يومياً فأجرتها للمشتري، والبائع قبض الثمن، فلو جعله في سلع وربح في هذين اليومين أو في هذا الأسبوع فالربح للبائع في هذا الثمن؛ لأنه قبضه على أنه ملك له، فالملك في العين للمشتري وله أجرتها، ولو -مثلاً- ولدت الشاة التي فيها خيار، فإن الولد يكون للمشتري، فيتبعها في البيع، وله أن يحلبها -مثلاً- في هذه المدة؛ لأن عليه علفها، والخراج بالضمان.
الأول: تلقي الركبان، فيشتري منهم ويغلبهم، فلهم الخيار إذا نزلوا إلى الأسواق فرءوا أنه غبنهم.
الثاني: الجهل بالسلع، كأن يأتي إلى صاحب الدكان فيقول: بكم هذا الثوب؟ بكم تبيعه؟ فيقول: كم تبذل؟ فيقول: عشرة. فيقول: لا أبيعك. فيقول: أحد عشر. فيقول: لا. فيقول: اثني عشر. فيقول: لا. ولا يزال يزيد ويعتقد أنه صادق، وهذا يسمى المسترسل، الذي لا يحسن أن يماكس.
ومثله -أيضاً-: لو زاد عليه البائع، فإن بعض الباعة يعتقد أن كل أحد يماكس، فإذا جاءه الجاهل قال له -مثلاً-: الثوب بعشرين. ويشتري منه مباشرة، ولا يماكس ولا يراجع، ثم يتبين أنه باع الذي قبله بأحد عشر أو باثني عشر أو بخمسة عشر، فيقول: زاد علي الربع أو الثلث، فلي الخيار.
الثالث: زيادة الناجش، فإذا عرضت -مثلاً- السيارة للبيع بالمزاد العلني، وهناك إنسان يرغب فيها، فجاء إنسان لا يريد شراءها، ولكنه يريد نفع البائع، فجعل يزيد عليك، فإذا قلت -مثلاً-: بعشرة آلاف. قال: بأحد عشر ألفاً. فإذا قلت: باثني عشر. قال: بثلاثة عشر. فإذا قلت: بأربعة عشر. قال: أنا أشتريها بخمسة عشر. وهو لا يريدها، وإنما يريد زيادة الثمن لنفع البائع، فإذا تبين للمشتري أنه غبن، وأن سبب الغبن زيادة هذا الناجش، فإن له الخيار، فهو يقول: عرفت أنها لا تساوي هذه، وإنما ظننت أن هذا الذي يزيد صادق، وأنه عازم على شرائها، وتبين لي أنه ما أراد إلا إغراري أو نفع البائع.
هذه ثلاث صور للغبن: تلقي الركبان، وزيادة المسترسل، وزيادة الناجش.
ويمكن أن يكون هناك غبن يسير، فإذا كان الغبن -مثلاً- خمسة في المائة أو أربعة في المائة وما أشبه ذلك، فإنه يتسامح في مثل هذا، أما إذا كان الغبن الثلث أو الربع أو شيئاً كثيراً فلا يتسامح فيه، مثلاً: سيارة لا تساوي إلا أربعة آلاف، فزاد فيها ألفاً، أو ما أشبه ذلك، فلا شك أن هذا كله مما ينافي المصلحة، ومما ينافي النصيحة، والواجب أن البائع ينصح للمشترين، ويبين لهم الحقائق ولا يغلبهم، وكثير من الباعة يأخذون أموالاً لا تحل لهم بهذا، والواجب عليه أن يبيع على هذا وهذا بقيمة واحدة، يأتي العارف بالسلع فيقول: بكم هذه العمامة؟ فيعرف أنه عارف، فيقول: بعشرين. ولا يزيد عليه، ثم يأتيه الجاهل فيقول: بكم هذه العمامة؟ فيقول: بأربعين. فيقول: أسقط عني. قال: أسقط عنك خمسة. وإذا رحمه قال: أسقط عنك عشرة. فيشتريها بثلاثين، فيبيع لهذا العارف بعشرين، ولهذا الآخر بثلاثين، فيكون قد أضر بهذا الجاهل، والواجب أن يسوي بينهما، وأن ينصح لهذا الجاهل، وهكذا في جميع السلع.
والتدليس: هو إظهار السلعة بمظهر غير ما هي عليه، كتسويد شعر الجارية وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، والمصراة التي جمع لبنها في ضرعها، كل هذا يسمى تدليساً، وهذا يعتبر غشاً، حيث أظهر السلعة بمظهر حسن وباطنها غير حسن، وهذا يحدث كثيراً، وهو داخل في الغش، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على بائع بر، فأدخل يده فيه فأصابت بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟! قال: أصابته السماء -يعني: المطر-. قال: هلا جعلته أعلاه كي يراه الناس، من غش فليس مني) فاعتبر هذا غشاً، وكان عليه أن يجعل العيب ظاهراً، لكنه جعل المتندي والرطب باطناً، فإذا جاء يكيل أدخل الصاع حتى يأخذ من ذلك الرطب ويجعله في المكيال، ولا يتفطن المشتري، وهذا يعتبر غشاً وتدليساً.
وكذلك -مثلاً- إذا جعل أعلى الزنبيل شيئاً جيداً من القهوة أو من الهيل، وأسفله رديئاً، فيعتبر هذا غشاً؛ لأنه إذا جاءه الجاهل أخذ له من الأسفل ليخلطه ويلتبس عليه، وكذلك بائع اللحم الذي يبيع بالوزن، إذا أظهر اللحم الأحمر أمام المشتري، وأخفى عنه العظم أو العصب، وإذا جاء ليزن أخذه وجعله في الأسفل، ولا شك أن هذا يعتبر -أيضاً- تدليساً، وكل هذا واقع كثيراً.
مررت مرة ببعض الذين يبيعون الأعلاف، وإذا عنده أعلاف قد بقيت خمسة أيام، وقد يبس أعلاها، أما وسطها فإنه لا يزال ندياً، فإذا هو يحل الخيط عنها، ثم يأخذ اليابس والذابل ويجعله في الوسط، ثم يجعل الشيء الندي الذي لا يزال رطباً ندياً في الأعلى، فنصحته وقلت: هذا غش. فقال: ما هذا غش، هذا أمام البائع وأمام المشتري. فقلت: إن المشتري لا ينظر إلا إلى هذا الظاهر، ويعتقد أنه جميعاً سواء. فقال: هذا كله أمامه، ثم قال: إن هذا المشلح الذي عليك إذا تحسست أسفله، فإنك تفك خياطته التي في الوسط وتجعل الأسفل في الوسط، أليس هذا غشاً؟ فقلت: ليس كذلك، ذلك لأنه ظاهر، والذي يشتري لابد أن يقلبه ويعرف أنه قد رد أسفله إلى أعلاه، بخلاف هذا.
فينبغي التنبه لمثل هؤلاء، ومنهم الذين يبيعون الفواكه والخضروات كالطماطم، فيجعلون الأعلى صالحاً، وكذلك الذين يبيعون التفاح أو نحوه، يجعلون أعلاه صالحاً، وأسفله رديئاً إذا كان في صناديق أو في كراتين، وهكذا باعة الرطب وما أشبهها، ولا شك أن هذا داخل في الغش، فإذا تبين أنه قد دلس عليه فإن له الخيار.
والفقهاء مثلوا للتدليس بتسويد شعر الجارية، فإذا كان يبيع جارية -يعني: أمة- قد ابيض شعرها من الكبر، فيسوده حتى يتوهم الذي يشتريها أنها شابة، وهذا غش، أو يجعده، والتجعيد: هو أن تعالج كل شعرة إلى أن تنعقد على أصلها، والشعر الجعد هو المتعقد، وهذا يوهم أنها شابة أو نحو ذلك.
كذلك جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، والرحى حجر يركب على حجر، ويجعل القمح في وسطه حتى تدور وتطحنه، والذي يدور بها هو الماء، ويجعلون في هذه الرحى خروقاً، خرق في خشبة مثل اللوح، وخرق أمامها في خشبة كاللوح.. وهكذا، وهذه الألواح أطرافها في وسط الماء الذي يمر، فالماء يمر ويدفع هذا اللوح، فإذا دفع شيئاً استدارت الرحى قدر شبر، ثم جاء اللوح الذي بعده فدفعه الماء، فاستدارت قدر شبر، إلى أن تستدير، فإذا كان جري الماء جيداً فإن استدارتها تكون بسرعة، فتدور الرحى بسرعة، فيجمعون الماء -مثلاً- في خزان، ثم إذا عرضوها للبيع أطلقوا الماء بقوة، فإذا رآها المشتري تدور بسرعة يزيد في الثمن، ويعتقد أن هذه عادتها، هكذا مثلوا بهذه الأمثلة. وعلى كل حال: لا شك أن هذا كله غش، والغش كثير، وأنواعه متكاثرة.
أما إذا كانت مريضة فإن له الخيار، أو عوراء أو عرجاء فإن له الخيار، وهاهنا الخيار للمشتري، وإذا وجد البيت قد تصدعت منه الحيطان اعتبر هذا عيباً، وإذا وجد الأرض رديئة، وهو يعتقد أنها طينة، فإذا هي لا تصلح للغرس ولا للزرع، اعتبر هذا عيباً، فله أن يردها، وهكذا جميع العيوب، إذا وجد -مثلاً- في الإناء طروقاً، أو وجده متكسراً فإن هذا عيب، فله أن يرده.
فالحاصل: أن العيب كل ما ينقص قيمة المبيع.
وذهب بعضهم إلى أن الخيار على التراخي، ولعل الأقرب أنه على الفور، فإذا علم المشتري بالعيب فله الخيار بين أمرين: أن يطلب الأرش أو يرد المبيع.
والأرش: هو قيمة ما بين الصحيح والمعيب، فيقول -مثلاً-: أنا اشتريت الشاة بمائة، وذبحتها وتبين فيها عيب -مريضة أو نحو ذلك- والآن فاتته، فيقال: كم تساوي وفيها ذلك المرض؟ قالوا: تساوي ثمانين ريالاً، وأنا اشتريتها بمائة، فالفرق الخمس، فيرد عليه الخمس، وهكذا لو ماتت عند المشتري، وتبين أن موتها بسبب المرض، فيقال: كم قيمتها مريضة؟ وكم قيمتها سليمة؟ فينظر الفرق، فيدفعه البائع للمشتري، وهكذا لو قال -مثلاً-: إني لبست الثوب، وقد استعملته، ووجدت فيه خروقاً أو تمزقاً، فيقال: كم قيمته صحيحاً؟ قيمته عشرون، كم قيمته بهذه العيوب؟ خمسة عشر، فالفرق الربع، ويسمى هذا: الأرش، وهو فرق ما بين قيمة الصحة والعيب، ولا يجوز والحال هذه أن يستعمله وقد عزم على رده، فإذا عزم على رده فإنه يوقف استعماله، فيخلعه إن كان ملبوساً، ويوقفه إن كان مركوباً، أو كان مشروباً وما أشبه ذلك، وإذا كان قد أكل من الكيس فإنه يتوقف، ويقدر ما أكله، فيقول: أكلت منه ربعه أو ثلثه -أو ما أشبه ذلك- ولا أريد الباقي، خذه -أيها البائع- لأنك خدعتني. فله أن يرده ويأخذ الثمن، أو يمسكه ويأخذ الأرش.
وهنا قد يحصل الاختلاف: فإذا قال البائع: هذا العيب حصل عندك، أنت الذي أحرقت الثوب، أو أنت الذي كسرت الزجاج -مثلاً- أو قد تصدع عندك، أو هذه الدابة ما عرجت إلا عندك، أو ما فقئت عينها إلا عندك، والمشتري يقول: بل هذا عيب قديم قبل أن أشتريها، ففي هذه الحال يكون الحكم بأن يحلف المشتري أنه اشتراها وفيها هذا العيب، وأنه عيب قديم، فيحلف المشتري أني اشتريتها وفيها هذا المرض، أو وفيها هذا التكسر، أو وفي الجدار هذا التصدع، وبعد حلفه له أن يرده، وله أن يأخذ الأرش.
وإذا تلفت العين المعيبة فإنها من ضمان المشتري، ويرد البائع عليه القسط الذي بين الصحة والعيب، يعني: أرش العيب.
وإذا وجدت قرينة تدل على أن العيب حصل عند أحدهما عمل بها، فإذا كان الجرح يسيل عرف بأنه حدث عند المشتري، وإذا كان -مثلاً- بياض في العين عرف أنه عند البائع، فإذا وجدت بينة لأحدهما عمل بها، سواء بينة تشهد بأنه قديم أو أنه حادث، فيعمل بالبينة، ولا تستعمل اليمين إلا عند عدم البينة، والملك في هذه الحال للمشتري، إلا أنه إذا عزم على الرد فإنه يتوقف عن استعمالها كما ذكرنا.
بقي عندنا: خيار التخبير، وخيار الاختلاف، وكذلك ما يحتاج إلى حق توفية، نؤجلها ونستمع إلى بعض الأسئلة.
الجواب: لا بأس بذلك، إذا جعلوه عنده كأنهم يقولون: إنه وديعة عندك، الذي تبيعه هو لك ونأخذ ثمنه، والذي لا تبيعه يبقى عندك وتمضي مدته يعتبر كأنه وديعة.
الجواب: ذكرنا أن حديث (لا شرطان في بيع) له عدة محامل، ومع ذلك فإنه قد عمل بظاهره كثير من العلماء، حتى إن بعضهم توقف فيما إذا شرط البائع شرطاً وشرط المشتري شرطاً، فقالوا: ظاهر الحديث يدخل فيه هذا، وهذه المسألة قد كثر السؤال عنها، والشركات الآن وقعوا في هذا النوع، وهو أنهم يقولون: نبيعك السيارة -مثلاً- بسبعين ألفاً، تؤدي إلينا كل شهر ثلاثة آلاف، وإذا أديت السبعين ألفاً سلمنا لك وثائق السيارة، وقبل ذلك تكون كأنها ملك لنا، وإذا عجزت عن التسليم أو تركت شيئاً من الأقساط فإننا ننتزع منك السيارة، وتكون الأقساط الذي وصلت إلينا كأجرة عن استعمالك لها، ويعبرون عن ذلك بأنه تأجير ينتهي بالتمليك، وسبب ذلك: أنهم جربوا أن كثيراً من الذين يشترون لا يسددون الأقساط في حينها، بل تتراكم عليهم الأقساط وتتأخر، فاضطروا إلى أن يأخذوا السيارة ويقولون: ما وصل إلينا فإنه أجرة عما مضى.
وتوقفت إلى الآن لجنة الإفتاء، ما أصدروا في هذا فتوى صارمة، ولكنهم يفتون فتاوى شفوية أن هذا لا يجوز، ويعللون ذلك بأنه لا يصدق عليه أنه أجرة ولا أنه بيع.
ونحن نقول: إذا كنت محتاجاً إلى شراء هذه السيارة فإنك تشتريها شراءً صحيحاً، وتقول لهم: هي رهنكم. فإنه يجوز رهن المبيع على ثمنه وغيره، وإذا كانت رهناً لهم، وحلت أقساطهم ولم توف الدين، فإنهم يبيعونها ويأخذون بقية أقساطهم، ويردون عليك الباقي، فإن الرهن باق على ملك الراهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) هذا هو الذي يتمشى عليه الأمر: أنه يشتريها ويجعلها رهناً لهم.
الجواب: هو يقول في خيار العيب: إذا تلف العبد فإنه من ضمان المشتري، وإن زاد فيه عيب، يعني: كان فيه عيب واحد، ثم أضيف إليه عيب آخر، فتحققنا أنه كان فيه عيب عند البائع، وحصل عيب جديد عند المشتري، ففي هذه الحال ليس له إلا أرش العيب القديم، وأما العيب الذي حدث عنده فإنه من فعله، لكن لو اختار المشتري أن يرده، ويدفع أرش العيب الذي حدث عنده، وقبل ذلك البائع فله ذلك.
الجواب: إذا كانت لا تصلح للأكل فله الثمن كله، لكن يمكن أنها تصلح لغير الأكل، والحاصل أنه في هذه الحال لما ذبحها وجد أنها لا تصلح للأكل، وأنها مريضة، وأن من أكل منها تسمم أو مرض، وصادرتها البلديات، فالصحيح أنه يرجع بالثمن.
الجواب: لا شك أن هذا عيب، وأن عليه أن يقبلها ويبدلها بغيرها من النوع السليم، أو عليه أن يدفع الأرش عن تلك الأوراق البيضاء.
الجواب: هذا فيه خلاف، ورجح بعض هيئة كبار العلماء أن ذلك جائز، ووافقه عليه أكثر المشايخ؛ وذلك لأن الدراهم تعتبر أوراقاً، والشيك -أيضاً- يعتبر ورقاً، وإن كان الشيك لا يصلح إلا عند البنك، والأوراق تصلح عند جميع البقالات والناس، ولكن لما كان يعتبر وثيقة مأمونة حصل بها القبض.
الجواب: لا شك أن هذا شيء جديد لم يتكلم عليه العلماء قديماً -أعني: البيع بالهاتف- والقواعد تقتضي أنه يحصل لزوم البيع بانتهاء المكالمات، بأن يضع كل منهما السماعة من يده بحيث يحصل التفرق، بحيث أنه لو تكلم بعد ذلك بدون هاتف ما سمعه، فينقضي الخيار.
الجواب: هذا يعتبر غشاً، وقد مرت بنا جملة في المتن نسينا أن نتكلم عليها في آخر الشروط، وهي قوله في الضمان المجهول أنه لا يصح: (إن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ). وصورة ذلك: أن يقول: اشتر السيارة، وإذا كان فيها عيب أو عيوب فلا تلحقني بشيء، أنا بريء من هذه السيارة بالعيوب التي فيها، هي أمامك، افحصها، ولا تطالبني بشيء مما فيها، هذا معنى (إن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ)، فلابد أن يوقفه على العيوب التي يعرفها فيها، فيقول: أعرف فيها هذا العيب في العجلات، وهذا العيب في الماكينة، وهذا العيب في كذا، هذا هو الذي أعرفه، وإذا كان فيها شيء لا أعرفه فلا علي، ولا تسألني إلا عما أعرفه، فأما إذا علم -مثلاً- أن في الماكينة عيباً، فقال: تشتريها على أنها معيبة في الماكينة، ومعيبة في كراسيها، ومعيبة في بوديها، ومعيبة في عجلاتها، ومعيبة في كذا وكذا... وأخذ يعدد، والمشتري يعرف أنه ليس كذلك؛ لأن الظاهر أنها سليمة، فيعتقد أنها سليمة، فيزيد في الثمن، فهذا -أيضاً- خيانة، كالذي يعرض شاة ويقول: اشتر هذه الشاة على أنها عوراء وعرجاء ومريضة بمرض كذا، ومريضة بجرب، ومريضة بكذا وكذا.. ويعدد عشرين عيباً، والمشتري يعلم أن هذه الصفات ليست كلها فيها، والبائع يعرف أن فيها واحداً من هذه العيوب، فأخفاه عن المشتري، فهذا يعتبر غشاً، فيستحق أن يردها بذلك العيب.
والواجب على البائع أن يخبر بالعيوب التي يعرفها، وأما العيوب التي لا يعرفها فيتنصل منها ويقول: إن كان فيها شيء فلا أعرفه. فإذا أقدم على ذلك العيب فليس له الرد به، وإذا وجدت عيوب أخرى فله الرد بها، وإذا كنت تعرف فيها عيوباً فلابد أن توقفه عليها ولو لم يسألك.
الجواب: ذكروا أنه لا يجوز في حالة الشرط أن ينتفع بها أحد منهما، مثلاً: لا يجوز لك أن تلبس الثوب وقد اشترطت الخيار، ولا أن تركب السيارة وقد اشترطت الخيار، بل لا تستعملها إلا بعد أن تجزم بالشراء، فإذا تصرف المشتري بالسلعة فإن ذلك دليل على الرضا، فتصرف المشتري فسخ لخياره، فإذا تصرف فيها ثم ردها فللبائع أن يطالبه بذلك، فيقول: أنت دنست الثوب بلبسك له -مثلاً-، أو تمزق الكتاب بقراءتك فيه -مثلاً- ثم رددته، فأعطني أجرته أو أعطني عوض ما حصل فيه.
الجواب: على المشتري أن يقلبها وأن يتفقدها تفقداً تاماً قبل أن يجزم بالشراء، وإذا فحصها ووجدها سليمة أقدم على ذلك، وليس له بعد ذلك أن يردها وقد اشترط عليه؛ لأنه أقدم على الشراء مع علمه بأنها معيبة، لكن قد يقال: إن له خيار الغبن، فإذا غبن غبناً يخرج عن العادة فإن له أن يرد السلعة إذا كان ذلك مما لا يتسامح فيه.
الجواب: لا شك أن هذا يحدث كثيراً، وقد ورد فيه نهي، وهو (أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)، وسيأتينا في الفصل الذي بعد الخيار ما يحصل به القبض، فيحصل قبض ما بيع بالكيل كيلاً، وما بيع بالوزن وزناً... إلخ.
ونقول: إذا اشريت السيارة -مثلاً- بواسطة الهاتف أو نحوه من دولة، فلابد أن توكل من يستلم هذه السيارة ويحوزها لك، ولا يجوز لك أن تبيعها لا على قريب أو بعيد حتى تحجز لك وتحاز على جانب، وكذلك -أيضاً- لو اشتريتها بالهاتف من معرض من المعارض في الرياض، فلا تبعها حتى ترسل من يستلمها ويستلم مفاتيحها، ثم ينقلها من مكان إلى مكان، فهذا هو الذي جاء به الشرع، وسبب ذلك: أن تدخل في الملكية؛ لأنها قبل ذلك ليست في ملكيتك، بحيث أنها لو تلفت تلفت على البائع بخلاف ما إذا قبضت، فجعل الفاصل بين انتقالها من البائع إلى المشتري حيازتها، فقبل الحيازة إذا تلفت فعلى البائع، أو رخصت فعلى البائع، أو غليت فعلى البائع، وبعد الحيازة تدخل في ملك المشتري، فله غنمها وعليه غرمها.
الجواب: لا شك أن الرغبات تتفاوت، وننصحك بأن تواصل في هذه الحلقات، وأن تستمر فيها، فإنك تحصل على خير كثير، وتحصل على فوائد، وتحصل على علوم، وكذلك -أيضاً- تحصل على أجر، وتذكر الحديث: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) ، وتذكر الحديث: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) فننصحك بالمواصلة، وإذا أحسست من نفسك بشيء من الكسل أو التثاقل فعليك أن تعزم وأن تجزم على المواصلة، وتبتعد عما يعوقك عن ذلك، وتستعين بالله تعالى، والله المعين.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر