[فصل: والعارية سنةٌ.
وكل ما ينتفع به مع بقاء عينه نفعًا مباحًا تصح إعارته إلا البُضْعَ وعبدًا مسلمًا لكافرٍ، وصيدًا ونحوه لمحرمٍ، وأمةً، وأمرد لغير مأمونٍ.
وتضمن مطلقًا بمثل مثلي، وقيمة غيره يوم تلفٍ، لا إن تلفت باستعمالٍ بمعروفٍ كخُمل منشفةٍ، ولا إن كانت وقفًا ككتب علمٍ، إلا بتفريطٍ، وعليه مؤنة ردها، وإن أركب منقطعًا لله لم يضمن.
فصلٌ: والغصب كبيرةٌ ، فمن غصب كلبًا يقتنى، أو خمر ذمي محترمةً ردهما، لا جلد ميتةٍ، وإتلاف الثلاثة هدرٌ، وإن استولى على حر مسلمٍ لم يضمنه، بل ثياب صغيرٍ وحليه، وإن استعمله كرهًا أو حبسه فعليه أجرته كقن.
ويلزمه رد مغصوبٍ بزيادته، وإن نقص لغير تغير سعرٍ فعليه أرشه، وإن بنى أو غرس لزمه قلعٌ وأرش نقصٍ وتسوية أرضٍ، والأجرة، ولو غصب ما اتجر، أو صاد، أو حصد به فمهما حصل بذلك فلمالكه، وإن خلطه بما لا يتميز، أو صبغ الثوب فهما شريكان بقدر ملكيهما، وإن نقصت القيمة ضمن.
فصل: ومن اشترى أرضاً فغرس، أو بنى، ثم استحقت، وقلع ذلك، رجع على بائع بما غرمه، وإن أطعمه لعالم بغصبه؛ ضمن آكل.
ويضمن مثليٌ بمثله، وغيره بقيمته، وحرم تصرف غاصب بمغصوب، ولا يصح عقد، ولا عبادة، والقول في تالف وقدره وصفته قوله، وفي رده وعيب فيه قول ربه.
ومن بيده غصب أو غيره وجهل ربه؛ فله الصدقة به عنه بنية ضمان، ويسقط إثم غصب، ومن أتلف -ولو سهواًً- محترماً؛ ضمنه.
وإن ربط دابةً بطريق ضيق؛ ضمن ما أتلفته مطلقاً، وإن كانت بيد راكب، أو قائد، أو سائق؛ ضمن جناية مقدمها، ووطئها برجله].
قوله: (العارية سنة) أي: إعارتها سنة؛ وذلك لأن فيها توسعة على المسلمين، حيث إن الإنسان تبدو حاجته في أمر، ثم لا حاجة به إليه دائماً، وإنما يحتاجها يوماً أو شهراً أو نحو ذلك، ثم يستغني عن تلك العين، فشرع أن يعيره من هو واجد لتلك العين حتى يقضي شغله وحاجته بها، ثم يردها.
يحتاج إلى قدر يطبخ فيه يوماً أو شهراً أو أسبوعاً إذا كان -مثلاً- مسافراً أو في قرية ليس له فيها أهل، فيستعير منك قدراً يطبخ فيه أو إناء يشرب به، أو سراجاً يستضيء به أو صحناً يأكل فيه فتعيره؛ فالإعارة في هذه الحال سنة وله أجر، وفي منعها إثم إذا كان مستغنياً عنها، وقد فسر قول الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، أن المراد: منع العارية مع الاستغناء عنها.
إذا احتاج إنسان إلى دلوك ليجتذب به ماء من البئر، أو إلى قربتك ليجتلب بها ماءً لبيته، أو إلى قدر ليطبخ فيه، فتسن إعارته ويكره منعه مخافة الإثم؛ ولأنه لا يحتاج دائماً إلى هذه السلع، وإلا فمن حاجته غير عارضة فالعادة أنه يشتريها ويتملكها؛ وكذلك إذا احتاج إلى مسحاة ليحفر بها، أو زنبيل ليستعمله في الحفر -مثلاً- أو منجل ليقطع به حشيشاً أو نحوه، أو فأس ليقطع بها حطباً، وما أشبه ذلك، فإعارته فيها فضل وفيها أجر، وكذلك كل ما فيه منفعة، مع حاجة المحتاج إليه.
وهكذا إذا عرفت أنه يستعير منك لأجل معصية كما إذا استعار منك سيفاً ليقتل به مسلماً أو ليظلم به، أو رصاص بندقية ليصيد بها وهو محرم، أو ليرمي بها مسلماً بريئاً، أو استعار قدراً ليصنع فيه خمراً وأنت تعرف ذلك منه؛ أو استعار شطرنج للعب، وكذلك لو استعار موسىً ليحلق به لحيته، أو ليحلق به اللحى، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه مساعدة له على المنكر، والله تعالى يقول: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وهكذا فالمحرم اقتناؤه تحرم إعارته، فكتب الضلال محرم اقتناؤها ومحرم إعارتها؛ لأنه يضل بها غيره، والمجلات الخليعة محرم اقتناؤها، ومحرم إعارتها؛ لأنها تضل خلقاً كثيراً.
تفطن لقوله هاهنا: (ينتفع به مع بقاء عينه نفعاً مباحاً) يعني: تطبخ في القدر، والقدر لا يتغير أو تشرب بالكأس، أو تجلس على الكنب أو تفرش الزلية أو تلبس الثوب يوماً أو نحوه، أو تأكل في القدر أو تستضيء بالسراج، فعينه باقية وفيه منفعة، وهذه المنفعة مباحة.
وقوله: (مع بقاء عينه) يخرج ما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه كالشمعة، فإنها تفنى بالاستعمال، وكالكيس من الطعام فإنه لا يعار؛ لأنه يفنى بالاستعمال، وإنما يسمى قرضاً، فإذا أقرضته طعاماً ليأكله فإنه يرد بدله كما تقدم في باب القرض.
ثم استثنوا البضع، فلا يجوز أن تعير جاريتك المملوكة لمن يطؤها؛ لأن الوطء لا يباح إلا بملك يمين أو بنكاح صحيح، وهذا ليس بموجود؛ لأنها ملك غيره، أما إعارة على الخدمة. يعني: إذا كان عندك خادمة أعرتها لتخدمهم، ثم يردونها فلا بأس بذلك، وكذلك العبد إذا أعرته لمن يستخدمه فلا مانع من ذلك كأن يكون عندهم لقيادة سيارة أو تغسيل سيارة أو سقاية حديقة أو إصلاح قهوة، أو تنظيف أوانٍ، أو تغسيل ثياب ونحوه.
ويستثنى إذا كان كافراً، فلا يجوز أن تعيره عبداً مسلماً، لأنه يهينه ولأنه يستغله وهو كافر، ولأن الكافر لا ولاية له على المسلم، قال الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141]، أي: سيطرة وقوة وتسلطاً، فليس للكافر سلطة على المسلم، ولهذا إذا أسلم العبد وهو عند كافر، كلف الكافر بإعتاقه أو ببيعه أو بهبته. أي: بإخراجه من ملكه حتى لا يبقى ذليلاً عند كافر.
قوله: (وصيداً ونحوه للمحرم) لا يجوز أن تعيره؛ وذلك لأن الصيد محرم على المحرم، قال تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، وقال: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً [المائدة:96]، فلذلك لا يجوز، وهكذا لا يجوز أن تعيره شيئاً يبطل إحرامه، فلا تعيره قميصاً ليلبسه وأنت تعرف أنه محرم، وكذلك إذا طلب منك موسىً ليحلق به وأنت تعرف أنه محرم، فلا تعره هذا الموسى؛ لأنه محرم عليه الحلق، وكذلك مقراضاً يقلم به أظفاره وهو محرم.
يقول: (وأمة وأمرد لغير مأمون) أي: لا يجوز إعارة الأمة لإنسان غير مأمون عليها، لا يؤمن أن يطأها، وكذلك الأمرد -يعني: الشاب- إذا كان شاباً مملوكاً وهو جميل، يخشى أن يفعل به فاحشة اللواط فلا يجوز أن يعار، وأما إذا كان مأموناً. يعني: يقصد بذلك استخدامه فلا مانع.
وهذا دليل على جواز الإستعارة من غير المسلم إذا كان لحاجة.
ولا شك أن الذي يعيرها للمجاهدين يكون له أجر، فالمجاهد إذا استعار منك سيفاً يقاتل به الكفار أو رمحاً أو قوساً أو درعاً أو مجناً يلبسه على رأسه أو حذاءً؛ فإن المعير يكون شريكاً له في الأجر، وكذلك أيضاً الأسلحة الجديدة يصح إعارتها للمجاهدين، ويكون شريكاً له في الأجر، كالدبابات والسيارات والقاذفات والبنادق والرشاشات وما أشبهها، ويكون للمستعير أجر القتال بها، وللمعير أجر في ذلك.
قوله: (وإذا تلفت فإنه يضمنها بمثل مثليٍّ، وقيمة غيره يوم تلف):
فالمثلي هو الذي يوجد له مثل، فيقال: هذا الكأس له أمثاله، فإذا استعاره فانكسر، أعطاه كأساً مثله؛ لأنه موجود فيضمن بمثله، أو استعار كتاباً فاحترق، وتوجد كتب مثله، فإنه يشتري له كتاباً ويعطيه إياه، وهذا القدر وهذا الصحن، لها أمثال فيضمن المثلي بمثله.
وأما غير المثلي: فهو الذي تختلف أجناسه، فمثلاً: الجلود كالقربة والسقاء والمزادة، فهذه تختلف عادة، وقل أن يوجد مثلها، أو أن يجد قربة مساوية لهذه أو مزادة أو ظرفاً مساوياً لهذا الظرف، وكذلك الأشياء التي كانت تصنع باليد كقدور النحاس والأباريق القديمة، فهذه يقل أن يوجد مثلها مساوياً فإنها تضمن بقيمتها، أي: تقوَّم يوم التلف، فيقال: كم تساوي تلك القربة؟ كم يساوي ذلك القدر الذي سلم إلى يد فلان؟ كم يساوي ذلك القميص الذي لا يوجد له نظير في هذه الأزمنة؟ فإذا كان يساوي عشرة يوم التلف، فأعطه العشرة.
قوله: (لا إن تلف باستعمال بمعروف كخمول منشفة)، إذا تلف باستعمال فإنه لا يضمن، فإذا أذن لك أن تلبس الثوب، ثم إن الثوب تخرق من آثار اللبس العادي من غير تعد فلا يضمن.
وكذلك المنشفة، فالمنشفة التي تنشف بها الأيدي بعد الغسل أو بعد الوضوء، فإذا ذهب خملها من آثار المسح فلا تضمن. والخمل: أهدابها التي فيها، فإذا ذهبت الخمل، فإنها لا تضمن؛ لأنه استعمال مأذون فيه، وقد أذن لك أن تتمسح بها مدة شهر أو نحوه، وكذلك لو اسود القدر من الطبخ فيه، فلا يضمن، وهكذا لو تثلم وجه المسحاة من آثار الحفر، أو تشقق الزنبيل من آثار الحمل فيه.
فالحاصل: أنه إذا تلف باستعمال بمعروف فلا ضمان، وأما إذا استعملها استعمالاً غير معروف فإنه يضمن.
كيف يكون الاستعمال غير معروف؟
إذا استعملها استعمالاً زائداً عما هي عليه، لو أنه أخذ يضرب بالفأس حجارة -مثلاً- ويكسرها به فتثلمت الفأس وتكسرت، أو أخذالمسحاة يحفر بها أرضاً حجرية وكان من آثار ذلك أن تكسر وجهها، فإنه يضمن والحال هذه؛ لأن هذا ليس هو المعروف، والمعروف: أنه يقطع بالفأس الخشب، ويحفر بالمسحاة ونحوها الأرض السهلة.
وكذلك المنجل الذي يسمى المحش، يقطع به الحشيش فإذا قطع به الحجارة فتثلم فإنه يعتبر قد تعدى فيضمن.
يقول: (ولا إن كانت وقفاً ككتب علم) أي: فهذه لا تضمن؛ لأنه مأذون في استعمالها، يوجد كتب في المكتبات مكتوب عليها: (وقف) يستعيرها الإنسان ليقرأ فيها، فلو قدر أنها تلفت عنده فإنها لا تضمن؛ وذلك لأنه مأذون في استعمالها فتلفها عنده كتلفها في المكتبة إذا استعملت، لكن لا يجوز أن يستعملها استعمالاً غير مأذون به، كأن يستعملها غير رافق بها، فيلقيها على الأرض أو يرمي بها رمياً سيئاً أو يعرضها للشمس أو للأطفال، ففي هذه الحال يضمن.
قوله: (وعليه مئونة ردها): إذا كانت تحتاج إلى مئونة فإنها على المستعير، فلو احتاج إلى حمّال، كما لو استعار مكيفاً ثقيلاً فرده على المستعير فأجرة الذي يحمله من بيت المعير إلى بيت المستعير، ثم من بيت المستعير إلى بيت المعير، على المستعير، وهي مئونة ردها، وكذا كل شيء له مئونة إذا كان ثقيلاً، كما لو استعار فرشاً ثقيلاً ليفرشه في حفل أو نحوه، أو استعار خياماً ليستظل بها في مناسبة ونحوها، ثم انتهى منها فأجرة الرد على المستعير؛ لأنه أخذها لمنفعته.
قوله: (وإن أركب منقطعاً لله لم يضمن): صورة ذلك: إذا رأيت إنساناً منقطعاً في برية وتصدقت عليه وأركبته بعيراً أو فرساً أو حماراً أو بغلاً أو وثقت به وأركبته في سيارة، وسلمت مفاتيحها له، ثم إنها خربت أو تلفت الدابة، وهو لم يفرط فإنه لا يضمن؛ وذلك لأنك محسن وتطلب الأجر، فليس لك أن تكدر أجرك وتبطله بتغريمه، فإنك محسن إليه.
وكلمة الاستيلاء أوسع من الأخذ، إذ عرفه بعضهم بأنه: أخذ مال الغير ظلماً، فنقول: قد يكون هناك غصب من غير أخذ كما لو أخرجه من بيته ظلماً واستولى على بيته أو على مزرعته أو على أرضه، من غير أن يقبضها، فإن هذا يسمى غصباً، وهكذا إذا طرده من ماشيته -إبله أو خيله أو بقره- فإنه يكون قد استولى عليها فيعتبر مغتصباً، ويصح الغصب لكل شيء يمكن ملكه.
قال الله تعالى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف:79]، أي: يغتصبها من أهلها فيتسلمها ويطرد أهلها، وهذا يدل على أن الغصب هو الأخذ أو الاستيلاء على مال الغير أو حق الغير.
والخمر محرمة، وهي في أيدي اليهود محترمة، فلا يجوز أن تدخل بيوتهم وتشقق الظروف التي فيها الخمر.
واحترامها معناه: إقرارهم عليها، فإن من دينهم شرب الخمر، فيقرون إلا أنهم لا يظهرون بيعها في بلاد الإسلام، ولا يظهرون شربها ولا يخرجون وهم سكارى، ولكن نعرف أنهم يصنعونها في بيوتهم ويجتمعون فيشربونها، فلو دخل إنسان واغتصب زق خمر، ثم ذهب به، أمر بأن يرده؛ لأن هذا من الاعتداء على المعاهدين، والمعاهدون لهم احترام، وقد ورد في ذلك الوعيد: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، المعاهدون وأهل الذمة لهم ذمة، ولهم عهد، فيرد الكلب، ويرد الخمر المحترمة، أما غير المحترمة فلا يردها.
وغير المحترمة: هي التي أظهرها صاحبها في الأسواق، فإنهم إذا أظهروها فلا حرمة لها، بل تتلف.
قوله: (لا جلد ميتة) قد عرف الخلاف في جلد الميتة هل يطهر بالدباغ أم لا، والراجح عندنا أنه يطهر، وإذا طهر فإنه يستعمل في اليابسات وفي الرطب وفي المائعات، وإذا كان كذلك؛ فالصحيح أنه مملوك، وأن الانتفاع به مباح، وأنه عين مالية تباع وتستبدل، فعلى هذا إذا كان مدبوغاً فإنه يرده، وكذلك إذا كان يصلح أن يدبغ.
قوله: (وإتلاف الثلاثة هدر) أي: الكلب والخمر والجلد، يعني: لا ضمان في إتلافها.
وقد عرفنا أن الراجح في الجلد أنه مضمون، أما إذا مات الكلب أو اهراق الخمر، فلا ضمان؛ لأنه لا قيمة لها.
أما إذا كان صغيراً فإنه يضمن ثيابه وحليه، إذا اغتصب طفلاًثم بليت ثيابه، فعليه ضمان ثيابه، وإن اغتصب جارية عليها حلي وأمسكها عنده -وهي حرة- وضاع حليها الذي عليها؛ فإنه يضمن ذلك الحلي.
أما إذا كان قناً مملوكاً فإنه يضمنه، فإن مات القن عنده ضمنه بقيمته، وإن حبسه فعليه أجرته، وإن استعمله كرهاً فعليه أجرته؛ وذلك لأن القن متقوم، كما لو غصب شاة فماتت فإنه يضمنها لأنها متقومة، ولو ماتت بمرض، وكذلك بقية الدواب، صغيرة أو كبيرة، فلو غصب دجاجة وماتت في يده ضمنها بقيمتها، أو غصب بعيراً كجمل أو ناقة، ثم ماتت عنده إما بتفريط كأن أهملها أو أجاعها أو حمل عليها، أو ماتت عنده مرضاً، فإنه يضمن الجميع؛ وذلك لأنها متقومة.
ورد فيه حديث: (لا يحل لأحدكم أن يأخذ مال أخيه، ومن أخذ عصا أخيه فليردها)، إن أخذ العصا بغير حق فإنه يردها.
فإن زاد فإنه يرده بزيادته متصلة أو منفصلة، والزيادة المتصلة كما إذا غصب شاة هزيلة وسمنت عنده، فإنه يردها ولو كانت تساوي مثل الثمن الأول مرتين.
وكذلك إذا غصب بستاناً ليس فيه حمل، ثم حمل الشجر فإنه يرده بحمله الموجود.
وكذلك لو غصب شاةً أو بقرة فحملت عنده فإنه يردها بحملها؛ لأنه عين مال المغصوب منه، فيرده ولو غرم عليه أضعافه.
ولو قال مثلاً: أنا أنفقت على هذه البقرة، أنا استجلبت لها فحلاً حتى طرقها، أنا حفظتها مدة ورعيتها وأعطيت الراعي أجرته، فيقال: أنت ظالم: (ليس لعرق ظالم حق)، فعليك ردها بزيادتها ولا تستحق شيئاً.
وكذلك لو غيّرها عما كانت عليه، كما لو غصب قطناً فنسجه ثوباً؛ فإنه يرده منسوجاً، وقد يقال: إنه يستحق أجرة النسيج.
وكذلك لو غصب خشباً ونجره أبواباً فإن عليه رده؛ وذلك لأنه عين مال المغصوب منه، أو غصب بيضاً فأصبح فراخاً فإنه يردها، ولو قال: أنا ما غصبت إلا بيضاً فأرد بدله، فيقال: هذا عين مال المغصوب؛ ويلزمك أن ترده، ولو أنفقت عليه ما أنفقت.
وإذا غصب تبراً -يعني: ذهباً في ترابه- ثم صفّاه فأصبح صافياً مسبوكاً فإنه يرده، ولا أجرة له، وكذلك لو صاغه حلياً فإنه يرده، ولا حق له في أجرة؛ لأنه تصرف في ملك غيره.
وإذا غصب قطعة قماش، خاطها ثياباً فإنه يردها، ولو غرم عليها أضعاف ثمنها، وما ذاك إلا أنه تصرف في شيء لا يملكه، وليس له حق في هذا التصرف، بل هو تصرف فضولي فلا يستحق عليه شيئاً.
وهكذا لو باعها يلزمه استرجاعها، وإذا باع الشاة المغصوبة أو السيارة المغصوبة فالبيع باطل؛ لأنه تصرف في ملك الغير.
وهكذا لو جعلها صداقاً لامرأة تزوجها، فإنه يردها، ويعطي المرأة صداقاً بدل هذه الأشياء التي أصدقها.
وهكذا لو وهبها لإنسان لزم استرجاعها؛ فلو مات الغاصب فعلى الورثة أن يردوا الأعيان التي يعرفون أنها غصب إلى مالكها إذا كان معروفاً؛ وذلك لأنها ملك ذلك الرجل المعروف عندهم، فلا يحل لهم أن يستمتعوا بها وهم يعرفون أنها ظلم.
فلو هزلت الشاة أو العبد فإن عليه ضمان ذلك النقص، فلو كانت قيمتها لما اغتصبها ثلاثمائة والآن صارت قيمتها مائة بسبب الهزال، فإنه يضمن النقص، أو كبرت الشاة حيث كانت مسنةً فبقيت عنده حتى كبرت ونقص ثمنها، فإنه يضمن نقصها، وتقدر قيمتها يوم أخذها ويوم ردها ويضمن الفرق بينهما.
أما إذا كان النقص بسبب تغير السعر فلا ضمان، فلو اغتصب سيارة في وقت ارتفاع السعر، وكانت قيمتها عندما اغتصبها ثمانين ألفاً، ثم إنها بقيت عنده ولم يستعملها وردها، ولما ردها كانت لا تساوي إلا ستين ألفاً، فعليه ضمان نقصها إذا كان النقص بسبب قدم ما يسمى بالموديل، أما إذا كان بسبب رخص الأسعار فلا يضمن، مثاله: اغتصب أرضاً وقيمتها ذلك الوقت مائة ألف وبعد سنة أو نصف سنة رخصت الأراضي فصارت لا تساوي إلا خمسين ألفاً.
فالحاصل: أنه لا يضمن النقص إذا كان بسبب تغير السعر، وإذا زاد السعر ردها بزيادة السعر، فلو غصبها وقيمتها عشرون ألفاً ولما ردها ارتفع السعر وكانت تساوي أربعين ألفاً فإنه يردها ولا يطالب بشيء.
وإذا كانت فيها منفعة أضاعها، فإن صاحبها يطالب بمنفعتها تلك المدة، فإذا قال: عطلت علي داري مدة شهر أو مدة سنة وتركتها مقفلة وكنت سأستغلها وأسكنها أو أؤجرها، فعليه أجرتها تلك المدة التي أضاعها على صاحبها.
يقول: (وإن بنى أو غرس لزمه قلعٌ وأرش نقصٍ، وتسوية أرضٍ والأجرة): أي: لزمه أربعة أشياء، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق)، وهذا عرق ظالم غصب الأرض، ولما غصبها بنى فيها بنايات، وغرس فيها أشجاراً بغير حق، ولما استرجعها صاحبها طالبه، فيقال له: عليك أن تقلع هذه المباني التي بنيتها بغير إذن، ولو كان بناؤها مائة ألف، والهدم قد يكلفه مائة ألف أخرى فيلزمه هدم البناء وقلع الأشجار التي غرسها في هذه الأرض.
ويلزمه أيضاً أرش نقصها، يقال: لما اغتصبها كانت أرضاً مستوية وكان فيها طعمها، وكان فيها طينها، ولكنه نقصها لما أنه غرس فيها، فهذا الغراس امتص طعم الطين الذي فيها، وامتص طعم الأسمدة التي فيها، ونقصت قيمتها، فإذا كانت قيمتها قبل أن تغصب مائة ألف والآن قيمتها خمسون ألفاً، فعليك نصف القيمة.
وأيضاً: تسويتها، فعندما يقلع الأشجار وتكون فيها حفر، فيمسحها حتى يسويها كما كانت.
وعليه أيضاً أجرتها، إذا بقيت عنده سنة أو عشر سنين فإنه يطالبه بأجرتها تلك المدة.
إذاً: يلزمه أربعة أشياء: القلع، وأرش النقص، وتسوية الأرض، والأجرة.
فلو قال صاحبها: أنا أقنع بهذا الشجر الذي غرسته فيها، وأرى أن قلعه إفساد، وأنه كلفة وأن بقاءه فيه مصلحة؛ لأنه قد أثمر أو قارب أن يثمر، واتفقا على إبقائه، ولما أبقاه طالب الغاصب وقال: أعطني مقابل تعبي فأنا قد اشتريت هذه الجذوع، ثم اشتريت المضخة وحفرت لها في هذا المكان وجلبت الغراسين فغرست، وهكذا أيضاً عملت عليها إلى أن قربت من الثمر؛ فلهما أن يتفقا على إبقاء هذه الشجر، وهذه المباني التي بناها فيها ويقدر له قيمته، ولكن يطالبه بأجرتها عن السنة التي مضت.
يعني: لو أنه اغتصب ألف ريال، ثم اتجر بها سنتين أو ثلاث سنين فزادت هذه الألف وأصبحت عشرين ألفاً، فإن الربح كله مع رأس المال للمغصوب منه؛ لأنه ربح ماله، والغاصب تصرف فيه تصرف فضولي فلا يستحق شيئاً.
وكذلك إذا اغتصب رصاصاً وبندقية، ثم صاد بها صيداً فإن الصيد أيضاً لصاحب البندق؛ وذلك لأنه حصل بعين ماله، والغاصب معتدٍ.
أما لو غصب فأساً، ثم قطع بها حطباً، أو غصب منجلاً وحصد به حشيشاً أو زرعاً، فالصحيح في هذه الحال أن الحشيش للغاصب، وكذلك الحطب، ولكن عليه أجرة الفأس، وعليه أجرة المنجل، كما إذا غصب سكيناً وذبح بها شاة فالشاة للغاصب؛ لأنها من غنمه، وعليه أجرة تلك السكين التي ذبح بها.
فالحاصل: أنه إذا كان من نماء عين المغصوب فإنه له، وأما إذا لم يكن عين ماله، وإنما هو شيء حصل به، فإنه للغاصب؛ وذلك لأن الحشيش من المباح، والغاصب -مثلاً- خرج إلى البر وقطع هذا الحشيش -الذي هو من المباح- وجمعه وحمله على بعيره أو على سيارته، فهو ملكه، وإن كان ذلك المنجل ملك غيره، إنما نقول: عليه أجرته.
وإذا استأجره إنسان ليحصد معه زرعاً والمنجل الذي معه ليس له بل مغصوب، فالأجرة على صاحب الزرع، فيقول: لك في كل يوم خمسون ريالاً، وأجرة المنجل في اليوم خمسة أو أربعة؛ لأن المحش قيمته رخيصة، فالصحيح أنه يكون ملكاً للغاصب عليه أجرة المنجل ونحوها.
ومثال الذي لا يتميز: لو غصب حنطة، ثم طحنها وخلطها بدقيق غيرها فهذا لا يتميز، وكذلك لو غصب الحنطة أو الأرز، وصبه في أحواض مملوءة من الحنطة أو من الأرز، وغصب دقيقاً فخلطه بدقيق غيره، أو غصب دقيق حنطة وخلطه بدقيق شعير فأصبح لا يتميز؛ فهما شريكان، يقول: دقيقك أو حنطتك في هذا الكيس الذي فيه غيره: كم الذي لك يا هذا؟ وكم الذي لك يا هذا؟ فإذا قال هذا: لي خمسة، وهذا خمسة عشر، فهو بينهما أثلاثاً بقدر ملكيهما، ولو صبغ الثوب أو اغتصب قطناً وصبغه، فهما شريكان، هذا منه الصبغ وهذا منه القطن، ومعلوم أيضاً أنه لا يمكن إزالة الصبغ؛ لأنه ينصبغ به، فيكونان شريكين، هذا بقدر ثمن الثوب وهذا بقدر ثمن الصبغ.
وكذلك لو نسجه، فهذا عليه أجرة النسيج، لكن في هذه الحال يقولون: إنه تصرف في ملك غيره، فيرده كما كان، وقد ذكروا أنه إذا نجر الخشبة أو صار الحب زرعاً، أنه يرده وأرش نقصه، أو غصب نوىً وأصبح شجراً أو ما أشبه ذلك, فيرد بدله إذا لم يمكن رده.
قوله: (وإن نقصت القيمة ضمن) مثاله: إذا كان قطناً نظيفاً قيمته غالية، ولما صبغه نقصت القيمة، فعليه رده وعليه ضمان النقص، وكذا لو غصب دهناً وخلطه بزيت ونقصت قيمته وأصبح لا يتميز، ففي هذه الحال أيضاً يرده، ويرد النقص، أو يكونان شريكين بقدر ملكيهما.
صورة ذلك: إذا اشتريت أرضاً ودفعت الثمن، ثم غرست فيها غرساً، أو بنيت فيها بناءً، ثم جاء صاحبها، وقال: الأرض مغصوبة مني، والذي غصبها هو الذي باعك، فلا حق لك ولا حق له، فانتزعها، ولما انتزعها كلفك أن تقلع غرسك، وكلفك أن تهدم بناءك؛ وذلك لأنه ثبت ملكه للأرض واستحقها؛ ففي هذه الحال يرجع صاحب الغرس أو البناء على من باعه بما غرمه، أي: بما تكلف به، فيقول للبائع: أنت كلفتني، وأنت خدعتني، وما علمت أنك مغتصب أو منتهب، فالأرض قد أخذت مني، وقد هدم بنائي، وقلع غرسي فعلى الغاصب الذي باعه أن يغرم تكلفته، ولو كانت مئات الألوف؛ لأنه غره.
صورة ذلك: إذا غصب كيساً من بر أو نحوه، ولما غصبه أعطاك ذلك الكيس وأنت تعلم أنه مغصوب، وأنه ملك فلان أخذ بغير رضاه، فالضمان على الآكل الغاصب، وعليه الإثم، لكن المغصوب منه يطالب الغاصب؛ لأنه هو الذي اعتدى وأخذ الكيس، ثم إن الغاصب يرجع على الآكل، ويمكن أن المغصوب منه يطالب الآكل.
وإذا وجدت العين عند الآكل انتزعها المالك منه سواء كان أخذها بهبة أو بيع.. أو ما أشبه ذلك.
مثلاً: الغاصب غصب شاة وأهداها لزيد أو باعها على زيد، وزيد يعلم أنها مغصوبة، فجاء صاحبها ينتزعها من زيد، فإن ذبحها زيد فعليه قيمتها، وإن ولدت عند زيد، فولدها ملك لصاحبها، ويردها هي وولدها، فإن كان قد بذل فيها ثمناً رجع بالثمن على الغاصب؛ ولا شك أنه إذا علم بأنها مغصوبة حرم عليه أن يقبلها، إذ كيف يقبلها وهي ملك فلان، فلا يجوز له أن يقبلها لا بيعاً ولا هبةً ولا صداقاً ولا خلعاً ولا عطيةً ولا إرثاً، بل هي ملك فلان الذي لم تطب نفسه، وأخذت منه غصباً.
يضمن إذا كان مثلياً بمثله، وإذا كان غير مثلي بقيمته.
المثلي: هو المكيل والموزون وما أشبه ذلك من المقدرات، فإذا غصب سمناً ثم طالب به صاحبه، فيرد عليه سمناً ولو كان قد أتلفه واستهلكه، وإذا غصب براً أو أرزاً فإنه يشتري له بدله، إذا كان قد أكله.
وكذلك إذا غصب قماشاً يرد عليه مثله؛ لأنه موجود، ولو غصب زيتاً أو عسلاً رد عليه مثله؛ لأنه موجود.
أما غير المثلي فيرد الضامن قيمته يوم أتلفه أو يوم طالب به صاحبه.
وغير المثلي هو المصنوعات التي تدخلها اليد الصناعية كالسكاكين والخناجر والقدور والقرب والأسقية والأحذية، فقد كانت قديماً تصنع باليد، وتتفاوت، فتكون هذه القربة أكبر من هذه -مثلاً- وهذا الجلد أحسن من هذا، وهذا الحذاء أفضل من هذا، ولا تتساوى عادة، فلذلك تضمن بقيمتها.
وكذلك أيضاً بهيمة الأنعام، فإذا غصب شاة فالغنم أيضاً تتفاوت ويصعب أن يوجد لها مماثل سواء في سمنها وفي كبرها وفي لونها وسنها، فلذلك كان عليه قيمتها.
وعرفنا أن الغالب في هذه الأزمنة أن المصنوعات تتقارب، فالأحذية تتقارب، وكذلك الثياب التي تخاط بالماكنة تتقارب، والكتب التي تطبع طبعة واحدة متقاربة، والقدور والصحون والأباريق والأقلام والسكاكين والملاعق الغالب أنه لا تفاوت بينها، حيث إنها تصنع بماكنة فلا يقع تفاوت بينها، فيضمن القدر بمثله من أي نوع، ويضمن السكين بمثلها، ويضمن البساط بمثله والثوب بمثله، والخيمة بمثلها، لتقاربها وعدم التفاوت بينها.
وذلك لأنه حرام إمساكه، فإذا حرم عليه إمساكه، حرم عليه التصرف فيه.
قال: (ولا يصح العقد): فلو غصب ثوباً وباعه فالبيع باطل، ولو غصب أرضاً وسبلها بطل الوقف، ولو غصب جارية وزوجها بطل الزواج، ولو غصب أمتعة أو أطعمة وأكياساً ونحوها وتصدق بها؛ بطلت الصدقة ولصاحبها أن يستردها إذا كانت موجودة.
فتصرف الغاصب بالبيع، وبالهبة وبالوقف، وبالعتق -لو غصب وأعتق- وبالصداق -لو غصب شيئاً وجعله صداقاً لامرأة تزوجها- ونحوها؛ باطل فلا يصح العقد.
والإمام أحمد رحمه الله يرى أنه لا يصح الحج بمال مغصوب، أو بمال حرام، وأن عليه أن يحج حجة أخرى، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
إذا حججت بمال أصله سُحتٌ فما حججتَ ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل من حج بيتَ الله مبرورُ
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه يأثم، ولكن الحج صحيح، بحيث لا يؤمر أن يعيده؛ لأنه أدى الحج ومناسكه ببدنه، وإنما المال وسيلة، ولعل هذا هو الأقرب، وأنه يصح الحج ويسقط الفرض، ولكنه يأثم.
ومثله: إذا غصب ماءً فتوضأ به، أو اغتسل به من جنابة: فهل يرتفع الحدث؟
الإمام أحمد يرى أنه لا يرتفع؛ وذلك لأنه معصية، فكيف يجمع بين طاعة ومعصية؟!
والصحيح هو القول الثاني في المذهب، وهو أنه يصح، وهو قول أكثر العلماء وأن الحدث يرتفع، ولكن يأثم بالغصب؛ لأنه يأثم بالغصب حتى لو أراقه، فلو أراق الماء الذي غصبه أثم، وكذلك لو شربه أو باعه أثم، فالعبادة لا تعلق لها بذلك.
الرواية المشهورة لـلإمام أحمد أنها لا تصح صلاته، والقول الآخر: أنها تصح، بحيث إذا تاب لا يؤمر بالإعادة؛ وذلك لأنه أدى الصلاة كما أمر، فلا حاجة إلى أن يعيدها ، ونقول له: جلوسك في هذه الدار إثم، واستمتاعك بها واستعمالك لها إثم، وعليك ذنب الغصب، وعليك ذنب الاستعمال لها، وسواء أغلقتها أو سكنتها أو أجرتها أو أسكنت فيها فقراء -مثلاً- صدقة منك فلا يقبل الله تعالى صدقتك، حيث إنك تصرفت في مال إنسان معصوم بغير حق.
فعلى هذا لا يؤمر بإعادة الصلوات التي صلها في هذه الدار المغصوبة، ولكنه يأثم.
فالقول قول الغصاب في عينه: أي: هل هو ذكر أو أنثى، وفي قدره، أي: ثوب أو ثوبان، وفي صفته، أي: جديد أو مستعمل.
وأما في رده والعيب فيه، فالقول قول صاحبه، فإذا قال: رددت عليك الكيس الذي غصبتك والثوب الذي أخذته منك بغير حق، فقال: لم ترده، فيحلفه صاحبه أنه ما رده وله ثمنه أو وله بدله؛ وذلك لأن الأصل عدم الرد، وقد اعترف بالغصب وادعى الرد، فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإذا لم تكن بينة حلف صاحبه، وكذلك إذا ادعى الغاصب أنه معيب: فقال: إن الثوب مخرق، والقدح متصدع، والشاة عوراء، وأنكر صاحبها، وقال: بل هي سليمة ليس فيها شيء من هذه العيوب، فالقول قول ربها، فيحلف على سلامتها ويقبل قوله.
يحدث كثيراً أن الإنسان يكون عنده دين وينسى صاحبه، فيقول: أنا استدنت من صاحب دكان بعشرة، ولكن نسيته، ولا أدري أين هو ولا أدري من هو، فنقول: تصدق به واجعل أجره لصاحبه؛ فإن وجدته بعد ذلك فخيره بين الأجر وبين الضمان، وأخبره بأنك تصدقت بها، فإن اختار أجرها فله أجرها، وإن قال: اضمنها؛ فتضمنها والأجر يكون لك، وهذا معنى أنه يتصدق به بنية الضمان، أي: يضمنه إذا جاء صاحبه.
وهكذا الودائع: إذا أودع عندك إنسان ثوباً أو كيساً أو تمراً أو كتاباً أو خيمة أو بساطاً، ولم يأتِ ولا تدري ما اسمه، أو تعرف اسمه ولكن لا تدري أين هو، وطالت المدة حتى أيست من أن يرجع إليك؛ فتصدق به واجعل أجره لصاحبه، وإذا قدر أنه أتاك -ولو بعد عشر سنين أو عشرين سنة- فإنك تخيره، بين أجر تلك الصدقة، وبين غرامتها -غرامة العين- ويكون الأجر لك.
من أتلف محترماً فعليه الضمان، ولو كان الإتلاف سهواً أو خطأً، فإذا صدم شاة فإنه يضمنها؛ لأنها محترمة، أو اصطدم في جدار فهدمه؛ فعليه الضمان، أو صدم شجرة فقلعها فعليه ضمانها.
وهكذا لو شق ظرفاً خطأً بأن رمى بسكين فأصابت قربة أو ظرفاً فيه سمن فإنه يضمن ما تلف فيه، وكذلك بقية الأموال إذا أتلفها بإحراق أو بإغراق.. أو ما أشبه ذلك، فلو أنه طرد شاةً فسقطت في بئر فماتت ضمنها.
ويحدث كثيراً أن يجد الراعي شاة ضالة فيأتي بها مع غنم صاحبه، فإذا وجدها صاحب الغنم فإن عليه إمساكها إلى أن يأتي ربها، ولا يجوز له طردها، فلو طردها فافترست ضمنها، بل يحفظها إلى أن يجيء صاحبها، وتكون كاللقطة؛ لأن في الحديث: (خذها؛ فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)، وكذلك بقية ما كان ضالاً.
فيخرج ما ليس بمحترم فإذا أتلف صوراً خليعة فلا يضمن لأنها غير محترمة، أو أتلف آلات لهو كطبول أو عود لهو أو شطرنج أو أشرطة غناء أو أفلام خليعة، إذا أتلفها فلا قيمة لها ولا ضمان عليه؛ لأنها غير محترمة، ولو أن صاحبها يبذل بها مالاً. يعني: نقول: إن المال الذي يأخذه أهلها حرام، كالذين يسجلون أشرطة فيها صور خليعة كصور نساء متبرجات، فإنه يجب إتلافها، وكذلك الصور في المجلات التي تعرض فيها الصور الخليعة، لا شك أن إتلافها يعتبر امتثالاً فلا قيمة لها ولا حرمة لها ولا تضمن.
وكذلك أيضاً: الأعواد والرباب والطنبور والطبول وغيرها من آلات الغناء؛ فهذه غير محترمة فلا قيمة لها، ومن أتلفها فلا ضمان عليه.
وذلك لأن الطريق ليس ملكه، فإذا ربطها بطريق ضيق ضمن ما أتلفته مطلقاً.
وكذلك السيارات: لو أوقفها بطريق ضيق فعثر بها إنسان فتكسر أو شج وجهه، فإن صاحبها يضمن، وهكذا لو أوقفها في زاوية خفية فجاء سائق سيارة أخرى على غفلة فاصطدم بها فمات أو تحطمت سيارته، فإن صاحب السيارة الذي أوقفها يضمن أيضاً.
وذكر أن إنساناً أوقف سيارته في ظل، ثم إن طفلاً سقط من السطح على سطح تلك السيارة فمات، فضُمنه صاحب السيارة، ولعل هناك قرائن أيضاً سببت ضمانهُ.
وكذلك لو حفر بئراً أو حفرة في طريق ضيق وعثر بها إنسان فمات أو تكسر ضمن صاحب الحفرة؛ لأنه أخطأ بالحفر في هذا الطريق، أو أبقى فيه حجارة كالحجارة التي يبنى بها فسدت الطريق أو أكثره، فعثر بها إنسان فإنه يضمن.
وذكر الدابة كمثال -فقال: (إذا ربط دابة في طريق ضيق) وإلا فإنه يدخل ما يلحق بها.
وتكلموا أيضاً على ما تفسده الدابة من الحرث، وقد ورد في تفسير قول الله تعالى: إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [الأنبياء:78].
أن النفش هو الأكل منه ليلاً، فقالوا: إذا دخلت الدواب ليلاً كغنم أو بقر أو إبل أو حمر أو خيل في حرث، وأكلت منه، أو أفسدت الزرع -مثلاً- أو أفسدت البطيخ، فإن أهلها يضمنون؛ وذلك لأن عليهم حفظها بالليل؛ لأن عادة أهل الدواب أن يمسكوها ويحفظوها ليلاً، ولا يتركوها تعيث، فإذا لم يمسكوها ضمنوا ما أتلفته ليلاً، وأما في النهار فالعادة أن أصحاب الدواب يطلقون سراحها لترعى في النهار، إبلاً وخيلاً وغنماً، وأن أهل الحرث يحفظونه في النهار فيكونون حوله، فإذا غفلوا نهاراً عنه فلا ضمان؛ لأنهم تساهلوا بحراسة حرثهم.
ثم يقول: (وإن كانت بيد راكب أو قائد أو سائق ضمن جناية مقدمها ووطئها برجلها) وذلك لأن العادة أنه يتصرف في مقدمها، فإذا عضت إنساناً أو وطئته بخفها بمقدمها أو مؤخرها ضمن؛ لأنه يملك قيادتها، فإنه إذا كان يسوقها فإنه يصرفها هنا أو هنا، كذلك إن كان فيها خطام يقودها بالخطام، وكذلك إذا كان راكباً عليها، فالعادة أنه يحمل عصا وأنه يوجهها بالعصا من هنا ومن هنا.
فإذا كانت بيد راكب أو قائد يقودها بخطامها أو سائق خلفها يسوقها ضمن جناية مقدمها إذا عضت أحداً أو وطئته أو رفسته بيدها، ولا يضمن مؤخرها، فإذا نفحت بذنبها إنساناً فأصابت عينيه -مثلاً- أو وجهه، فلا غرم على صاحبها؛ لأنه لا يتصرف في مؤخرها، وكذا لو رمحته برجلها فلا ضمان على صاحبها.
الجواب: هذا قد يدخل في القمار إذا كان كثيراً، وقد يتساهل فيه إذا كان يسيراً كطعام أو نحوه، ولكن تركه أولى إذا لم يترتب على ذلك مصلحة، أما إذا كان فيه مصلحة كمسابقات علمية عليها جوائز تشجع المتسابقين على البحث ونحوه فهذا جائز.
الجواب: نعم. ينبغي على الباعة إذا سمعوا الأذان أن يغلقوا متاجرهم، حتى بائع السواك ونحوه؛ فيبيعه بعد الصلاة أو قبل الأذان، أما إذا سمع المؤذن، فإنه يطوي متاعه ويذهب إلى المسجد، ومع ذلك إذا لم تقم الصلاة ولم يتضايق الوقت، فالبيع صحيح إذا حصل.
الجواب: نعم، هذا هو الصحيح؛ لأن الأم أحد الأبوين؛ ولأن الله تعالى عندما يذكر الأبوين يخص الأم بالذكر، كقوله: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14]، وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف:15]، فهو يدل على عظم حقها.
الجواب: ذكرنا أنه إذا وجد إنساناً منقطعاً في الطريق -ابن سبيل- ولم يستطع أن يصل إلى بلده، فأركبه حماراً -مثلاً- أو فرساً أو بعيراً، ثم إن ذلك المركوب تلف تحته -انكسر مثلاً- أو مات فلا ضمان على ذلك الراكب؛ لأنه أركبه لله.
الجواب: إذا كان متسبباً، وكانت عليه نسبة من الخطأ. يعني: أنه ارتكب خطأً لسرعته -مثلاً- أو استعمل السيارة وليست سليمة، بل فيها عيوب، مما سبب الحادث، فعليه نسبة من الخطأ؛ فإنه يضمن من تلف معه، ولو كان أركبهم لله.
الجواب: معلوم أن الغصب أخذ بقوة وعلانية، وجرأة وقدرة، يقهر بها المغصوب فيغلبه، أما السارق فإنه يأخذ على حين غفلة، فيكسر الأبواب في وقت الغفلة أو النوم، ويتسلق الحيطان، ثم يدخل ويأخذ الأمتعة على حين غفلة من أهلها وعلى غرة. فهذا هو السارق.
الجواب: إذا كان أخذها من زريبته وساقها، فإنه يطالبه بمصارفيه التي أنفق لطلبها، وكذلك منفعتها إذا حلبها في هذه المدة، وذلك أن السارق أو الغاصب يُطَالب بقيمة ما أخذ منها.
الجواب: لا يدخل إذا كان ذلك المعير محتاجاً إلى هذه الكتب أو هذه الأشرطة، وكان المستعير معروفاً بالتساهل وتأخير الرد، فيفوت على المعير مصلحة، بحيث إنه إذا احتاج إلى كتابه أو إلى ذلك الشريط لم يجده، فله أن يمنعه، فيقول: أنت لا تصلح أن تعار؛ لأننا بحاجة إلى كتبنا، وأنت تطيل بقاءها عندك، وبقي عندك ذلك الكتاب شهراً أو أشهراً وفوَّتَّ علينا الفوائد، وهو محق والحال هذه؛ وذلك لأن المستعير عليه أن يردها في الوقت الذي طُلب منه، إذا حدد له يوماً فلا يزيد عليه، فأما أن يهملها ويقول: ليسوا بحاجة فإن هذا خطأ.
الجواب: إذا كانت ملكاً لذلك المالك الذي قد ملكها أو إقطاعاً -يعني: أُقطعها من الحكومة- فله أن يتصرف هو والأجير على ما يريدون، إذا قال: لك نصفها بشرط كذا وكذا -كما ذكر في السؤال- فالمؤمنون عند شروطهم.
الجواب: ينبغي ألا يتوسع في هذا؛ لأن هذه الأجهزة حكومية اشتريت لمصلحة الإدارة التي هو فيها؛ فلا تستعمل إلا فيما هو من خصائص الأعمال، وأما الحاجات الخصوصية؛ فلا ينبغي أن يتوسع في ذلك، لكن إذا كان ذلك نادراً في حياته كما إذا احتاج إلى تصوير حفيظته أو شهادة له، فلعل ذلك يتسامح فيه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر