إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [72]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، والنفقة تشمل الطعام والشراب والكسوة والسكن، وهي تختلف باختلاف حال الزوج، فيجب على الموسر ما لا يجب على المعسر، وكذلك باختلاف حال الزوجة فيجب للموسرة ما لا يجب للمعسرة. ومن أحكام النفقات: ثبوتها في الذمة وسقوطها، وجواز الفسخ عند تقصير الزوج وإعساره من عدمه، وقد بين الفقهاء كل هذه الأحكام.

    1.   

    نفقة الزوجة

    وعلى زوجٍ نفقة زوجته من مأكولٍ ومشروبٍ وكسوةٍ وسكنى بالمعروف، فيفرض لموسرةٍ مع ‏موسرٍ عند تنازعٍ من أرفع خبز البلد وأدمه عادة الموسرين، وما يلبس مثلها وينام عليه. ‏

    ولفقيرةٍ مع فقيرٍ كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه وما يلبس مثلها وينام ويجلس عليه. ولمتوسطةٍ ‏مع متوسطٍ، وموسرةٍ مع فقيرٍ وعكسها ما بين ذلك، لا القيمة إلا برضاهما، وعليه مؤنة نظافتها لا دواء وأجرة طبيبٍ، وثمن طيبٍ. ‏

    وتجب لرجعيةٍ وبائنٍ حاملٍ، لا متوفى عنها. ‏

    ومن حبست أو نشزت أو صامت نفلًا، أو لكفارةٍ، أو قضاء رمضان ووقته متسعٌ، أو ‏حجت نفلًا بلا إذنه أو سافرت لحاجتها بإذنه، سقطت.

    ولها الكسوة كل عامٍ مرةً في أوله.

    ومتى لم ينفق تبق في ذمته.

    وإن أنفقت من ماله في غيبته فبان ميتًا رجع عليها وارثٌ. ‏

    ومن تسلم من يلزمه تسلمها، أو بذلته هي أو وليها، وجبت نفقتها ولو مع صغره ومرضه وعنته ‏وجبه. ‏

    ولها منع نفسها قبل دخولٍ لقبض مهرٍ حال ولها النفقة. ‏

    وإن أعسر بنفقة معسرٍ أو بعضها لا بما في ذمته، أو غاب وتعذرت باستدانةٍ أو غيرها فلها الفسخ ‏بحاكمٍ، وترجع بما استدانته لها أو لولدها الصغير مطلقًا].‏

    النفقات: هي الإنفاق على الزوجات، والإنفاق على الأقارب، ولكن الأصل الذي يكون فيه الخلاف وهو من الواجبات: نفقة الزوجة، بمعنى إعطائها من النفقة ما يكفيها.

    دليل ذلك قول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] الضمير يرجع إلى الوالدات في قوله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] ثم قال بعد ذلك: وعلى المولود له المولود له هو الزوج، عليه رزقهن، أي: رزق الزوجات حتى ولو لم تكن مرضعة، وأما إذا طلقت فإن عليه أجرة إرضاعها لطفلها؛ لأن الله ذكر في سورة الطلاق أجرتهن، قال تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]، فإذا كانت مطلقة وأرضعت الولد، فعلى الزوج نفقة زوجته من مأكول ومشروب، وكسوة وسكنى بالمعروف؛ لقوله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] المعروف: هو الشيء المعتاد الذي هو متعارف عليه بين الناس، أو الذي هو مناسب لحالة الزوج، أو مناسب لحالة الزوجة.

    ضابط نفقة الموسر والمعسر

    ثم يقول: (فيفرض لموسرةٍ مع ‏موسرٍ عند تنازع من أعلى خبز البلد وأدمه -كعادة الموسرين- وما يلبس مثلها، وينام ويجلس عليه).

    يعني: إذا كان موسراً وعنده ثروة، وهي -أيضاً- من الموسرين، وأهلها نشئوا في ثروة، وهي نشأت في ثروة، فنفقتها في هذه الحال من أرفع ما ينفقه أهل اليسار، ومن أفضل الأطعمة سواء الخبز أو الأرز، وكذا أعلى أنواع الأطعمة وأنفسها؛ وذلك لأنها نشأت على ذلك، وهو أيضاً نشأ على ذلك، فيعطيها ما اعتادته، ولا يضره ذلك، ولا يخل باقتصاده، فعادة الموسرين التوسع في النفقة، وإن كان بعضهم يكون توسعه إسرافاً، وفي هذه الأزمنة الموسرون غالباً يكون أكلهم ثلاث أكلات: أكلة في الصباح في أوله، وأكلة بعد الظهر، وأكلة في الليل، هذه عادتهم، وإن كانت عادة المتوسطين أكلتين صباحاً ومساءً، لكن إذا كان أهل اليسار على هذا فإنه كذلك.

    ثم الأكلات أيضاً تختلف، فأكلات الموسرين تختلف عن أكلات الفقراء، فأهل اليسار يأكلون أفضل الأطعمة من الأرز ومن أعلى أنواعه، ومن أحسن أنواع اللحوم، وكذلك الأُدم والفواكه والخضار وما أشبه ذلك من الأنواع التي يتفكه بها، هذه عادة الموسرين، فيوفر لزوجته ما كانت اعتادته، حسب نفقة الموسرين.

    وكذلك المشروبات، إذا كان هناك مشروبات مباحة فإنه يوفرها، من المياه والعصائر والألبان وما أشبهها.

    وكذلك الكسوة: أعلى أنواع الكسوة وأنفسها كعادة الموسرين.

    وكذلك فرش الدار التي يجلس عليها، أحسن أنواع الفرش.

    وكذلك فراش النوم، أحسن أنواع فرش النوم، وهكذا..

    هذه عادة الموسرات تحت الموسر.

    الفقيرة مع الفقير كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه، وما يلبس مثلها وينام ويجلس عليه، وذلك لأنها نشأت في فقر، وهو نشأ في فقر، فلا يكلف أن ينفق عليها مثل نفقة الموسرين، فيشتري من أرخص أنواع الطعام بقدر الكفاية وبقدر القوت، وبقدر سد الجوع، ولا يتوسع في المأكولات الأخرى، فلا يتوسع في الخضار ولا في الفواكه ولا في اللحوم، وإذا كان عادة فقراء أهل بلده أنهم يأكلون من اللحوم فله أن يطعمها كل أسبوع من أرخص أنواع اللحم كلحم إبل أو نحوه، فإذا شق ذلك عليه اقتصر على ما يسد الجوع، ويقتصر على أكلتين غداء وعشاء.

    كفايتها من أدنى -يعني: أرخص- خبز البلد وأدمه، وإذا كان الفقراء يأتدمون بالزيت ائتدم به، أو بالخل، أو بالشحم المذاب، أو بالسمن المذاب، أو باللحم ولو لحماً يسيراً رخيصاً، فهو أدم من أرخص الأدم.

    واللباس كذلك -أيضاً- يشتري لها من الرخيص، إذا كانت الغنية ثوبها مثلاً يكلف خمسمائة، والفقيرة تجد كسوة بخمسين ريالاً أو أقل أو نحو ذلك، فيعطيها ما يلبس مثلها.

    الفرش يشتري فراشاً متواضعاً ولو خلقاً؛ لأنه لا يقدر على رفيع الثمن.

    كذلك فراش النوم، ولو مستعملاً.

    وهكذا أدوات المنزل من الأدوات المستعملة: كالقدور والصحون والأباريق وما أشبهها، يشتري ولو مستعملاً؛ لأنه لا يقدر على ما هو رفيع.

    ضابط نفقة المتوسط مع المتوسطة والموسرة مع الفقير والعكس

    يقول: (ولمتوسطةٍ ‏مع متوسطٍ، وموسرةٍ مع فقيرٍ وعكسها) أي: فقيرة مع موسر (ما بين ذلك).

    يمكن أن تنحصر الحالات في تسع؛ الأولى: موسرة تحت موسر، الثانية: موسرة تحت متوسط، الثالثة: موسرة تحت فقير، الرابعة: فقيرة تحت موسر، الخامسة: فقيرة تحت متوسط، السادسة: فقيرة تحت فقير، السابعة: متوسطة تحت موسر، الثامنة: متوسطة تحت متوسط، التاسعة: متوسطة تحت فقير. فتكون الحالات ثلاث: الموسرة تحت الموسر من أرفع الأطعمة، والفقيرة تحت الفقير من أدناها، والبقية من الوسط.

    لكن الفقيرة تحت الموسر يندب له أن يكون مثل الموسرين، وأن يتوسع كما يتوسعون؛ وذلك لأنه يجد ويقدر على أن يوسع؛ لأنه ذو مال؛ فيوسع وسعته على أولاده، ولو كانت الزوجة نشأت في بيت فقر وفي فاقة، قد يقول:كيف أوسع عليها؟ أنقلها من عيشة ضيقة إلى عيشة رفيعة؟! نقول: إنك قد ضممتها إليك وأنت ذو مال، ولا ينقصك ولا يضرك أن تتوسع في هذه النفقة، فعليك أن تنفق نفقة الموسرين على زوجتك وعلى نفسك وأولادك.

    وأما الموسرة تحت الفقير، فهي تقول: أريد أن أتوسع، أنا نشأت في سعة، وأهلي عندهم سعة وفضل وأموال، تغذينا على أحسن الأغذية وأرفعها، فكيف أنتقل من حالة السعة إلى حالة الضيق؟

    الجواب: إنك رضيتِ بهذا الزوج الفقير، ونفقته على قدر حالته، فلا يكلف نفقة الأغنياء ولا نفقة المتوسطين؛ لأن ذلك يعجزه؛ والله تعالى يقول: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7] ، ويقول تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236] ، فإذا رضيت المرأة التي نشأت في بيت سعة أن تختار هذا الفقير؛ لكونه ابن عم أو ابن خال، أو -مثلاً- أخو زوج أختها؛ أو بينهما قرابة، ورضيت وقالت: أرضى به ولو كان فقيراً. فهل تكلفه نفقة الأغنياء؟ لا تكلفه؛ لأن النفقة معتبرة بحالة الزوج.

    لكن الفقهاء كأنهم يقولون: إنه يصعب على المرأة الغنية أن تصبر على نفقة الفقراء، فلذلك قالوا: المتوسطة مع المتوسط، والموسرة مع فقير، والفقيرة مع موسر عليهم نفقة المتوسطين.

    وبكل حال فالراجح اعتبار النفقة بحالة الزوج، سواء كان معسراً أو موسراً.

    إذا طلبت المرأة نفقتها نقوداً

    هل يعطيها القيمة؟ إذا قالت: لا تشتر لي طعاماً ولا كسوة، أعطنيها دراهم أو نقوداً. فهل عليه ذلك؟ ليس عليه ذلك إلا بتراضيهما، فإذا تراضيا على دفع القيمة فلا بأس، قد تقول: أنا ينفق علي أهلي، يعطوني دائماً طعاماً، ويعطوني لحوماً ونحو ذلك؛ لأنهم أهل سعة، آخذ منهم الأرز واللحوم وما أشبهها، فلا تشتري شيئاً، ولكن أعطني نفقتي دراهم.

    لا يلزمه ذلك إلا إذا تراضيا على ذلك.

    النفقة والصرفيات التي تجب على الزوج من غير الطعام والشراب والكسوة

    هل عليه شيء غير الطعام والشراب والكسوة؟

    عليه نظافتها؛ لأنها بحاجة إلى أن تتجمل له، فلا بد أن يشتري لها ما تتجمل به له، فتدهن رأسها -مثلاً- أو تمشطه، فلا بد أن يأتي لها بما تدهن به رأسها حتى لا يكون شعثاً، وكذلك -أيضاً- نظافة بدنها، إذا كانت تحتاج إلى المنظفات القديمة أو الموجودة الآن مثل الصابون والشامبو وما أشبه ذلك، هذه لو لم تتنظف لكانت قذرة ونفر منها، فلذلك لا بد أن يأتي لها بالأشياء التي تتنظف بها، فتنظف ثيابها، وبدنها، وشعرها.. وما أشبه ذلك.

    ولها أن تطلب منه الطيب الذي تتجمل به، وطيب النساء: ما ظهر لونه وخفي ريحه، وكذلك ما يحتاجه بيتها كما هو معتاد من أدوات الدار فهي عليه.

    هل عليه علاجها إذا مرضت؟

    علاج الزوجة وطيبها

    ذكروا أنه إذا مرضت فلا يلزمه ثمن الدواء، ولا يلزمه أجرة الطبيب، ولكن الصحيح أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فالناس في هذه الأزمنة العرف عندهم أن الرجل يعالج زوجته، ولا يترك علاجها على أهلها؛ لأنها زوجته تخدمه، وهي فراشه وأم أولاده، وهي المربية لأولاده، فكيف يتركها مريضة تعاني من هذه الأمراض؟

    لا يهنأ ولا ترتاح نفسه بتركها على الفراش، فالعرف على أنه يعالجها، ويدفع أجرة الطبيب، ويشتري الأدوية من ماله.

    وأما ثمن الطيب إذا طلبت طيباً فالصحيح أنه يرجع إلى العرف، وما ذاك إلا أن عرف الناس وعادتهم أنه يشتري لها من الطيب ما يناسبها، وطيب النساء مثل الكركم والعصفر والزعفران والورس التي تصفر به خديها أو ذراعيها وما أشبه ذلك، وكذلك الدهان لرأسها، فهذا العرف على أنه عليه.

    1.   

    نفقة المرأة المطلقة

    المرأة المطلقة هل لها نفقة؟

    إذا كانت رجعية فلها نفقة؛ لأن الرجعية ما زالت زوجاً، إذا طلقها واحدة واحتبست ثلاثة قروء عليه نفقتها، وعليه سكناها؛ لأن الله تعالى يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]، فإذا كانت عنده في بيته فمن أين تأكل؟ ينفق عليها، فإذا انتهت عدتها ولم يراجعها فعند ذلك بانت منه، فله أن يخرجها ويقول: انتهت عدتك، اذهبي إلى أهلك.

    أما قبل أن تنتهي العدة فإنها في عصمته، وعليه نفقتها؛ لأنها في حكم الزوجة، بحيث إنه لو مات ورثت منه، أو ماتت ورث منها.

    نفقة الحامل المطلقة

    كذلك البائن إذا كانت حاملاً، وهي التي طلقها ثلاثاً، لا تحل له إلا بعد زوج، لكن إذا كانت حاملاً، ففي هذه الحال ينفق عليها، قال الله تعالى: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6] فالنفقة عليها للحمل، أما هي فليس لها، فلو أنه ترك النفقة عليها شهراً أو شهرين فهل لها مطالبته، وتقول: إنك تركت النفقة علي شهرين، فأعطني بدلها؟ نقول: ليس لك نفقة، النفقة للحمل، ونفقة الحمل نفقة الأقارب، والأقارب لا تضمن نفقتهم إذا فات الزمان، وأما المرأة فإن نفقتها لا تفوت بفوات الوقت.

    لو أن إنساناً ترك النفقة على زوجته خمسة أشهر وهي في بيته، ثم إنها أنفق عليها أبوها، أو تصدق عليها جيرانها وهي في هذه الحال ثم جاء زوجها، فتطالبه بنفقة خمسة أشهر، وعليه أن يعوضها؛ لأن نفقة الزوجة معاوضة، وأما نفقة الأقارب فإنها إحسان.

    نفقة المتوفى عنها

    المتوفى عنها هل لها نفقة؟

    ليس لها نفقة، ولو كانت حاملاً، فينفق عليها من نصيبها من الإرث، أو ينفق عليها من قسم الحمل الذي في بطنها؛ لأنه يرث.

    1.   

    ما تسقط به نفقة الزوجة

    لما ذكر نفقة الزوجة، وأنها بقدر العسر أو اليسر؛ لقول الله تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236] ذكر متى تسقط نفقة الزوجة على زوجها؟

    وقد عرفنا أن نفقة الزوجة معاوضة؛ لأنها مقابل بذلها لنفسها، فهي لما بذلت نفسها له للاستمتاع استحقت على ذلك النفقة التي هي القوت والغذاء، فإذا فعلت شيئاً من الأسباب يحول بينه وبين الاستمتاع به سقطت نفقتها في تلك المدة.

    إذا حبست المرأة لسبب من الأسباب

    فأولاً: إذا حبست لسبب من الأسباب في السجن، وهو لا يقدر على أن يدخل عليها، ولا على أن يجامعها؛ لأنها في داخل سجن، ففي هذه الحال تسقط نفقتها؛ لعدم تمكنه منها.

    إذا نشزت المرأة

    ثانياً: إذا نشزت، والنشوز هو العصيان، فإذا نشزت ومنعت نفسها، سواء بقيت في بيته ولكن امتنعت من فراشه ومن تمكينه من نفسها، أو خرجت إلى أهلها أو إلى بيت استقلت فيه، فامتناعها حال بينه وبين الاستمتاع بها، والنفقة إنما هي معاوضة لأجل تمكينه من الاستمتاع بها، وهاهنا قد نشزت، ففي هذه الحال لا نفقة لها.

    إذا صامت نفلاً أو نذراً أو كفارة

    ثالثاً: إذا صامت نفلاً، فلا يلزمه نفقتها نهاراً؛ لأنها منعت نفسها في النهار، أما في الليل فإنها إذا أفطرت بذلت له نفسها، فكأنهم يقولون: يعطيها نفقة الليل دون نفقة النهار، هذا إذا صامت بدون إذنه تطوعاً.

    لكن نرى أن هذا مما يتسامح فيه، وأنه شيء يسير، وأنها في النهار لا تحتاج إلى نفقة؛ لأنها قد صامت، فلا تحتاج إلى أكل وغيره، وهي قد بذلت نفسها له طوال الليل، وأعطاها فطوراً وعشاءً وسحوراً، فلا ينبغي أن يحسب صيامها إلا إذا خرجت من منزله، فأما ما دامت في منزله وتطوعت فصامت يوم إثنين أو يوم خميس، أو أيام بيض، أو تطوعاً، فلا حاجة إلى أن يحرمها من النفقة، هي تقول: أنا لا أريد نفقة لأني صائمة، إنما النفقة والأكل في الليل، وهي في الليل قد تحللت من الصيام.

    وكذلك ذكروا أمراً رابعاً: إذا صامت عن كفارة يمين أو نذر نذرته، والتزمت أنها تصوم ذلك النذر الذي كفرته.

    إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع

    خامساً: ألحقوا به إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع، يعني: إذا كان عليها أيام من رمضان ووقته متسع فصامته مثلاً في شوال أو ذي القعدة، أما إذا ضاق الوقت بأن دخل عليها شعبان، ففي هذه الحال تصوم ولو لم يأذن لها، وتلزمه النفقة.

    ورد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه) ، وذكروا أنه إذا صامت بدون إذنه تطوعاً فإن له أن يفطرها، وله أن يطلب منها التمكين، وعليها أن تمكنه من وطئها؛ لأنه حق له عليها.

    وإن كان هذا مما يتسامح فيه، وأن الأصل أن الصيام يكون في النهار، والرجل يكون منشغلاً بعمله، وكذلك المرأة منشغلة بتربية أولادها وإصلاحهم وما أشبه ذلك، فيكون هذا مما يتسامح فيه.

    إذا حجت نفلاً بدون إذن الزوج

    سادساً: الحج، إذا حجت نفلاً بلا إذنه.

    الحج كان قديماً يستغرق وقتاً، من هذه البلاد كان يستغرق شهرين أو قريباً من الشهرين، ففي هذا أنها منعت نفسها من زوجها شهرين، وهذا ليس بلازم لها؛ لأنه حج تطوع، فيرون في هذه الحال أنه يسقط الإنفاق عنه، إلا إذا كان قد رخص لها في أن تحج مع أبويها، أو تحج مع أحد إخوتها وأخواتها لتريهم المناسك، أو لتخدمهم لأنهم بحاجة إليها، فرخص لها زوجها فحجت، ففي هذه الحال إن لم ينفق عليها رفقتها فعلى زوجها الإنفاق؛ لأنه أذن لها بالغيبة، أما إذا التزم الذين حجوا معها أن ينفقوا عليها فليس على الزوج نفقة، وكذلك إذا كان قد رخص لها أن تحج معهم، وطلبت منه نفقة، فإنها تلزمه نفقتها؛ لأنه أذن لها.

    إذا سافرت المرأة لحاجتها

    سابعاً: إذا سافرت لحاجتها بإذنه فلا نفقة لها؛ لأن الحاجة لها، فتسقط نفقتها بالسفر؛ لأنها حالت بينه وبين نفسها، حتى لو كان السفر بإذنه، كأن سافرت خمسة أيام أو شهراً لأجل أن تزور أقاربها، أو تخدم أبويها، أو تمرض أحد أبويها أو إخوتها، أو سافرت لحاجة تخصها، ففي هذه الحال حالت بين زوجها وبين نفسها، وسقطت نفقتها.

    الناس في هذه الأزمنة في سعة من العيش، فهم يتغاضون عن مثل ذلك.

    نفقة الزوجة على عادة أهل البلد

    وكل ما تقدم يتعلق بالنفقة التي هي الأكل والشرب؛ لأنه ضروري، والناس فيه على ما اعتادوا، فبعضهم يكتفون بالأكل مرة واحدة في اليوم والليلة، وهذا في بعض البلاد سيما الفقراء والضعفاء ونحوهم، وفي بعضها يأكلون كل يوم أكلتين: أكلة في النهار، وأكلة في الليل، وكأن هذا هو المعتاد غداء وعشاء، هذا هو الذي كان معروفاً في القرون الماضية بين المسلمين وغيرهم: أكلتان كل يوم.

    جاءت هذه الأزمنة المتأخرة فصاروا يأكلون ثلاث أكلات: أكلة في الصباح، وأكلة في وسط النهار قريباً من بعد الظهر، وأكلة في الليل.

    فالنفقة تكون على عرف أهل كل بلد، فإذا كانوا يأكلون أكلتين وفر لها الأكلتين، وإذا كانوا يأكلون ثلاثاً وفر لها الثلاث، والأصل والعادة أنه يوليها مفاتح خزائنه التي فيها الطعام والشراب، وهي في هذه الحال تأخذ لنفسها ما تريد، ولكن الشيء الذي لا يكون متوفراً عليها أن تطلبه مثل اللحم، وقديماً كانوا يشترونه يومياً قبل وجود آلات الثلاجات، وكذلك الفواكه والخضار يشترونها يومياً، فإذا كان في بلاد ليس فيها ثلاجات ونحوها فإنه يلزمه أن يؤمن ذلك لها كل يوم، وإلا فكل أسبوع كما في هذه البلاد ونحوها.

    وإذا اعتادت على أكل لحم من نوع خاص كسمك أو طير كدجاج أو حمام أو نحو ذلك، فإن عليه أن يوفره إذا كان قادراً؛ لأن هذا مما اعتاده أهل البلد.

    1.   

    الكسوة الواجبة هي مرة أو كل سنة

    ذكر بعد ذلك الكسوة، يقول: (ولها الكسوة كل عام مرة في أوله).

    هكذا كان في الأزمنة المتقدمة، إذا دخلت السنة اشترى لها كسوة، يشتري لها مثلاً قميصاً وسراويل، وخماراً وعباءةً، ورداءً وجلباباً، فيشتري مرة واحدة، ويكفيها سنة، هذه كانت عادتهم، وكذلك أيضاً كانت عادة الرجال، نحن قبل خمسين أو ستين سنة يبقى الثوب والقميص علينا سنة أو عشرة أشهر، ولا نغسله إلا بالماء في كل أسبوع أو كل أسبوعين، وإذا غسله أحدنا يبقى ليس عليه إلا إزار إلى أن يجف الثوب ثم يلبسه، وهكذا أيضاً كانت النساء ليس عندها إلا ثوب واحد، إذا انتهت السنة وإذا هو قد بلي، وإذا تشقق في أثناء السنة تخيطه، وترقع وسطه إذا احتاج إلى رقعة، ترقعه من ثياب السنة الماضية.

    وتلك الثياب أيضاً ثياب تنسج في البلاد العربية، لا يستوردونها من البلاد البعيدة، وهي أيضاً رخيصة، كانوا يبيعونه بالذراع الذي هو أربعة وخمسون سنتيمتراً، الذراع بنصف الريال، أو الذراعان بريال ونصف، وبعض الأقمشة يقدر أن المتر بريال، وقد يكون بأقل في بعض الأقمشة، فتكون كسوتها تكلفها عشرة ريالات، وربما خمسة ريالات في بعض الأقمشة، وتكفيها سنة، وإذا كانت مترفهة اشترت كسوتين، كل كسوة بعشرة ريالات، هذه كانت عادة النساء قبل خمسين أو ستين سنة، قبل وجود هذا التوسع.

    ولما فتح الله على الناس هذه الأموال، وكذلك انفتح باب الواردات توسعوا، حتى من قبل سنين في بعض البلاد التي فيها توسع، ونحن نحكي حال القرى الذين هم في قلة من العيش، وأما المدن الكبيرة كمكة والرياض ونحوها فإن عند كثير منهم توسعاً.

    حتى قبل أربعين أو خمس وأربعين سنة يذكر لنا أحد المشايخ أن كثيراً من النساء عندها ثياب كان لها منذ سنة وسنتين وثلاث سنوات، وكل سنة تشتري زيادة، حتى إن الثوب يكلف في ذلك الوقت خمسمائة ريال، بينما الفقراء يكفيهم عشرة ريالات للثوب، فهؤلاء الذين يتوسعون يصل الثوب إلى خمسمائة، وفي هذه الأزمنة -كما تسمعون- كثير من النساء كسوتها تكلفها ألفاً، وربما ألفين، وربما ثلاثة آلاف، المتر الذي كانوا يشترونه بعشرة أصبح الآن يباع بخمسمائة أو بأربعمائة، لا شك أن هذا التوسع لأجل أن الناس توسعوا في الأموال، وصاروا يحرصون على أن يقتنوا أرفع الأقمشة وأعلاها وأغلاها.

    والنساء يتفاخرن في ذلك، الآن المرأة إذا دخلت لتشتري قماشاً رأت القماش الغالي ولو كان رديئاً، والباعة يزيدون عليها، تأتي إلى أحدهم فيقول: هذا المتر بمائة، وهذا المتر بمائتين، وهذا بثلاثمائة، مع أنها كلها سواء، فتقول: أريد من الذي قيمته ثلاثمائة، ولو حدها بخمسمائة أو بستمائة لاشترت مما هو رفيع، ولا شك أن هذا من العبث، وأنه من إضاعة الأموال.

    وهذه الإضاعة -أيضاً- وقع بها من قديم كثيرون، ذكر ابن القيم في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" يتكلم عن الحب الذي يُبتلى به كثير من الناس أو من النساء، يذكر أن رجلاً عشق امرأة لما رأى عليها ثوباً أعجبه نوع القماش، فصار كلما رأى في السوق ثوباً مفصلاً من ذلك النوع الذي رآه على معشوقته اشتراه، حتى لما توفي وإذا عنده أكثر من مائتي ثوب! يدل على أن الناس يشترون ما يناسبهم وما يهوونه.

    فإذا كان في هذه الأزمنة فالكسوة على قدر المناسبة، والناس في هذه الأزمنة توسعوا في بعض الكسوة، فالمرأة تفرض على زوجها كسوة في كل مناسبة، ففي كل عيد تطلب كسوة جديدة، كذلك أيضاً في أيام المناسبات كحفلات زواج إخوتها أو أخواتها، تطلب أيضاً كسوة جديدة في كل مناسبة، وإذا قيل لها: عندك كسوة تم شراؤها قريباً. تقول: إن هذه قد استعملت، أو رئيت يوماً أو نصف يوم. فتفرض عليه أن يجدد لها كسوة في كل مناسبة، والرجال يتسامحون معهن في ذلك، وكان الأولى المنع والامتناع؛ لأن هذا من الإسراف؛ ولأنه من إيتاء السفهاء، والله تعالى يقول: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] أي: لا تسلطوهم على أموالكم فيفسدونها، فإذا كانت المرأة تشتري الكسوة بألف أو بألفين أو بثلاثة آلاف اعتبر ذلك من السفه والإفساد.

    ويقال كذلك أيضاً فيما تحتاجه من الحلي والزينة ونحوها، مثاله: إذا طلبت شراء ساعة يدوية فإنه قد يتنازل معها، وتوجد ساعة -مثلاً- بمائتين، وساعة بألفين، وساعة بعشرة آلاف، فكثير من النساء تشتري أعلى ما تجد، ولو كانت المكانة واحدة، ولو كان الاستعمال واحداً، يخيل إليها أن زيادة الثمن يدل على الحسن والجمال، ويدل على القوة والمناعة وما أشبه ذلك.

    وقد أخبرني الكثير من الذين يستوردون الساعات أنها كلها سواء، يعني: أدواتها، وآلاتها الداخلية، لا فرق بين التي قيمتها مائتان والتي قيمتها عشرة آلاف إلا في الاسم والمورد، تؤخذ من الذي يصنعها سواء في اليابان أو في الصين أو في أمريكا، الأدوات واحدة لا تختلف، ومع ذلك الذي يوردها يكتب عليها اسم أنها ساعة كذا وكذا، فإذا خيل إليهم أنها من نوع كذا وكذا ظنوا أن لها مكانة.

    الذين يشترون الساعة التي بمائتين، والذين يشترون الساعة التي بألفين أو بخمسة آلاف أو بعشرة، يجدون أن الاستعمال واحد، وأنه لا فرق بين هذه وهذه، قد تكون هذه أسرع خراباً من هذه، فلذلك نقول: الواجب الأخذ على أيدي السفهاء.

    1.   

    بقاء نفقة الزوجة في ذمة الزوج إذا لم ينفق عليها

    كذلك عاد إلى النفقة فقال: (ومتى لم ينفق تبق في ذمته).

    وذلك لأن النفقة -كما قلنا- معاوضة، فإذا امتنع من النفقة عليها فلها أن تطالبه بنفقة ما مضى، ولا تسقط نفقة الزوجة بمضي زمان، سواء كان تركه النفقة لغيبة أو لتساهل، تركها مثلاً في بيته ولم ينفق عليها، فأخذت تتكفف الناس وتسأل من آل فلان أو فلان، أو عرف حالتها بعض جيرانها أو بعض أهلها فأعطاها ما يسد خلتها مدة شهر أو أشهر، فلها أن تطالب زوجها فتقول: أنت تركت الإنفاق علي هذا الشهر أو هذه السنة، إما لكونك غائباً، وإما لكونك حاضراً ولكنك متساهل، وأنا أنفقت على نفسي من مالي، أو أنفق علي أبي، أو تصدق علي جيراني أو أقاربي، فالآن أطالبك بنفقة هذا الشهر ولو كان قد مضى، ولو عدة أشهر، ولو عدة سنوات.

    فللزوجة مطالبته بنفقة ما مضى، وإذا لم ينفق بقيت النفقة ديناً في ذمته، فإن أسقطت ذلك عنه وإلا ألزم بغرامته؛ لأن النفقة على الزوجة معاوضة كما ذكرنا.

    1.   

    إذا غاب الزوج وأنفقت من ماله حال غيبته ثم تبين أنه قد مات

    إذا غاب وأنفقت من ماله في غيبته فبان ميتاً رجع عليها وارث، وذلك لأنها تستحق النفقة في حياته مقابل ما بذلت له نفسها، فغاب مثلاً شهراً أو سنة وهي في بيته تنفق على نفسها من ماله، ثم تبين أنه مات قبل سنة أو قبل ثمانية أشهر، إذا لم يتسامح معها الورثة طالبوها بنفقة ما مضى، ولا يطالبونها بالنفقة على أولاده؛ لأن لهم حقاً، ويمكن أيضاً أن يسقطوا ما أنفقته على نفسها أو على أولادها من إرثهم.

    وقد يقولون: أنتِ لك حق في التركة، وهو الثمن، وأولادك لهم حق في التركة، ونحن الأولاد الكبار لنا حق، فعلينا أن نطالبك بما أخذت، ثم نقتسمها، فيطالبونها مثلاً وترد عليهم خمسة آلاف أو عشرة آلاف مثلاً يجعلونها في التركة ويقسمونها، ثم يعطونها نصيبها من التركة، فيعطون كل واحد من أطفالها نصيبه أو يعطونه لوليهم؛ وذلك لأنه بعد موته ينتقل المال إلى الورثة.

    1.   

    إذا سلمت المرأة نفسها لزوجها وجبت نفقتها

    يقول: (ومن تسلم من يلزمه تسلمها، أو بذلته هي أو وليها، وجبت نفقتها ولو مع صغره ومرضه وعنته ‏وجبه).

    إذا عقد الرجل على امرأة، ولما تم العقد قالت له: خذني إليك، أنا بذلت لك نفسي، وليس عنده مانع لكنه لم يتسلمها، بل تركها شهراً أو سنة وهي تبذل نفسها، ففي هذه الحال إذا طالبته بنفقة السنة لزمه أن يدفعها، وكذلك لو لم يستلمها لزمه أن ينفق عليها.

    هي تقول: خذني إليك، أنا قد أعددت نفسي، ليس هناك مانع. وهو يقول: لم أتأهب ولم أستعد. في هذه الحال يلزمه نفقتها ولو كانت عند أهلها؛ لأنها استعدت لبذل نفسها ولتسليم نفسها له.

    وكذلك إذا تسلم من يلزمه تسلمها ابتدأت النفقة، بذلت نفسها وقالت: خذني. فيلزمه النفقة ولو لم يأخذها، أو بذلها له أبوها أو أخوها الذي هو الولي، يقولون له: خذ امرأتك، لا عذر لك، قد عقدت عليها وأصبحت في ذمتك، فخذ زوجتك. لكنه يعتذر بأنه غير مستعد أو لم يتأهب، فيطالبونه فيقولون: زوجتك قد بذلت نفسها، فخذها وأعطنا نفقتها، أنفق عليها ولو كانت عندنا؛ لأنها بذلت لك نفسها؛ فتجب عليه نفقتها ولو كانت عند أهلها.

    لو كان صغيراً وعُقد له على امرأة، وطلب أهل المرأة أن يأخذها وهي ممن يوطأ مثلها كابنة تسع، وهو يمكن أن يطأ كابن عشر، ففي هذه الحال أيضاً تلزمه نفقتها، أو يلزم وليه أن يعطيها.

    لو كان الزوج مريضاً وبذلت نفسها أو بذلها وليها وجبت نفقتها، وكذا لو كان عنيناً أو مجبوباً، العنين: هو الذي لا ينتشر ذكره، ولا يكون له شهوة، ولكنه عقد على امرأة، ومع ذلك بذلت له نفسها، وكذلك المجبوب -الذي هو مقطوع الذكر- إذا عُقد له على امرأة يلزمه أن ينفق عليها إذا بذلت له نفسها.

    1.   

    إذا منعت المرأة نفسها قبل الدخول لأجل المهر وجبت نفقتها

    يقول: (ولها منع نفسها قبل دخولٍ لقبض مهرٍ حال ومع ذلك لها النفقة).

    فإذا جاءها وقال: اذهبي معي. فقالت: أنا مستعدة أن أذهب، ولكن أعطني بقية المهر، بقي عندك ألف أو عشرون ألفاً، فلا أذهب معك إلا بعد أن تعطيني بقية الصداق الذي هو حال غير مؤجل، فهل يحق لها هذا الامتناع؟ يحق لها؛ لأنها منعت نفسها بحق؛ ولأن هذا شيء يفوت؛ ولأن الاستمتاع بها لا يمكن تعويضه، ففي هذه الحال يلزمه أن يعطيها صداقها، وإذا لم يعطها فلها أن تمتنع.

    فإذا امتنعت وبقيت عند أهلها، امتناع بحق، وفي هذه الحال هل لها نفقة؟ نعم، لها نفقة؛ لأن امتناعها بحق.

    لو قال: كيف أنفق عليها ولم أتسلمها؟ كيف أنفق عليها ولم أتمكن من الاستمتاع بها؟

    فنقول: إنك أنت الذي أخللت بالشرط، وهو إعطاؤها حقها، أعطها صداقها كاملاً؛ لأن هذا هو الذي عقد لك عليها بموجبه، فنحن نطالبك بالنفقة، ونطالبك بالصداق، فإذا دفعت الصداق سلمنا لك المرأة.

    1.   

    الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب الفسخ

    متى يجوز لها طلب الفسخ؟

    في حالات:

    الحالة الأولى: إذا كان معسراً لا يقدر على نفقة المعسرين، وقد تقدم أن المعسر إنما عليه من أرخص الأطعمة، وتعرفون أن الفقراء يشترون أرخص الخبز؛ لأن قصدهم بذلك سد الجوع، ولا يشترون اللحوم ولا الفواكه وما أشبه ذلك، ولا يشترون الأشربة التي يتفكهون بها، إنما يشترون شيئاً يسدون به جوعهم، فإذا قدر أن هذا الرجل لا يقدر حتى على شراء القوت الضروري الذي هو من يابس الخبز، فهل تصبر على هذا الجوع؟ في هذه الحال أعسر بنفقة المعسرين، فلها أن تطلب الفسخ، فتذهب إلى الحاكم وتقول: لا أصبر عليه، ليس عنده ما يقوتني، أموت جوعاً!

    ثانياً: كذلك لو كان لا يجد القوت إلا يوماً وراء يوم، في هذه الحال أيضاً لها طلب الفسخ، يشتغل وشغله إنما يحصل به قوت يوم، والثاني لا يحصله، أو يحصل قوت نفس اليوم، ففي هذه الحال إذا أعسر ببعضها فلها طلب الفسخ.

    لكن إذا أعسر بشيء في ذمته لها بعد أن سلمت نفسها ففي هذه الحال لا تطلب الفسخ، وذلك إذا قالت: خذني، ولو كان الصداق لم تسلمه لي، فسلمت نفسها وذهبت معه، والصداق دين في ذمته مع أنه دين حال، وبعدما مضى عليها شهر أو سنة طالبته بالصداق، فقالت: أعطني الصداق وإلا ذهبت إلى أهلي، هل لها ذلك؟ ليس لها ذلك؛ لأنها طاوعت بتسليم نفسها، فيبقى صداقها في ذمته إلى أن يجده: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7] .

    ثالثاً: إذا غاب، وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة ونحوها، كأن غاب غيبة طويلة ولم يرسل لها نفقة، عجز عن إرسال النفقة، ولم تقدر على أن تستدين في ذمته، ولم يكن له أقارب ينفقون عليها، فهل تصبر على الجوع؟ ليس عليها ذلك، ولها أن تطلب الفسخ، وكذلك إذا أعسر بالكسوة، أو غاب وتعذرت الكسوة وقتها، ولم تجد من يكسوها، ولم يكن عندها أهل له ولا أقارب يكسونها.

    1.   

    كيفية الفسخ

    كيفية الفسخ: أن ترفع إلى الحاكم، والحاكم -قاضي البلد- ينظر في المسألة، فإذا اتضح له أنه ليس لها أحد ينفق عليها، وأن زوجها لم يترك لها نفقة، وأنه عاجز عن النفقة، أو أن زوجها غائب ولا يدرى متى يقدم، ولم يرسل لها، ولم يكن له أقارب ينفقون عليها وعلى أولاده، فالحاكم يخول في أن يفسخ، فيقول: بناءً على غيبة فلان، وتعذر إنفاق زوجته من ماله، وبناءً على الضرر الذي يلحقها حكمت بفسخ نكاحه منها، وأن لها بعد العدة أن تتزوج من شاءت. ففي هذه الحال له ذلك.

    وإذا فسخ فهل عليها عدة؟

    عليها الاستبراء، إذا حاضت حيضة ولو كان معلوماً أنه قد طال غيبته، فبعد حيضة واحدة لها أن تتزوج.

    إذا غاب زوجها واستدانت في ذمتها للنفقة عليها وعلى أولادها الأطفال، ثم رجع الزوج، ففي هذه الحال تطالبه بوفاء هذا الدين، وتقول: علي لفلان مائة أنفقتها علي وعلى أولادي، وعلي لفلان مائتان، وعلي لفلان ألف؛ بسبب أنك ما تركت لنا نفقة، فنحن اضطررنا إلى الاستدانة، لها ذلك، ولها أن تطالبه بالتعويض، فيوفي الديون التي عليها.

    انتهى ما يتعلق بالنفقة على الزوجة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765793594