إسلام ويب

الغفلة وآثارهاللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء لفظ الغفلة في القرآن في عشرة مواضع، وذلك بسبب آثارها المدمرة على الفرد والمجتمع المسلمين والمتمثلة في الإعراض عن ذكر الله تعالى، وعن ذكر الدار الآخرة، فيودي الغافل بنفسه إلى المهالك؛ ذلك لأنه لن يعرف الطريق الحق، ولن يهتدي إلى الفوز والنجاة فيخسر دنياه وآخرته ما لم يتدارك نفسه بالتوبة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.

    من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    لقد اختار بعض الأبناء هذه الكلمة تحت هذا العنوان: (الغفلة وآثارها)، فعند مجيئي إلى بيت الله هذا استعرضت ما جاء من لفظ الغفلة في القرآن، فإذا بها تذكر في عشرة مواضع: اثنان في الأعراف، واثنان منها في يونس، وواحدة في الأنبياء، وأخرى في الروم، وأخرى في (يس)، وأخرى في الأحقاف والأخيرة بـ(ق).

    فهيا بنا نستعرض هذه الآيات لنقف على آثار الغفلة منها:

    أولاً: في سورة الأعراف يقول تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ [الأعراف:172-173].. الآية.

    فهذه الآية الكريمة تذكرنا -معاشر الأبناء والإخوان- أن هذه الأرواح التي تعمر هذه الأجساد والأبدان ليست حديثة العهد بالكون والوجود، إنما هي قديمة بقدم هذه الحياة؛ إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أخذ من ظهر آدم ذريته واستنطقها فنطقت، واستشهدها فشهدت، فالأرواح تأتي بواسطة ملك موكل بالأرحام، فهو الذي يأتي بها من مكان تجمعها في الملكوت الأعلى، ثم ينفخها في الرحم، فيكون هذا المخلوق.

    فهذا الموقف ينبغي ألا ننساه، وهو أنه أخذ علينا عهد وميثاق أن نعبد الله ولا نشرك به سواه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، اعترفوا: قَالُوا بَلَى .

    إذاً: فالاعتراف بربوبية الله هو الإيمان، وثمرة هذا الإيمان الانقياد والطاعة للرب عز وجل فيما يأمر به وينهى عنه، وسر هذه الطاعة المسماة بالعبادة، والتي أخذ علينا العهد والميثاق من أجلها، سرها لم يعد أن نكمل ونسعد في الدار الأولى هذه.. والدار الآخرة.

    أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173]؟

    إذاً: فالآية تحذر من الشرك، كما تحذر من الكفر، وهو إنكار وجود الله، كما هو مذهب البلاشفة الحمر والملاحدة والعلمانيين والعقلانيين.

    وبعد الإيمان بالله رباً وإلهاً لابد من طاعته؛ بذكره وشكره، هذه الطاعة ثمرتها لا تعود على الله، ما هو في حاجة إليها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، وهذه الطاعة نظام دقيق يتناول العقائد وأعمال القلوب، ويتناول الكلمات والأعمال.

    هذه العبادة وهذه الطاعة ثمرتها يا أبنائي: أن نكمل عليها في هذه الدار ونسعد، ونكمل في الدار الآخرة ونسعد.

    الآية الثانية: هي قوله عز وجل: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ [الأعراف:179]، ومعنى (ذرأنا): خلقنا، من هو الذي يتكلم بهذا الكلام؟ هذا هو الله، من هو الله؟ ذاك الذي لولاه ما كنا ولا سمعنا ولا أبصرنا ولا عقلنا ولا فهمنا ولا اجتمعنا، الله رب العالمين، هو الذي يتكلم: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأعراف:179]، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، خلق للنار خلقاً كثيراً من الجن والإنس، وهل يدخلهم النار بدون موجب دخولها؟ حاشاه والله: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وإنما خلقهم ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا بعبادته فرفضوها وتكبروا عنها، وأنكروا الله عز وجل ولم يؤمنوا به، فاسودت نفوسهم وأصيبت بالظلمة والعفن والنتن، فاستوجبوا بذلك العذاب الأبدي: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، فقد طاروا في السماء وغاصوا في الماء، وخبروا الذرة وحللوا كوناً، ومع ذلك والله أنهم كالأنعام بل هم أضل، الذي يجد ويجتهد الليل والنهار من أجل أن يشبع بطنه، من أجل أن يقضي شهوته ويعيش أياماً ثم ينتقل إلى عذاب أبدي وشقاء لا ينتهي، ألهذا عقل يفقه به؟ ألهذا بصر يبصر به؟ والله كما قال الله: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ من هم يا رب؟ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ، فالآية تحذرنا من الغفلة، والغفلة: عدم الذكر، عدم الرؤية، عدم الالتفات إلى الواقع، الشيء أمامه وهو مشغول بغيره، معرض عنه كأنه لا علاقة له به؛ لأنه غافل، وهذه الآية الكريمة تجعل الغافلين هم أهل العذاب الأخروي، وسواء كانوا من الجن أو الإنس، وحسبنا أن نرى أنهم ما انتفعوا بأبصارهم ولا بأسماعهم ولا بقلوبهم، والذي يتقحم جهنم ويدخل فيها له عينان يبصر بهما، لو أبصر ما دخلها، الذي يسمع النداءات والصرخات أن أنقذوا أنفسكم من النار! فلا يسمع، أين السمع هذا؟ والذي لا يفكر لأي شيء خلق، لا يفكر في هذا أبداً، كيف يقال فيه: إنه يعقل أو يفهم؟ أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ البعداء: هُمُ الْغَافِلُونَ .

    يا أبنائي يا إخوتي! احذروا الغفلة، الغفلة تنتج الإعراض، ومن أعرض عن ذكر الله تمزق وتلاشى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088453609

    عدد مرات الحفظ

    776828990