أما بعد:
فسنعمد إلى آيات ثم نأخذ حديثاً حتى نجمع ما بين القرآن والسنة.
قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر:1] .
هذه فاتحة سورة فاطر, وقد مر في دروس مضت, أن خمس سور استفتحهن الله جل وعلا بحمده, وهي: الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر.
قال الله في فاطر: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1] الألف واللام في قول الله جل وعلا: الْحَمْدُ لِلَّهِ [فاطر:1] تعني الاستغراق, والمعنى: جميع المحامد أولها وآخرها ظاهرها وباطنها لله.
واللام الجارة نحوياً في قوله سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ [فاطر:1] هي لام الاستحقاق، فيصبح معنى الآية: أن الله جل وعلا مستحق لجميع المحامد.
وهذه اللام تأتي للاستحقاق وتأتي لغير الاستحقاق, فتأتي للاختصاص وتأتي للملك.
فمثال الاختصاص: المحراب للإمام، والكرسي للمدرس.
وقول الله جل وعلا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255]اللام هنا في قوله: لَهُ هي لام الملك ومثله قوله جل وعلا: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284].
أما قوله: فَاطِرِ [فاطر:1] : فهو اسم فاعل من فطر بمعنى خلق على غير مثال سابق، أي خلق لأول مرة، ففاطر تجمع معنيين.
المعنى الأول: الخلق.
المعنى الثاني: الخلق على غير مثال سبق، أي: خلق ابتداء.
يروى عن حبر القرآن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي: أنا ابتدأت حفرها, قال ابن عباس : فلم أكن أعلم أن فاطر بمعنى خلق وابتدأ إلا من هذا الأعرابي!
هذا يدل على شيء مهم إذا صحت الرواية عن ابن عباس ، وهو أن كلمة فَاطِرِ كانت غير ذائعة عندهم، لأن هذا حبر القرآن عربي قرشي فصيح وكان لا يعرفها، فدلت القصة على أن الكلمة لم تكن دارجة, ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن القرآن أول ما نزل بها، قيل: إن الأعرابي أخذها من القرآن، لكن أياً كان المعنى فالقصة تدل على أن كلمة فَاطِرِ ليست دارجة, وإلا لما جهلها ابن عباس .
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر:1] أي: رسلاً بين الله ورسله، أي: بين أنبيائه.
جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ [فاطر:1] أي: أصحاب أجنحة.
ثم قال: مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1] .
ثم قال جل ذكره: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1] .
قال بعض العلماء: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1] بمعنى: الملاحة في الوجه والسعة في العينين, وهذا التقييد لا داعي له، بل إن الآية متصلة، لأن الله قال: مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1].
وهذا يسمى عند النحويين عدولاً، أي: أن (مثنى) معدولة عن اثنين اثنين.
والآية تدل على الملائكة بصورة أولية, ويؤيدها حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر:1] .
هذه الوقفة الأولى أخذناها من فاتحة سورة فاطر.
وقال في الفرقان: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:53] .
وقال في فاطر: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ [فاطر:12] .
الذي أريد أن أقف عليه هنا أن الله قال: هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ [الفرقان:53] ولم يقل ربنا ( وهذا مالح) فما الفرق بين مالح وملح؟
والجواب: الماء إذا كان الملوحة في الماءمتأصلة يسمى ماء ملحاً مثل البحر.
أما الماء الذي هو عذب وألقيت فيه ملحاً فيسمى مالحاً.
المعنى: أن الله أخر الناس إلى أجل مسمى، ولا أريد أن أقف عند الشيء الواضح, لكن هذه وقفة لغوية تقودك إلى مسألة إيمانية عظيمة, وذلك أنه يوجد حرفان: ( لو ) و( لولا ).
وفقه المسألة أن أي إنسان إنما يكون تفاعله قلبياً وخشوعاً وخضوعاً مع أي مسألة إذا كان يفهمها, أما إذا كان لا يفهمها فلا يمكن أن يتفاعل معها إلا في حالة واحدة, وهو أن يكون الكلام كلام الله فقط, يسمعه العجم فيبكون دون أن يعرفوا معناه لأنه كلام الله، فنقول: الحرفان ( لو ) و( لولا ).
حرف ( لو) حرف امتناع لامتناع.
وحرف ( لولا ) حرف امتناع لوجود..
معنى حرف امتناع لامتناع: أي لم يتحقق الجواب لعدم تحقق الشرط, فمثلاً: أنت تعد أخاك أن تزوره، تقول له: إذا توفرت لدي سيارة سأزورك، فلم تتوفر لديك سيارة, فلو سألك لم لم تزرني؟ ستقول له: لو وجدت سيارة لزرتك.
فالذي امتنع هو الجواب -وهو الزيارة- لامتناع الشرط, وهو وجود السيارة.
أما ( لولا ) فهو حرف امتناع لوجود, فمثلاً: إنسان واقف في المطر ثم من الله عليه برجل يحمله, فيقول: لولا أن مر علي زيد لابتلت ثيابي, أي فامتنع الجواب -وهو البلال- لوجود الشرط وهو مرور زيد.
هذا كله صناعة نحوية, لكن الصناعة النحوية آلة لفهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
أهل الجنة إذا قعدوا فيها يرون أماكنهم في النار التي نجاهم الله منها, وأهل النار إذا مكثوا في النار عياذاً بالله يرون مقاعدهم من الجنة التي حرموها.
الآن نأتي بـ ( لو ) ونأتي بـ ( لولا ).
يقول أهل الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] هؤلاء المباركون -جعلني الله وإياكم منهم -وقعت عليهم الرحمة والهداية, ووجود الرحمة والهداية منعهم من دخول النار.
هذا معنى حرف امتناع لوجود, فالذي امتنع هو دخول النار، لوجود الهداية والرحمة من الله!
أما أهل النار فيأخذون مقاعدهم من النار, وعندما يرون أماكنهم في الجنة التي لم يصلوا إليها يقولون كما قال الله عنهم: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:57] فامتنع أن يكون تقياً من أهل الجنة لامتناع الهداية من الله تبارك وتعالى, لهذا يعرف العاقل أنه لا شيء يطلب أعظم من رحمة الله جل وعلا, وما الهداية إلا شيء من رحمة الله تبارك وتعالى.
هناك قاعدة عند العلماء: فإذا قالوا في تفسير قول الله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1] .
أو قول الله: وَالْعَصْرِ [العصر:1] .
أو قول الله: وَالضُّحَى [الضحى:1] .
أو قول الله: وَالنَّازِعَاتِ [النازعات:1] .
أو قول ربنا: وَالْفَجْرِ [الفجر:1] .
يقولون: لله جل وعلا أن يقسم بما شاء من مخلوقاته, وليس للعبد أن يقسم إلا بالله، وهذا حق.
لكن هل يناسب أن يأتي مفسر فيقول هذه القاعدة عند قول الله جل وعلا: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1] ؟
والجواب: لا يناسب؛ لأن القرآن ليس مخلوقاً, بل هو كلام الله وصفة من صفاته, فالعبارة: (ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته) وإن كانت صحيحة, لكن إيرادها هنا يوهم أن القرآن مخلوق, والقرآن منزل غير مخلوق.
واختلف العلماء في جواب القسم على ثمانية أقوال, سنأخذ واحداً هو الراجح عندي والعلم عند الله:
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]جواب القسم محذوف، والتقدير: ليس الأمر كما تزعمون.
قال تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:2-3] .
يخاطب الله مشركي قريش و(كم), من حيث التأصيل العلمي تنقسم إلى قسمين:
كم خبرية، وكم استفهامية, تتفقان في أمور:
تتفقان في أن كليهما اسمان، وكليهما مبنيان، وكليهما له الصدارة في الكلام.
وتختلفان في أمور من أشهرها:
أن كم الخبرية لا تحتاج إلى جواب, يراد بها التعبير عن الكثرة.
وكم الاستفهامية تحتاج إلى جواب لأنها سؤال واستفهام.
و(كم) هنا قول العزيز الحميد: كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:3] خبرية، استفهامية؟
يخبر الله عن أمم كثيرة لا يعلمها إلا الله, أهلكها الله من قبل، عندما أهلكها فَنَادَوْا [ص:3].
ولم يذكر الله هل نادوا مستغيثين أم نادوا مؤمنين, لكن تكلم الله عن أمم أهلكها بعذاب، فالله يذكر أنهم عندما جاءهم العذاب نادوا مستغيثين، كفرعون عندما قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]أو طلبوا الاستغاثة أو طلبوا الإيمان.
ثم قال تعالى: وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:3] يعني: ليس الوقت وقت ينفع فيه الندم, أي أنهم نادوا فعلاً لكن الذي منع الفائدة من مناداتهم أن الوقت ليس وقت مناداة لأنه إيمان إجباري، وليس اختيارياً وللعلماء تعبير آخر يقولون: إيمان اضطراري، والإيمان الاضطراري لا يقبله الله, وإنما يقبل الله الإيمان الاختياري.
قوله: وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:3] التاء زائدة و( لا ) نافية تعمل عمل ليس عند سيبويه وأتباعه.
ويقول النحويون: إنها إذا عملت عمل ليس فلابد من حذف أحد جزأيها، أي المتبدأ -أو الخبر، والمحذوف هنا هو الاسم؛ لأن ما جاء بعدها منصوب، واسمها يكون مرفوعاً، والمرفوع غير مذكور لأن الله قال: وَلاتَ حِينَ [ص:3]بالنصب فدل على أن الاسم محذوف.
جابر رضي الله عنه صحابي ابن صحابي، وإذا أنت نظرت نظرة كلية للصحابة تجد أنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
صحابة كبار في السن مثل: الصديق , العباس , عثمان , أما عمر فإنه أسلم وعمره ست وعشرون سنة, لكن الصديق كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سنتان, فهذا جيل يدخل فيهم عمر .
هناك جيل آخر وسط أدركوا النبي وهم في الرابعة عشرة والخامسة عشرة شهدوا بعض الغزوات مثل جابر ، وعبد الله بن عمر .
هناك جيل صغير جداً ما أدرك شيئاً، أي: ما قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مثل: الحسن والحسين , عبد الله بن الزبير .
قوله: (دعاني أبي) أبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري .
قوله: (لا أُراني) يعني لا أظن إلا أن أكون أول من يقتل غداً, وقع في قلبه واستقر في نفسه أنه غداً سيموت في المعركة، والآن الإنسان عندما يريد أن يسافر فيقع في قلبه أنه يموت في السفر يترك السفر، أما هذا فإنه أخذ يوصي ابنه جابراً قال: يا بني أول شيء أوصيك بالدين -كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم يفرون كل الفرار من مظالم الخلق-.
وأنا والله لقد تأملت كثيراً ممن أدركتهم من الأخيار ما كتب الله لهم قبولاً ولا عرفت فيهم صلاحاً, إلا لأنهم متحررون من مظلمة الناس، فغير الله فيهم إلى الخير تغييراً كثيراً، والإنسان يتعلم مما يراه.
فرغم أنه يعلم في غالب ظنه أنه سيقتل في سبيل الله لكن يهتم بالدين، ثم قال: (وأوصيك بأخواتك)، قلنا: إن عبد الله ما ترك إلا جابراً من الذكور والباقون بنات.
يقول جابر : فلما أصبحنا -يعني جاءت المعركة- كان أبي أول من قتل رضي الله عنه وأرضاه, فدفنته في أحد.
وأحد جبل حصلت عنده المعركة يبعد حوالي ثلاثة أو أربعة كيلو عن الحرم.
وقد أراد الأنصار يحملوا القتلى إلى داخل المدينة, لكن منعهم الرسول، وقال: (ادفنوا القتلى في مصارعهم ووقف عليهم وقال: أنا شهيد على هؤلاء) .
أي زعيم عاقل في بيته أو في مدرسته أو في شيء يلقى أشياء لا يمكن تنفيذها كلها، وليس من المعقول تركها بالكلية؛ لأن تركها بالكلية إهمال, وتنفيذها بالكلية إرهاق لمن حولك، لكن سدد وقارب، فكيف سدد النبي وقارب؟
هؤلاء الصحابة خرجوا مثخنين بالجراح يقول الله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140] أصابهم قرح, صلى بهم نبيهم الظهر وهو قاعد, وصلوا خلفه فريضة وهم كلهم قعود, من شدة ما أصابهم من الجراح والأسى والقرح، فقال: (احفروا وأعمقوا) .
يعني: أنتم لا تستطيعون أن تحفروا سبعين قبراً, وفي نفس الوقت لا أريد أن تحملوا الموتى إلى داخل المدينة, فما الحل الوسط؟
نحفر قبوراً معدودة أقل من سبعين, وندفن اثنين وثلاثة في قبر واحد، وهذه مناسبة لحال الصحابة وهم يحفرون؛ لأن الحفر مشقة.
لأنهم لو كانوا منتصرين لنشطوا، لكن كانوا يشعرون بمرارة الخطأ، فعدل النبي صلى الله عليه وسلم الوضع , فقال: (احفروا وأعمقوا) .
هذا السبب الذي جعل جابراً يدفن أباه مع رجل أخر.
الرجل الآخر لم يذكر في روايات البخاري , لكن رواه مالك في الموطأ بسند منقطع، قال ابن عبد البر: ورد من عدة وجوه تشهد بالصحة أن الصحابي الآخر هو عمرو بن الجموح رضي الله عنه وأرضاه.
ويمر معك في السيرة أن النبي قال : (قدموا أكثرهم قرآناً) حتى يعلم فضيلة القرآن.
المهم أن جابر بن عبد الله دفن أباه مع عمرو بن الجموح .
يقول : (لم تطب نفسي) أي إنسان حر ينشد العلو والكمال، ودفن الرجل لوحده ليس مثل دفنه مع الناس, فحفر قبره بعد ستة أشهر، قال: فوجدته كأني دفنته هنية غير أذنه.
صحح الحافظ ابن حجر الرواية بهذه الطريقة - يعني شيء يسير تغير في أذنه -.
موضوع الشاهد منها: إكرام الله للشهداء.
ونحن نضم الأحاديث بعضها إلى بعض، وقد مر بنا حديث (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) .
إذا ضممت هذا الحديث لحديث (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) عرفت لماذا لم يتزوج جابر رضي الله عنه وأرضاه بكراً, أي: لأن عنده أخوات صغاراً.
فتزوج ثيباً فلم يضيع حقه ولا ضيع حق أخواته اللاتي وصى بهن والده.
وهذه القصة حصلت في سفر مع النبي عليه الصلاة والسلام, وكان جابر على جمل بطيء، وكان الرسول شفيقاً على أصحابه يتفقدهم, فأخذ النبي قضيباً ضرب به الجمل فأسرع الجمل، قال صلى الله عليه وسلم لـجابر : (هل تبيعه؟) قال: نعم، فاشتراه بأربعة دنانير.
واشترط جابر ألا يسلم الجمل حتى يصل المدينة؛ لأنه لو أعطاه الجمل سيرجع مشياً وهذا سيؤخره أكثر!
فوافق النبي عليه الصلاة والسلام، ثم وصل جابر , وكأنه تأخر قليلاً في الطريق لبعض أمره فوصل النبي صلى الله عليه وسلم قبله، فجاء جابر ليسلم الجمل، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (أصليت؟) .
وهذا والله كتاب توحيد كامل، وأنا أقول للناس: من أراد أن يدرس التوحيد فليدرسه من القرآن والسنة فهو هنا يعلمه أن حق الله مقدم على حق كل أحد.
إذا جئت لتربي فأشعر من تخاطبه أنك لا تطالبه بحقك , وإنما تطالبه بحق الله.
إذا رأيت من أي أحد تعظيماً لله فعظمه لا لذاته, لكن لأنك رأيته يعظم الله.
قال له: (أصليت؟ قال: لا، قال: ادخل المسجد وصل ركعتين) .
فدخل المسجد وصلى ركعتين ثم جاء فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه الجمل قائلا (خذ جملك) .
ففهم جابر أن الرسول هون من الجمل.
يقول جابر : فو الله ما شيء أبغض إلي من الجمل! فأعطاه النبي الأربعة دنانير التي اتفقا عليها، ثم أمر بلالاً أن يزيده قيراطاً, فوضع جابر القيراط في جيبه وقال: هذه زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما فارقته حتى فقدها في موقعة الحرة التي حصل فيها ما حصل من قتل كثير من أهل المدينة.
نعود إلى حديث: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) فنقول: سأل النبي صلى الله عليه وسلم جابراً عن سبب حرصه على السرعة؟ قال: إنني حديث عهد بعرس, أي قريب عهد بالزاوج.
من الفوائد التربوية قبل أن أختم في القضية:
أن جابراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه نصحه أبوه، فإذا أردت أن تنصح أحداً فهيئ لكلامك قبل أن تلقيه، فإن عبد الله بن عمرو بن حرام قال لابنه جابر : (يا بني! ولا أترك بعدي نفساً أعزك علي منك)، يبين أن لابنه مقام عظيماً عنده، ولا بد للوالد أن يظهر حفاوته وعنايته بابنه.
ثم قال مستدركاً: (غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم) - والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا عظيمي الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
التعامل مع ما يحدث من أحداث ينبغي أن ينطلق من ركائز.
فمثلاً للرد على ما حصل في الدنمارك وغيرها من قدح في النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون على ثقة أن مقام النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يصل إليه هؤلاء.
فقد ثبت في غزوة خيبر أنه صلى الله عليه وسلم سمت له شاة ثم قدمت له ليأكلها- سمتها له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم - فلما أكل منها صلى الله عليه وسلم ولاك منها يسيراً لفظها ثم قال: (إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم) .
هذه امرأة يهودية على بعد أمتار أو أشبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعت له الشاة المسمومة وأكثرت السم في موضع يحبه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذراع, وعجزت أن تنال منه أذى، فكيف يقدر أن يؤذيه من بعدت ديارهم لا قربها الله، وفسدت أخلاقهم لا أصلحها الله، فلا يمكن أن يضروه شيئاً!
هذا يجعلك مطمئناً أن النبي محفوظ بحفظ الله له: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95] .
ثم تنطلق بخطوات عملية في نصرته صلوات الله وسلامه عليه.
الجواب: المشهور أنهم الجن، أما غير ذلك فلا أدري.
الجواب: الواو والتاء والباء، هذه حروف القسم.
الجواب: هذا تأكيد لما قلناه من أن الإيمان الاضطراري لا يقبل، إلا ما كان من قوم يونس وهو من فضل الله عليهم، ولهذا استثناهم الله فقال: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا [يونس:98] أي: لا يوجد قرية آمنت إيماناً اضطرارياً فنفعها إيمانها: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا [يونس:98] أي: اضطرارياً كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] .
قال بعض العلماء: ينفعهم في الدنيا ولا ينفعهم في الآخرة.
والأظهر نفعه في الدنيا والآخرة, لكن لماذا استثنوا؟ هذا فضل من الله محض والله أعلم به.
الجواب: لا حرج أن يأخذ شيئاً يعينه على النوم, ولا ينبغي أن يترك العمل الصالح من أجل ذلك.
الجواب: نسأل الله أولاً أن يتوب علينا وعليها, واللعن شديد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير) .
نصيحتنا أن تتعود على الكلم الطيب, وتختلط بصحبة صالحة حتى تتعود كلمات طيبة تسمعها منهم.
الجواب: الأمر كلامه جل وعلا والقرآن منه, وهذه الآية احتج بها الإمام أحمد على من عارضه في أن القرآن مخلوق, فبين رحمه الله أن القرآن ليس مخلوقاً لأنه من أمره وليس من خلقه بآية الأعراف أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر