إسلام ويب

أهل الله وخاصتهللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، يتلون آياته ويتدبرون في مفرداته، ويقفون عند عبره وعظاته فيعتبرون ويتذكرون، وفي هذه المادة وقفات مع آيات، منها آية الملكين هاروت وماروت، وكذلك الباقيات الصالحات، وإلقاء المحبة على موسى.

    1.   

    عظمة القرآن

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى.

    وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، نبي شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، صلى الله وملائكته والصالحون من خلقه عليه كما عرف بالله ووحده ودعا إليه وعلى آله وأصحابه وعلى سار من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ...

    أما بعد:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ * مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت:40-43].

    أيها المؤمنون! ما أنزل كتاب من السماء على نبي من الأنبياء أعظم ولا أجل من القرآن العظيم الذي أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فما بين دفتي المصحف مما يراه المؤمن اليوم ويقرؤه هو كلام رب العزة والجلال جل جلاله، نزل به أمين السماء جبريل على قلب أمين أهل الأرض محمد صلى الله عليه وسلم، في خير ليلة هي ليلة القدر، وفي خير شهر هو شهر رمضان، أنزله الرب تبارك وتعالى ولم يكل إلى أحد من الخلق حفظه، وإنما أوكل جل وعلا حفظه إلى ذاته العلية، فقال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فكتاب بهذه المنزلة حري بأن يكون من يحفظه، ويتدبره، ويعلمه، ويقرؤه، ويتلوه، ويقوم به، ويعمل به، ويؤمن بمتشابهه، ويعمل بحكمه، حري أن يكون من أهل الله وخاصته.

    جعل الله جل وعلا لأهل القرآن في الدنيا صدور المجالس، وجعل لهم في المساجد صدور المحاريب، وجعل لهم في حياة البرزخ أول القبر، وجعلهم يوم القيامة أهل الله وخاصته

    جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم

    آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم

    ولقد عرف التاريخ الإسلامي منذ أن جمع القرآن في عهد أبي بكر إلى يومنا هذا أفذاذاً من الرجال وأئمة من الأخيار أفنوا أعمارهم وقضوا أيام حياتهم في كلام ربهم تبارك وتعالى، إما يتلونه وإما يعلمونه وإما يتدبرونه وإما يفسرونه وفي ذلك كله كانوا يعملون به؛ لأنهم يعلمون أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب إلا العمل الصالح، استفتح شيخنا الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى رحمة واسعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسير قول الله جل وعلا: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، في الحرم بعد صلاة المغرب، فمكث رحمه الله رحمة واسعة يبكي لا يقدر على أن يفسرها إلى أن أذن العشاء، كيف يتصور أن يفسد أحد في الأرض بعد أن أصلحها الله!

    وفسر قول الله جل وعلا: اهْبِطُوا مِصْرًا [البقرة:61]، في 4 ساعات دون أن يكرر كلامه أو يخرج عن معنى هذه الآية رحمه الله وعفى عنه، وهو آخر من أدركنا من الأئمة الكبار الذين يؤخذ عنهم العلم في كلام الرب تبارك وتعالى أخذاً كلياً.

    غاية المقصود من هذا كله أننا في هذا اللقاء المبارك سنتأمل آيات متفرقات من كلام الرب جل وعلا، أحياناً نتأملها تأملاً علمياً محضاً وأحياناً نتأملها تأملاً وعظياً محضاً، وأحياناً نحاول أن نجمع بين العلم والوعظ ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

    1.   

    وقفة مع آية: (وما أنزل على الملكين ببابل)

    الآية الأولى: قول الله جل وعلا: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:101-102].

    أيها المؤمنون! هذه الآية بمجملها اخترناها عمداً لكثرة الأسئلة التي ترد إلينا عن الإشكال في قوله جل وعلا: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ [البقرة:102].

    وذلك أن (ما) هنا تحتمل أن تكون نافية، وتحتمل حسب اللغة أن تكون موصولة، لكننا سنبدأ في تفسير الآيات من أولها.

    الآيات جاءت في سورة البقرة في ذكر اليهود، والله هنا يقول: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:101]، هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما معهم هي التوراة، وفي التوراة وصف لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، ذلك أن الله جل وعلا وصف محمداً وأصحابه في التوراة والإنجيل ثم ابتعثه من أعز قبيل في أكرم جيل وأمثل رعيل، صلوات الله وسلامه عليه.

    ولما قيل لـعبد الله بن سلام اليهودي الذي أسلم أتعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم هو بعينه ووصفه ونفسه؟ قال: نعم ولا أشك في ذلك، أعرفه أكثر مما أعرف ابني، ثم بين رضي الله عنه وأرضاه قال: ذلك أن أمين السماء نزل على موسى وأعطاه التوراة فأخبره بوصف نبينا صلى الله عليه وسلم، أما ابني في صلبي فلا أدري ما كان من شأن أمه كذبت علي أو صدقت!

    غاية الأمر أن يعلم أن الله هنا يقول: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [البقرة:101]، وهذا أسلوب القرآن العظيم في التحرز من تعميم الأحكام قال الله جل وعلا: فَرِيقٌ [البقرة:101]، ولم يقل (أمة اليهود بأكملها) ذلك أن كل أمة فيها الأخيار وفيها دون ذلك، قال الله جل وعلا في آية محكمة: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11].

    وهذا قول الله جل وعلا فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [البقرة:101] يشهد له الواقع، فالإسلام دين الفطرة، وما زال الناس من يهود، ومجوس، ونصارى، ووثنيون وغير ذلك يدخلون في الإسلام تباعاً حتى إن آخر يهودي أسلم قبل أيام واسمه، ميخائيل هاجر من روسيا إلى إسرائيل رغبة بأن يستوطن أرض الميعاد، وسكن في مستوطنة يهودية يقال لها: كربات أو كريات، فمكث فيها ثم هداه الله جل وعلا إلى الإسلام، فغير اسمه من ميخائيل إلى محمد المهدي ، وانتقل يسكن في قطاع غزة مع سائر المسلمين ممن يسكن في تلك البلاد المباركة.

    هذا كله يدل على التحرز القرآني في كلام الرب جل وعلا، نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [البقرة:101-102]، عدى الله الفعل (تتلو) هنا بحرف الجر (على) وهذا يحتمل أن المقصود من الآية: أن اليهود تركوا الأمر البين الواضح الذي أنزله الله جل وعلا عليهم، ولجئوا إلى الكذب.

    والآية تفهم من سياقها التاريخي، ذلك أن سليمان عليه الصلاة والسلام أعطاه الله جل وعلا أموراً عظاماً، قال الله جل وعلا: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ص:36-39].

    كان سليمان قبل أن يموت قد دفن السحر الذي جاءت به الشياطين، فلما مات أخرجته الشياطين وأخرجه اليهود ونسبوا إلى سليمان عليه السلام السحر، وإنما كان يصنعه سليمان ولم يكن معجزة من الله بزعمهم، ولهذا قال الله جل وعلا: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102]، رغم أن اليهود لم ينسبوا إلى سليمان الكفر وإنما قال الله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102]؛ لأنهم نسبوا إلى سليمان السحر والسحر هو الكفر أو قرين الكفر، أو بتعبير أوضح: السحر من الكفر، ولذلك قال الله جل وعلا: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102].

    إلى هنا لا يوجد خلاف كبير بين العلماء في معنى الآية، لكن قال الله بعدها: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [البقرة:102].

    قال فريق من العلماء: إن (ما) هنا نافية، والآية عندهم فيها تقديم وتأخير، ومعنى الآية: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102]، أن الله نفى الكفر عن سليمان، ويقولون: إن الأصل في الآية: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ [البقرة:102]، لهاروت وماروت أي: أن الله ينفي أن يكون قد أنزل على الملكين أي شيء من السحر.

    هذا معنى الآية عند بعض العلماء، واختاره القرطبي رحمه الله، وأيده الشوكاني من المتأخرين.

    لكن هذا القول لا يستقيم مع الآية أبداً؛ لأن الله قال بعدها: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا [البقرة:102]، فجاء الله بألف التثنية في (يقولا ومنهما ويتعلمان) مما يدل على أنها تعود على الملكين هاروت وماروت، فعلى هذا يبطل هذا القول في ظننا.

    القول الثاني: اختاره الإمام ابن حزم رحمه الله، وحجته أن الواو للعطف، والعطف يقتضي المغايرة وفق قواعد اللغة، يقول رحمه الله: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ [البقرة:102]، أي: الذي أنزل على الملكين غير السحر؛ لأن الواو عاطفة والعطف يقتضي المغايرة.

    والذي دفع العلماء إلى هذا القول ما روي عن ابن عمر وغيره من الصحابة بأسانيد مرفوعة وموقوفة أن الله جل وعلا أنزل الملكين هاروت وماروت وابتلاهما بالكوكب المعروف: الزهرة، تمثلت لهم كأنها امرأة ففتن بها الملكان فردها الله وجعلها كوكباً، هذا الذي جعل بعض العلماء يحيد عن معنى الآية.

    والحق إن شاء الله تعالى في تفسير الآية ما يلي:

    أما ما نقل من أن الله ابتلى الملكين بالزهرة فهذا باطل لا يمكن أن يثبت، ومجمل الأمر أن الله جل وعلا لا ملزم له ولا معقب لحكمه، فلما فشا في ذلك الزمان السحر حتى اختلط على الناس ما هو السحر وما هي معجزات الأنبياء أرسل الله جل وعلا هذين الملكين هاروت وماروت فتنة للناس يبينون للناس ما هو السحر، فإذا عرف الناس ما هو السحر عرفوا أن يفرقوا ما بين السحر ومعجزات الأنبياء، وهذا هو الذي يستقيم مع الآية، فمعنى (وما أنزل) أي: والذي أنزل على الملكين بابل هاروت وماروت.

    والذي يدل على صحة هذا المعنى قول الله جل وعلا: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ [البقرة:102]، أي: أن الملكين لا يعلمان أحداً، حتى يبينا ويقولا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، وفي هذا دلالة على أن السحر كفر، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا [البقرة:102]، أي: يتعلم شرار الناس من الملكين، مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102]، وهذا أحد أنواع السحر المنصوص عليها في كلام ربنا جل وعلا، والنوع الثاني ذكره الله جل وعلا في سورة طه: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66]، وهو سحر التخييل كما هو ظاهر في سورة طه.

    نعود للآية، قال الله جل وعلا: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، فقد يقع الضرر وقد لا يقع، وسواء وقع أو لم يقع فكل ذلك لا يمكن أن يتم ولا يكون إلا بمشيئة الله تبارك وتعالى، وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102]، وآخر الآية ظاهر بين في ذم السحر وأربابه وأتباعه ومن يقوم به ومن يؤذي الناس به، عافنا الله وإياكم من ذلك كله.

    1.   

    وقفة مع آية (المال والبنون زينة الحياة)

    تفسير الباقيات الصالحات

    الوقفة الثانية مع قول الله جل وعلا في سورة الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46].

    قال صلى الله عليه وسلم: (من أمسى معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما جمعت له الدنيا بحذافيرها).

    هذه الحياة فيها ضروريات وفيها زينة زائدة على الضروريات، فالضروريات وفق الشرع ثلاث:

    أن يكون الإنسان معافى في البدن.

    وأن يملك الإنسان قوت يومه.

    وأن يجد الإنسان أمناً ليعبد الله جل وعلا.

    وقد جمعها نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، وما زاد عن ذلك فهو من زينة الدنيا، ولهذا قال الله جل وعلا في آية الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]، أي: ليس من الضروريات، فالإنسان يمكن أن يعيش دون أن يكون له ولد، ويمكن أن يعيش دون أن يكون له مال مدخر في البنوك ولا في المصارف ولا في البيوت، ولا في الصناديق ولا في أي شيء سواها.

    لكن لا ينغص العيش إلا عدم وجود قوت اليوم، أو السقم في البدن، أو الخوف وعدم الأمن عياذاً بالله من هذه الثلاث كلها.

    فلما ذكر الله جل وعلا ضروريات الحياة بعد أن أرشد إلى زينتها جملة قال جل وعلا: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46].

    ثمة مدركات يجب أن ينتبه لها المسلم وهو يتأمل ويتدبر هذه الآية الكريمة.

    قبل أن نشرع في هذه المدركات نبين أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في الباقيات الصالحات، فمنهم من حصرها بأنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ولا ريب أن هذه من الباقيات الصالحات لكنها لا تستوعب الباقيات الصالحات كلها، والأصل والصواب أن يقال: كل عمل صالح أريد به وجه الله جل وعلا فهو من الباقيات الصالحات.

    الحياة الدنيا زهرة حائلة ونعمة زائلة

    أما التأمل في الآية تعمقاً فإننا نقول: إن الله يبين من هذه الآية أن الحياة زهرة حائلة ونعمة زائلة لا بد أن تنقضي، وما ادخره الإنسان في حياته الدنيا يتلاشى ويذهب إلا ما أريد به وجه الله جل وعلا فإنه يبقى له مدخراً يوم القيامة، والواقع أعظم الشهود فعندما يموت الرجل أو المرأة فأول ما ينسى منه اسمه، فإن الناس إذا مات الميت وجاءوا ليسألوا عنه قبل أن يغسل يقولون: أين الجثة؟ لا يقولون: أين فلان!

    ثم ينتقل الإنسان إلى مرحلة ثانية، فإذا غسل تركوا جسده كما تركوا اسمه.

    فالذي يريد أن يسأل عنك لن يقول: أين الجثة؟ ولا يقول: أين الاسم ولا أين فلان وإنما يقول: أين الجنازة؟ فينسبونك إلى الخشبة التي تحملك يقول: تبعت الجنازة، صلوا على الجنازة، أين الجنازة؟ قدموا الجنازة، أخروا الجنازة، هاتوا الجنازة.

    وبعد أن يترك بعد اسمك وجسدك تترك بالكلية، فإنه يوضع الميت في قبره فلا يقال له بعد وضعه في القبر جثة، وإنما يقولون: ميت، مصداقاً لقول الله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، فيذكر ويترحم عليه إن كان من المؤمنين.

    والغاية من هذا كله أن يسعى الإنسان في شيء باق، وهذا أعظم ما يعينك على أن تأتي الباقيات الصالحات، وهو علمك بمصيرك وأنك كما قال الرب جل وعلا في كتابه: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، فلا بد من ملاقاة الله، جعلنا الله وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله.

    الباقيات الصالحات توفيق من الله تعالى

    الأمر الثاني: أن تعلم أن الباقيات الصالحات توفيق من الله، وأن الهداية نور من الله يضعه الله جل وعلا في قلب من يشاء لا يناله أحد بعلمه ولا بجهده ولا بسعيه ولا بغدوه ولا برواحه، قال الحق تبارك وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].

    ولقد شبه الله جل وعلا قلب المؤمن بالكوة التي في الجدار والتي فيها مصباح، فالكوة نفسها هي قلب المؤمن والمصباح الذي فيها يضيء من خلال زيت، فيجتمع فيه سببان لأن يضئ، المصباح سبب، وهذا المصباح متكئ على سبب آخر هو الزيت، فالزيت تفسيره: هي الفطرة التي جعلها الله جل وعلا في قلوب الناس، والمصباح هي الآيات البينة التي أنزلها الله على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم.

    وهذه الفطرة تكاد تهدي صاحبها من غير دليل كما أن الزيت يكاد يضيء من غير نار، فتشع هذه الفطرة مع آيات الله البينات في قلب المؤمن.

    والكوة أمر مقوس محفوظ، فالشعاع فيه يبقى ظاهراً ممتلئاً، وكذلك قلب المؤمن يشع بنورين نور الفطرة التي فطره الله جل وعلا عليها ونور آيات بينات استفاد منها وجعلها الله جل وعلا في قلبه.

    ولا سبيل إلى الفطرة ولا إلى الآيات البينات إلا بالله تبارك وتعالى، قال العز بن عبد السلام رحمه الله: والله لن يصلوا إلى شيء بغير الله فكيف يوصل إلى الله بغير الله؟

    قال: فإذا كان النور يهدي إلى الله فإنه لا ينكر أن يطلب إلا من الله، قال تباركت أسماؤه وجل ثناؤه: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35]، ثم قال الله الكلمة التي توجب على العبد أن يستكين بين يدي ربه قال جل وعلا: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35].

    إن العبد إذا تأمل من حرم من هذا النور يعلم أنه فضل من الله، فكم من أستاذ جامعي لا تكاد توجد لغة إلا ويجيدها تتسابق إليه الفضائيات وتتزاحم عليه القنوات وله المال الوفير والجاه العظيم لكن غاب عنه نور الله جل وعلا فلم تكتحل عيناه يوماً بالسجود لرب العالمين تبارك وتعالى.

    فانظر فيما وصل وعما ضل حتى تعلم أن قول الحق: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35]، يستوجب أن يستكين العبد بين يدي مولاه، يسأل الله جل وعلا بكرة وعشية أن يهديه إلى نوره المبين وإلى صراطه المستقيم قال الله جل وعلا: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].

    الله وحده من يعلم الغيب

    الأمر الثالث من المدركات حول الباقيات الصالحات: أن تعلم أن الله جل وعلا وحده من يعلم الغيب كله، فكم من إنسان يسعى في أمر يؤمل خيراً فيلقى ضده، وكم ممن يؤمل غير ذلك فيلقيه الله جل وعلا الخير، ومن علم أن الغيب كله لله اطمأنت نفسه وسكن قلبه ولم يركن إلى أحد من الدنيا يتكئ عليه:

    واشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

    عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه كان بينه وبين عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي المعروف نزاع حول الخلافة، فـعبد الله في الحجاز وعبد الملك في الشام، وكان في الحجاز رجل يقال له كعب الأحبار يهودي أسلم أوتي علماً جماً من علم الكتاب الأول.

    فكان يسكن مع عبد الله بالحجاز في مكة ويحدث عبد الله ببعض ما هو كائن، فكان مما عبد الله بن الزبير أخبره أنه سيموت ويقتل على يد رجل من ثقيف، قال: يا عبد الله يقتلك رجل من ثقيف!

    فلما ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي من أهل الطائف وعلا شأنه أمر عبد الله بن الزبير أخاه مصعباً أن يقاتل المختار فقتل مصعب المختار الثقفي ، وبعث برأسه إلى عبد الله بن الزبير ، فلما وضع رأس المختار الثقفي بين يدي عبد الله بن الزبير قال رضي الله عنه دون أن يدري كل ما أخبرني به كعب الأحبار وجدته رأي العين إلا قوله إنه سيقتلني شاب من ثقيف وما أراني إلا قتلته.

    وما درى عبد الله رضي الله عنه وأرضاه أن الله خبأ له في القدر الحجاج بن يوسف الثقفي ، فمرت أيام وتوالت أعوام فبعث عبد الملك الحجاج بن يوسف وحاصر مكة، وكان من أمره أنه قتل عبد الله بن الزبير ، فوقع ما أخبر به كعب من قبل.

    موضع الشاهد من القصة أن الإنسان لا يعلم الغيب، وما دام لا يعلم الغيب فليس له مفر إلا إلى الله جل وعلا.

    وهذا العلم في هذه الآية بينه الله جل وعلا في خاتمة سورة هود قال الله جل وعلا: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123]، فإن من أعظم ما يعين على إتيان العمل الصالح أن تستسلم لأمر الله تبارك وتعالى، وأن ترضى بقضائه وقدره، وأن تعلم أن الغيب طوي عنك، قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65].

    المسارعة إلى العمل الصالح

    فهذا يعينك برحمة الله على المسارعة في الباقيات الصالحات.

    ثم تنتقل في هذه المدركات إلى أمر عظيم، وهو المسارعة إلى العمل الصالح وانتهاز الفرص.

    والناس في هذا الباب طرائق شتى كما أخبر الله جل وعلا قال سبحانه: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4].

    فمن الناس من يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة ليل نهار، جاء في سيرة نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام أن الملائكة كانت تعجب منه، يرفع لإدريس وحده من الأعمال الصالحة ما يرفع لأهل الأرض كلهم من أهل زمانه، فكانت الملائكة تغبط إدريس على هذا العمل.

    ومن تأمل سير الأخيار وطرائق الأبرار وجد كثيراً من ذلك، فمن ذلك الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ففي حادثة الإفك كانت المتهمة بالإفك هي ابنته عائشة رضي الله عنها وأرضاها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان الصديق رضي الله عنه وأرضاه على سقف بيته يقرأ القرآن فيسمع بكاء ابنته عائشة وبكاء أمها أم رومان ، فتذرف عيناه ويبكي ويقول: هذا والله أمر ما رمينا به في جاهلية ولا إسلام! ومع ذلك يمكث شهراً كاملاً يستحيي رضي الله عنه وأرضاه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويكلمه في الأمر رغم أن الشأن شأن ابنته رضي الله عنها وعن أبويها.

    فهذا عمل صالح قد لا يخطر على بال أحد.

    وكذلك أنت أيها المؤمن! في طريقك إلى الله لا تدعن عملاً تستطيع أن تعمله تعرف أن فيه رضوان الرب جل وعلا، قد تخرج من مسجد أو من مكتبة أو من مكان موصول بالإيمان فتجد رجلاً يبيع السواك وعندك في بيتك منه ما يغني؛ لكنك تتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، فتشتريه أملاً أن تنال رضوان الله جل وعلا.

    وليس المقصود ضرب الأمثال، وإنما المقصود تنبه الناس، ألا ترى إلى نبي الله يونس لما وضع في بطن الحوت وكان في الظلمات الثلاث ثم حرك أطرافه فوجدها تتحرك فعلم أنه حي فأسمعه الله جل وعلا تسبيح الحصى والثرى لرب السموات العلا، فبادر عليه السلام يتخذ في ذلك المكان عملاً صالحاً فسجد، فورد أنه قال: (اللهم إنني اتخذت لك مسجداً في مكان ما أظن أن أحداً عبدك فيه).

    وكم من بقعة في الأرض يغلب على الظن أن أحداً لم يعبد الله جل وعلا فيها، فإن أوتيتها اختياراً أو اضطراراً فلا تنس أن تعبد الله جل وعلا فيها، تدخر فيها لنفسك عملاً صالحاً، قال لي أحد الفضلاء يوماً وهو يريد أن يعمل ما يسمى بالأشعة المقطعية وهم يضعونه في أشبه بالتابوت في داخل الجهاز ليمكث 45 دقيقة؛ قال لي: يا أبا هاشم أوصني قبل أن أدخل وكان يخشى أن تطفأ الكهرباء فيموت!

    قلت له: إن استطعت أن تصلي في هذا المكان ركعتين ولو مستلقياً فافعل، فإنني لا أظن أحداً عبد الله في مثل هذا المكان.

    الغاية من هذه النصيحة لي ولكم أن يأتي الإنسان إلى موطن يغلب على الظن أنه لم يسجد لله جل وعلا سجدة، ويكون قد دخله كما قلت اختياراً أو اضطراراً فيتذكر قول الله جل وعلا: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]، فيدخر لنفسه عملاً صالحاً يخلص لله فيه النية لعل الله جل وعلا أن يتقبل منه هذا العمل يوم يلقاه، قال علي رضي الله عنه وأرضاه: إن الله أخفى اثنتين في اثنتين؛ أخفى أولياءه في عباده فلا تدري فيمن تلقاه أيهم ولي لله، وأخفى رضوانه في طاعته فلا تدري أي طاعة لك أطعت الله بها كانت سبباً في رضوان الله جل وعلا، فلا تحقرن من الأعمال الصالحة شيئاً.

    يعظم العمل بإخلاص النية

    وقد يعظم العمل بإخلاص النية، وهذا يقودنا إلى مدركة أخرى وأنت تستعد للأعمال الصالحة، ألا وهي: أن تعلم أن الله جل جلاله غني عن طاعتك، وما دام الله غنياً عن طاعتنا فإن الله غني عن أن نشرك معه أحداً.

    فكن ممن يبتغي بعلمه وجه الله والدار الآخرة ولا يشرك مع الله أحداً كائناً من كان، ولذلك أمارات في القبول أو في الرد، لكن من أعظم أمارات توحيد العبد لربه استكانة قلبه واقشعرار جلده وذروف عينيه إذا ذكر الله جل وعلا عنده؛ لأن الله قال في الضد عن أهل معصيته ممن كتب لهم الجحيم: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35].

    فمن تواضع قلبه وخضعت نفسه وسكنت لله جل وعلا خرج من هذا المفهوم والمنطوق للآية، ولعل في ذلك علامة وأمارة على قبول الله جل وعلا منه ذلك العمل.

    1.   

    وقفة مع آخر سورة الكهف

    الجنة هي أعظم غايات المؤمن

    الوقفة الثالثة أيها المؤمنون! مع قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:107-108].

    هذه الآية مما ختم الله به سورة الكهف، والمقصود من بيان هذا الأمر أمور عدة:

    الناس يسمون الخطيب الذي يتحدث كثيراً عن الجنة بأنه يطرق موضوعاً تقليدياً ويتناسون أنه لا بغية للمؤمن أعظم من الجنة؛ لأن من دخل الجنة لم تضره مصائب الدنيا، ومن أدخل النار لم تفده عطايا الدنيا.

    الجنة درجة عالية والداخل إليها لا بد أن يكون ذا قلب سليم، قال الله جل وعلا على لسان خليله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]، ومر نبيكم صلى الله عليه وسلم على أعرابي يدعو فقال الأعرابي لنبي الله ومعه معاذ : أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، ولكنني أسأل الله الجنة وأستجير به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن)، أي: لا بغية لنا ولا مطلوب لنا في دعائنا إلا أن نزحزح عن النار وندخل الجنة.

    خلاف العلماء في الجنة التي خرج منها آدم

    والجنة أيها المؤمنون! ذكرها الله جل وعلا مرات عديدة في كتابه، قال الله جل وعلا عن أبينا آدم: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، واختلف العلماء هنا في الجنة التي أمر الله آدم وزوجته أن يدخلاها.

    فقال فريق منهم: إنها جنة المأوى التي وعدها الله جل وعلا عباده، وحجتهم في هذا أن الألف واللام هنا للمعهود الذهني؛ لأن ذكر الجنة لم يمر من قبل فانتفى المعهود اللفظي، ولا يمكن أن تكون للاستغراق؛ لأنه لا يوجد إلا جنة في السماء فقالوا: لم يبق إلا المعهود الذهني.

    ومن حججهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة إذا أرادوا أن يدخلوها يجدونها مغلقة الأبواب فيأتون أباهم آدم فيقولون: يا آدم استفتح لنا الجنة، فيقول عليه السلام: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم اذهبوا إلى محمد) فقالوا: إن قول آدم (وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم)، دليل على أنها جنة المأوى.

    وقال آخرون من العلماء: إن ليست الجنة التي دخلها آدم ليست الجنة التي وعدها الله عباده.

    ومن حججهم أن إبليس وسوس للشيطان فيها وأن آدم كلف فيها، قالوا: والجنة لا سبيل إلى إبليس عليها ولا تكليف فيها، وإن آدم أخرج منها والذي يدخل الجنة يخلد ولا يخرج؛ لكن جماهير العلماء على أنها جنة المأوى، وهذه إطلالة علمية على الآية.

    أقسام الناس في دخول الجنة

    نعود للجنة: الناس بالنسبة للجنة فيها ثلاثة أصناف: قوم لا يدخلونها بالكلية، وقوم يمنعون عنها ابتداء، وقوم يدخلونها من غير حساب ولا عذاب.

    أما الذين منعوا عنها بالكلية فهم أهل إشراك، فمن مات على أي ملة غير ملة الإسلام لا يدخل الجنة، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72].

    والفريق الآخر لا يدخلونها ابتداء، ومن هؤلاء العاق لوالديه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عاق)، فمن مات وهو عاق لوالديه لا يدخل الجنة ابتداء وإن كان من أهل التوحيد والمحافظين على الصلوات؛ لأن الله جل وعلا لم يعط حقاً لأحد من الخلق بعد حق نبيه أعظم من حق الوالدين.

    فإذا وجد عبد نبذ هذا الحق الذي وضعه الله وراء ظهره وقدم عليه غيره وعامل الإحسان بالعقوق كان حقاً على الله ألا يدخله الجنة ابتداء إلا أن يشاء الله.

    ولا يدخلها مدمن الخمر، وقد لعن الله جل وعلا في الخمر عشرة كما في حديث ابن عمر ، ولا يوجد معصية في الشرع لعن النبي صلى الله عليه وسلم بسببها عشرة إلا الخمر أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

    كما لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه:

    فالإنسان إذا كان جاره وهو جاره يبقى على وجل وخوف منه فإن هذا الجار لا يكون أهلاً لأن يدخل الجنة ابتداء.

    والفريق الثالث: من يدخلها بلا حساب ولا عذاب جعلنا الله وإياكم منهم.

    اشتياق الجنة إلى الصالحين

    الأمر الثالث مما يتعلق بالجنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب إلى الجنة الشوق قال عليه الصلاة والسلام: (إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: إلى علي ، وعمار ، وسلمان)، رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين.

    أما علي رضي الله عنه فهو رابع الخلفاء الراشدين وأرضاه وأحد العشرة المبشرين، وزوج بنت نبينا صلى الله عليه وسلم المقتول غدراً في رمضان رضي الله عنه وأرضاه، ومن الترف العلمي أن يعرف الإنسان بمثله!

    وكذلك سلمان هو أحد أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم لآل فارس، اختصمت فيه الأوس والخزرج والمهاجرون والأنصار يوم الخندق فقال صلى الله عليه وسلم عنه: (سلمان منا آل البيت).

    وأما عمار فهو عمار بن ياسر أبو اليقظان رضي الله عنه وأرضاه، عمِّر حتى جاوز التسعين وشهد الجمل وصفين مع علي رضي الله عنه وأرضاه.

    وفي أيام الهجرة الأول كان يحمل لبنتين لبنتين والنبي عليه السلام وأصحابه يبنون المسجد، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على كتفه وقال: (ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن آخر عهده بالدنيا مذقة من لبن، فشهد صفين وهو رجل طويل أسمر كان يرعش من الكبر وفي يده حربة.

    وكلما خوفه أحد بالموت يقول: ليس الآن، أخبرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن آخر عهدي بالدنيا مذقة من لبن، وبينما هو في المعركة على فرسه جيء له بلبن فشربه رضي الله عنه وأرضاه وعلم أن موته قريب، فمات بعدها بقليل رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال عنه عليه الصلاة والسلام: (واهتدوا بهدي عمار).

    فهذا الصحابي الجليل عمار وسلمان ، وعلي رضي الله عنهم ممن تشتاق لهم الجنة، ونحن إلى جنات ربنا من المشتاقين، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

    1.   

    وقفة مع آية: (وألقيت عليك محبة مني)

    إلقاء المحبة على موسى عليه السلام

    الوقفة الأخيرة مع قول الله جل وعلا في كليمه موسى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39].

    الله جل وعلا يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، ويبتلي في المنع كما يبتلي في العطاء، ونبي الله موسى ألقته أمه في اليم خوفاً عليه، وهو من حيث العقل لا يستقيم، لكنه أمر الله تبارك وتعالى.

    فلما حملت الأمواج موسى إلى قصر فرعون ورأته آسية بنت مزاحم ألقى الله جل وعلا محبة موسى في قلبها فكان ذلك أحد الأسباب في بقائه واستمرار حياته بقدر الله جل وعلا، قال الله جل وعلا: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، فلا يرى موسى عبد ذو إنصاف إلا وأحبه مما ألقى الله جل وعلا عليه.

    وهذا أيها الأخ الكريم! مطلب عظيم يطلبه عباد الله وأولياؤه وقد ذكر الله جل وعلا شرطه، قال الله تعالى في سورة مريم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96]، فسر الود بأنه ما يجده الإنسان في قلوب المؤمنين من محبة وود له، وهذا لا ينال إلا بالإيمان والعمل الصالح، وقلوب العباد ليست لهم حتى يهبوك إياها.

    فمن وصل ما بينه وبين الله تكفل الله جل وعلا له بعد ذلك بكل مناه وكل غاياته وكل رغباته.

    والغاية من ذلك أن تعلم أن من أعظم العطايا وأجزل الهبات أن يمن الله عليك بمحبة الناس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالإيمان والعمل الصالح، وهذا يسوقنا إلى بعض ممن كان يحبهم نبينا صلى الله عليه وسلم.

    محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد

    وقد كان النبي عليه السلام يحب الصحابة كلهم لكن بعضهم ألقى الله عليه محبة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويؤثره على غيره، ويأتي في مقدمة هؤلاء أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه، غلام أسود أفطس خفيف البدن، وذكر الذهبي في الأعلام خبراً عن عائشة أن مخاطه رضي الله عنه وأرضاه نزل فبادر النبي صلى الله عليه وسلم ليمسحه فقالت عائشة : (يا نبي الله! أنا أمسحه عنك، فقال: يا عائشة إني أحبه فأحبيه).

    ولما جاء دفنه قال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: عجلوا بدفن حب نبي الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تغرب الشمس.

    في حجة الوداع كان حول النبي صلى الله عليه وسلم بعض أبناء عمومته ممن يشبهون خلقه وخلقه يضيئون كالبدر مثل الحسن ، والحسين ، وجعفر ، وأبناء العباس كـالقاسم والفضل وخيار الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتمهل قبل أن يركب القصواء، فيأتي حدثاء العهد بالإيمان يظنون أمراً عظيماً على سننهم في الجاهلية وأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ لأمر عظيم.

    فيجيء يجري رضي الله عنه وأرضاه أسود أفطس خفيف البدن فيركب القصواء ويحضن نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، فعندها يتحرك تتحرك ناقته ويمضي في سيره صلوات الله وسلامه عليه، يضعه صلى الله عليه وسلم على فخذه الأيسر، والحسن على فخذه الأيمن ويقول: (اللهم إني أحبهما فأحبهما) يجزل له عمر بن الخطاب العطاء فيأته ابنه عبد الله فيعاتبه فيقول له: يا بني! والله لقد كان أحب إلى رسول الله منك؛ رضي الله عنه وأرضاه.

    هذا من أعظم الدلائل على أن هذه أشياء يجعلها الله جل وعلا لمن يشاء، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يسمع من الناس التشكيك في نسب أسامة ؛ لأنه كان أسود وأبوه زيد بن حارثة شديد البياض كالقطن، فناما ذات يوم في لحاف واحد وقد غطيت رءوسهما وظهرت أقدامهما، فجاء رجل من بني مدلج أهل القيافة فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فدخل صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه على عائشة قال: (يا عائشة ! أما علمت أن مجززاً المدلجي نظر إلى قدمي أسامة وأبيه فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) يفرح صلى الله عليه وسلم وكأنما بشر بشيء من السماء؛ لأن رجلاً شهد أن أسامة هو ابن لـزيد .

    هذا كله من أعظم الدلائل على أن هناك فضلاً محضاً يضعه الله جل وعلا لمن يشاء.

    ونحن نحب أسامة لأن نبينا صلى الله عليه وسلم يحبه، ومن محبة الله ورسوله أن تحب ما أحبه الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.

    محبة رسول الله لخاله سعد وزوجه خديجة

    وأحب نبينا صلى الله عليه وسلم خاله سعد بن أبي وقاص ، فإنه من بني زهرة وآمنة بنت وهب من بني زهرة، ورآه عليه الصلاة والسلام يمشي فقال: (هذا خالي فليرني أمرؤ خاله) وقال له يوم أحد: (ارم سعد فداك أبي وأمي)، وما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لـسعد رضي الله عنه وأرضاه.

    أحب نبينا صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ، وكان يذبح الصدقات فيرسلها في قرائب خديجة ، ودخلت عليه هالة أخت خديجة تستأذنه، فلما دخلت تمنى أن تكون هالة قبل أن يعلم أنها هالة قال: (اللهم اجعلها هالة) حتى يتذكر خديجة رضي الله عنها وأرضاها.

    وهي أول هذه الأمة إسلاماً بلا ريب ولا شك، ولم يسبقها إلى الإسلام أحد من الأمة لا رجل ولا امرأة ولا كبير ولا صغير رضوان الله تعالى عليها.

    هؤلاء طائفة ممن أحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    محبة رسول الله لأحد والمدينة وغيرهما

    وأحب نبيكم جبل أحد، فلما صعد عليه ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان رجف الجبل فرحاً وفرقاً وفخراً، قال القاضي عياض : فرح الجبل بمن عليه من الشرفاء وبما حازه من الشرف فسكنه صلى الله عليه وسلم بقدميه وقال: (اثبت أحد، إنما عليك نبي وصديق وشهيدان).

    قدم له صلى الله عليه وسلم هذا كله مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كانت حوله أشياء يحبها، والمؤمن اليوم إذا وفق للسنة وفق لهدي النبوة، يصنع الشيء وربما لا يوافق جبلته، لكن يصنعه تقرباً إلى الله بموافقة نبينا صلى الله عليه وسلم.

    وهذا زمن الصيف، وقد جمع نبيكم في زمن الصيف بين البطيخ الأصفر والرطب، فكان يأكل الرطب ويأكل البطيخ الأصفر ويقول: (نكسر حر هذا ببرد هذا، ونكسر برد هذا بحر هذا).

    لو أن رجلاً يدخل على أبنائه ومعه رطب ومعه بطيخ أصفر فيجمع أبناءه ثم يقسم بينهم البطيخ والرطب ويقول: أحبوا ما أحبه نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ فهذا مما يغرس الإيمان في القلوب، ويكسب الرقة في القلب، ويجعل الإنسان على بينة من أمره.

    هذه القلوب آنية وأعظمها ما كان ممتلئاً بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو وكلنا لأعمالنا لم ندخل الجنة قط ولكنها رحمة الله يضعها الله جل وعلا لمن يشاء.

    ورحمة الله تستجلب وتستدر وتطلب منه تبارك وتعالى بكرة وعشياً، تارة في الدعاء، وتارة بالنوايا، وتارة بالعمل الجامع للنوايا الحسنة، وما عجزنا عنه كله لا نتركه، بل نأخذ بعضاً منه ونتقرب إلى الله بما كان يحبه ويحبه رسولنا صلى الله عليه وسلم.

    أحب نبيكم عليه الصلاة والسلام مدينته.

    فإذا أقبل عليها أرخى زمام ناقته وقال: (هذه أرواح طيبة)، ودخلها صلى الله عليه وسلم فرحاً مسروراً، وكان يبدأ بالمسجد صلوات الله وسلامه عليه، وذات يوم ضرب رمانة منبره ثلاثاً بيده وهو يخطب قد احمرت عيناه وهو يقول: (هذه طابة .. هذه طابة .. هذه طابة، والله لا يدخلها الدجال ولا الطاعون) صلوات الله وسلامه عليه.

    فمن أحب ما يحبه الله ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا الذي رق قلبه وحسنت نيته وصلح عمله.

    هذا ما تهيأ إيراده وتيسر إعداده جمعنا به بين علم ووعظ، ونحن إن قدمنا أو أخرنا مجتهدون، والموفق للخير والمعين والمتقبل هو الله جل وعلا.

    اللهم لك الحمد أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة، أنت الرحمن الرحيم، لا رب غيرك ولا إله سواك، تعطي وتمنع وتخفض وترفع؛ فتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعل ما قلناه وسمعناه ذخراً لنا يوم نلقاك إنك أنت العزيز الكريم.

    وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين ...

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768252789