إسلام ويب

الإيمان والكفر [9]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثيرة هي النصوص التي أتت بإثبات العذاب لعصاة الموحدين الذين ماتوا قبل أن يتوبوا من ذنوبهم تلك، وكثير هي أيضاً تلك النصوص التي أتت بإثبات خروجهم من النار كأحاديث الشفاعة، ولا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، لكن ينبغي للمسلم أن يحذر الذنوب والمعاصي؛ لأنها بريد الكفر، وطريق النار.

    1.   

    شرح حديث: ( ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

    فما زلنا في استعراض المباحث الستة المتعلقة بمسائل الإيمان والكفر، وأنهينا الكلام فيما سبق على فاسق أهل القبلة، وأن الفاسق من أهل القبلة مؤمن ناقص الإيمان، أو هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم، فينفى عنه الإيمان بالكلية، وإنما يقال: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه وما معه من التصديق، فاسق بكبيرته ومعصيته، وذكرنا أمثلة كثيرة على أن الكفر والفسوق والعصيان والظلم والنفاق والشرك والجهل منه ما يخرج من الملة ومنه ما هو دون ذلك، فهناك كفران: كفر أكبر يخرج من الملة، وكفر دون كفر ، وكذلك النفاق والشرك وغير ذلك.

    والاعتقاد بعقائد الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة شذوذ عن أهل السنة والجماعة في عقائدهم، وهذا من أكبر الضلال الذي يستوجب فساد العقيدة، وبالتالي دخول النار.

    فقد روى أبو داود والدارمي والإمام أحمد والحاكم وغيرهم عن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه قال: (ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة) قال الحاكم بعد أن ساق أسانيده: هذه الأسانيد تقام بها الحجة. وصحح بها الحديث، ووافقه الذهبي ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو حديث صحيح مشهور، وصححه الشاطبي في الاعتصام وغيره من العلماء.

    إلا أن الشيخ صديق حسن خان في كتابه: يقظة أولي الاعتبار. ذهب إلى أن هذه الزيادة في آخر الحديث: (( كلها في النار إلا واحدة)، قال: هذه زيادة ضعيفة، ونقل تضعيف هذه الزيادة عن شيخ شيوخه الشوكاني ، ومن قبلة ابن الوزير ، ومن قبله أيضاً ابن حزم ، واستحسن قول من قال: إن هذا الزيادة من دسيس الملاحدة؛ فإن فيها التنفير عن الإسلام، والتخويف من الدخول فيه، وهذا غير صحيح من الناحية الحديثية، فالنقد العلمي الحديثي -كما قال بذلك الجهابذة المحققون- دل على صحة هذه الزياد (كلها في النار إلا واحدة)، فلا عبرة بقول من ضعفها إذا كان ليس من أهل العلم الراسخين في علم الحديث، كما قال الإمام الحافظ العراقي رحمه الله في ألفيته:

    ولا تعن به - أي: العلم الحديث - ولا تأخذ بالظن ولا تقلد غير أهل الفن

    فينبغي للحكم بالتصحيح والتضعيف أن يتحرى اتباع أهل فن وعلم الحديث الخبراء فيه، وإلا يكون غير ممتثل تلك البيعة التي بايع عليها الصحابة رضي الله عنهم النبي عليه الصلاة والسلام: (وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله)، فيترك الأمر لأهله أهل الحديث؛ إذ هم الذين يتكلمون، فعلماء الحديث صححوا هذا الحديث، والتقليد الذي أشار إليه الحافظ العراقي ليس هو التقليد المذموم في الفقه الذي هو: أخذ قول الغير بغير دليل في المسائل الفقهية، لكن التقليد هنا من باب قبول شهادة هذا العالم أو الإمام الذي حكم بالتصحيح؛ لأن قول الإمام العراقي أو غيره من الأئمة: هذا الحديث صحيح، يعني: أنه تحرى وتتبع طرق الحديث ورجاله إلى أن حكم عليه بهذه الصحة، المقصود: أن من صحح هذه الزيادة أكثر وأعلم من ابن حزم ، خاصة أنه معروف عند أهل العلم بالتشدد في نقل الأحاديث، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة، فكيف وقد خالفه هؤلاء الأئمة.

    أيضاً ابن الوزير يرد هذه الجهة من جهة المعنى لا من جهة الإسناد، قال: إن فيها تنفير عن دخول الإسلام. وهذا يقتضي أن الذي يدخل الجنة من هذه الأمة قليل، بينما النصوص الثابتة الصحيحة تدل على أن الداخلين من هذه الأمة الجنة كثير، وأنهم سيبلغون نصف أهل الجنة، كيف يكون الجواب؟

    يجاب عليهم أولاً: بأن الثلاث والسبعين فرقة كلهم من أهل القبلة، ولكن الفرقة الواحدة التي هي أهل الجماعة يدخلون الجنة، ولكن الفرق الاثنين وسبعين لهم نصيب من النار، وسوف يدخلون الجنة.

    ثانياً: أنهم لا يخلدون في النار.

    ثالثاً: ليس معنى أن الأمة ستنقسم على ثلاثة وسبعين فرقة أن يكون أكثر هذه الأمة في النار؛ لأن أكثر هذه الأمة عوام، لم يدخلوا في تلك الفرق، والذين اخترقوا وقعدوا وأبطلوا مخالفين السنة هم قليلون بالنسبة لمن جالسوا النوابغ كلهم من أهل السنة والجماعة، فعدد الفرق بالنظر إلى مؤسسيها والذين يضعون قواعدها وأصولها قليل؛ فهؤلاء هم الذين يشذون ويستحقون ذلك الوعيد، أما العوام فهم من أهل السنة، وما من شك أنهم الأغلبية في كل عصر وفي كل مصر.

    رابعاً: ليس كل من خالف أهل السنة في مسألة من المسائل يعد من الفرق المخالفة للسنة، بل المراد بهؤلاء: الذين يتبنوا أصولاً تصيرهم فرقة مستقلة بنفسها تركوا من أجلها نصوصاً كثيرة من الكتاب والسنة؛ كالخوارج والمعتزلة والرافضة. أما الذين يتبنون الكتاب والسنة ولا يحيدون عنهما، فكونهم يختلفون في مسألة من المسائل أو مسألتين فليسوا بذلك يعدون فرقة من الفرق.

    خامساً: هذه الزيادة، وهي: قوله صلى الله عليه وسل (كلها في النار إلا واحدة)، دلت على أن الفرق المخالفة في النار لكنها لم توجب لها الخلود في النار، مع أن بعض هذه الفرق لديها بعض بدع تكفر وتخرج من الملة وتخلد أهلها في النار كغلاة الشيعة الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر كالإسماعيلية والنصيرية والبهائية ونحو ذلك، حتى أنه وجد في مصر من طالبوا بأن يوضع في خانة الديانة في البطاقات الشخصية بدل مسلم يكتب: بهائي، وهذا مما طالب به بعض البهائية منذ زمن.

    المقصود: أن أهل هذه الفرق الذين شذوا عن أهل السنة والجماعة لا يستوجبون بذلك في كل الأحوال الخلود في النار.. بل منهم فرق قليلة تخرج من الإسلام بالكلية، وتستوجب الخلود في النار كهذه الفرق، ومنهم من خالف أهل السنة في مسائل عظيمة كبيرة من مسائل أصول الدين، لكنها لا تصل إلى حد الكفر.

    فهؤلاء وإن لم يكن لهم وعد مطلق بدخول الجنة لكنهم تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وقد تكون لبعضهم أعمال عظيمة صالحة تنجيهم من النار، وقد يخرجون من النار بشفاعة الشافعين، وقد يدخلون النار ويمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين تبارك وتعالى.

    1.   

    ذنوب توعد الشرع أهلها بالنار

    الامتناع عن الهجرة

    أما عن الممتنعين من الهجرة من ديار الكفار مع القدرة؛ فلا يجوز للمسلم أن يقيم في دار الكفر إذا وجدت دار الإسلام، خصوصاً إذا كان مكثه في دار الكفر يعرضه للفتنة في دينه، فالله تبارك وتعالى لم يقبل عذر الذين تخلفوا عن الهجرة، وأخبرنا في القرآن الكريم كيف أن الملائكة تبكت وتوبخ هذا الصنف من الناس، وذلك حينما تأتيهم عند الاحتضار وعند خرج أرواحهم؛ وكذلك الملائكة لا تعذرهم حينما يدعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:97-98]، فلم يعذر الله من هؤلاء الذين أقاموا وسط الكفار بمحض إرادتهم، إلا المستضعفين الذين لا يجدون حيلة للخروج، ولا يهتدون إلى الطريق الذي يوصلهم إلى دار الإسلام، أما اليوم فللأسف الشديد صارت كلمة الهجرة يراد بها الهجرة إلى أستراليا أو أمريكا أو أوروبا، بدلاً من أن تكون الهجرة من دار الكفر إلى بلاد المسلمين انعكس الحال وصارت الهجرة عندهم إلى بلاد الكفرة، غير مبالين بذلك الوعيد الشديد، وغير مبالين بقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم)، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة. وفي الحقيقة كان كثير من الإخوة يثير هذه القضية لسبب أو لآخر، فكان مما قلت في بعض المناسبات لأحد الإخوة: إن هذه السفارات التي تشتكي من الزحام على أبوابها بالذات سفارة أمريكا وغيرها لو أنهم فقهوا لعلقوا جزءاً من آية في سورة البقرة على باب القنصلية الأمريكية والسفارة الأمريكية، فلعل بعضاً أو كثيراً من المسلمين يرعوي إذا رأى هذه الآية، هذا الجزء من الآية هو قول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، لو أنهم علقوها على أبواب القنصليات والسفارات لأبى الشباب أن يخرج من بلاد المسلمين إلى حيث لا أذان إلا ما شاء الله، وحيث الفتن العظيمة والدنيا التي تفتن الناس، فتنة الأهل والأولاد والمعاصي، وحيث الكفر عال وظاهر، وحيث المنكر معروفاً والمعروف منكراً، حيث ضعف الدين فلا تكاد تجد إنساناً يذهب إلى هذه الأماكن ويرجع أحسن مما كان، فمن ذهب إليها وعاد بإيمانه سليماً فهذه بطولة، أما أن يزيد فليس هناك مظنة الزيادة في الدين، لكن مظنة الدين أن تنتقل إلى المكان الذي يكون فيه دينك أقوى، حتى لو كان في غير البلاد الإسلامية، في بعض البلاد قد يعاني المسلم إما من ضيق الرزق أو غير ذلك من الأذى؛ فيبحث عن المكان الذي يعينه على دينه أكثر، فيكون المقياس ما هو الأسلم لدينك؟ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ [الزمر:10]. كما قال تعالى، وهي ما زالت واسعة وسوف تبقى واسعة لكن العبرة بالصدق، فمن تحرى وأخذ بالأسباب؛ فإن الله تبارك وتعالى وعد من يتقيه بأن يجعل له مخرجاً: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، فإذا أنت حاولت وعانيت ثم لم تجد مخرجاً؛ فهذا يدل على أن في تقواك نقصاً ولم تحقق التقوى، حقق فعل الشرط وعلى الله جوابه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] فمن لم يتق الله لا يجعل الله له مخرجاً، فمن أراد أن يعالج أزمة ضيق الرزق بالخروج إلى بلاد الكفار وربما هناك يشتغل في المحرمات والشبهات كالخمر والخنزير، وربما بأفعال غير مناسبة للمسلم وتتصادم مع عقيدته ودينه فهذا لم يتق الله، فكيف يظن أن الله سيجعل له مخرجاً؟! على أي حال هذه من الذنوب التي يتهاون فيها كثير من الناس؛ لضعف تعظيم الدين في قلوبهم إلا من رحم الله، هناك حالات استثنائية بلا شك لكن ليس كل من يذهبون يخضعون لهذا الاستثناء، فالناس هناك إما معذورون وإما آثمون ببقائهم في وسط ديار الكفار، حتى تصل الفتنة والعياذ بالله ببعض الناس من شدة حاجتهم إلى المال أن ينضم إلى الجيش الأمريكي؛ لما يعطى من المميزات والأموال.

    الجور في الحكم

    من هؤلاء الذين توعدهم الله تبارك وتعالى بالنار وهم من أهل التوحيد: الجائرون في الحكم، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)، هذا الثالث قضى للناس على جهل حتى لو صادف حكمه الحق فإنه يكون في النار؛ لأنه قضى بجهل.

    الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

    من هذه الذنوب الخطيرة: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، هذه من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد)؛ لأن الكذب على النبي صلى الله عليه وآله سلم يستوجب أن يضاف إلى الشريعة ما ليس منها؛ لأن سنته حجة فمن كذب عليه فقد أضاف إلى الدين ما ليس منه، فأهل السنة يعتبرون هذا من الكبائر المهلكة المستوجبة دخول النار، وإن لم يكفروا صاحبها ويخلدوه في النار خلافاً للخوارج.

    الكبر

    قتل النفس التي حرم الله

    من هذه الذنوب: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وهذا الذنب بالذات من الأشياء المختلف في خلود صاحبها في النار، لكن عموم أهل السنة والراجح: أن قاتل النفس ليس مخلداً في النار، بل هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فلا يجوز أبداً قتل النفس التي حرم الله إلا بإحدى ثلاثة أفعال كما جاء في الحديث المتفق عليه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس -قصاص- والثيب الزاني يرجم والتارك لدينه المفارق للجماعة)، يعني: المرتد المفارق لجماعة المسلمين، ومما يؤسف له تلاعب بعض الجماعات الجاهلة والمبتدعة بمثل هذه النصوص، فيستدلون بهذه النصوص التي وردت بشأن جماعة أهل الإسلام وجماعة المسلمين في حق جماعتهم، فيقول: إن من يخرج عن جماعتهم يستحلون قتلهم، بسبب سوء فهمهم لمثل هذا النص، تقول: ما الدليل على قتل الذي يخرج عن جماعتكم أو ينسل منها كما حصل من جماعة التكفير والهجرة، أو بتعبير أدق: كما كانت تسمي نفسها: جماعة المسلمين، بمعنى: أنهم هم جماعة المسلمين ومن لم يدخل في جماعتهم ويبايع أميرهم فليس من المسلمين، وهو خارج عن الإسلام وكافر، ويجب الانتماء لهذه الجماعة حتى تكون مسلماً، فهذا أيضاً من التلاعب بنصوص الوحي من السنة الشريفة، إنما المقصود بقوله: (التارك لدينه المفارق للجماعة)، ما جاء في الرواية الأخرى: (قتل النفس التي حرم الله، أو زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان)، فعبر عن هذا التعبير في نص آخر بقوله هذا. وقال عليه الصلاة والسلام: (لم يزل المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقاتل المسلمين بعضهم بعضاً، وأخبر أن القاتل والمقتول في النار، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)، ولذلك فإن ذلك العبد الصالح ابن آدم أبى أن يقاتل أخاه خشية أن يكون من أهل النار، فباء القاتل بإثمه وإثم أخيه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ، لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29] .

    أكل الربا

    من هذه الذنوب التي تستوجب دخول النار: أكل الربا، يقول الله تبارك وتعالى في حق الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله إياه: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، وقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130] وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، مع أن الخطاب للمؤمنين لكن يذكر بعض العلماء أنها أخوف آية في القرآن؛ لأن الله يخوفهم هذه النار؛ لأنهم أكلوا الربا فلذا هو يخوفهم النار التي خلقت أصلاً للكافرين، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، ومعروف أن النبي عليه الصلاة والسلام عد آكل الربا من السبع الموبقات، فقال في الحديث: (اجتنوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

    أكل أموال الناس بالباطل

    أيضاً من هؤلاء الذين يستوجبون عذاب النار: من يأكلون أموال الناس بالباطل، فهذا من الظلم العظيم الذي يستوجب العقوبة بالنار، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء:30]، وما أكثر صور أكل أموال الناس بالباطل في هذا الزمان، كأكل أموال اليتامى ظلماً، وخص الله تبارك وتعالى هذه المعصية بالذكر لضعف اليتامى عن متابعة أموالهم، وسهولة أكل أموالهم ممن لا خلاق له، يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] .

    التصوير

    أيضاً من أشد الناس عذاباً حتى لو كان من الموحدين: المصورون الذين يضاهئون ويتشبهون بخلق الله تبارك وتعالى، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أشد الناس عذاباً عند الله المصورون)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فيعذبه الله في جهنم)، متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام لـعائشة في النمرقة التي كان فيها التصاوير (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) يعني: أنتم تتشبهون بفعل الله فهيا أحيوا ما خلقتم. ووصل افتتان بعض هؤلاء المصورين أنه بعدما صنع بعض التماثيل، ومن شدة فتنته وخذلان الله إياه أنه صرخ في التمثال بعدما صنعه قائلاً: هيا انطق، إمعاناً في مضاهاة خلق الله تبارك وتعالى، فتصوير ذوات الأرواح هذا من خصائص الله عز وجل، فلا يجوز للإنسان أبداً أن يرسم بيده صورة شيء له روح أو تماثيل، والتصوير نقطة، واتخاذ التصاوير نقطة أخرى، فحتى من يبيح بعض أنواع التصوير فعليه أيضاً ألا يبيح اتخاذها وتعلقيها في مواطن التعظيم على هيئة التوقير، كما يفعل بصور المشايخ والأقارب والأجداد؛ فهذا من أقبح الذنوب، واتخاذ الصور معصية إضافية بجانب ذنب التصوير في حد ذاته، فينبغي ألا تتخذ وألا تصور، وقال عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله)، يعني: يتشبهون بخلق الله تبارك وتعالى، فالذي يصور وينازع الله تبارك وتعالى في هذه الخصيصة، من تصوير ذوات الأرواح، فهو يضاهي ويتشبه بفعل الله، فكما يحرم تشبيه الله بخلقه، يحرم تشبه المخلوق بفعل الخالق الذي اختص به الله تبارك وتعالى. ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة) متفق عليه. ومعروف أن هناك فرقاً من اليهود والنصارى يحرمون التصوير، فلسنا وحدنا المتطرفين في هذا الباب مع التجوز في هذا التعبير، ففي فترة من الفترات أعلن عن أحداث معينة حصلت في المسجد الأقصى عن طائفة من اليهود لعنهم الله، كانوا يتظاهرون ويستنكرون التصوير، ويقولون: الدين اليهودي لا يبيح التصوير، فلذلك هم يستنكرون ذلك، ووصفوهم آنذاك بالتطرف، وأيضاً توجد طوائف من النصارى تحرم التصوير، وتحرم اتخاذ الصور والتماثيل.

    الركون إلى الظالمين وموالاتهم

    من الأسباب التي تدخل النار: الركون إلى الظالمين، وموالاة أعداء الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، فهذا أيضاً نص على أن من يركن إلى الظالمين أو يوالي أعداء الله تبارك وتعالى ويوادهم، فإنه يستحق دخول النار.

    الكاسيات العاريات والذين يجلدون ظهور الناس

    من هؤلاء أيضاً: الكاسيات العاريات، والذين يجلدون ظهور الناس، فهذه الأنواع من أهل النار.. هؤلاء النسوة الفاسقات المتبرجات اللواتي يفتن عباد الله، ولا يستقمن على طاعة الله، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)، أخرجه مسلم وغيره.

    يقول القرطبي في الذين رآهم كأذناب البقر: يبدو أن السياط بهذه الصورة التي نعتاد نحن الآن على معرفتها، وتكون مثل أسياط البقر؛ مدبب من نهايته ورفيع، ثم يكون سميكاً من أعلى ويبدو أنها لم تكن معروفة من قبل فلذلك وصفها لهم النبي عليه الصلاة والسلام على أنها شيء غريب، وبعضهم كان يقول: نحن قد رأيناها وصفتها كذا وكذا، أما نحن الآن فهذا شيء نعتاده من كثرة ما شاع وذاع، يقول القرطبي : وهذه الصفة للسياط مشاهدة عندنا بالمغرب إلى الآن. وقال صديق حسن خان معلقاً على قول القرطبي : بل هو مشاهد في كل زمان ومكان، ويزداد يوماً فيوماً عند الأمراء والأعيان؛ فنعوذ بالله من جميع ما كرهه الله، وهذا معروف في كثير من البلاد؛ إذا مازالت حتى الآن تستعمل هذه السياط في جلد أبشار الناس.

    تعذيب الحيوان

    من هؤلاء أيضاً: الذين يعذبون الحيوان، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها -في هنا السببية- ربطتها فلم تطعهما ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً) ، إذا كان هذا حال من يعذب هرة فكيف بمن يتفنن في تعذيب العباد؟! وكيف أيضاً إذا كان هذا التعذيب ليس للعباد الفاسقين وإنما للصالحين من الشباب والمسلمين بسبب إيمانهم وإسلامهم واستقامتهم على طاعة ربهم؟! فالله المستعان!

    الرياء في طلب العلم

    أيضاً من هذه الذنوب التي تستوجب دخول النار حتى ولو كان موحداً: عدم الإخلاص في طلب العلم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله)، يعني: المصيبة أن الذي يتعلم ابتغاء الرياء وابتغاء مدح الناس أو ليماري به العلماء أو يجادل بها السفهاء، ويصرف وجوه الناس إليه ليس فقط يحبط عمله، لو كانت القضية أنه لا له ولا عليه. هذا قد يكون فيه نوع من السلامة والعافية له، لكنه ليس فقط يحبس أجره بل إنه يعذب بسبب هذا الشرك وهذا الرياء، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرْف الجنة يوم القيامة)، يعني: رائحة الجنة، ومنه قوله تعالى على أحد التفاسير: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:6]، يعني: طيبها لهم.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس؛ فمن فعل ذلك فالنار النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار) .

    الشرب في آنية الذهب والفضة

    من هذه الذنوب التي تستوجب دخول النار: أن يشرب الإنسان في آنية الذهب والفضة، بعض الناس يتفاخرون أنهم يملكون أواني الذهب والفضة، وأن فلانة لما تزوجت كان من أثاثها آنية الفضة وملاعق الفضة، وهذا مما لا يجوز بأي حال من الأحوال، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ، وفي رواية لـمسلم : (إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير والديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة)، متفق عليه.

    قطع شجر السدر

    قطع شجر السدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار) ، وأيضاً قال عليه الصلاة والسلام: (إن الذين يقطعون السدر - الأشجار - يصبون في النار على رءوسهم صباً)، الشاهد: أن هذا الذنب سواء قلنا: إن هذا من باب الذي يقطعه وهو داخل الحرم أو لا؛ فإن من يقطع شجر السدر داخل الحرم فإنما: (يصبون في النار على رءوسهم صباً) .

    الانتحار

    من هذه الذنوب التي تستوجب عذاب النار والعياذ بالله: الانتحار، أن يبادر الإنسان بقتل نفسه والعياذ بالله، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديديته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ، هو يريد أن يتخلص من بعض الهموم الدنيوية والمصيبة في ماله، أو غير ذلك.. يريد أن يتخلص ويستريح فيوقع نفسه في عذاب لا ينتهي والعياذ بالله، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يخنق نفسها يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار) .

    الممتنعون عن الهجرة

    يوجد قسم من الفرق التي تستوجب دخول النار بسبب الذنوب ولا يخلد أصحابها في النار، وإن دخلوها بسبب هذه الذنوب.

    أما عن الممتنعين من الهجرة؛ فلا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر إذا وجدت ديار الإسلام، خصوصاً إذا كان مكثه في ديار الكفر يعرضه للفتنة في دينه، فالله تبارك وتعالى لم يقبل عذر الذين تخلفوا عن الهجرة، وأخبرنا في القرآن الكريم كيف أن الملائكة تبكت وتوبخ هذا الصنف من الناس حال الموت، وذلك حينما تأتيهم الملائكة عند الاحتضار وتخرج أرواحهم؛ فإن الملائكة لا تعذرهم حينما يدعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97] إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98]، فلم يعذر الله من هؤلاء الذين أقاموا وسط الكفار بمحض إرادتهم إلا المستضعفين الذين لا يجدون حيلة للخروج، ولا يهتدون إلى الطريق الذي يوصلهم إلى ديار الإسلام، أما اليوم فللأسف الشديد صارت كلمة الهجرة يراد بها الهجرة إلى أستراليا أو أمريكا أو أوروبا، فانعكس الحال.. بدلاً من أن تكون الهجرة من ديار الكفر إلى بلاد المسلمين انعكس الحال وصارت الهجرة عندهم إلى بلاد الكفرة غير مبالين بذلك الوعيد الشديد، وغير مبالين بقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين}، وقال صلى الله عليه وسلم: {برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم}، إلى غير ذلك من جملة كبيرة من الأحاديث.

    وفي الحقيقة كان كثير من الإخوة يثير هذه القضية لسبب أو لآخر، فكان مما قلت في بعض المناسبات لأحد الإخوة: إن هذه السفارات التي تشتكي من الزحام على أبوابها بالذات سفارة أمريكا وغيرها لو أنهم فقهوا لعلقوا جزءاً من آية سورة البقرة على باب القنصلية الأمريكية والسفارة الأمريكية، فلعل بعضاً أو كثيراً من المسلمين يرعوي إذا رأى هذه الآية، هذا الجزء من الآية هو قول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، لو أنهم علقوها على أبواب القنصليات والسفارات لأبى هذا الشباب الذي يخرج من بلاد المسلمين إلى حيث لا أذان إلا ما شاء الله وحيث الفتن العظيمة، والدنيا التي تفتن الناس، فتنة الأهل والأولاد والمعاصي، وحيث الكفر عال وظاهر، وحيث المنكر معروفاً والمعروف منكراً، حيث ضعف الدين فلا تكاد تجد إنساناً يذهب إلى هذه الأماكن ويرجع أحسن مما كان، فمن ذهب إليها وعاد بإيمانه سليماً فهذه بطولة، أما أن يزيد فليس هناك مظنة الزيادة في الدين، لكن مظنة الدين: أن تنتقل إلى المكان الذي يكون فيه دينك أقوى حتى لو كان غير البلاد الإسلامية، في بعض البلاد قد يعاني المسلم إما من ضيق الرزق أو غير ذلك من الأذى؛ فيبحث عن المكان الذي يعينه على دينه أكثر فيكون المقياس: ما هو الأسلم لدينك؟ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ [الزمر:10]. كما قال تعالى، وهي ما زالت واسعة وسوف تبقى واسعة لكن العبرة بالصدق، فمن تحرى وأخذ بالأسباب؛ فإن الله تبارك وتعالى وعد من يتقيه بأن يجعل له مخرجاً: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3]، فإذا أنت حاولت وعانيت، ثم لم تجد مخرجاً؛ دل هذا على أن في تقواك نقص؛ فأنت لم تحقق التقوى، حقق فعل الشرط وعلى الله جوابه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، فمن لم يتق الله لا يجعل الله له مخرجاً، فمن أراد أن يعالج أزمة ضيق الرزق بالخروج إلى بلاد الكفار وربما هناك يشتغل في المحرمات والشبهات والخنزير، وربما بأفعال غير مناسبة للمسلم وتتصادم مع عقيدته ودينه فهو لم يتق الله، فكيف يظن أن الله سيجعل له مخرجاً؟!

    على أي الأحوال هذه من الذنوب التي يتهاون فيها كثير من الناس؛ لضعف تعظيم الدين في قلوبهم إلا من رحم الله، هناك حالات استثنائية بلا شك لكن ليس كل من يذهبون يخضعون لهذا الاستثناء، فالناس هناك إما معذورون وإما آثمون ببقائهم في وسط ديار الكفار، حتى تصل الفتنة -والعياذ بالله- ببعض الناس من شدة حاجتهم إلى المال أن ينضم إلى الجيش الأمريكي لما يعطى من المميزات والأموال.

    الجائرون في الحكم

    أيضاً من هؤلاء الذين توعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنار، أو توعدهم الله تبارك وتعالى بالنار وهم من أهل التوحيد: الجائرون في الحكم، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] .

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: {القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار}، هذا الثالث قضى للناس على جهل حتى لو صادف حكمه الحق لكن لأنه قضى بجهل، فهذا أيضاً يكون في النار.

    التصوير مضاهاة لخلق الله

    أيضاً من أشد الناس عذاباً حتى لو كان من الموحدين: المصورون الذين يضاهئون ويتشبهون بخلق الله تبارك وتعالى، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أشد الناس عذاباً عند الله المصورون}، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فيعذبه الله في جهنم}، متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام لـعائشة في النمرقة التي كان فيها التصاوير، قال: {إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم}، أنتم تتشبهون بفعل الله فهيا أحيوا ما خلقتكم.

    ووصل افتتان بعض هؤلاء المصورين: أنه بعدما صنع بعض التماثيل، ومن شدة فتنته وخذلان الله إياه: أنه صرخ في التمثال بعدما صنعه، قال: هيا انطق، انطق. إمعانا في مضاهاة خلق الله تبارك وتعالى، فتصوير ذوات الأرواح هذا من خصائص الله عز وجل، فلا يجوز للإنسان أبداً أن يرسم بيده صورة شيء له روح أو تماثيل، والتصوير نقطة، واتخاذ التصاوير نقطة أخرى، فحتى من يبيح بعض أنواع التصوير للأسف فعليه أيضاً أن لا يبيح اتخاذها وتعلقيها في مواطن التعظيم على هيئة التوقير، كما يفعل بصور المشايخ والأقارب والأجداد فهذا من أقبح الذنوب اتخاذ الصور معصية إضافية بجانب ذنب التصوير في حد ذاته، فينبغي أن لا تتخذ وأن لا تصور، وقال عليه الصلاة والسلام: {أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله}، يعني: يتشبهون بخلق الله تبارك وتعالى، فالذي يصور وينازع الله تبارك وتعالى في هذه الخصيصة: تصوير ذوات الأرواح، فهو يضاهئ ويتشبه بفعل الله، فكما يحرم تشبيه الله بخلقه، يحرم تشبه المخلوق بفعل الخالق الذي اختص به الله تبارك وتعالى.

    ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: {قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة} متفق عليه. ومعروف أن هناك فرق من اليهود والنصارى يحرمون التصوير، فلسنا وحدنا المتطرفين في هذا الباب، مع التجوز في هذا التعبير، ففي فترة من الفترات أعلن عن أحداث معينة حصلت في المسجد الأقصى عن طائفة من اليهود -لعنهم الله- كانوا يتظاهرون ويستنكرون منكر التصوير، ويقولون: الدين اليهودي لا يبيح التصوير، فلذلك هم يستنكرون ذلك، ووصفوهم آنذاك بالتطرف، وأيضاً توجد طوائف من النصارى تحرم التصوير، وتحرم اتخاذ الصور والتماثيل.

    الركون إلى الظالمين

    من الأسباب التي تدخل النار: الركون إلى الظالمين، وموالاة أعداء الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، فهذا أيضاً نص على أن من يركن إلى الظالمين أو يوالي أعداء الله تبارك وتعالى ويوادهم فإنه يستحق دخول النار.

    التحذير من التساهل بالمعاصي

    هذه جملة من الأحاديث تدل على أن هناك صنفاً من أهل النار لا يخلدون فيها، وكون الإنسان إذا مات على التوحيد فإنه ينجو من الخلود في النار، لكن إذا كان له ذنوب فإنه يعذب بها في جنهم، بعض الناس قد تتساهل في الأمر، وتقول: إذاً: سواء طالت أم قصرت سنخرج من النار، من قال لك: أنك ستموت على التوحيد؟ ومن ضمن لك أنك تموت على الإيمان وعلى التوحيد؟ أتظن أن الأمر في يدك أنت؟! هذا لا يملكه إلا الله تبارك وتعالى الذي يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم إن من المعروف أن المعاصي هي بريد الكفر، حيث تتدرج بالإنسان حتى توقعه في الكفر، والإنسان إذا تساهل في المعاصي ربما تنتهي به إلى الكفر والردة عن الإسلام.

    أيضاً يتخيل هذا الإنسان ويجرب تجربة هو يقول: ماذا سيحصل لو أمكث في النار خمسة آلاف سنة أو عشرة آلاف سنة أو مليون سنة حتى، وبعد ذلك أخرج منها؟ نقول له: ضع يدك في هذه النار من نار الدنيا ثم انظر كم تتحمل هذه النار التي هي جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، كما قال عليه الصلاة والسلام: {إن ناركم هذه الذي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم}، فهذا من أتفه الناس عقولاً الذي يتهاون بالمعاصي، ويغتر بربه الكريم، ويظن أن المسألة يسيرة وهينة، وسبق أن تلونا الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: {يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يخرج منها ويقال له: يا ابن آدم! هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت خيراً قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت نعيماً قط، وما مر بي خير قط}، هذا بمجرد أن يغمس غمسة في جهنم فقط ينسى كل النعيم وقد كان أنعم إنسان في الدنيا.

    إذاً: هذه بعض النصوص ترد على المرجئة الذين يقولون: إن المعاصي لا تضر أهل الإيمان ولا تؤثر في إيمانهم، والخوارج يقولون: هذه المعاصي تكفر فاعلها وتخرجه من الملة بالكلية. وأهل الحق وسط بين إفراط هؤلاء وتفريط أولئك فهم يقولون: إن المسلم العاصي يبقى في دائرة الإسلام وفي دائرة التوحيد لكن إيمانه ينقص بهذه المعاصي، ويستوجب عقوبة الله تبارك وتعالى، لكنه لا يخلد في جهنم، ولا يستوي مع من كفر بالله وأشرك به تبارك وتعالى.

    1.   

    التحذير من التساهل بالمعاصي

    هذه جملة من الأحاديث تدل على أن هناك صنفاً من أهل النار لا يخلدون فيها، وكون الإنسان إذا مات على التوحيد فإنه ينجو من الخلود في النار، لكن إذا كان له ذنوب فإنه يعذب بها في جهنم، بعض الناس قد تتساهل في الأمر، وتقول: سواء طالت المدة أم قصرت سنخرج من النار، ضمن لك أنك ستموت على الإيمان وعلى التوحيد؟ أتظن أن الأمر في يدك أنت؟! هذا لا يملكه إلا الله تبارك وتعالى الذي يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم إن من المعروف أن المعاصي هي بريد الكفر، حيث تتدرج بالإنسان حتى توقعه في الكفر، والإنسان إذا تساهل في المعاصي ربما تنتهي به إلى الكفر والردة عن الإسلام. أيضاً يتخيل هذا الإنسان ويجرب تجربة هو يقول: ماذا سيحصل لو أمكث في النار خمسة آلاف سنة أو عشرة آلاف سنة أو مليون سنة، وبعد ذلك أخرج منها؟ نقول له: ضع يدك في هذه النار من نار الدنيا ثم انظر كم تتحمل هذه النار التي هي جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن ناركم هذه الذي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)، فهذا من أتفه الناس عقلاً الذي يتهاون بالمعاصي، ويغتر بربه الكريم، ويظن أن المسألة يسيرة وهينة، وسبق أن تلونا الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يخرج منها ويقال له: يا ابن آدم! هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت خيراً قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت نعيماً قط، وما مر بي خير قط)، هذا بمجرد أن يغمس غمسة في جهنم فقط ينسى كل النعيم وقد كان أنعم إنسان في الدنيا. إذاً: فهذه بعض النصوص التي ترد على المرجئة الذين يقولون: إن المعاصي لا تضر أهل الإيمان ولا تؤثر في إيمانهم، وعلى الخوارج الذين يقولون: هذه المعاصي تكفر فاعلها وتخرجه من الملة بالكلية. وأهل الحق وسط بين إفراط هؤلاء وتفريط أولئك فهم يقولون: إن المسلم العاصي يبقى في دائرة الإسلام وفي دائرة التوحيد، لكن إيمانه ينقص بهذه المعاصي، ويستوجب عقوبة الله تبارك وتعالى، لكنه لا يخلد في جهنم، ولا يستوي مع من كفر بالله وأشرك به تبارك وتعالى.

    1.   

    العاصي لا يخلد في النار وأمره إلى الله

    الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في كتابه المبارك معارج القبول عنون لها بقوله: العاصي لا يخلد في النار وأمره إلى الله، وقال في المسألة الثالثة: فاسق أهل القبلة مؤمن ناقص الإيمان قال:

    والفاسق الملي ذو العصيان لم ينف عنه مطلق الإيمان

    لكن بقدر الفسق والمعاصي إيمانه ما زال في انتقاص

    ثم قال:

    ولا نقول إنه في النار مخلد بل أمره للباري

    تحت مشيئة الإله النافذه إن شا عفا عنه وإن شا آخذه

    بقدر ذنبه وإلى الجنان يخرج إن مات على الإيمان

    (ولا نقول إنه)، يعني: لا نقول: إن الفاسق العاصي الذي فسق بالمعاصي التي لا توجب كفراً، لا نقول: إنه في النار مخلد.

    (بل أمره للباري): بل أمره وحكمه مردود للباري، إما أن يجازيه بذنبه، وإما أن يعفو عنه تبارك وتعالى.

    (تحت مشيئة الإله النافذة): تحت مشيئة الإله النافذة في خلقه، فلا يدخل تحت المشيئة إلا من كان موحداً.

    (إن شا عفا عنه): وأدخله الجنة من أول وهلة برحمته وفضله لذلك الإنسان، مهما ترى من إنسان مقيماً على المعاصي دعه وربه، نعم تنكر عليه وتنصحه لكن لا تتألى على الله، لا تقل له: أنت ستدخل جهنم، أو أنت من أهل النار، لا تقل هذا أبداً خشية أن يعاقبك الله أشد العقوبة، فلا يجوز أبداً أن ننظر إلى ذنوب الناس نظرة أننا أرباب، كما جاء في الأثر عن عيسى عليه السلام: (ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا فيها كأنكم عبيد، إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى؛ فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية].

    لكن الإنسان يتطاول ويستطيل على خلق الله بأنه يصلى والآخر لا يصلي؛ بأنه مستقيم والآخر مبتلى بالخمر أو بأي شي من هذه المعاصي، نعم يجب عليك الإنكار بالقلب ثم باللسان أو اليد حسب الاستطاعة، لكن ليس معنى هذا أن تتحكم في رحمة الله: قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء:100]، أمور القلوب لا يعلمها ولا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالى؛ فرب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزة واستكباراً، كما قال بعض السلف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً، أحب إلى من أبيت قائماً وأصبح معجباً. أي: بعمله، فالإنسان لا يغتر؛ إن قلبك ليس في يدك إنما هو ملك الله سبحانه وتعالى يقلبه كيف يشاء، فلا تتطاول على عباد الله، من هنا كان خطر التمادي في قضية التكفير.. إنسان دائماً يضع نفسه في موقع الحكم على خلق الله ومحاكمتهم وإدخالهم الجنة أو النار، فهذا ليس إلينا، فينبغي الحذر من التمادي في هذا الباب وإلا فإننا سوف ننازع الله تبارك وتعالى في صفات ربوبيته، وكأننا لا نرضى إلا بمحاكمة الناس طبقاً لما في قلوبهم، لا نرضى بظاهرهم.

    الشاهد: أنه يجب عليك أن تنكر المنكر حسب استطاعتك، لكن في نفس الوقت ليس لك شأن بالجنة والنار، لا تقل لفلان: أنت لست من أهل الجنة، وربنا سيدخلك النار، فإن هذا من التألي على الله، وعقوبته شديدة كما قدمنا.

    ولا نقول إنه في النار مخلد بل أمره للباري

    تحت مشيئة الإله النافذه إن شا عفا عنه وإن شا آخذه

    بقدر ذنبه وإلى الجنان يخرج إن مات على الإيمان

    عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابة - عصابة يعني مجموعة عصبة - : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف؛ فمن وفى منكم؛ فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، (من أصاب من ذلك) يعني: غير الشرك مثل السرقة الزنا القتل .. إلى آخره (شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له)، يعني: إذا أقيم الحد على الإنسان فهذه كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله عليه، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، بمحض رحمته تبارك وتعالى.

    قد يرتكب إنساناً ذنوباً صغيرة جداً، لكن جرأته على الله تبارك وتعالى واستهانته بهذه المعصية قد ترفعه إلى حد الكبيرة، وربما إنسان ارتكب كبيرة، لكن يقترن بهذه الكبيرة من الاستحياء من الله، والخوف من عذابه، والوجل من هيبته تبارك وتعالى ما يلحقها بالصغيرة، بل يعفو الله تبارك وتعالى عنها، فهذه أحوال القلوب لا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالى.

    يقول عبادة : فبايعناه على ذلك.

    فيخرج من النار إن كان مات على الإيمان، كما جاء في حديث الشفاعة: وأنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، بل يخرج منها برحمة أرحم الراحمين، ثم بشفاعة الشافعين .

    1.   

    معنى الحساب اليسير للعبد يوم القيامة

    يقول الشيخ: والعرض تيسير الحساب في النبا ومن يناقش الحساب عذبا قوله: (والعرض تيسير الحساب في النبا)، يعني: جاءنا في النبأ والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحساب اليسير هو العرض، إشارة إلى تفسير النبي صلى الله عليه وآله سلم لقوله تبارك وتعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:7-8]. وجاء في صحيح البخاري وغيره من طرق عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب) يعني: إذا حصلت مناقشة وأخذ ورد مع المرء هذا لا بد أنه سيعذب، أما الحساب اليسير فهو مجرد عرض الأعمال فقط. وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت: يا رسول الله! جعلني الله فداك! أليس يقول الله عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:7-8]، قال ذلك: العرض) . معروف أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا صح عنه تفسير آية من كتاب الله فيجب المصير إلى تفسيره؛ لأنه أعرف الناس بكلام الله عز وجل، ولا يجوز النظر فيما خالفه، فهنا يجب تفسير كلمة الحساب اليسير بعرض الأعمال على الله عز وجل، يعني: يقول الله تبارك وتعالى للعبد: أتذكر يوم كذا؟ أتذكر يوم كذا؟ أتذكر يوم كذا؟ ويذكره بجميع الذنوب التي فعلها، أحصاه الله ونسوه.

    1.   

    طبقات العصاة من أهل التوحيد

    ثم يقول الشيخ:

    والعرض تيسير الحساب في النبا ومن يناقش الحساب عذبا

    (والعرض تيسير الحساب في النبا)، يعني: جاءنا في النبأ والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحساب اليسير هو العرض إشارة إلى تفسير النبي صلى الله عليه وآله سلم لقوله تبارك وتعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الانشقاق:7]، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:8].

    وجاء في صحيح البخاري وغيره من طرق عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس أحد يحاسب إلا هلك) ، وفي رواية أخرى: (من نوقش الحساب عذب) ، إذا حصل مناقشة وأخذ ورد هذا لا بد أنه سيعذب، أما الحساب اليسير فهو مجرد عرض الأعمال فقط.

    قال عليه الصلاة والسلام: (ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت: يا رسول الله! جعلني الله فداك! أليس يقول الله عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الانشقاق:7]، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:8]، قال ذلك: العرض) .

    معروف أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا صح عنه تفسير آية من كتاب الله فيجب المصير إلى تفسيره؛ لأنه أعرف الناس بكلام الله عز وجل، ولا يجوز النظر فيما خالفه، فهنا يجب تفسير كلمة الحساب اليسير بعرض الأعمال على الله عز وجل. (قال: ذلك العرض، ومن نوقش الحساب هلك)، يعني: يقول الله تبارك وتعالى للعبد: أتذكر يوم كذا؟ أتذكر يوم كذا؟ أتذكر يوم كذا؟ ويذكره بجميع الذنوب التي فعلها، أحصاه الله ونسوه.

    وفي بعض الروايات: (من نوقش الحساب عذب).

    إذا عرفت هذا فاعلم أن الذي أثبتته الآيات القرآنية والسنن النبوية، ودرج عليه السلف الصالح والصدر الأول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أئمة التفسير والحديث والسنة: أن العصاة من أهل التوحيد على ثلاث طبقات: الطبقة الأولى: قوم رجحت حسناتهم بسيئاتهم. الحسنات أكبر من السيئات، هؤلاء سيدخلون الجنة من أول وهلة ولا تمسهم النار أبداً، اللهم اجعلنا منهم.

    الطبقة الثانية: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وتكافأت، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار. فالسيئات التي فعلوها منعتهم من دخول الجنة، والحسنات التي فعلوها لم تجاوزهم عن النار، فهؤلاء هم أصحاب الأعراف الذين ذكر الله تعالى أنهم يوقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، كما ذكر تبارك وتعالى ذلك بعد أن دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، كما في سورة الأعراف بعدما حكى أن أهل الجنة دخلوا الجنة، وأهل النار دخلوا النار، حينئذ يقول تبارك وتعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44] الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ [الأعراف:45] وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [الأعراف:46] ، بعض الناس يستغربون: كيف ستتم مخاطبة أهل الجنة وأهل النار؟ هناك آيات كثيرة في القرآن تدل على وقوع التخاصم والأخذ والرد بين الطرفين سبحان الله! إن كنت أنت في الدنيا هنا يستطيع إنسان وهو في مكان آخر ومن خلال الشاشات التلفزيونية أو تليفونات يمكن أن يرى من يكلمه على جهاز التلفون، فالله سبحانه وتعالى أقدر من البشر بلا شك على أن يقع هذا بقدرته تبارك وتعالى.

    وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [الأعراف:46]، يعني: هذا السور الذي بين الجنة والنار وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ [الأعراف:46] وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:47] وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف:48] أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:49]، فهذه الطبقة الثانية تساوت حسناتهم مع سيئاتهم وهم أصحاب الأعراف.

    الطبقة الثالثة: قوم لقوا الله تعالى مصرين على كبائر الإثم والفواحش.

    التوبة من كل ذنب مقبولة، لكن بشرط أن تأتي في زمان التوبة، والتوبة لها أجلان: أجل في حق عمر الإنسان، وأجل في حق عمر الدنيا، فالتوبة بالنسبة لعمر الإنسان تقبل منه ما لم يغرغر غرغرة الروح حين الاحتضار وخروج روحه، التوبة ساعتها لا تنفع ولا تقبل، أما في حق عمر الدنيا؟ فإذا طلعت الشمس من المغرب أغلق باب التوبة: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

    فمن لقي الله تبارك وتعالى وهو مصر على المعاصي دون أن يتوب منها ومعه أصل التوحيد، فترجح سيئاتهم على حسناتهم، هؤلاء هم الطبقة الثالثة الذين يدخلون النار بقدر ذنوبهم، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم فوق ذلك حتى إن منهم من لم يحرم منه على النار إلا أثر السجود، فحسب المعاصي هؤلاء يتفاوت حظهم من النار والعياذ بالله.

    ولما يذكر مثل هذه الأشياء حذاري أن يتخيل الإنسان أن هذا الكلام لغيرنا، كأن الحق فيه على غيرنا وجب، وكأن الموت فيه على غيرنا كتب، فالإنسان يستحضر أنه ربما إن لم يرحمه الله تبارك وتعالى يكون من هؤلاء الهالكين والخاسرين، فالله عز وجل حرم على النار أن تأكل أثر السجود، فمنهم من تأكل النار كل جسده إلا أثر السجود، وهؤلاء هم الذين يأذن الله تبارك وتعالى بالشفاعة فيهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء من بعده والأولياء والملائكة ومن شاء الله أن يكرمه.

    فعادة أهل البدع والضلال: أنهم يؤصلون أصولاً موافقة لأهوائهم ثم يتحكمون بها في نصوص الشرع، فلذلك تجد الخوارج المبتدعة لما وجدوا أحاديث الشفاعة مع أنها أحاديث متواترة تصدم عقيدتهم وأصلهم الذي أصلوه، وتثبت أن هناك قوماً يدخلون النار ثم يخرجون منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين أو برحمة الله، فلذلك أحاديث الشفاعة كذبوا بها بالكلية.

    المقصود: أن هؤلاء الذين ماتوا مصرين على بعض الكبائر والمعاصي يشفع الله تبارك وتعالى فيهم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وغيره، فيحد لهم حداً فيخرجونهم، ثم يحد لهم حداً آخر فيخرجونهم وهكذا، فيخرجون من كان في قلبه وزن دينار من خير، ثم من كان في قلبه نصف دينار من خير، ثم برة، ثم خردلة، ثم ذرة، ثم أدنى من ذلك إلى أن يقول الشفعاء: ربنا لم نذر فيها خيراً أي: لم يبق في جهنم أحد في قلبه حتى أقل من أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من الخير، ويخرج الله تعالى من النار أقواماً لا يعلم عدتهم إلا هو بدون شفاعة الشافعين، ولن يخلد في النار أحد من الموحدين ولو عمل أي عمل، ولكن كل من كان منهم أعظم إيماناً وأخف ذنباً كان أخف عذاباً في النار، وأقل مكثاً فيها، وأسرع خروجاً منها، وكل من كان أضعف إيماناً وأعظم ذنباً كان بضد ذلك والعياذ بالله، والأحاديث في هذا الباب لا تحصى كثرة، وأشار إلى هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من الدهر، يصيبه قبل ذلك ما أصابه)، فهذا يفهم منه: أن من مات على التوحيد، وكان له بعض هذه الذنوب التي لم يتب منها، فربما أصابه ما يصيبه من العذاب في النار أو عند الاحتضار عند خروج الروح أو في القبر أو في البرزخ أو في أهوال يوم القيامة أو بالنار نفسها والعياذ بالله فقوله عليه الصلاة والسلام: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من الدهر، يصيبه قبل ذلك ما أصابه)، هذا مقام ضلت فيه الأفهام، وزلت فيه الأقدام، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

    بقي الكلام على مسألة واحدة من هذه المسائل الستة ويتبقى في نفس هذه المسألة كلام مهم جداً للإمام أبي بكر إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله تعالى في الجمع بين النصوص المتقابلة والتي احتج بها كل فريق من المرجئة أو الخوارج والمعتزلة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765797524