وبعد:
فقد خلق الله عز وجل هذا الخلق -الإنسان- لهدف جليل ولحكمة نبيلة أوضحها الله في محكم التنزيل فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فالوظيفة الرئيسية للإنسان هي العبادة، وحتى يعبد الله عز وجل على بصيرة أنزل الله كتابه الكريم، وأرسل رسوله صلوات الله وسلامه، عليه وبيّن للناس طريق الحق ودعاهم إليه، وبين لهم طريق الباطل وحذرهم منه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة، فسار الموفقون -أصحاب البصيرة- ساروا في الطريق الصحيح الذي يقول الله فيه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] صراط مستقيم واضح لا اعوجاج فيه ولا غبش ولا التواءات ولا انحناءات، والأمر بالاتباع لا بالابتداع، والتحذير من السبل التي على رأس كل منها شيطان يزينها، ويملي للناس ويسول لهم في الدخول فيها، والنهاية أنها تفرق عن سبيل الله فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] هذه وصية الله، سار الموفقون في الطريق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- وانحرف العمي المخذولون الذين ما عرفوا حقيقة هذه الحياة، ولم يعرفوا دورهم، ولماذا خلقهم الله عليها، ساروا في الطرق الملتوية، اتبعوا الشياطين، وساروا في ركابهم: اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] وسبب ذلك: أنهم عميٌ ما فتحوا بصائرهم على طريق الله، يقول عز وجل: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72] من عاش في الدنيا أعمى عن طريق الله حشره الله أعمى عن صراط الله؛ لأن أول الصراط هنا ونهايته الجنة، امسك الصراط هنا وامسك الخط الصحيح ولا تمل يميناً ولا شمالاً والنهاية الجنة، لكن من زاغ هنا زاغ هناك، ومن انحرف هنا انحرف هناك، ومن ضل هنا ضل هناك، وأكثر من ذلك، قال: وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72] ويستغرب الأعمى يوم أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيراً قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طـه:125-126] نسيتها وتعاميت عنها وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طـه:126] والجزاء من جنس العمل، من نسي آيات الله نسيه الله بالعذاب هناك، ومعنى: نسيان الله يعني: إهماله له، وخلوده في جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.
ولكن هذا الطريق -أيها الإخوة- الذي هو طريق السعادة يحتاج إلى علم ومعرفة، وبغير العلم والدراية والمعرفة لا يستطيع أن يواصل السير فيه، لا تكفي العاطفة، والحماس، ولا تكفي الرغبة، بل لا بد من إشارات وإرشادات، وعلامات ودلالات يتمسك بها الإنسان حتى يصل إلى الله، فإن الطريق بعيد، والعقبة كئود، والحمل ثقيل، والبحر عميق، والسفر طويل، والناقد بصير، ولا يخارجك -أيها الإنسان- إلا الذي لا إله إلا هو بعد أن تأخذ بالأسباب.
الدرس الأول في هذه الرسالة يتعلق بالقاعدة التي يبنى عليها الدين وهي: شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله.
وهي المفتاح التي تفتح به الجنة، وهي الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى الإسلام، إذ لا يقبل من الإنسان عمل إلا بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الكلمة العظيمة هي التي قالها الله لموسى عندما قال موسى: (يا رب! علمني قولاً أذكرك به، قال: يا موسى! قل لا إله إلا الله، قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى! لو أن السماوات والأرض وعامرهن غيري وضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله).
ومعنى هذه الكلمة: أن (لا إله) نافية لجميع ما يعبد من دون الله، فكل إله باطل إلا الله، (إلا الله) تثبت الألوهية لله وحده لا شريك له، ولذا الجاهليون ما قالوها، لأنهم يعرفون مدلولها، ولذا قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] لأنهم يعبدون ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة، وعندهم آلهة بشرية وآلهة صنمية، ومن كل نوع: يعبدون الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والجن، والشجر، والحجر، والتمر، والكلاب وحتى الفروج والشيطان، ولكن لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد الأولى، معناها: لا إله معبود بحق (إلا الله) تنفي جميع المعبودات إلا الله، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له.
ولها شروط سبعة لا بد من معرفتها:
الشرط الأول: العلم وهو منافٍ للجهل.
الشرط الثاني: اليقين وهو منافٍ للشك.
لا بد أن تقول: لا إله إلا الله موقناً من قلبك يقيناً جازماً ثابتاً لا يزول ولو زالت الجبال عن أماكنها، لا يخالطك فيها شك، فهذا هو اليقين المنافي للشك.
الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك.
لا بد أن تقولها مخلصاً بها، إذ من قالها وهو يشرك مع الله لا تنفعه لا إله إلا الله ولو قالها مليون مرة.
الرابع: الصدق المنافي للكذب.
تقولها صادقاً، لا كما قالها المنافقون الكذبة، في عهد الرسول حين قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10].
الخامس: المحبة المنافية للبغض.
تحب لا إله إلا الله، وتحب أهل لا إله إلا الله، وتحب في لا إله إلا الله، وتوالي من أجل لا إله إلا الله، وتعادي من أجل لا إله إلا الله، وتبغض من أجل لا إله إلا الله، وتحيا من أجل لا إله إلا الله، وتموت في سبيل لا إله إلا الله، هذا معنى المحبة.
السادس: الانقياد المنافي للترك.
تنقاد لأحكام لا إله إلا الله، تخضع وتذعن وتستسلم لأوامر لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
السابع: القبول المنافي للرد.
تقبل لا إله إلا الله بصدر منشرح، تفرح بأحكام لا إله إلا الله بقلب مفتوح، الموجة متجهة إلى الله عز وجل، لماذا؟ لأن الذي يعمل بغير رغبة ومحبة ولا قبول لا يقبل الله منه، يقول الله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] هذا معنى شروط لا إله إلا الله.
أما معنى وشروط أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعناه: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، هذه معنى أن محمداً رسول الله، تقتضي هذه الكلمة منك ما دمت تشهد وتعتقد أن هذا رسول أرسله الله إلى الجن والإنس فإن مقتضى هذه الشهادة وهذا الإيمان يلزمك إلزاماً أن تطيعه فيما أمر، وأن تصدقه فيما أخبر، وأن تجتنب عما عنه نهى وزجر، وألا تعبد الله إلا بما شرع هو لا تعبده بما تفتكره من رأسك، وبما تمليه عليك أهواؤك أو استحساناتك، لا. لا دين إلا ما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مرتبة الإسلام، ومرتبة الإيمان، ومرتبة الإحسان، وهذه المراتب الثلاث جاءت في حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (جاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وجلس وسأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، قال
علم الرسول صلى الله عليه وسلم مراتب الدين الثلاثة، وعلمه من ضمنها أركان الإيمان، أي: الأسس التي يقوم عليها الإيمان وهي ستة:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
التوحيد الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، وحدت الله بفعلك فاعتقدت أنه هو الخالق لوحده، وهو الرازق لوحده، وهو المحيي لوحده.
فأما أنت قف على دليل وارض بما وسع رسول الله ووسع صحابة رسول الله ووسع سلف هذه الأمة، وأهل السنة والجماعة الذين وصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأثبتوا له صفات الكمال من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، هذا هو التوحيد.
والشرك هو: صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، وهو ثلاث درجات: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي.
الثاني: إقامة الصلاة، ومعنى إقامة الصلاة؟ أداءها الأداء الشرعي في جماعة المسلمين، في كمال الطهارة والخضوع والخشوع وحضور القلب.
الثالث: إيتاء الزكاة المفروضة في الأموال المعلومة وبالأنصبة المعروفة والمحددة.
الرابع: صوم رمضان بجميع متطلباته وآدابه.
الخامس: حج بيت الله الحرام بعد توفر دواعيه ومتطلباته.
هذه هي أركان الإسلام الخمسة.
وكذلك الصلاة يجب فيها تسعة شروط قبل الدخول إلى المسجد، إذا نقص شرط واحد لا تدخل، وفر التسعة وادخل، وقدم أوراقك ولعل الله أن يقبلك، ما هذه الشروط التسعة؟
فلا يقبل الله الصلاة من كافر، لو أتى شخص يصلي وهو غير مسلم، ما شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فلا تقبل صلاته.
ثانياً: العقل، فلا تقبل صلاة المجنون؛ لأن العقل مناط التكليف.
ثالثاً: التمييز.
رابعاً: رفع الحدث، والحدث حدثان: حدث أكبر، وحدث أصغر:
فالحدث الأكبر سببه الجنابة أو الحيض أو النفاس، والجنابة تقع إما بإخراج المني أو بالتقاء الختانين، أو بجهد المرأة، وهذه يرفعها الغسل.
والحدث الثاني: حدث أصغر وهو: نقض الوضوء بأحد نواقض الوضوء التي سوف تأتي إن شاء الله ورفعه بالوضوء، فلا بد أن ترفع الحدث، لو أتيت تصلي والحدث عليك فلا تقبل صلاتك.
خامساً: إزالة النجاسة.
أن تزيل النجاسة من ثوبك ومن بدنك ومن البقعة التي تصلي عليها.
سادساً: ستر العورة: أن تستر عورتك، وحدود عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة وكفيها ما لم يرها أجنبي.
سابعاً: دخول الوقت.
لا يصح أن تصلي قبل دخول الوقت، كأن تكون مستعجلاً وتريد أن تسافر، فتصلي قبل دخول الوقت بساعة أو ساعتين فهذا لا ينفع، لا بد أن تصلي بعد دخول الوقت.
الثامن: استقبال القبلة، فلو صلى الإنسان إلى غير قبلة لا تقبل صلاته، ما لم يكن جاهلاً فإنه يجتهد ويتحرى وحيث ما يولي -إن شاء الله، بعد الاجتهاد- فثم وجه الله عز وجل.
التاسع: النية.
والنية عمل قلبي لا يُتلفظ به كما يصنع بعض الناس، فالنية محلها القلب، تقف بين يدي الله وتنوي بقلبك والله يعلم ما في قلبك، لكن التلفظ بها كما نسمع بعض الناس يقول: نويت أن أصلي المغرب ثلاث ركعات مباركات اللهم تقبلها مني، هذه بدعة منكرة ليس عليها دليل من الله ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل ما ليس عليه دليل فهو رد على صاحبه.
هذه شروط الصلاة.
الركن الأول: القيام: والله عز وجل جعله مع القدرة، بحيث إذا كنت غير قادر أن تصلي قائماً فصل جالساً، أو على جنب، فإن كنت غير قادر أن تصلي على جنب فصل مستلقياً، فإن كنت غير قادر أن تصلي على جنبك أو مستلقياً فصل بطرفك أو إيماء بطرفك، فإن كنت لا تستطيع أن تومئ بعينك ولا بطرفك أومئ بقلبك، ما دام قلبك موجوداً فلابد أن تصلي.
الركن الثاني: تكبيرة الإحرام: وهي التي في أول الصلاة، لو أتى شخص في الصلاة ووقف وقرأ الفاتحة، صلاته باطلة، فلا بد أن يستفتح بتكبيرة الإحرام.
الركن الثالث: قراءة الفاتحة -أم الكتاب- لحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
الركن الرابع: الركوع، الذي يُسمى ركوع الهُوي، هذا ركن، لو أتى شخص وقرأ الفاتحة وركع بسرعة وسجد دون أن يركع فصلاته باطلة، لا بد من الركوع.
الركن الخامس: الرفع من الركوع: لا يكفي أن تركع ثم تختصرها هناك وتسجد، لا بد أن ترفع حتى تعتدل قائماً.
الركن السادس: الاعتدال، ليس فقط أن ترفع، بل ترفع وتعتدل؛ لأن بعض الناس قد يرفع ثم ينزل مباشرة، يجب أن ترفع ثم تعتدل قائماً.
الركن السابع: السجود على الأعضاء السبعة وهي: الجبهة والأنف وهما عضوان؛ في الوجه، واليدين والركبتين وبطون أصابع القدمين، هذه سبعة أعظم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) من رفع منها عضواً بطلت صلاته، لو سجد الشخص على جبهته ورفع أنفه -مثل بعض الناس ينطح الأرض بجبهته ويرفع أنفه- فصلاته باطلة، ولو سجد على أنفه ورفع جبهته فصلاته باطلة، ولو رفع أرجله من وراء فصلاته باطلة، لا بد أن تسجد على سبعة أعظم؛ لأنها ركن من أركان الصلاة.
الركن الثامن: الرفع من السجود.
الركن التاسع: الجلسة بين السجدتين، ترفع من السجود ثم تجلس بين السجدتين.
الركن العاشر: الطمأنينة في جميع الأركان.
يعني: تطمئن وتسكن ولا تسرع، مثلما يصنع بعض الناس في صلاتهم؛ لأن العجلة والارتباك هذه لا تجعل لك صلاة، وتطمئن في كل ركن بحيث يأخذ كل ركن حقه من الطمأنينة في جميع الأركان.
الركن الحادي عشر: التشهد الأخير الذي في آخر الصلاة.
الركن الثاني عشر: الجلوس للتشهد، فلو تشهدت وأنت واقف فليس لك صلاة وصلاتك باطلة.
الركن الثالث عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تتشهد ثم تقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد.. الصلاة الإبراهيمية.
الركن الرابع عشر: التسليمتان.
وهي آخر شيء، بحيث لو صليت وقبل أن تكمل قمت وما قلت: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فالصلاة باطلة، فلا بد أن تختتم بالتسليم كما ابتدأت بالتكبير.
والركن إذا عدم بطلت الصلاة، عمداً كان أو سهواً.
الأول: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام.
يعني: تكبيرة الركوع، تكبيرة السجود، تكبيرة الرفع من السجود، هذه كلها تكبيرات يسمونها تكبيرات الانتقال، هذه واجبات بحيث إذا لم يأت بها الشخص عمداً بطلت صلاته، أما إذا سها فيسجد للسهو.
الثاني: قول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والذي يصلي منفرداً يقول: سمع الله لمن حمده.
الثالث: قول: ربنا ولك الحمد، للإمام والمأموم والمنفرد، فالإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول هو في نفسه: ربنا ولك الحمد، والمأمومون يقولون بعده: ربنا ولك الحمد.
الرابع: قول: سبحان ربي العظيم في الركوع.
الخامس: قول: سبحان ربي الأعلى في السجود.
السادس: قول: رب اغفر لي وارحمني. في الجلوس بين السجدتين.
السابع: التشهد الأول الذي بعد الركعتين الأولين في الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
الثامن: الجلوس للتشهد.
هذه هي واجبات الصلاة، وهي ثمانية واجبات والحمد لله معروفة، وأعتقد أن كلاً منكم إن شاء الله يمارسها، وسبب إيرادها هنا من أجل أنك إذا أردت أن تعلم شخصاً فلتعطه هذا الشريط؛ لأنك أقمت عليه الحجة بأن أعطيته الدين كله في شيء من الشمول والكمال والاختصار.
قلنا: إن من واجبات الصلاة: التشهد الأول، ومن أركان الصلاة: التشهد الثاني، ما هو التشهد؟
التشهد أو التحيات هو أن تقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فهذه اسمها التحيات أو التشهد.
تبقى الصلوات: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وهذه اسمها التحيات، وهي معروفة عند الجميع والحمد لله.
منها: دعاء الاستفتاح:
بعد أن تكبر تكبيرة الإحرام تقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ما حكم هذا؟ سنة، إذا أتى به الإنسان أثيب عليه، وإذا لم يأت به فصلاته صحيحة، ولا يجبر بسجود السهو، ولكن ليس معنى أنه سنة أنك لا تأتي به، ولكن هذا في معرض بيان الحكم الشرعي نحوه، أما الإتيان به فهو مطلوب، لأن النبي صلوات الله وسلامه عليه ما أمر به ولا سنه إلا لأهميته.
ومنها: جعل كف يدك اليمنى على اليسرى فوق صدرك.
هكذا .. لا على نحرك، ولا تحت سرتك، ولا على قلبك كما يفعل بعض الناس، ولا تفلتها .. وإنما على الصدر، هذا هو الثابت الصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: رفع اليدين مضمومة الأصابع حذو المنكبين عند التكبير.
ومنها: جعل رأسك حيال ظهرك في الركوع، لا تنكسه ولا تشخصه، وإنما يكون بمحاذاة الظهر؛ لأن الرأس ممتد كامتداد الظهر.
ومنها: مجافاة العضدين عن الجنبين، والفخذين عن البطن أثناء السجود، لا يربض ويضم نفسه، ولا يمتد ويمطط نفسه حتى كأنه يريد أن يسقط، وإنما يجافي باعتدال وبدون غلو أو تقصير؛ لأن الدين وسط، يجافي بين عضديه عن جنبيه وفخذيه عن بطنه.
ومنها: جلوسه على رجله اليسرى ونصب اليمنى.
يفترش اليسرى في الجلوس وينصب اليمنى في التشهد الأول وفي الجلوس بين السجدتين، والتورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية أو الرباعية، ينصب اليمنى ويدخل اليسرى من تحتها ثم يميل على وركه الأيسر.
ومنها: التبريك على إبراهيم، (وبارك على إبراهيم) هذه أيضاً من السنن.
ومنها: الجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء والفجر، والإسرار في القراءة في الركعتين الأخريين من العشاء والركعة الثالثة من المغرب، وجميع ركعات الظهر والعصر.
ومنها: قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن، هذه من السنن.
يعني: الركعة الأولى تقرأ فيها الفاتحة ومعها سورة من القرآن، الركعة الثانية الفاتحة وسورة من القرآن، وفي الركعتين الأخيرتين يقرأ الفاتحة فقط، قراءة ما زاد عن الفاتحة يسمى سنة من سنن الصلاة.
أولاً: الكلام عمداً: ولو بأقل عبارة، ولو بكلمة مكونة من حرفين، وإذا كنت تصلي -مثلاً- وشخص يدق الباب ويقول: فلان موجود؟ قلت أنت: لا. الله يخلف عليك في صلاتك، هذا إذا كنت متعمداً، أما إذا نسيت فالنسيان معفوٌ عنه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهت عليه، ما لم تعمل أو تحدث به نفسها) فالنسيان معفو عنه: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. أما عمداً ولو بكلمة من حرفين تبطل الصلاة.
لكن لو قلت: نعم، مثلاً إمام يصلي فأخطأ وأنت وراءه ثم عرف وقلت: نعم. لكي ترد عليه، وأنت ناسٍ لا شيء عليك وتستغفر الله، رغم أن الكلام حلال لكنه في الصلاة حرام.
ثانياً: الضحك كثيره وقليله، حتى التبسم في أصح قولي العلماء.
وهناك خلاف بين أهل العلم: هل التبسم يفسد الصلاة أو القهقهة، ولكن الصحيح أنه مطلق الضحك؛ لأن هذا يعتبر ضحكاً، والتبسم يدخل فيه فلو أن شخصاً يضحك أمامك أو يتكلم أو ينكت عليك وأنت تصلي وابتسمت فيجب عليك أن تعيد الصلاة.
ثالثاً: الأكل والشرب ولو شيئاً يسيراً.
رابعاً: انكشاف العورة: إذا سقط ثوبك وانكشفت عورتك بطلت صلاتك.
خامساً: الانحراف عن جهة القبلة: ليس الالتفات؛ لأن الالتفات اليسير يسمى اختلاساً، وهو سرقة من الشيطان، لكن إذا حولت نفسك وانحرفت عن القبلة بطلت الصلاة.
سادساً: العبث الكثير في الصلاة: كأن يحك ظهره، وينظف أنفه، ويصلح غترته، وبعض الناس إذا صليت بجانبه يصيبك من الألم ما لا يعلمه إلا الله، لا تخشع بجانبه؛ لأنه في حركة دائبة وقلة أدب مع الله عز وجل -والعياذ بالله-، وهذا يفسد الصلاة.
سابعاً: وهو المفسد الأخير والعام: انتقاض الطهارة، بأي شيء من نواقض الوضوء.
الأول: الإسلام، إذ أن من يتوضأ وهو غير مسلم فليس له وضوء.
الثاني: العقل.
الثالث: التمييز.
الرابع: النية.
الخامس: استصحاب حكم النية معه في أثناء العبادة بألا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة.
السادس: انقطاع الموجب للوضوء وهو الحدث، مثلاً قام شخص وتوضأ ولم يكمل البول ومازال يقطر وذهب يتوضأ فلا يصح، لا بد أن ينقطع هذا الموجب، بالاستجمار، أو الاستنجاء، ولابد أن يكون الماء طاهراً، وألا يكون مغصوباً ومسروقاً، ويجب إزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، فلو توضأت وقد أصابت يدك الرنج فوضوءك هذا لا يصح، وكذلك المرأة إذا توضأت وعلى أظافرها الطلاء الأحمر الذي يسمونه (مناكير) وهو مأخوذ من المنكر، تبدو وكأنها قطة كانت تنهش لحماً، وتضع في فمها حمرة، ما هذا؟ تشويه، هذه المناكير طبقة عازلة لا ينبغي للمرأة أن تضعها، وإذا وضعتها لزمها أن تزيلها قبل أن تتوضأ، وإذا توضأت ولم تزله فوضوءها غير صحيح؛ لأنها أبقت شيئاً من جسدها من غير غسل.
أما الحناء فهو غير عازل، فالحناء لا يشكل طبقة عازلة، وإنما هو لون يدخل في طبيعة الجسد ولا يشكل طبقة، بحيث لو أتيت تزيله لا يزول، لكن هذا المنكر والمناكير يمكن أن تزال من فوق الأظافر.
سابعاً: دخول الوقت: على من حدثه دائم لفرضه، يعني: شخص عنده سلس في البول ولا يستطيع أن يمسك الطهارة ويحتفظ بها، ودائماً ينقط ذكره، هذا يشترط فيه: أنه لا يتوضأ للصلاة إلا بعد دخول وقتها، فإذا دخل وقتها توضأ؛ لأن فيه حدث دائم باستمرار، فلو ذهب يصلي ونزل منه فصلاته صحيحة؛ لأنه معذور في هذا الأمر.
هذه هي شروط الوضوء.
الأول: غسل الوجه، ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق؛ لأنها من الوجه.
الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين.
الثالث: مسح جميع الرأس مرة واحدة مقبلاً ومدبراً، ومنه الأذنان؛ لأنها ضمن الرأس.
الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين.
الخامس: الترتيب. فلو بدأ بالرجلين لا يصح، ولو بدأ بيديه ثم غسل وجهه -أيضاً- لابد أن يبدأ بالوجه ثم اليدين إلى المرفقين، ثم مسح جميع الرأس ثم الرجلين.
السادس: الموالاة. أن تغسل العضو تلو العضو قبل أن يجف الأول، لكن لو أن شخصاً غسل وجهه وذهب يشرب فنجان شاي وجاء ثم غسل يديه ثم ذهب يأخذ عليها كسرة خبز، وجاء بعد ذلك ومسح رأسه نقول: وضوءه باطل، لماذا؟ لأنه لم يوالِ بينهما، لا بد من الموالاة. هذه فروض الوضوء، وليس منها الاستنجاء، بعض الناس إذا أراد أن يتوضأ، فلابد أن يستنجي، والاستنجاء إنما هو لغسل الخارج من السبيلين، فإذا أردت أن تصلي وليس لك حاجة إلى الخلاء فتتوضأ مباشرة، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] قال: حسناً انتقض وضوئي بالريح فأنا يجب أن أستنجي. الريح لا يغسل؛ لأنه هواء، فإذا غسلت الموطن فاغسل السروال واغسل الثوب الذي وراءه؛ لأنه قد بخ فيه، واغسل البطانية، بل رش السقف كله.
الأول: الخارج من السبيلين.
الثاني: الخارج الفاحش -يعني: الكثير- النجس من الجسد، مثل الدم ومثل القيح والصديد.
الثالث: زوال العقل بنوم أو بجنون، أو نوع من زوال العقل، ما دام زال العقل ينتقض الوضوء، لماذا؟ لأنك لا تدري انتقض وضوءك أم لا، وفي الحديث: (العين وكاء السه) يعني: وكاء الدبر، إذا نامت العين انفتح الوكاء، فما تعلم إذا نمت هل خرج شيء أو لم يخرج، فإذا نمت فلابد أن تتوضأ.
الرابع: مس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً للإنسان أو لغيره من غير حائل، أما بالحائل إذا مس الإنسان دبره أو قبله بالحائل من فوق الثوب فلا شيء عليه، أما إذا كان بغير حائل فيفسد الوضوء.
الخامس: تغسيل الميت. إذا غسلت ميتاً انتقض وضوءك.
السادس: أكل لحم الجزور. إذا أكلت لحم الجزور -يعني: الإبل- انتقض وضوءك، والحكمة هنا محض التعبد لا كما نسمع من بعض العوام قصة مكذوبة على رسول الله لا أساس لها ولا تليق بالنبوة ولا تليق بالإسلام والدين، وهي أن شخصاً كان جالساً وأنه انتقض وضوءه بخروج ريح منه وكانوا يأكلون فقال: قوموا كلكم وتوضئوا إلا من أكل من لحم الجزور، هل يعقل أن يشرع الله ديناً إلى يوم القيامة من أجل نجاسة خرجت من شخص؟! لكن الحكمة هنا تعبدية، لماذا؟ لا نعلم لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].
السابع: الردة عن الإسلام -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- إذا ارتد الإنسان عن دين الله انتقض وضوءه، وإذا رجع يلزمه أن يغتسل وأن يتوضأ.
وكذلك الولد الصغير إذا وضأته أمه ومست عورته بيدها انتقض وضوءها، أما إذا مسحته بمنديل، أو بالحفاظة، أو بشيء لم تمس يدها العورة فإن وضوءها لا ينتقض.
هذه هي مجمل الأحكام المتعلقة بالصلاة والوضوء والطهارة.
فالمسلم مأمور بأن يكون على خلق، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ذا خلق عظيم حتى استحق الشهادة الإلهية بأن يقول الله له: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] وكان من ضمن مهمات بعثته صلى الله عليه وسلم تتميم مكارم الأخلاق، والحديث في صحيح البخاري ، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ومكارم الأخلاق هي المعنى الحقيقي للبر، والحديث في صحيح البخاري -أيضاً- يقول عليه الصلاة والسلام: (البر حسن الخلق) البر الحقيقي هو: حسن الخلق.
وأيضاً حسن الخلق ينزل الإنسان منازل رفيعة في الآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في صحيح البخاري -: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) فكلما كنت ذا خلق حسن كنت ذا رفعة في الدنيا وذا رفعة في الآخرة.
ما هي الأخلاق؟ هي هيئات راسخة في النفس، وملكات ثابتة تكتسب بالتربية، إما التربية الحسنة فتكون أخلاقاً حسنة، أو التربية السيئة فتكون -والعياذ بالله- أخلاقاً سيئة. وما تعريفها؟ يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
أحب مكارم الأخلاق جهدي وأكره أن أعيب وأن أعابا |
وأصفح عن سباب الناس حلماً وشر الناس من يهوى السبابا |
ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقر الرجال فلن يهابا |
هو بسط الوجه، وبذل الندى -يعني: المعروف- وكف الأذى. والأذى باللسان أو باليد أو بالعين أو بأي أذى، لا تؤذ مسلماً؛ لأن من آذى مسلماً فقد آذى الله، ومن آذى الله تبارك وتعالى فقد تولى الله حربه، يقول الله: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) أعلن الله عليه الحرب، لا تؤذي أولياء الله، لا تؤذهم في أعراضهم، ولا تؤذهم في أموالهم، ولا تؤذهم في زوجاتهم وأولادهم، ولا تؤذهم في ممتلكاتهم، ولا تؤذهم أبداً، لا تؤذي أحداً من عباد الله فإن الله هو الذي سيحاربك ومن حاربه الله قصمه وأذله: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21] الله لا يغلبه أحد، ومن حاربه الله فهو مغلوب -والعياذ بالله-.
وقيل في تعريف الخلق: أن يكون صاحب الخلق الجميل كثير الحياء .. كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، كان وجهه أحمر من الحياء صلوات الله وسلامه عليه (والحياء شعبة من شعب الإيمان).. (والحياء والإيمان قرينان) والذي ليس عنده حياء ويتكلم بالكلام البذيء، ويذهب في الأماكن القذرة، هذا ليس عنده إيمان -والعياذ بالله- إذا نزع الحياء نزع الإيمان (الحياء شعبة من الإيمان).
أن يكون صاحب الخلق الجميل كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً بوالديه، وصولاً لرحمه، وقوراً في كلامه وفي هيئته، حليماً لا يغضب، وفياً لا يخون، عفيفاً لا يطمع، لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً، لا عجولاً ولا بخيلاً.
من تتوفر فيه هذه يا إخواني؟ -نسأل الله وإياكم من فضله- كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسن الأخلاق إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)
أولاً: السلام.
فهو أدب إسلامي رفيع يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
والأكل باليمين والشرب باليمين، ومراعاة آداب الإسلام عند دخول الخلاء وعند الخروج منه، وعند الدخول في البيت وعند الخروج منه، وعند السفر مع الناس أو الوالدين وعند السفر مع الكبار والصغار، وغير ذلك من آداب الإسلام، هذه أخلاق وآداب.
أولاً: الشرك بالله:
ثانياً: السحر: ومنه الصرف والعطف، وهو ناقض من نواقض الإسلام ومن عمله كفر.
الصرف: أن تصرف رجلاً عن امرأة أو عن رجل.
والعطف: أن تعطف رجلاً على رجل، أو امرأة على رجل، أو رجلاً على امرأة، وهو ما يصنعه السحرة، تذهب امرأة عند ساحر تقول: أريد أن تفرق بين فلان وفلانة، فيعمل لها سحراً، هذا إذا عملته وذهبت فهي كافرة -والعياذ بالله- وهي من الموبقات؛ لأن الله يقول عن هاروت وماروت: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] الذي يريد أن يحفظه الله من شر السحر عليه بالأذكار في الصباح والمساء، فيقرأ آية الكرسي، والمعوذتين، والإخلاص، وسورة الفاتحة، فإذا قرأها فإنه لا يضره سحر بإذن الله، وإذا استطاع أن يأكل في كل صباح سبع تمرات من عجوة المدينة أو من أي عجوة فإنه لا يسحر ولا يضره سحر، وقد قرأت في بعض كتب أهل العلم: أن ساحراً أرسل جنياً من أجل أن يؤذي شخصاً بفعل سحر، فكلما جاء الجني رجع وقال: عليه حرس ولا أستطيع أن أؤذيه فقال الساحر: أنت لا تصلح، فأرسل أربعة من مردة الجن من الكبار، قال: اذهبوا، فجاء المردة وأرادوا الدخول عنوة وهو متسلح بالذكر فأحرقهم الله، لا يقدرون عليك أبداً، لكن متى يقدرون عليك؟ إذا تركت سلاحك، إذا لم تذكر الله في الصباح ولا ذكرت الله في المساء.
الثالث: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
لأن الدم ثقيل (ولا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) والله يقول: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] -والعياذ بالله-.
الرابع: أكل الربا: وهذه معضلة وموبقة ومهلكة يقع فيها كثير من الناس ولا يدرون، نعوذ بالله وإياكم من ذلك.
الخامس: أكل مال اليتيم:
وأكل مال الغير كله حرام، لكن مال اليتيم أشد تحريماً، لماذا؟ لأن النفس تطمع في مال اليتيم، فلا أحد يستطيع أن يأكل مال الرجل الفحل، كل يدافع عن حقه، لكن إذا كان هناك يتيم أو امرأة ضعيفة قام بعض الناس بأخذ مالها؛ لأنها يتيمة، فمن أكله فقد قال الله عنه: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10].
السادس: التولي يوم الزحف.
يعني: الهروب من صف القتال، قال تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16].
السابع: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
يقذف المؤمنة الغافلة المحصنة ويرميها بالزنا أو بالفاحشة، فهذا من الموبقات -والعياذ بالله-.
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدارُ |
قال الناظم الثاني:
الدار جنة عدنٍ إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنارُ |
هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختارُ |
الموت -أيها الإخوة- أول منازل الآخرة، وأول مراحل الانتقال إلى الدار الآخرة، إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا بد أن يكثر الإنسان من ذكره، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) وأيضاً يتذكره الإنسان بزيارة القبور من غير شد الرحال، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة).
يقول:
ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب |
حفرٌ مسقفة عليهن الجنادل والكثيب |
فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب |
كم من حبيب لم تكن عيني بفرقته تطيب |
غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب |
تترك حبيبك وراءك في القبر وتمشي وعينك تدمع، وسوف يأتي يوم يتركك أحبابك ويدخلونك ويدسونك في هذا المكان، في بيت الوحشة، بيت الظلمة، بيت الدود، ما معك فراش، ولا معك مخدة، ولا بطانية، ولا أنس، ولا سعة، وإنما ضيق، ومقاسات محددة، يقول مالك التميمي وهو يوصي حينما كان غازياً في جيش إبَّان بن عثمان بن عفان ، ونزل ثم ارتحلوا فجاء وركب وأدخل رجله في نعله، وكانت قد دخلت في نعله حية، فلسعته في رأس إصبعه وقضت عليه، فكان يوصي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول:
خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا |
ولا تنسيا بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا |
وأشقر صنديدٍ يجر عنانه لم يترك له الدهر ساقيا |
يقول: لا أحد يسقيه، وهو يرثي نفسه، وهذا ميراث عظيم أعده العلماء من عيون الشعر الذي يرثي فيها الإنسان نفسه.
فالموت أمر مهول ومفزع وأمر فضيع جداً، ولذا ينبغي أن تذكره وألا تنساه، تذكره وأنت على الفراش، وتذكره وأنت على المعاش، وتذكره وأنت تسير، حتى تستعد لما بعد الموت؛ لأن نسيان الموت يؤدي إلى نسيان الاستعداد لما بعد الموت، ومن ضمن الاستعداد للموت: أن تعرف كيف تغسل الميت؛ لأن المصيبة الآن إذا مات ميت في بعض القرى لا يعرفون كيف يغسلونه، يذهبون إلى قرية أخرى لكي يغسلوه، بل بعض المدن يقولون: ابحثوا لنا عمن يغسله، والمفروض أن يعرف كل إنسان كيف يغسل الميت، وأن يعلم أهله، حتى يستطيعون تغسيله إذا مات، وإذا مات أحد من أهله يعرف كيف يغسله، وكيف يجهزه، وكيف يكفننه، وكيف يحنطنه، وكيف يصلون عليه، ومعظم الناس غافل عن هذا كله وليس في باله، فإذا أتى الموت بدءوا يتذكرون ويبحثون عن كفن فلا يجدون، ويبحثون عن حنوط فلا يجدون، لماذا؟ لأنهم في غفلة، كل شيء مستعد له إلا الكفن، استعد -يا أخي- بكفنك في بيتك، اجعله ضمن ملابسك، دولاب الملابس اجعل في أسفله كفن الموت، اللباس الذي تخرج به من هذه الحياة، اجعل معك حنوطاً، وعلم أهلك كيف يغسلونك إذا مت حتى تكون مستعداً لذلك.
وفي كل مرة يمر يده على بطنه فإن خرج منه شيءٌ غسله ثم يسد المحل بعد الثالثة بقطنة، فإن لم يستمسك فبأي شيء يمسكه؛ لأن بعضهم يكون عنده شيء يخرج باستمرار فيسده بأي شيء يمسك خروج هذا الشيء، بلزقة أو بأي شيء يمنعه، فإن لم تنظفه الثلاث الغسلات فزد إلى خمس -وتر- فإن لم تكف الخمس زد إلى سبع، ثم ينشف بمنشفة ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده، الطيب المعروف وليس الكلونيا؛ لأن طيب الكلونيا فيها كلام للعلماء أنها نجسة، فتضع له طيب الورد، أو طيب الزعفران، أو طيب العود، أو العنبر، أو أي طيب متوفر عندك ليس فيه كحول، وإذا كان شاربه طويل فيقصر، أو أظافره طويلة تقلم، ويوضع ما أخذ منه معه في كفنه، ولا يسرح شعره، ولا يمشط، والمرأة يظفر شعرها ثلاثة قرون بدون تمشيط، قرن في الجنب الأيمن، وقرن في الجنب الأيسر، وقرن في المؤخرة، ثم يسدل عليها من ورائها -توضع الثلاث من وراء ظهرها- أما الرجل فيغسل رأسه ولا يظفر ولا يمشط، هذا هو الغسل، وهو مفهوم بإذن الله وليس فيه أي إشكال.
أما المرأة فتكفن بخمسة أثواب: اثنان منها لفايف مثل لفايف الرجل الثلاث، وقميص، وهو عبارة عن قطعة من القماش الطويل تعطف وتقص من الوسط، ويدخل رأسها المكان المقصوص فيكون القميص من أمامها وآخر القميص من وراء جسمها، والرابع إزار تؤزر به، والخامس: الخمار وهو مثل الغترة، قطعة مربعة نثلثها ونضعها على رأسها ثم نربطها من تحت لحيها. قميص وإزار وخمار ولفافتان، كم صارت؟ خمسة.
أما الطفل إذا كان صبياً فإنه يكفن في ثلاثة أثواب، وإذا كانت بنتاً فتكفن في قميص ولفافتين فقط ليس عليها إزار ولا خمار، يعني: ثلاثة أثواب: قميص ولفافتين هذا هو التكفين.
وإذا كان الميت ذكراً في مجموع نساء وليس بينهن إلا زوجته غسلته زوجته، وإن لم يكن فيهن زوجته، كأن يموت رجل وليس عنده زوجة ولكن عنده أمه وأخواته وعماته وليس هناك رجل يغسله، لا يغسل، وإنما ييمم بدون غسل، ولا تغسله أمه ولا ابنته ولا أخته.
السائل: أين يقف الإمام في الصلاة ؟
الشيخ: يقف الإمام عند صدر الرجل وبطن المرأة.
السائل: كيف يُدخل الميت القبر؟
الشيخ: هناك كلام لأهل العلم حول إدخال الميت في القبر، قال بعضهم: يدخل من جهة القبلة ويكون الذي في القبر يستلمه ويستقبله ويوضعه، وقيل: يدخل من عند رجليه -من جهة القبر- وهو الصحيح الذي عليه الدليل، يبدأ برأسه من عند باب القبر ويدخل فيه حتى يوضع في مكانه، ثم إذا وضع في القبر يوضع وراء ظهره شيء يمنعه من الانقلاب على الظهر؛ لكي يبقى مستقبلاً القبلة، وتبسط يديه بجانب جسده، ثم تحل الأربطة التي عند رأسه والتي على جسده؛ لأنه بعد أيام ينتفخ وتحول الأربطة دون الانتفاخ، ولا يكشف عن وجهه؛ لأنه لا دليل عليه.
وعند إنزال الميت وإهالة التراب عليه يقال: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طـه:55] ثم يهيلون عليه التراب.
أسأل سبحانه وتعالى أن يختم بالصالحات أعمالنا، وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان، وأن يخرجنا من هذه الدنيا وهو راض عنا، وأن يحشرنا في زمرة النبيين والمرسلين غير خزايا ولا مفتونين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر