أما بعد:
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في مستهل هذا اللقاء أسال الله عز وجل بأسمائه وصفاته أن يجعل لإخواننا وأخواتنا الحاضرين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كما أؤكد على مسألة أنتم في غاية العلم بها، ولكننا لا نستغني عن ضرورة التذكير والتواصي ببيانها والحث عليها بين الفينة والأخرى، ألا وهي ضرورة العناية بحلَقِ الذكر ورياض الجنة، وعمارة المساجد بها، ولو لم يكن في ذلك من الفضل إلا أن تحفنا الملائكة، وتغشانا السكينة، وتتنـزل علينا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده، لكان ذلك كافياً، فضلاً عما في هذه المجالس من الفوائد والفضائل والكرامات والدرجات.
ولعل بعض الأحباب قد زهدوا في الحرص على حضور حلق الذكر ورياض الجنة، وأقول لهم: لا تكتفوا بسماع هذه المواد والنصوص من الأشرطة فحسب، فالأشرطة وإن كانت نافعة، والصفحات الإسلامية التي امتلأت بها صفحات الإنترنت الآن وإن كانت نافعة، والبرامج المتنوعة وإن كانت نافعة؛ إلا أنها لا تحضرها الملائكة، أما حلق الذكر في بيوت الله، في المساجد فإن الملائكة تحضرها، وترتفع بأنباء عمَّارها إلى من يعلم السر وأخفى؛ ليزداد الحاضرون بذلك شرفاً، أن يذكروا في ملأ الله الأعلى، ثم ليكرموا بفضل من الله عظيم، تعمهم الرحمة، وتغفر ذنوبهم، وينصرفون وقد شهدت لهم الملائكة بذلك حتى تقول الملائكة: (يا ربنا! إن فيهم فلان بن فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. فيقول الله عز وجل: وله غفرت معهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) هذه مسألة بين يدي الحديث في هذا الموضوع، وأوصي إخواني وأخواتي بالعناية بها، وألا يجعلوا سماع الشريط أو قراءة الكتاب مغنية أو كافية عن حضور هذه المجالس التي يلحظ الواحد جملة من الفوائد والآثار المباركة الطيبة على نفسه وعلى أهله حال حضورها.
أما موضوع حديثنا كما اختاره الإخوة: "حقوق الزوج" ولا أدري لم قصروه على ذكر حقوق الأزواج دون أن يذكروا حق الزوجات، ولعل السبب في ذلك أن الكثيرين أفاضوا في حقوق الزوجات على الأزواج، وحقوق النساء على الرجال، حتى كأن الكفة مالت بحقوقهن على حقوق الرجال، فلابد أن يعتدل الأمر بالتركيز والعناية على بيان حقوق الرجال على النساء، وحقوق الأزواج على الزوجات وذلك أمر محمود.
أحبتنا في الله: من الطرائف والغرائب أن هناك جمعيات ظهرت الآن في البلدان التي نالت شؤم السبق وليس قصب السبق في إعطاء المرأة حريتها، والتي رفعت لواء تحرير المرأة، ونادت بنبذ القوامة ورفع كل أمر أو نهي أو توجيه أو إرادة أو تصرف من قبل الرجال على النساء، في تلك البلدان أسست الآن وظهرت جمعيات هي جمعيات تطالب بمساواة الرجال بالنساء، وأول ما بدأت فتن التغريب والحرب الشعواء ضد الإسلام وأحكامه وشرائعه ومبادئه كان ينادون من خلال جمعيات تنادي بمساواة النساء بالرجال، أما الآن فلما بلغ الأمر، وطفح الكيل، وأصبحوا يعانون ما يعانون من ألوان العهر والفجور، والزنا والخنا، والانحراف والرذيلة والضلالة، وما تبع ذلك من تهدم الأسر، وضياع الأبناء، وكثرة أبناء الزنا وغير ذلك، فأصبحوا الآن من خلال جمعيات يؤسسونها ينادون بمساواة الرجال بالنساء خلافاً لما رفعوا عقائرهم به من قبل ينادون بمساواة النساء بالرجال.
والحقيقة أن كثيراً من النساء اليوم يجهلن حقوق الأزواج عليهن، وهذا الموضوع يتنازعه طرفا نقيض: طرف يرى تفلت المرأة وخروجها وتحررها كما يسميه من قوامة الزوج بلا حدود، من خلال ما نسمعه من ادعاءات مغرضة آثمة كاذبة خاطئة، وطرف متعسف غاشم لا يرى للمرأة حقاً، فاستعبد المرأة وأذلها، والحق أن العدل مطلوب، وقول الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] والعاقل ينظر إلى العدل الذي جاءت به الشريعة من غير غلو ولا تفريط:
فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاًً كلا طرفي قصد الأمور ذميم |
وقد تقول امرأة وقد يقول قائل أيضاً: لماذا كانت القوامة للرجل على المرأة؟
إن الله سبحانه بين ذلك جلياً صريحاً في قوله سبحانه: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34] يعني: في أصل الخلقة، فالرجل أعطي من الحول والطول والقوة ما لم تعط المرأة؛ فلأجل ذلك كان التفاوت في التكاليف والأحكام والحقوق والواجبات مرتباً على ذلك التفاوت والاختلاف في الطبائع والفطر.
والسبب الثاني جلي من الآية وهو في تبيين القوامة للرجل على المرأة وهي قوله تعالى: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] فالرجل متحمل للنفقة، باذل للمهر، مسئول عن أشياء كثيرة.
ويذكر المفسرون أن من أسباب فضل الرجال أن فيهم الأنبياء، وأن الإمامة الكبرى والصغرى لا تكون إلا في الرجال، وأن الجهاد على الرجال، وأن الأذان والشهادة في الحدود، والولاية في النكاح، وأمر الطلاق والتعدد وزيادة السهم في الميراث كلها للرجال دون النساء، وكل ذلك من صميم الشرع وليس باجتهاد أو بشهوة أو برغبة، بل الذي خلق الذكر والأنثى هو الذي فضل الذكر على الأنثى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
ومن الواضح أن اختصاص الرجال بهذه الأحكام جاء نتيجة لاستعدادهم الجبلي الذي خصهم الله عز وجل به، ولا يخفى -أيضاً- أن قوامة الرجال على النساء ليست من باب السيطرة، أو من باب الأمر والنهي اللا مسئول، والذي لا غاية ترجى منه، ولا فائدة تجنى من ورائه، بل الحقيقة أن هذه القوامة عائدة مصالحها، منتهية ثمارها إلى المرأة ذاتها، قال القرطبي بعد أن ذكر أسباب التفضيل: ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن. أي: فائدة تفضيل الرجال على النساء عائدة إلى النساء.
ولعلي أن ألخص كلام صاحب المنار إذ يقول: فالرجل الذي تحمّل القوامة بناءً على أساس الخلقة وما خص به وجبل عليه من الكسب والنفقة على الزوجة، فقد تيسر للزوجة القيام بوظيفتها الفطرية وهي الحمل والولادة، وتربية الطفل، وهي آمنة في سربها، مكفية ما أهمها من أمر رزقها، فيسر للمرأة كل ذلك بسبب حماية الرجل لها وإنفاقه عليها، وهذا جلي وواضح.
والقوامة -أيها الأحبة- تقوم على أساس المودة والرحمة، فالذي يعاشر المرأة ويعاملها من باب الغطرسة، ومن باب التلذذ والتفكه بالأمر والنهي، والأوامر التي لا فائدة من ورائها سوى إكمال نقص يشعر به الرجل يملؤه في الأمر والنهي الذي لا غاية ترجى منه، فإن هذا ليس من القوامة في شيء، إنما القوامة في الأمر الذي ينمي خلقاً، ويزرع أدباً، ويحفظ سمتاً، ويهدي دليلاً، ويصلح حالاً، وينشئ بيتاً، ويحمي كياناً، ذلك الأمر والنهي هو الذي يفيد بإذن الله سبحانه وتعالى؛ فلأجل المودة والرحمة والسكن والراحة النفسية شرع الزواج، وشرع فيه أن تكون القوامة للرجال على النساء، فإن الله عز وجل لما جعل في الزواج السكن والمودة والرحمة لم يكن لينقضه بقوامة الرجال وغطرستهم إن أسيء استخدامها، بل إنما جاءت القوامة تكميلاً لمسألة السكن والمودة والرحمة؛ ولذا قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فقوامة الرجل ورياستة التي قلدها يجب أن تكون مبرأة من التعسف في استعمال الزوج سلطته، ليس لك أن تستخدم هذه القوامة في إذلال المرأة والإضرار بها كما يظن كثير من الجهلة، بل إن القوامة والرياسة الزوجية أسسها المودة والرحمة، وضابطها إرادة الخير، فهي لم تشرع إلا لإعزاز المرأة والاهتمام بها، وتقويمها وتأديبها ولكن بضوابط، كأن تهمل حق الزوج فتحتاج إلى هذا الأدب.
وإن مما يفسد الحياة الزوجية استثقال كثير من النساء إن لم نقل جلهن قوامة الرجال عليهن، وكل امرأة تؤمن بالله رباً وتؤمن بأن الله عليم حكيم، كل أمره ونهيه قائم على مقتضى العدل -لأن الله لا يظلم- مشتمل على تمام الحكمة لأن الله لا يعبث، كل امرأة تؤمن بالله عز وجل وتؤمن بذلك كله فإنها ترى طاعة الزوج باباً من أبواب العبادة، لا تنظر إلى الطاعة أنها باب من أبواب التعسف والغطرسة، أو من باب قهر النساء بأمر الرجال.. هذه مسألة مهمة.
ونحن اليوم في زمن كما جاء في صحيح البخاري (يأتي على الناس زمان يشربون الخمر فيسمونها بغير اسمها) نحن في زمن انتكست فيه كثير من المفاهيم، وتقلبت فيه كثير من الأمور، فأصبح المعروف عند البعض منكراً، والمنكر عند البعض معروفاً، وأصبحنا نجد من الغرائب والعجائب أشياء كثيرة! أليس الناس يرون أن عظماء الرجال هم الذين لا يخرجون وحدهم، بل الغالب أن معهم من الحشم والخدم والحرس من يأتمرون بأمرهم، ويستجيبون لتوجيهاتهم، ويحفظونهم ويقدمون لهم ما يشاءون ويريدون؟ الجواب: بلى. لماذا لما كان الرجل حارساً للمرأة حامياً لها، وذلك من باب إكرامها وحشمتها والعناية بها لم يقال فيه: هذا من باب الاحترام وإنما قيل: هذا من باب التجسس؟!
تكتب صحفية ماجنة مثلاً أو يكتب علماني فاسد مفسد لا يريد للمسلمين أن تظل مجتمعاتهم على درجة من الصيانة والرعاية والحفظ والتمام، لا يريد لهم ذلك فيقول: الرجل جاسوس يتابع المرأة، ولا تمنح المرأة أي ثقة بل لابد أن ينطلق الجاسوس تابعاً لها في كل مكان تخرج إليه. لماذا لم يجعل الحشم الذي يمشون خلف العظماء من باب التجسس عليهم؟
لا، هؤلاء عظماء، ويستحقون الخدمة والحشمة والرعاية والصيانة، فكذلك المرأة جعلت في منزلة رفيعة بحيث أمر الزوج أن يكون معها في السفر فلا تسافر وحدها، وبحيث ألا يخلو أحد بها، فلا يخلو بها أحد من دون محرم، ولأمور كثيرة يراها الشرع الحنيف، ومن يفقه الشرع يرى أنها من تمام الرعاية والرفعة والكرامة والإجلال للمرأة، ويراها أعداء الإسلام وأذناب الغرب يرونها لانتكاس فطرهم ومفاهيمهم من باب التجسس والشك، ومن باب المتابعة والتنقيص لأمر المرأة..!
وكل ذلك مما يدخله تلاعب الألفاظ، والحقيقة أن ذلك هو الحق الذي شرعه الله في كرامة هذه المرأة، أن تخدم وأن ترعى وأن تصان وأن تحفظ، لا أن تكون سلعة لدعاية في منتج، حتى إطارات السيارات، وحتى بطاريات السيارات، وحتى أمور لا علاقة للمرأة في علاجها والتعامل معها جعلت المرأة سلعة أو دعاية في ترويجها، كل ذلك من باب احتقار المرأة عند أولئك، وإن كانوا أظهروا لها وسموها أنها المرأة المتحررة، والمرأة السعيدة، والمرأة التي تلبس ما شاءت، وتخرج متى شاءت، وتحدث من شاءت، وتتكلم مع من شاءت، وتفعل ما شاءت .. كل ذلك جعلوه في قالب قشيب جذاب تؤزه الدعاية والإغراء والفتنة، وتستهدفه الشهوة التي تجعل النساء في هذه الأحابيل ليكن فرشاً ومتاعاً وزهرات يمتص رحيقها من قبل الرجال، حتى إذا لم يبق من الرحيق شيء رمي بها في قارعة الطريق، ولا تجد من يلتفت إليها بأي حال من الأحوال.
حينما تجد الأساليب أو الميادين أو المجالات التي أقحمت فيها المرأة بغير طائل ولا مصلحة بل لمفسدة ومذلة، تعلم تماماً -إن رزقك الله النظر بعين البصر والبصيرة- أن المرأة استخدمت كسقط المتاع، وكأدنى وسيلة من أجل ترويج البضائع والحصول على الأموال.
إذا المرأة عرفت أن قوامتها عبادة كما تتعبد ربها بالصلاة والركوع والسجود والصيام، فإذا علمت أن قوامة الرجل عليها عبادة فإن ذلك يجعلها تسعد وتلذ بهذه القوامة، بل المرأة السليمة التي لم يفسد ذوقها ولا عقلها هي التي تشعر أنها بأمس الحاجة إلى قوامة الرجل عليها، بل الكثير من النساء اللائي يشكين من جور الزمان، وغلبة الملوان، وما يحصل لهن من الأذى والهوان تقول: يا ليت لها قيماً يحفظها ويصونها ولو أمرها ونهاها بما يتضايق منه كثير من النساء.. هذه المرأة العاقلة، لكن التي لم تقدر نعمة القوامة من قبل الرجل عليها فإنها تتمنى أن تتفلت؛ لأنها لا تنظر إلى القوامة والتعامل معها من باب التعبد؛ ولأنها لم تكتشف بعد حقيقة ما يؤول إليها من النفع من خلال هذه القوامة.
إذاً فلا بد أولاً من رضا النساء بحكم الله وشرعه فهو الأعلم بالأصلح للرجال وللنساء، ولذا جعل القوامة في أيدي الرجال فقال: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140] حتى لو لم تظهر لنا بعض الحكم فلا بد أن نسلم ولابد أن نرضى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] أي مؤمن! يتعامل مع هذه النصوص الشرعية المعصومة بمقتضى التسليم والخضوع والانقياد لله عز وجل، والاتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة المسلمة حيال ذلك لا تملك إلا الرضا والسعادة والتسليم، ومن كانت على غير هذا فإنها تضيق وتتبرم بهذه القوامة.
أيها الأحبة في الله! إن الله سبحانه وتعالى قد عظم حقوق الزوج على زوجته مع أن الله سبحانه وتعالى جعل لهن من الفضل والكرامة كما للرجال، إلا أنه جعل للرجال عليهن درجة فقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] فأخبر سبحانه أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقاً، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه مثله لقول الله عز وجل: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
ولما بين سبحانه في هذه الآية ما لكل واحد منهما على صاحبه من الحق جعله حقاً عاماً ولم يجعله مفسراً، لكنه فسر في أحوال كثيرة وفي نصوص كثيرة فمن ذلك قول الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] جاء تفصيل التفضيل بالقوامة في أحكام كثيرة، وبالجملة فزيادة الدرجة للرجل على زوجته تقتضي التفضيل، وتشعر أن حق الزوج عليها أوجب من حقها عليه كما ذكره القرطبي .
وجاء في بعض الروايات أن أسماء رضي الله عنها جاءت فقالت: (يا رسول الله! ذهب الرجال بحظهم من الأجور: يسمعون حديثك، ويغزون معك، ونحن معاشر النساء طاهيات طعامكم، وغاسلات ثيابكم، وحاضنات أولادكم، فما لنا من ذلك يا رسول الله؟ -أي: ما لنا من الثواب والحظ والأجر؟- فقال صلى الله عليه وسلم وقد التفت إلى الصحابة رضوان الله عليهم فقال: هل سمعتم سؤالاً أحسن من سؤال هذه؟ قالوا: لا يا رسول الله! فالتفت إليها صلى الله عليه وسلم فقال: اسمعي وأخبري من وراءك.. إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله) أي: إن حسن المعاملة، وحسن الخضوع، وحسن الاستسلام للقوامة، وحسن الرعاية، وأن تكون امرأة عروباً متحببةً متوددةً إلى زوجها أن ذلك يجعل لها من الثواب ما يعدل ثواب من يجاهد ويغزو ويحج ويجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم.
بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) رواه الإمام أحمد والطبراني أليس ذلك كله دليل على عظم حق الزوج وعلى عظيم منزلته؟ فأين كثير من النساء عن هذا؟!
إن كثيراً من النساء قد استطلن في أعراض أزواجهن غيبة ونميمة، وإن كثيراً من النساء قد امتلأن بغضاً وحقداً وكراهية على أزواجهن، إن كثيراً من النساء قد تسلطن في تحقير أزواجهن أمام أولادها وأولادهم، إن من النساء من تكون سبباً في تقزيم وتصغير وتحقير مكانة الزوج ومكانة الأب أمام أولاده من حيث تشكو وهي تدري أو لا تدري أنها تجعل التوجيه والريادة والسيادة لغير الوالدين من خلال هذا الكلام الذي تقوله، لعله بسبب حفنة من المال منعت ولم تعطها، أو بسبب مناسبة زفاف أراد زوجها ألا تحضرها لمنكر من المنكرات يعلمها في ذلك الزفاف، أو لأمر ومصلحة يقدرها الزوج ولا تقدرها المرأة.
يقول ابن قدامة في المغني رحمه الله: وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] وكذلك صاحب كشاف القناع واستدل بالآية والحديث: فهو أمر عظيم متأكد لا جدال فيه، فأين الذين يحاربون القوامة اليوم زاعمينها استعباداً؟ أين هذا من هذا؟!
وأين الذين يحاربون الأسرة ويزعمونها سيطرة وقيداً وقفصاً حديدياً؟!
أين هم من إدراك هذه المسائل والفضائل؟!
بل أين المرأة التي تنساق وراء دعاوى مضللة وشبه كاذبة من هذا؟
ألا تطمع المرأة في جنة عرضها السماوات والأرض؟ ألا تطمع في أن تصل عليها الملائكة وتدعو لها؟
ألا تطمع في أن يرضى ربها عنها؟ ألا تخشى من لعنات الملائكة المتتابعة؟ ألا تخشى من سخط الله عليها؟
ألا تخشى من عقوبة الله أن تحل بها بسبب نشوزها أو إعراضها أو ارتفاعها أو تكبرها عن طاعة زوجها والاعتراف بحقوقه؟!
قال الكاساني في البدائع : أمر تعالى بتأديبهن بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن، ونهى عن ذلك إذا أطعن أزواجهن لقوله: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] فدل على أن التأديب كان لترك الطاعة فدل على لزوم طاعتهن للأزواج.
وقول الله عز وجل: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228] فالزوج كالأمير والراعي والزوجة كالمأمور والرعية؛ فيجب عليها بسبب كونه أميراً وراعياً أن تقوم بطاعته كما يجب عليه أن يقوم بحقها ومصالحها، ويجب عليها إظهار الانقياد والطاعة للزوج .. ذكره الرازي أيضاً.
بل إن صلاح المرأة في طاعة الزوج، قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ [النساء:34] فأثنى عليهن بصلاحهن، ووصفهن بعد الصلاح بالقنوت، والقنوت هو: الطاعة، والمرأة القانتة هي المطيعة، وتأمل حرف الألف واللام في الجمع بقيد الاستغراق فهذا يقتضي أن كل امرأة صالحة لابد أن تكون قانتة مطيعة .. ذكره الرازي.
ومعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها، فتمعط شعر رأسها، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقالت إن زوجها -أي: زوج ابنتها- أمرها أن تصل شعرها فقال صلى الله عليه وسلم: (لا. إنه قد لعن الموصلات -وفي رواية- الواصلة والمستوصلة) ومعنى تمعط شعرها: أي تمزق وتساقط، قال العيني: ووجه الدلالة أن الزوج طلب شيئاً غير شرعي فلم تجز طاعته فيه، ولو كان الطلب شيئاً شرعياً وجبت طاعته.
وفي لفظ للبخاري وأحمد وغيره: (فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) يعني: إذا دعاها إلى فراشه فأبت؛ فبات غضبان؛ فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح، وفي هذا يتجه وقوع اللعن، وقد وردت أحاديث كثيرة في لزوم طاعته إذا دعاها إلى فراشه، وأنها لا يسعها عصيانه ولو كانت على التنور، ولو كانت على ظهر قتب، ولو كانت في حال من الأحوال إذا احتاج الرجل إليها خاصة في هذا فإن هذا من أخص الحقوق بين الزوجين، ولتعلم المرأة أنها حينما تفرط في هذا فربما تفتح باباً إلى الزنا أو باباً من الفساد أو باباً من مرض القلب أو باباً من الأبواب التي لا تزال تتسع يوماً بعد يوم حتى تقع بالرجل في هاوية الانحراف والرذيلة، وتكون هي السبب وهي التي أشعلت شرارة البداية في هذا الانحراف، فلا يسع للمرأة أن تعصيه.
بل جعل ابن حزم طاعتها له في الوطء فرضاً تستحق اللعن إذا لم تقم به ما لم تكن حائضاً أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائماً في فرض فإن امتنعت في غير عذر فهي ملعونة.. هذا كلام ابن حزم في المحلى.
كذلك مما يجب من الحقوق للزوج ومما يجب من أمور الطاعة فيما يأمر به الزوج الطاعة في أمور النظافة، في إزالة الوسخ والدرن وتقليم الأظافر وغيره مما تعافه النفس، وبعض العلماء يرى أن للزوج إلزامها به؛ لأن بقاء هذه الأشياء يمنع كمال الاستمتاع.
وكان نساء السلف الصالح إذا أرادت إحداهن أن تشتغل بالتهجد في الليل وقفت عند رأس زوجها وقالت له: ألك بنا حاجة؟ وهذا من جمال الأدب في التعريض عند ذكر الحاجة بين الرجل وزوجته فإذا أرادها أشار إليها، وإن لم يردها دعت له ثم ذهبت تصلي وتتهجد قانتة قارئة كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار.
أين ذلك الجيل؟ وأين نساء اليوم من ذلك الجيل؟
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهـم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد |
يخبرني بعض من يتصل ويرسل وبعض من يتكلم عن أمور كهذه، منها أن بعض النساء أصبحت تقول: إياك أن تطلبني إذا استحكم مزاجك في طلب هذه الحاجة، لكن إذا اتفق مزاجي مع مزاجك ثم اتفقنا على قاعدة المفاوضات على فعل هذا الأمر فلنجتمع لتنفيذه، وكأنها اتفاقية تحتاج إلى أطراف ووكلاء وآخرين من جهات شتى..! ما الذي عقد الحياة الزوجية بهذه الدرجة حتى أصبحت المرأة تستنكر وتستكبر إذا دعاها زوجها وتقول: لا؟
إذا كان مزاجك أو رغبتك أو حاجتك حضرت فإن حاجتي بعد لم تحضر..؟ لا، لم يرد في الشرع هذا، بل الذي ورد أن تجيب وأن تطيع وإن كانت على ظهر قتب أو على تنور، حتى العبادة والطاعة إذا أرادت أن تصلي أو تصوم نفلاً وهو شاهد فليس لها أن تصوم ذلك إلا بإذنه، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) رواه البخاري وفي رواية: (لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوماً من غير رمضان إلا بإذنه) رواه أهل السنن إلا النسائي.
ويفهم من هذا الحديث جواز منع الرجل زوجته من صوم التطوع، وعليها أن تطيعه في ذلك، ويفهم أيضاً: أنه يحرم على المرأة أن تصوم النفل بدون إذن زوجها الحاضر؛ وسبب التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقها واجب على الفور فلا يجوز لها أن تفوته عليه بانشغالها بنوافل الصوم وغيره.
وكذلك من فوائد هذا الحديث أن الزوج ليس له أن يأمرها بمعصية الله عز وجل، فإذا صامت قضاءً لصوم واجب عليها فلا يجوز له أن يجبرها على نقض صومها أو فطر ذلك اليوم الذي تصومه قضاءً في صيام واجب.
أما إذا ابتلي بامرأة مسرفة خراجة ولاجة، تعرف الأسواق، ولها مع الحوانيت والدكاكين وأصحابها مواقف ومشاهد مأثورة أو معروفة، فإنه لا هم لها إلا أن تكون يداً طالبة للمال في كل حال، لا ترحم زوجها، وإذا قصر في بذل المال لها فالويل ثم الويل له، هذا من دلائل شؤم المرأة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاث: في المرأة، والدار، وفي الدابة) أي: أن المرأة ربما تكون شؤماً وربما تكون بركة.
في هذا الباب -وهو حق الزوج على المرأة في حفظ المال- يقول تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] قال قتادة في تفسير هذه الآية: مطيعات لله، ثم مطيعات لأزواجهن، وأصل القنوت دوام الطاعة، ثم قال: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] أي: حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله، وما يجب من رعاية حاله، وما يلزم من صيانة نفسها له .. ذكره الجصاص في أحكام القرآن .
وقد ذكر الرازي أن الحفظ من وجوه:
أولها: حفظ نفسها من الزنا.
والثاني: حفظ ماله عن الضياع.
والثالث: حفظ منـزله عما لا ينبغي.
قال صلى الله عليه وسلم: (خير النساء إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك -وقرأ هذه الآية فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]) ومما يستدل لهذا وأن المرأة مسئولة، وأن من حق الزوج عليها أن تحفظ ماله، وأن تحفظ متاعه، وأن تحفظ بيته قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) متفق عليه ومعنى رعاية المرأة لبيت زوجها: في حسن التدبير، والنصح، والأمانة في المال، وحفظ ما يدخل من القوت والطعام، فالمرأة أمينة على ذلك.
وهنا مسألة فيما يتعلق بحفظ المال، ينبغي للزوج أن يطلق لزوجته يد الثقة والأمان، وأن يطلق لزوجته يد الأريحية والكرم، فمن الناس من لو رأى زوجته أخذت من الطعام أو المتاع شيئاً إلى بيت أهلها أو عمتها الفقيرة أو خالتها الأرملة جُنَّ جنونه، وجحظت عيونه، واشرأب عنقه، وشخص بصره، وكاد أن يصيبه من الغم والهم ما لا يوصف..! لماذا؟ بسبب أنها أخذت شيئاً من اللحم أو الطعام، أو شيئاً من الزاد لقريبة أرملة أو امرأة مسكينة في حال يرثى لها.
ينبغي للزوج ألا يكون بخيلاً، وليعلم أن البخل هو الذي يفسد الخصال بل يدفنها، والكرم هو الذي يغطي المعائب
تمتع بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء |
الرجل الكريم السخي كل زلاته مغفورة معفو عنها عند زوجته بسبب السخاء والكرم، أما البخيل فمهما بلغ فإن بخله سبب في دفن محاسنه وإظهار معايبه، لذا كان على الرجال أن يطلقوا يد الأمانة والثقة والأريحية والكرم للنساء فيقول: يا أمة الله! إذا طرق الباب فقير أو مسكين فأعطوهم من الطعام ما ترونه سبباً في دفع البلاء وشكر النعمة، والقربى إلى الله عز وجل، إذا علمت أن أهلك في حاجة إلى شيء من الطعام فأنت مأذون لك في أن تأخذي من زادنا وطعامنا ما ترين، إذا علمت من خالة فقيرة أو عمة أرملة أو مسكينة محتاجة فأعطيها ما ترين، فإنك مكان نفسي، بل لك الأجر بإذن الله سبحانه وتعالى.
من المعروف: أن تطهي طعامه، لكن ليس من المعروف أن تتحول إلى طباخة تطبخ يومياً لعشرين وثلاثين من العمال وغير ذلك.
من المعروف: أن تنظف البيت، لكن ليس من المعروف أن تتحول إلى عاملة لكنس الاستراحة ورشها والعناية بكل ما يحتاجه هو وشلته وأصحابه ورفاقه كل يوم لتظل طول اليوم مهينة مهيضة مكسورة ضعيفة، فلا القول بأن حقه عليها في الخدمة مطلق ولا القول بأنه ليس له عليها من الحق في الخدمة أيضاً، وإنما الوسط في ذلك كما سدد إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: ويجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.. انتهى من الاختيارات.
وقال مثل ذلك أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف وأبو إسحاق الجوزجاني وغيره قال: وأدلة هذا القول ما رواه البخاري أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعت أنه جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبي، وكانت قد مجلت يداها مما تقوم به من خدمة علي رضي الله عنه، والطحن على الرحى، وإعلاف فرس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بما هو خير لك من خادم؟ تسبحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين، فذلك خير لك من خادم وخادمة).
ووجه الاستدلال أن فاطمة رضي الله عنها لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيها خادماً من هذا السبي الذي جيء إليه به لم يقل صلى الله عليه وسلم: إن من حقك على علي أو من واجب علي أن يخدمك أو أن يهيئ لك خادماً، ولم يأمر زوجها علي بن أبي طالب بأن يهيئ ذلك إما بإخدامها خادماً أو باستئجار من يقوم بذلك أو بتعاطي ذلك بنفسه، ولو كانت كفاية ذلك إلى علي رضي الله عنه لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكن قال: (ألا أخبرك بما هو خير لك من خادم وخادمة؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا أربعاً وثلاثين) وفيه من الفوائد: أن الذكر يقوي البدن.
وأن الذكر والاستغفار خاصة من أسباب قوة البدن بإذن الله عز وجل.
قال الطبري : يؤخذ منه أن كل من كانت له طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفاً أن مثلها يلي ذلك بنفسه .. ذكره ابن حجر في فتح الباري .
ويستدل أيضاً بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: كنت أخدم الزبير بن العوام رضي الله عنه خدمة البيت كله، وكانت له فرس فكنت أسوس فرسه، وكانت تعلفه وتسقي الماء، وتخرج الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلاثة فراسخ. والمسافة بعيدة، والحديث في البخاري .
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها مع نفر من أصحابه فلم ينكر ذلك عليها، ولم ينكر على الزبير حالها معه، ولم يقل: يا زبير .. لم لا تُخدمها، لم لا تحضر لها خادمة؟ قال ابن حجر : والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت حالة ضرورة، ووجه هذه الضرورة شغل زوجها الزبير وغيره من المسلمين بالجهاد وغيره مما يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يتفرغون لأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقول بذلك، فانحصر الأمر في نسائهم فكن - يعني: النساء- يكفينهم مؤونة البيت ومن فيه؛ ليتوفروا على ما هم فيه من نصر الإسلام، أي: ليظل الرجال منشغلين بالجهاد ونصر الإسلام -ثم قال- والذي يترجح: حمل الأمر في ذلك على عوائد البلاد فإنها مختلفة في هذا الباب.
وأنت تلاحظ أن ابن حجر اقترب من قول القائلين بإيجاب الخدمة على المرأة على النحو الذي يقضي به عرف الناس وعاداتهم.
والآن أصبح الكثير من النساء مخدومات بالخادمات، ولكن مع هذا كله نقول لأخواتنا: إن طبخ الزوجة لا يمكن أن يقارن في ذوقه وحلاوته وتلذذ الرجل به، وشعور الرجل بمكانة المرأة في منـزله، لا يقارن بطبخ الخادمات، فإياك إياك أمة الله أن تسندي طبخ طعام زوجك إلى خادمة!!
ومسألة أخرى: الرعاية والعناية بالأولاد، إياك ثم إياك أن تسندي مسألة الرعاية بالأولاد في نظافتهم وفي لباسهم، وفي الحديث معهم، وفي تأديبهم إلى الخادمات! وإلا فسوف يخرج جيل أعجمي غريب الطباع والعادات .. يقول ابن القيم رحمه الله: لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء والنوى على رأسها والزبير زوجها معه، لم يقل صلى الله عليه وسلم: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره صلى الله عليه وسلم على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم.. وهذا أمر لا ريب فيه، ذكره في زاد المعاد.
وقال عن حديث فاطمة: هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه -يعني فاطمة - أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تريد خادماً وتشكو إليه الخدمة فلم يقدم لها أو يعطها خادماً.
وفي البخاري أيضاً (لا يحل للزوجة أن تأذن لأحد رجل كان أو امرأة أن يدخل في بيت زوجها وهو حاضر إلا بإذنه)فهذه مسألة مهمة، بل إن بعض النساء تكاد أن تقول الزوج: أنت اختر: إما أن تسمح بدخول فلانة التي أنا أحبها ولو كنت -أيها الزوج- تكرهها وإلا فطلقها. أي تقول: طلقني لا أقبل أن أبقى، يا إما فلان أو فلان..! إن حق الزوج مقدم، ولا يمكن أن يوضع الزوج في الخيار الصعب يا فلان أو الطلاق أو يا فلانة أو الطلاق.. لا.
وكذلك ينبغي للأزواج أن يتعاملوا بمنتهى الأريحية ولين الجانب، وخفض الجناح، واللطف في المعاملة، فإذا علم أن زوجته تحب فلانة التي لا خطر من غشيانها بيته، أو علم أن زوجته تحب من أقاربها ومن محارمها فلاناً أو فلانة فعليه أن يتجنب الغيرة التي لا داعي لها، وعليه أن يتجنب البخل الذي لا موجب له، بل من كرمه الذي يسبب مزيد حب زوجته له أن يقول: أنا أسمح لك بدخول أهلك.. بدخول فلان وفلان من أقاربك، فالأصل في الناس الخير، والأصل في الناس العدالة، إلا من اشتهر بخبث وفسق وشر فيقول: أما فلان وفلان وفلان فلا أسمح ولا آذن بدخولهم بيتي حاضراً كنت أم مسافراً، حضراً أم سفراً، ليلاً أم نهاراً، بأي حال من الأحوال فإن ذلك من دلائل قيامه بالقوامة التي تفضي إلى إصلاح حال الزوج والزوجة.
بل الواجب -مثلاً- أن تأخذ قاعدة عامة: إذا كان بيت أهلها أخوال أولاده قريب من بيته فيقول مثلاً: هذا إذن مفتوح أن تخرجي إلى أجداد أولادي أو أخوال أولادي في أي وقت تشائين ما دام الأمر متيسر، ولا حاجة إلى الإذن المتكرر في ذلك.
أيضاً أن يحدد مثلاً بالنسبة للمريض الفلاني والمريضة الفلانية من الأقارب فلك فرصة في الأسبوع أن تزوريها ما بين كذا وكذا، يعطيها إذناً مفتوحاً بهذا في وقت محدد بزمن، أما أن تخرج المرأة وتكن خراجة ولاجة وتأتي متأخرة يغالبه النوم والنعاس على فراشه وحده وهي غير موجودة، أين كنت اليوم؟
في الحديقة.
وأين كنت اليوم؟
في مناسبة.
وأين كنت اليوم؟
في زفاف.
وأين كنت اليوم؟
في حفلة.
وأين كنت اليوم؟!! ... ماذا بقي للرجال من الحقوق؟ إن بعض الرجال من أصبحت الخادمة هي التي تقوم بكافة حقوقه ما عدا الفراش! ولم يبق له من حق أو حظ من الزوجة إلا الفراش، هذا إن كانت تمنحه ما أوجب الله عليها له بطيب نفس ورضا خاطر.
فينبغي للأخوات وينبغي للمسلمات أن يتقين الله في هذه المسألة، وإن الله سبحان وتعالى قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] وما من شك إن تأكيد قرار الزوجة في البيت لحق الزوج، فإذا كان القرار أمراً عادياً لجميع النساء فإنه يتأكد ويتحتم بالنسبة للزوجة لحق الزوج في هذا القرار في البيت.
وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله .. ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه) أين المرأة الآن التي تستأذن في كل أحوالها؟
أقول: إن هذا من الواجبات التي ضيعنها الكثير من النساء فنسأل الله لهن الهداية.
هذا أيها الأحبة: لا يعني أن يتسلط الرجل فيمنع زوجته من الخروج مطلقاً مع وجود الحاجة والمصلحة الشرعية، لكن يجب عليها ألا تخرج إلا بإذنه.
ولقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها) وفي الحديث (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وهذا صريح في الدلالة على ضرورة إذن الزوج لخروج المرأة إذا كان للمسجد فما بالك بغيره؟
يقاس عليه سائر حالات الخروج لمصلحة شرعية، ولذا ترجم عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب في استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره. قال الكرماني : فإن قلت: الحديث لا يدل في الإذن على الخروج إلى غير المسجد قلنا: لعل البخاري قاسه على المسجد.
والقرار في المنزل لا يعني عدم الخروج مطلقاً، قال ابن تيمية : والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفر فإن الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجاته في حجة الوداع، فنعرف من هذا أو نعلم من هذا أن خروج المرأة لمصلحة أنفع من الجلوس في البيت بلا مصلحة، امرأة لو خرجت لسماع المحاضرة أو للدراسة في مدرسة تحفيظ القرآن الخيرية النسائية بعد العصر هل نقول: إن قرارها في البيت بين الجدران الأربعة والتلفاز والشاشة والهاتف خير من خروجها لحضور محاضرة في المسجد أو اشتراكها في مدرسة تحفيظ القرآن؟
الجواب: لا، إذاً يفهم من هذا أن القرار تؤمر به النساء من أجل ما يحفظها وينفعها، فإذا كان في خروجها مصلحة أو كان في خروجها حاجة أو كان خروجها لضرورة فإن ذلك لا يمنعها أن تخرج بإذن الله عز وجل.
كذلك خروج المرأة لطلب العلم، فإن كان مفروضاً وجب وجوباً على الزوج أن يعلمها هذا العلم إن كان قادراً عليه، فإن لم يفعل وجب عليها أن تخرج ولو من غير إذنه، كذلك خروجها لقضاء حوائجها، يجوز لها أن تخرج إن لم يقم الزوج بذلك، ويكون خروجها من قبيل الضرورة فلا يملك منعها من ذلك.
وأنا في الحقيقة أقول لبعض الإخوة أو بعض الرجال جزاهم الله خيراً وشكراً لهم على غيرتهم: بعضهم يمنع المرأة تماماً من الخروج حتى لحاجاتهن الخاصة في لباسهن وفي أخص أحوالهن وأمورهن، فلا ينبغي للرجال أن يقول: أعطيني قائمة بما تحتاجين وأنا أشتريه ولا أسمح أن تخرجي أبداً..! إذا كان هناك من الأمور ما تحتاج المرأة أن تباشر شراءه بنفسها فاجعلها تخرج واخرج أنت معها، يكون هذا من باب إكرامك لها واحترامها واحترامك لذوقها واحترامك لاختيارها، واختيارها لما يناسبها، وحفظها عما لا يليق بها أو ما تخشاه عليها .. هذا خير من أن تقول: أبداً، من الجدار إلى المقبرة، من البيت إلى القبر ولا يمكن أن تخرجي أبداً .. ليس هذا بحكمة، بل الأولى أن تنظر في حاجتها وأن تتحسس رغبتها، وإن المرأة العاقلة هي التي لن تخرج إلا حيث ترى أن في خروجها مصلحة، ومعلوم أن قرارها وعدم تعرضها للرجال وتعرض الرجال لها خير لها ولهم، ولكن إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى ذلك فلا ينبغي أن نغلب باب القرار على هذه المصلحة الراجحة الظاهرة، أو هذه الضرورة الواضحة.. هذه مسألة مهمة.
هذه مسألة مهمة، وما أجمل قول القائل في شأن بعض النساء:
قالت الأرنب قولاً جامعاً كل المعاني |
أشتهي ألا أرى الذئب ولا الذئب يراني |
خير للرجال ألا يفتنوا بالنساء ولا يرونهن، وخير للنساء ألا يرين الرجال ولا يفتتنن بهم، لكن إذا كان ثمة حاجة فينبغي أن نكون على درجة من الحكمة ومعرفة عصرنا وأحوالنا، وما ينبغي وما لا ينبغي.
قال في كشاف القناع : ويحرم عليها الخروج بلا إذن زوجها، هذا إن قام الزوج بحوائجها التي لابد لها منها وإن لم يقم بها فلابد من الخروج للضرورة، وكذلك خروجها في السفر المندوب والواجب فله منعها في المندوب وليس له منعها في السفر الواجب كما ذكر الفقهاء، واختلفوا: هل يجب على الزوج أن يخرج معها في سفر الحج المفروض عليها أم أن الحج يسقط عنها أم أن الحج مسألة خلافية تذكر في بابها؟
قال الشيرازي في المهذب : ويجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الأذى ونحوه لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وهنا أشير بهذه المسألة التي أختم بها في باب المعاشرة ألا وهي: حسن الخلق بين الزوجين.
إن من الناس من تراه عفيفاً لطيفاً حلو اللسان، كريم المعشر، خفيض الجناح، لين الجانب إذا تجاوز باب بيته لكنه إذا عاد إلى الدار فسباب ولعان وطعان لا يكف عن الشتيمة، وأنا أقول لهذا: إذا كنت تحتسب على الله بصبرك على أذى الناس، وتحتسب على الله عز وجل فيما تلقاه من أذية بعض من عرفوا بالرعونة في كلامهم ومواقفهم، تحتسب أن ذلك من الخلق الحسن الذي تتقرب به إلى الله: (إن من أقربكم مني مجالساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطِّئون أكنافاً).
أقول: فإن الزوجة التي هي متاع فراشك، والزوجة طاهية طعامك، وحاضنة ولدك، والزوجة التي تحفظ غيبتك، والزوجة التي هي أنسك وسكنك أولى بهذه المعاملة الحسنة، فإياك والسباب! وإياك الشتيمة! بعض الرجال لا يكف عن لعن المرأة صباح مساء أمام أولادها، بل وأعظم من ذلك يسب والديها الذين هما تحت الأرض في المقابر، وأسوأ من ذلك من تراه لا يرى لها قدراً فيسبها في مناسبة قد جمعت الأقارب والأباعد ليظهر رجولته وفحولته بسبها وشتمها وإهانتها، وأسوأ من ذلك من يضرب ويهدد بالطلاق عند كل صغيرة وحقيرة لا تستحق أن يلتفت لها الرجل ببصر فضلاً عن أن يتكلم عنها بلسان.
هذه من المسائل المهمة في المعاشرة بالمعروف: أن يكون الرجل طيب اللسان، من الرجال ومن النساء من يغبطون على حسن عشرتهم مع بعضهم، فامرأة تقول: قد مكثت مع زوجي أكثر من عشرين عاماً والله ما سبني ولا شتمني ولا قال لي كلاماً يجرحني أو يؤذيني، نعم إن كره شيئاً سكت أو أعرض عن الطعام أو هجر الفراش..! عشرين سنة! أليس هذا من الخصال التي يحتسبها صاحبها قربى عند الله عز وجل ترفع درجاته وتثقل موازينه؟ بلى، إذاً فلماذا نرى بعض الناس لا يقيم لهذا الباب وزناً ولا يقدر له قدراً، بل ويربي أولاده على عقد نفسية من كثرة حلبات الصراع التي تعقد كل يوم بين الرجل وزوجته في تطاول بعضهما على بعض، وإهانة بعضهما لبعض وغمز ولمز بعضهما لبعض.
الجواب: من سمع زلة أن يتزاور عنها ذات اليمين وذات الشمال، وألا ينتصب لها ليتلقاها بلسانه قبل أذنه، والواجب على من قدر أن يعفو ويصفح ويتجاهل أن يكون ذلك خير له:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه |
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه |
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه |
كفى المرأة نبلاً أن تعد معايبها، إذا كان غالب خصالها وفعالها من المناقب التي خلت من المثالب فتشكر وتؤجر، وتلك درة مكنونة، وجوهرة مصونة، تستحق الدعاء والإكرام.
من المعاشرة بالمعروف: تقدير المواقف، امرأة حملت تسعة أشهر لا تلتذ بنوم، ولا تهنأ بطعام، ولا تقر لها عين في نوم متواصل، ثم تنتهي من الولادة لا تقدم لها أدنى هدية؟!
والله لو اقترضت لها قرضة حسنة لم يكن ذلك كثيراً على امرأة كانت فراشاً لك، وحبلت منك، وحملت ولدك من صلبك في أحشائها تسعة أشهر ثم رأت الموت رأي العين في آلام الطلق والمخاض ثم بعد ذلك لا تبالي؟
من جلافة وغلظ ورعونة بعض الرجال أن المرأة تلد فلا يقف عند رأسها حال ولادتها، ولا يلزم أن يقف حال الولادة لكن أن يكون معها، أن يطمئن عليها، أن يوصلها بنفسه، أن يعتني بها، أن يأتي إليها بعد ولادتها، الناس يختلفون في ظروفهم وأحوالهم، بعضهم تلد ويمضي بعد الولادة أيام فلا يسأل ولا يطمئن ولا يعرف، بل ولا يقول: أروني هذا المولود وكأنه جاء من غير صلبه.
هذه من الأمور التي تجرح أفئدة النساء وقلوبهن، فينبغي للرجال وللنساء أن يحسنوا المعاشرة فيما بينهم بالمعروف.
وبالمناسبة: فإني ما رأيت شيئاً أفسد للب الرجل من نكران المرأة حسن صنيعه معها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل منكن! لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله قالت: ما رأيت منك خيراً قط!) لأن جحد المعروف وإنكار الجميل مما يفسد القلوب، فينبغي للمرأة أن تنتبه لذلك، فهناك من المواقف ما يستحق عليها الرجل الشكر، رجل كل صباح الساعة السابعة والنصف على سيارته في الطريق أمام إشارات المرور للوصول إلى العمل، وعمل مستمر ثمان ساعات ثم يخرج إلى البيت ليقبض آخر الشهر أربعة أو خمسة آلاف ريال وأين يذهب بها في الآونة الأخيرة؟ نهاية الشهر يصرفها على طعامك وشرابك وأولادك وهواء بارد في بيتك، وطعام لذيذ في مطبخك، أفلا يستحق الزوج إذا جاء بالطعام أن يقال: الله يخليك لنا، الله يحفظك، الله يجزيك خير، الله يبارك فيك؟
من النساء من إذا جيء إليها بطعام وشراب.. لماذا لم تحضر ذلك النوع الذي رأيناه في الدعاية في البارحة؟
فلا تشكره على ما أحضره وهي عالمة أنه لا يقدر على ما أخبرت به.
قل أن تسمع من النساء شاكرة لزوجها إذا قدم هدية العيد أو ملابس العيد أو الطعام أو الشراب، وكأنها وظيفة لا كرم له فيها ولا خيار، نعم هي واجبة عليه لكن حينما يرى الرجل من المرأة شكراً، جزاك الله خيراً، خلف الله عليك بخير، أسأل الله أن يجعل ما أنفقت علينا وعلى أولادنا في موازينك يوم أن تلقى الله، أكرمت وجوهنا، عففتنا عن الحرام، صنتنا عن إراقة وجوهنا، نسأل الله أن يحفظك وأن يبارك فيك، تجد أنه يندفع أكثر، ويحتسب أكثر، ويتلذذ بالأنفاق أكثر، فينبغي للمرأة أن تنتبه إلى هذه المسألة التي هي في غاية الأهمية.
سأختصره بقول الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] حق الزوج على زوجته أن يؤدبها إذا نشزت واستنكفت عن طاعته، يؤدبها بالوعظ: يا أمة الله! يا بنت الأكرمين! يا بنت الأكارم! يا سليلة المجد! يا... إلخ يعطيها من الإطراء والمديح، بعض النساء يكفيها كلمة فتنقاد، وبعضهن يكفيهن شيء من الإعراض أو شيء من الهجر، وبعضهن قد تحتاج إلى ضرب ولكن ينبغي لمن اختار هذا السبيل بعد إفلاس الوعظ والهجر في إصلاحها أن يضرب ضرباً غير مبرح، وأن تكون العملية أمر ظاهره الضرب لكن إذا دنت الأيادي إلى البدن -بدن الضعيفات النساء- فليكن شيئاً خفيفاً يدل ويعبر عما في النفس من عدم الرضا ولا يدل على حقد وحب انتقام؛ لأن بعض الناس من يخيل له أنه يصاول ويجاول في حلبة مصارعة، لابد أن يكون هو المتفوق والفائز في نهاية الجولة بفوز ساحق على خصمه .. لا. لا تظن أن المرأة ند وخصم، بل ارحمها، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولكن لم يثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب امرأة بيده صلى الله عليه وسلم، وينبغي للرجل أن ينتبه في مسألة الهجر فإن لها حدوداً وضوابطاً يضيق المقام بذكرها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله عز وجل بأسمائه وصفاته أن يصلح زوجاتنا، وأن يصلح أحوالنا، وأن يجمع شملنا، وأن يسعدنا بزوجاتنا وأن يسعدهن بنا، وأن يجعلنا ممن قال الله فيهم: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] نسأل الله أن يجعلهن وأولادنا قرة أعين، وأن يجعل الجميع للمتقين أئمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الجواب: هناك كتب كثيرة بالنسبة لمن هو مقدم على الزواج مثل كتاب العلامة الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني " آداب الزفاف في السنة المطهرة " وكتاب محمود بن مهدي الاستنبولي وهو تحفة العروس وكثير من الرسائل الآن الموجودة في معاشرة الزوجين، ويوجد رسالة جديدة ممتازة كونها حديثة الصدور للدكتور/ عبد الملك القاسم بعنوان " رسائل متبادلة بين الزوجين " أظنها مليئة بالنصوص الشرعية والأدلة القرآنية، وبلغة عصرية، وتعالج قضايا معاصرة.
النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة في أحكام الرجال والنساء وشروحها من كتب التفسير والسنة لمن أراد أن يتوسع، كل ذلك من المراجع التي يمكن أن يستفيد منها طالب العلم أو الباحث في هذا الباب.
الجواب: نعم، إذا كان في بيت أهلها ما يكون سبباً في فسادها وانحرافها، وفساد وانحراف أولاده فله أن يمنعها من ذلك، ولكن الذي أراه ألا يكون سبباً في قطيعة رحمها مع أهلها، فله أن يخصص في الأسبوع زمناً معيناً يذهب هو وزوجته وأولاده لزيارة أهلها والحديث معهم والجلوس معهم وقتاً يسيراً ثم يعود بأولاده حفاظاً على ما استثمره من المال والوقت والجهد في تربيتهم كي لا يضيع في سحابة يوم يدع أولاده عند أهل زوجته فيفسدون عليه ما كان يبنيه ويصلحه سالف أيامه.
الجواب: إذا كان صيامها يمنعك حقاً أن تستمتع بها؛ فلا ينبغي لها أن تصوم وأنت شاهد، أما إن كان صيامها لا يفوت استمتاعاً أو كمال استمتاع بالنسبة لك وهي قادرة على ذلك قوية عليه سيما في البيوت التي فيها من وسائل التكييف والتبريد، والأدوات الكهربائية وغير ذلك فإني أنصحك أن تدعو لها وأن تعينها وأن تكون سبباً في هذه العبادة فربما أجرت أجراً كأجر صيامها وإن لم تكن أنت الصائم بسبب إذنك لها، جزاك الله خيراً.
الجواب: الحقيقة هذه:
إذا بَني ضرجوني بالدم من يلق آساد الرجال يكلم |
شنشنة نعرفها من أخزم |
ليست هذه الكلمات أول مرة تطرق مسامعكم أو مسامع غيركم، مما يفترى به على شأن المرأة في هذا الدين، والحقيقة أن الطلاق شرع لحكم عظيمة، ولا ينبغي أن يكون الطلاق حجة لصاحب شبهة يدعي من خلالها أن المرأة مظلومة، بل إن الطلاق حلال بغيض، ولا ينبغي للرجل أن يلجأ إليه إلا إذا تعذر إصلاح حال الزوجية وأصبح بقاء أحدهما مع الآخر أو بقاء بعضهما مع البعض سبباً لمزيد من النكد والشقاق الذي لابد له من الفراق.
فمثلاً لو أن المرأة هي التي ضاقت ذرعاً بالرجل، ولم تألفه نفسها وأرادت فراقه ثم قلنا: لا. لا طلاق، لا فراق أبداً .. هل هذا من العدل؟ يظن البعض أن فصم العلاقة الزوجية هي بيد الرجل وحده .. لا، كذلك المرأة هي تملك طرفاً آخر، والقاعدة تقول: المتسبب في الفرقة يتحمل العوض. فإذا طلق الرجل وفصم أو قطع العلاقة الزوجية بقرار الطلاق يفوته المهر فلا يرد إليه، والمرأة إذا فصمت العلاقة الزوجية بقرار المخالعة فإنها ترد المهر، فلم يقل أحد أن الرجل وحده هو المتحكم في العلاقة إيجاباً -إيقاعاً- وعدماً بدليل أن المرأة أيضاً لها الحق في ذلك وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228] نعم، الطلاق يقع عليها ولكن أيضاً المخالعة، وليس الخلع والطلاق بمستحبين بشأنهما، بل يلجأ إليهما عند الضرورة وهذا مما يؤكد سمو الإسلام في شمول أحوال البشر كلهم، ما شرع الطلاق ليكون هو فاتحة الكتاب في العلاقة الزوجية، بل يكون هو خاتمة المطاف وكالكي في الدواء آخر العلاج، إذ أن من النساء من لو ظلت مع زوجها على حال من البغضاء والكراهية لأدى بها إلى فتنة لا تأمن بعدها على نفسها وعرضها وأخلاقها.
كذلك أن يتزوج متى شاء إنما أبيح للرجال أن يعددوا ليس لأجل أن يذلوا النساء، وإنما أبيح لهم أن يعددوا من أجل حفظ النساء، لكن المرأة بطبيعة جبلتها وغيرتها لا تقبل أن يتزوج عليها، لكن هل يعني أن غيرة المرأة وعدم رغبتها ورضاها بذلك يعطل مصلحة عظيمة ومقصداً عظيماً من مقاصد الشرع في إباحة التعدد التي لو لم يكن منها إلا حفظ المجتمع وحفظ نساء المجتمع وحفظ الرجال عن اللجوء إلى الزنا والانحراف والمخادنة وغير ذلك؟!
لو لم يكن فيه من المصالح خاصة لمن يقدرون على الإنفاق والإعالة من الذرية والتكاثر تكثيراً لأمة محمد، ومصالح كثيرة وكثيرة جداً.
عائشة رضي الله عنها جاء عنها أنها كانت في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت حفصة : يا عائشة .. جربي جملي وأجرب جملك. وكانت حفصة ذكية، وليس كذكاء عائشة لكن حفصة تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عرس القوم أو نزلوا منـزلاً ثم شدوا السير من جديد أخذ يمشي بالقرب من جمل عائشة، فـحفصة تريد أن تنال هذه المكرمة وهذا الفضل فقالت: ألا تجربين جملي وأجرب جملك؟! وافقت، فلما ركبت عائشة جمل حفصة وركبت حفصة جمل عائشة ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً فتوجه إلى جمل عائشة يظن أن عائشة فيه، يحبها، أحب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأحب الرجال إليه أبوها رضي الله عنه أبو بكر ، فلما جعل يده في الهودج قال: عائشة ؟ قالت: لا، بل حفصة يا رسول الله .. تقول عائشة : [فطاش عقلي حتى أخذت أضع يدي في الحرمل لعل دابة تلدغني فأموت؛ من شدة الغيرة].
ولما بعثت إحدى الصحابيات -وأظنها حفصة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام في بيت عائشة أخذت الطعام ثم ضربت بالإناء الجدار حتى انكسر الإناء فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: (غارت أمكم، يا
ثم أيضاً المرأة التي تسلم تسليماً لا يخالطه ريب ولا شك بأن الله عليم وحكيم: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] ما دام أن الله يشرع لعلم ولحكمة وعدل شرع ذلك كله فلماذا نعترض على أحكام الله وشرعه؟
الشيخ ينبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حياته فيها جانب بشري وجانب النبوة، أما الجانب البشري الصرف فمثلاً ميل قلبه إلى عائشة وقوله: (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك ولا تلمني في ما لا أملك) بشريته في كونه صلى الله عليه وسلم ينام، وكونه صلى الله عليه وسلم يمارس من الوظائف الطبيعية في أبدان البشر كما يمارسه غيره، فهذا جانب بشري، ويؤكد ذلك ميله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة رضي الله عنها، وليس هذا من باب الظلم لأنه حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يظلم.
الجواب: والله يا أحباب أنا في الحقيقة أدعو علماءنا الأجلاء الكرام أهل المنهج الصحيح، أهل الورع في الفتيا، أهل الحجة بالنص المعصوم وبالدليل أن يتصدوا لمثل ذلك، وفي مجالس شتى سمعنا هذا الكلام كثيراً ولكني أدعو علماءنا وأوصيكم أنتم أن تكتبوا إلى العلماء، تعود الناس ألا يرسلوا نصيحة إلا للحاكم أو للمسئول، لكن نصيحة للعالم قل أن تجد، فأنا أقول: ينبغي لكم أنتم جميعاً أن تكتبوا للعلماء وخاصة الذين لهم حسن عرض وإجابة في استيعاب السؤال وعرض الفتوى أن يشاركوا، ولا يلزم أن يشاركوا في الجزيرة ولا في اقرأ ولا وفي غيرها، أن تكون لهم مشاركة تلفزيونية لأن العالم يفرح إذا اكتظ المسجد بعشرات الآلاف طلاب علم وخمسة آلاف امرأة يسمعون المحاضرة فلعل بعض العلماء وفقهم الله لا يعلمون أن ساعة في البث التلفزيوني الفضائي يعني مخاطبة لما لا يقل عن عشرات الملايين من البشر في أنحاء العالم، وكثير من الناس لا يعلم عن أثر المشاركة التلفزيونية وأثرها.
طبعاً ليس بالضرورة أن نأتي بهم ونشارك وندخلهم في الاستديوهات لكن أن تأتي آلات النقل الفضائي حتى إلى بيوتهم وتأخذ فتوى منهم وتبث على الفضاء أو أن تسجل وتعاد هذا أمر مطلوب، نعم الشيخ عبد الله بن منيع جزاه الله خيراً له برنامج الإفتاء على الهواء، وبعض العلماء أيضاً الشيخ عبد الله البسام له برنامج يبث على الهواء، وهناك بعض العلماء لكن هناك أيضاً بعض العلماء أجلاء الحاجة إليهم ماسة، والناس يتأثرون بفتاوى علماء هذا البلد أكثر من غيرهم، بل قد ملوا من التخفيضات والتنـزيلات والمجاملات، والدعاة والعلماء مأمورون أن يرفعوا الناس إلى مستوى الشريعة لا أن ينزلوا بالشريعة إلى منحط الناس وحضيضهم، فشتان بين أن نجامل وأن نتنـزل يوماً بعد يوم في الأحكام الشرعية وقضايا الشريعة لتواكب وضع الناس، وضع الانحدار لا يقف عند أحد، لكن نحن مأمورون أن نرتفع بالناس إلى مستوى كمال الشريعة وسموها وجلالها، لا أن ننحط بالشريعة إلى مستوى انحطاط بعض الناس.. هذه مسألة.
على سبيل المثال: فتوى مصافحة النساء، فتوى تمثيل النساء، فتوى أغاني ... كل ذلك مما ينبغي ألا ينقاد الناس لما ينبني عليه من القول بجواز ذلك، واستفت قلبك إذا أفتاك الناس وأفتوك، كم من رجل يسمع فتوى تروَّق لها، وتأتي وفقاً لما يشتهيه في ظاهر لفظه ونطقه لكن قلبه يأباها وينكرها.
أنا أذكر أحد الكبراء استفتى عدداً من الناس فأعطوه فتوى أحفظ لماله وأقرب إلى نفسه، واستفتى واحداً فقال: لا، وأنا أخالف كل من أفتاك بهذا، ولا يجوز لك هذا، ولا ينبغي لك هذا، قال: فوالله ما كان مني إلا أن قذف الله في قلبي حب هذا الذي أفتاني بما يخالفني. فلا تظن أن الناس بالضرورة يحبون من أعطاهم الترخيصات والتنـزيلات في الفتاوى.. لا، بل إن الناس يحبون الذين يجدونه صلباً في الدين لكن كما قال الإمام المحدث أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري قال: إنما الفقه الرخصة من ثقة. ليس الفقه الأحوط، يأتي أحدهم: حصل كذا أو كذا؟ أقول له: الأحوط أن تعيد الصوم. حصل كذا أو كذا في الحج؟ الأفضل أن تعيد الحج، الأضحية صار فيها كذا؟ الأفضل أن تضحي غيرها... وهكذا، ليس الفقه الأحوط، كل يفقهه، الأحوط أن تأتي بسيارة جديدة بدلاً من أن تصلحها، الأحوط أن تغير هذه المكينة بدلاً من أن تصلحها.. هذا كل يفقهه، لكن الفقه: الرخصة من ثقة، بالنصوص أن تقول: هذا مما يرضاه الله وهذا يأباه، والجرأة على الفتوى شأنها خطير نسأل الله أن يلهمنا وإياكم الفقه والعلم والعمل، وأن يجنبنا القول عليه بلا علم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر