إسلام ويب

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - العدة هل هي بالأطهار أم الحيضللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أهم المسائل التي يجب على المرأة تعلمها ومعرفتها: معرفة متى يبدأ وقت العدة ومتى ينتهي، وما هو الواجب عليها بعد الطهر من غسل وصلاة ونحو ذلك، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية غسل المرأة بعد الجنابة أو الطهر من الحيض، وما الذي يستحب لها فيه.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    القول الأول في معنى القرء وأدلتهم

    نختم اليوم بإذن الله رسالة: إلى كل امرأة، بثلاث مسائل:

    المسألة الأولى: العدة، هل عدة المرأة إذا طلقت بالأطهار أم بالحيض؟ وهل القرء هو الحيض أم الطهر؟

    هذا مأخوذ من قول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، فالقرء اختلف العلماء فيه على قولين:

    القول الأول: قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد قالوا: القرء هو الطهر، وأدلتهم في ذلك من الأثر والنظر:

    أما الأثر فقول الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] و(اللام) هنا بمعنى: في، ويجوز في اللغة استعارة الحروف بعضها عن بعض، فـ(اللام) تأتي بمعنى (في)، و(في) تأتي بمعنى (اللام)، مع أن بعض أهل اللغة يرفضون ذلك، لكن هذا هو الراجح والصحيح، وهنا لعدتهن بمعنى: في عدتهن.

    قوله: يا أيها النَّبِيُّ وهذا خطاب للأمة إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي: في عدتهن، وانظروا إلى وجه الدلالة من هذه الآية، فقد اتفق الموافق والمخالف على أن الطلاق في الحيض لا يجوز، فبالاتفاق أن الطلاق في حال الحيض لا يجوز، فإذا قال الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الطلاق:1] كأن الآية تقول لكم: من التقوى أن تطلقوا النساء في زمن العدة، أي: في الطهر لا في الحيض، فيكون المعنى (في العدة) أي: في الطهر، فهذه فيها دلالة واضحة جداً على أن القرء هو الطهر.

    أيضاً من أدلتهم من الأثر: حديث ورد في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أخبره عمر بأن ابنه عبد الله طلق امرأته وهي حائض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء فارقها، وتلك العدة التي أمر الله) أي: أن الطلاق فيها.

    ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، فإن أراد أن يمسكها أمسكها أو فارقها، ويريد هنا: إن أراد الطلاق طلقها في الطهر، وهذه دلالة أيضاً على أن القرء معناه الطهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: راجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن أردت الطلاق فطلقها في طهرها هذا، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: هذه هي العدة الصحيحة التي تبدأ تحسب منها.

    الدليل الثالث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها سئلت عن عدة النساء؟ فقالت: الأقراء، أتدرون ما الأقراء؟ الأقراء: الأطهار. فجاء التصريح منها بأن القرء هو الطهر.

    وأما الدليل من النظر: فقالوا: في اللغة القرء معناه: الجمع، وإذا طبقنا الجمع تقول: قرأت شيئاً، أي: جمعت شيئاً، فتقول: القرء هو الجمع، فقالوا: إن كان القرء هو الجمع، فإن الطهر بمعنى الجمع؛ لأن الحيض: إرخاء الرحم للدم لخروجه، والطهر: جمع الدم في الرحم، فجمع الدم في الرحم يساوي الطهر، ويكون في اللغة القرء، فقالوا: اللغة تساعدنا على أن القرء هو الطهر، وهو: جمع الدم في الرحم، أما الحيض فهو: إرخاء الرحم للدم، فهذا القول الأول هو قول الشافعية والمالكية، ودللوا على قولهم من الكتاب والسنة والنظر.

    القول الثاني في معنى القرء وأدلتهم

    وأما الأحناف وهي رواية عن أحمد فقالوا: القرء هو الحيض، والعدة تحسب بالحيض، وقول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] أي: ثلاث حيض، حيضة ثم حيضة، ثم حيضة، واستدلوا على ذلك أيضاً بالكتاب والسنة:

    أما الكتاب فقالوا: قال الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قالوا: ثلاثة قروء لا بد لزاماً أن تكون ثلاث حيض؛ لأننا لو قلنا بالأطهار فإن الطهر الذي طلقها فيه سيحسب، فلو أن امرأة في الشهر الثالث كانت على طهر فطلقها زوجها، فحتى نحسب العدة بالأطهار فسيمر عليها نصف الطهر الأول، ثم طهر ثاني، ثم طهر ثالث، فلا تكون ثلاثة أطهار كاملة.

    قالوا: إذاً: لا تنضبط الثلاثة القروء إلا بالحيض؛ لأنه من السنة أن يطلقها في الطهر، ثم إذا عدت هذا الطهر فتحسب حيضة، ثم حيضة، ثم حيضة ثالثة، فهي ثلاث حيض كوامل، فقالوا: ظاهر الآية معنا؛ لأن حساب العدة بالأطهار يجعلهن اثنين وبعض الطهر الثالث، وليس ثلاث كوامل، لكن الحيض ثلاث حيض كوامل.

    الدليل الثاني من السنة: قالوا: ورد حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان)، ووجه الشاهد فيه: (وعدتها حيضتان)، وهذه دلالة واضحة جداً على أن القرء هو الحيض، لكن هذا الحديث في سنده ضعف، فقد رواه البيهقي عن ابن عمر موقوفاً، أي: أنه قد صح موقوفاً وضعف مرفوعاً، فيكون لهم حجة بأنه قول لـابن عمر ، يقابله قول لـعائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلو قلنا بالمرجحات فلا يوجد مرجح إلا قول عائشة وقول ابن عمر ، فنرجع إلى قول عائشة ؛ لأنها صاحبة الأمر، وهذه مسألة تخص النساء.

    لكن جاء الحديث الذي فصل في النزاع بسند صحيح في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعي الصلاة أيام أقرائكِ). وبالاتفاق أنها تدع الصلاة أيام حيضها، فهذه دلالة كبيرة جداً على أن القرء بمعنى: الحيض؛ لأنه بالإجماع أنه تدع الصلاة أيام الحيض.

    وأيضاً في رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي) أي: تطهري من القرء الذي هو الحيض، فسمى القرء حيضاً، ونحن ندور مع الشرع حيث دار، وإن كانت أدلة الفريق الأول من النظر قوية، لكنا نقول:

    العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه

    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه

    فقد جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعي الصلاة أيام أقرائكِ) أي: أيام حيضكِ، فهذا تفسير بليغ من النبي صلى الله عليه وسلم، يبين لنا بأن العدة هي القرء، والقرء هو الحيض، فيصير معنى قول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] أي: ثلاث حيض.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089348891

    عدد مرات الحفظ

    783959642