إسلام ويب

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - العلاقة بين الحمد والشكرللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذا الملف يتناول الكلام عن معنى الحمد والشكر والفرق بينهما، وأن الله تعالى ليس كمثله شيء من مخلوقاته، فقد نزه نفسه عن الصاحبة والولد، ونفذ قهره وقوته على جميع مخلوقاته، فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى كما وصف نفسه ووصفه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بها وتلقيها بالتسليم والقبول من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تأويل.

    تعريف الحمد والفرق بينه وبين الشكر

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الحمد لله المحمود بكل لسان ].

    الحمد هو الثناء الجميل الحسن على المحمود جل في علاه فيما هو أهل له من صفات الكمال، والجلال، والبهاء، والعظمة، فهو ثناء باللسان وإقرار بالقلب.

    والفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد لا يستلزم وجود النعمة عند الحامد، بخلاف الشكر، فالحامد يمدح ربه بصفات الكمال والجلال، والشاكر يمدح ربه على نعمة أسداها إليه، فالفارق بينهما عموم وخصوص، فالحمد أعم من الشكر من حيث المتعلق به، إذ تعلَّق بصفات الكمال والجلال والبهاء والعظمة لله جل في علاه، وبأسماء الله وأفعاله التي لا تنتهي، والشكر أخص من ناحية المتعلق به؛ إذ الشكر لا يكون حمداً أو مدحاً إلا على نعمة أسداها الرب جل في علاه.

    والحمد أخص من ناحية الآلة، فإن الحمد يكون باللسان، ويكون باللسان والقلب معاً، إذ بالقلب إقرار بصفات الكمال لله جل في علاه، وإقرار بجمال الله، وببهاء الله، وعظمة الله جل في علاه.

    وأما الشكر فيكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، فيكون باللسان بأن يشكر الله على النعمة التي أسداها إليه، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].

    ويكون بالقلب بالإقرار بأن المنعم هو الله جل في علاه.

    ويكون بالجوارح بالعمل الصالح، قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13]، والذي أسدى النعمة في الأصل وبحق هو الله جل في علاه، وجعل البشر سبباً في ذلك، وشكر السبب من شكر المنعم، لكن الجهلة تميل قلوبهم للسبب والواسطة وينسون بذلك الأصل وهو الله جل في علاه الذي أسدى إليهم هذه النعمة.

    فالحمد أعم من حيث المتعلق، والشكر أعم من ناحية الآلة.

    إذا أنعم الله عليك بنعمة البصر فعليك ألا تطلق البصر في الحرام، وهذا من شكر النعمة، وإذا أسدى الله إليك الصحة فعليك أن تستخدمها في طاعة الله جل في علاه، كنصرة المظلوم، فهذا من شكر الجوارح.

    والسمع نعمة من نعم الله جل في علاه، لا بد من تأدية شكرها، ومن تأدية شكرها عدم سماع الغيبة والنميمة والغناء، والكلام الفاحش، والسب، وعدم سماع الكلام الذي لا يرضي الله جل في علاه.

    وأيضاً نعمة اليد ونعمة اللسان، وغيرها من النعم التي لا بد من شكرها.

    العلاقة بين الحمد والشكر

    العلاقة بين الحمد والشكر أنهما إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، أي: إذا اجتمعا في اللفظ افترقا في المعنى، فمن قال: أحمد الله وأشكره فقد جمع بين الحمد والشكر في اللفظ، فيفترقان في المعنى فيكون الحمد خاصاً باللسان فقط، والشكر يكون باللسان والقلب والجوارح.

    وإذا افترقا في اللفظ اجتمعا في المعنى، فالحمد يدخل تحته الشكر، فالحمد لله يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، والشكر يدخل تحته الحمد فيكون بالثناء الجميل على الله بصفات كماله، ويكون بإقرار القلب على أن المنعم هو الله، ويكون بعمل الجوارح.

    فوائد الحمد والشكر

    فوائد الحمد والشكر كثيرة أهمها:

    الفائدة الأولى: حب الله جل في علاه، فإن العبد الذي يحمد الله على النعم التي أسداها الله إليه يكون محبوباً عند الله جل في علاه، ودرجات المحبة متفاوتة عند الله جل في علاه.

    أما الدليل على ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أحد أحب إليه المدح من الله)، والحمد أصله المدح والثناء الحسن على الله جل في علاه، فالله يحب ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله يحب إذا أكل أحدكم الأكلة أن يحمده عليها، وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها)، فهذه دلالة صريحة على أن الله يحب من العبد الحمد، وإذا حمد العبد الله أحبه الله، فإذا أحبه الله جعل له القبول في الأرض، كما في الصحيحين: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يكتب له القبول في الأرض).

    وإذا أحب الله عبداً نقله من درجة المحبة إلى درجة المحبوبية، فإن الله إذا أحب عبداً عصمه من السيئات، وإن أساء فإن الله يلهمه التوبة.

    وأيضاً: إذا أحب الله عبداً سهل له أموره، وفتح له كل أبواب الطاعة، وأغلق عليه كل أبواب المعصية، وفتح له أبواب العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فالتفقه في الدين من محبة الله للعبد، فإن الله إذا أحب عبداً بصره بالطريق الذي يسير فيه إلى الله جل في علاه، وجعله يرتقي إلى المعالي والدرجات العلى عند الله مع الأنبياء والمرسلين.

    والعبد الذي يحبه الله جل في علاه لا يخلو من بلاء أيضاً، فقد قال الإمام مالك : من لم يبتل فليشك في إيمانه، وفي محبة الله له، والدليل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الترمذي بسند صحيح أنه قال: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم) فالابتلاء شرط في محبة الله للعبد.

    والبلاء أنواع: بلاء حسي، وبلاء معنوي، فالبلاء الحسي: كالتضييق في المال مثلاً، وكالمرض والحوادث، والبلاء المعنوي: كالهم، والغم، والحزن، ورسوب الأولاد وغيرها.

    وابتلاء الله للعبد دلالة على محبته، كما في سنن الترمذي أو النسائي : (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أحب الله ورسوله، قال: انظر ما تقول، قال: أحب الله ورسوله، فقال: فأعد للفقر تجفافاً) أي: استعد للبلاء؛ لأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، فمحبة الله جل في علاه تحققت من كثرة الحمد وكثرة الشكر؛ ولذلك فإن الله مدح عبده نوحاً بأسمى ما فيه، فقال: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء:3] واختار ربنا جل في علاه أفضل الأسماء لنبيه وأكرم الخلق عليه وأحبهم إليه فهو خليله محمد صلى الله عليه وسلم فمن أسمائه محمد وأحمد، ومعناهما كثير الحمد وكثير المحامد؛ وكان الكفار إذا أرادوا أن يذموا محمداً كانوا يقولون: مذمماً، ومن أخلاقياته العالية أنه كثير الحمد لله جل في علاه.

    ودرجات المحبة عند الله: درجة المحبة، ودرجة المحبوبية.

    فدرجة المحبة: هي أول درجات المحبة عند الله جل في علاه، ويرتقي إليها المرء بفعل الواجبات كالصلوات الخمس، والانتهاء عن المحرمات.

    والمرأة إذا أدت الفرائض، وانتهت عن المحارم، وأطاعت زوجها؛ بلغت درجة المحبة أو أرقى من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المرأة إذا أرضت ربها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، فطاعتها لزوجها هو الركن الركين؛ ولذلك لما جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انظري أين هو منك؟ فإنما هو جنتك ونارك) أي: فلا تدخلي الجنة إلا بطاعته، فإذا عصيته فإن الله جل وعلا لا يرضى عنك وسيدخلك النار، فقد ورد في مسند أحمد بسند صحيح: (أن المرأة إذا أطاعت زوجها وأطاعت ربها كانت كالمجاهد)، أي: فقد بلغت درجة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها أرضت الله في حسن تبعلها لزوجها.

    فالمرأة غير الرجل، فالرجل إذا أتى بالفرائض وانتهى عن المحرمات بلغ درجة المحبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وهذه درجة المحبوبية التي هي أرقى من درجة المحبة، وهذه الدرجة لا ينزل عنها العبد أبداً حتى وإن عصى؛ لأن الله جل في علاه فتح له باب المعصية ليبتليه ويعلمه أن الله إذا وكله إلى نفسه فقد وكله إلى هلاك وضلال، وأن الله جل وعلا إذا لم يحطه بكفالته سيصبح فريسة لهواه وللنفس وللشيطان، وإن الله جل وعلا يكتنفه بفضله وبرحمته؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو ويقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) .

    فإن العبد المحبوب لدى ربه إذا وكله إلى نفسه أراد أن يعلمه أنه إذا وكل إلى نفسه فإنه وكل إلى بوار وإلى هلاك، وأيضاً أراد أن يعرفه بأن الله جل وعلا هو الذي يتفضل عليه بحفظه وعصمته من الشيطان، فإذا عصى ألهمه بعد ذلك التوبة ليرتقي منزلة فوق المنزلة التي هو فيها.

    الفائدة الثانية من فوائد الحمد والشكر: تثبيت النعم، فإن النعمة -التي أسداها الله للعبد- لا تثبت إلا بالشكر، ولذلك قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53] أي: يغيروا ما في قلوبهم، فلا يقرون بأن هذه نعمة الله جل في علاه، ولا يشكرون ربهم، فتثبيت النعم بالشكر.

    الفائدة الثالثة وهي مهمة جداً: زيادة النعم، فإن النعم يولد بعضها بعضاً، بسبب الشكر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].

    وقال علي بن أبي طالب : الدين قسمان: قسم صبر وقسم شكر، فمن أتى بالصبر فقد أتى بنصف الدين، ومن أتى بالشكر فقد أتى بالكمال، فإذا أتى بالكمال بلغ المنازل العلى عند ربه جل في علاه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088463917

    عدد مرات الحفظ

    776881594