إسلام ويب

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - الاستواء والعلو لله عز وجلللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الاستواء والعلو صفتان ثابتتان لله عز وجل في الكتاب والسنة والإجماع، والاستواء صفة ثبوتية فعلية، وصفة العلو المطلق صفة ذاتية، وقد أول المبتدعة هاتين الصفتين، ولكن الرد عليهم ظاهر من الكتاب والسنة.
    صفة الاستواء على العرش لله الصحيح فيها أنها صفة ثبوتية فعلية، وصفة العلو المطلق صفة ذاتية، لكن صفة الاستواء علو مقيد متعلق بالعرش، فهذه صفة فعلية، ومعنى الاستواء: العلو والاستقرار، كأن تقول مثلاً: محمد استوى على الكرسي، أي: علا واستقر، وليس معناه: جلس؛ لأن هذا لا يقال أبداً في حق الله، فعندما نقول: الله استوى على العرش، يعني: علا واستقر لا علا وجلس كما جاء في بعض الآثار الموضوعة التي لا تصح، والصحيح الراجح: أنه علا واستقر كما قال: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44] أي: استقرت، فالاستواء هنا معناه: العلو والاستقرار.

    وهذه الصفة ثبتت لله بالكتاب وأيضاً بالسنة وبالإجماع:

    أما بالكتاب ففي أكثر من موضع، قال الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقال جل في علاه: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4] والآيات في ذلك كثيرة تبين أن الله جل وعلا قد استوى على عرشه.

    وأما في السنة فالحديث الذي في الصحيحين: (أن الله -جل وعلا- كتب كتاباً هو عنده فوق العرش) فأثبت العرش، وأيضاً حديث ابن مسعود حيث قال: (ما بين السماوات والأرض مسيرة كذا وكذا) وكذلك بين كل سماء وأخرى نفس المسيرة، ثم قال: (وما بين السماء السابعة والكرسي ماء، والله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه) وهذا هو قول ابن مسعود ، وحكمه حديثياً الرفع؛ لأن هذا الأمر لا يدخله الاجتهاد، إذاً: لا بد أن يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فحكمه حكم الرفع، والكلام على أسانيده يجعل الحديث صحيحاً، وفيه قال: (فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه) وهو تصريح من السنة.

    وأما في الإجماع: فقد أجمع أهل السنة والجماعة: على أن الله جل في علاه خلق العرش، واستوى عليه، فازداد العرش تشريفاً وتعظيماً، والعرش أحوج ما يكون إلى الله، فلا يضل امرؤ في هذه المسألة فيقول: إذا كان الله استوى على العرش فهو يحتاج إلى العرش، كما قال أهل البدعة حاشا لله، بل نقول: الله استوى على العرش، وهي صفة من صفاته تدل على كماله جل في علاه، لكن العرش يحتاج إلى الله لا أن الله جل وعلا يحتاج إلى العرش.

    إن الله استوى على العرش، وهذا الاستواء دلالة على كماله وقوته وعظمته جل في علاه، والعبد إذا علم أن ربه قد استوى على العرش، وأنه يعلم ما هو عليه من صغيرة أو كبيرة أو دقيق أو جليل، خشي ربه وتعبد وسارع بالخيرات، وإذا خلا يوماً من الدهر لم يقل: خلوت، ولكن قال: علي رقيب؛ لأنه يعلم أن الله فوق العرش.

    وإذا علم أن الله جل في علاه وهو فوق عرشه يدبر أمر خلقه؛ مال قلبه لربه جل في علاه، واطمأن لتدبير الله جل في علاه.

    تأويل أهل البدع لصفة استواء الله على العرش والرد عليهم

    إن أهل البدع خالفوا أهل السنة والجماعة في هذه الصفة الجليلة العظيمة، فقد قالوا في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]: إن الله لم يستو على العرش؛ لأنه لو استوى فقد احتاج إلى العرش، وكل شيء يحتاج إلى العرش، ولو استوى حقيقة يكون قد جلس كما يجلس المرء والعياذ بالله، وهذا فيه تشبيه الخالق بالمخلوق، فإذا قلنا: إذا قال الله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فما المراد من هذا القول؟ قالوا: مراد الله من هذا القول: الرحمن على العرش استولى، لا استوى، قالوا: وعندنا من اللغة ما يعضد ما نقول، وهو قول الشاعر:

    استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق

    أي: ما أهريق دم في أخذه للعراق، قالوا: استوى بشر على العراق من غير سيف يعني: استولى، فقالوا: هذه لغة تدل على أن استوى بمعنى: استولى، واللغة هي لغة العرب، والقرآن نزل بها، إذاً: ليس المراد استوى؛ لأننا لو أثبتنا لله الاستواء لشبهنا الخالق بالمخلوق، وأيضاً: لنا لازم باطل في هذا التشبيه حيث إننا لو أثبتنا هذه الصفة لله فإن الله يحتاج إلى العرش، والله لا يحتاج إلى أحد بل كل الخلق يحتاجون إليه.

    نقول: إذا قال قائل: ما الاسم الذي يدل على أن كل الخلق يحتاجون لله جل في علاه؟ فالجواب: الصمد، أي: يصمد إليه الخلائق في حوائجهم، وبذلك يكون الرد على أهل البدعة والضلالة كالأشاعرة الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء كالتالي:

    نقول: إنكم خالفتم ظاهر الكتاب؛ لأن الله قال: اسْتَوَى [طه:5] وأنتم قلتم: استولى، أأنتم أعلم أم الله؟ وخالفتم ظاهر السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله فوق العرش ويعلم ما نحن عليه) وكأنكم تدعون أنكم أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب وزور، وخالفتم بذلك إجماع أهل السنة والجماعة.

    وكذلك نقول: هناك لوازم باطلة لو قلنا بقولكم، فلو قلنا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] بمعنى: استولى يلزم من ذلك أن هناك من هو أقوى من الله قد استولى على العرش ثم حدث الصراع والعراك ثم بعد ذلك استرد ملكه والعياذ بالله، وهذا من أكفر الكفر، فإن الله مالك كل شيء ورب كل شيء، وإذا أراد شيئاً قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]، فمعنى قولكم: استوى أي: استولى، كأنه أخذ منه، وفي هذا دلالة على الضعف، وفيه قدح في الربوبية، إذ من لوازم الربوبية أن الله القادر القاهر فوق عباده، فأنتم هكذا قدحتم في ربوبية الله جل في علاه.

    أيضاً من اللوازم الباطلة أنكم إذا قلتم: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] بمعنى: أنه استولى، معنى ذلك: أن الله يحدث عباده بما لا يفقهون، هو يقول: استوى، وأنتم تقولون: لا، استولى، وكأن الله يخاطبنا بما لا نعقل، وكأن ظاهر القرآن كفر حاشا لله من ذلك، فإن الله قال عن القرآن أنه أنزله: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195] فهو يخاطبنا بما نعلم فهذا لازم باطل من اللوازم الباطلة أيضاً.

    وكذلك نقول: إذا خصمناكم بهذه اللوازم فلا بد علينا أن نرد هذه الشبه التي أتيتم بها، فقد قلتم: عندنا من اللغة ما يثبت أن استوى بمعنى: استولى، واحتججتم ببيت شعري، فنقول لكم:

    أولاً: القاعدة عند العلماء: أنَّ المعنى إذا تردد بين أن يكون شرعياً أو أن يكون لغوياً فإننا نقدم الشرع على اللغة، أي: إذا تردد المعنى بأن كان بوضع الشرع له معنى، وفي وضع اللغة له معنى آخر، فنحن نقدم وضع الشرع والدلالة على ذلك، نظير ذلك في الشرع قول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] والصلاة في اللغة معناها: الدعاء، ومعنى ذلك: أن الله يأمر كل إنسان أن يقف، أو يجلس، أو ينام، أو يقوم على أنه يدعو الله جل في علاه، وليس وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] معناها: تدعو الله جل في علاه، بل وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] تعني: الخمس الصلوات التي بينها رسول الله، فالصلاة معناها في الشرع: هذه الألفاظ المخصوصة والحركات المخصوصة في أوقات مخصوصة، وإن كانت في اللغة معناها: الدعاء، فإذا تردد المعنى بين الأمرين فإنا نأخذ بالشرع، وهنا تردد الأمر في الشرع بالاستواء وبين الاستيلاء فنقدم الاستواء وهو العلو والاستقرار.

    ثانياً: نقول لكم: هذا البيت ليس بيتاً عربياً، وليس هذا الكلام من كلام أهل اللغة، بل هو بيت لشاعر نصراني ليس من العرب، فهذا البيت أيضاً ليس من لغة العرب.

    ثالثاً: نقول: عند علماء اللغة قاعدة لغوية تقول: الأصل بقاء اللفظ على ظاهره ما لم تأتِ قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، بمعنى: إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: صلِّ فأنت ستقول: أصلي يعني: أقوم فأصلي على الأقل ركعتين أو ركعة الوتر، أما إذا جاءت قرينة بمعنى: صلِّ للدعاء فسأصرفه من الوضع الشرعي إلى الوضع اللغوي.

    مثال ذلك: حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان صائماً ودعي لطعام، فقال: (من دعي إلى طعام فليأكل وإلا فليصل) فليصل هنا بمعنى: فليدع للذي دعاه للطعام، فالقرينة صرفت الظاهر من الوضع الشرعي إلى الوضع اللغوي.

    فنقول: استوى بشر على العراق الأصل فيها علا واستقر لكن البيت يصح تأويله بالسياق؛ لأن القاعدة عند اللغويين أيضاً أن السياق والسباق واللحاق من المفسرات، فالسياق في قول الشاعر:

    استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق

    فقوله: (من غير سيف) مفسر لقوله: استوى، بمعنى: أنه استولى من غير أن يعمل فيهم القتل، فأصبحت القرينة في نفس البيت أن استوى بمعنى: استولى؛ لأنه ذكر السيف، وذكر عدم إراقة الدماء، فهذه قرينة تثبت أن المقصود: هو الاستيلاء وليس العلو والاستقرار، فأين هذه القرينة في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]؟ أين القرينة التي تصرفه؟ ليس ثمة قرينة، فإن لم يكن هناك قرينة فلا بد أن يبقى اللفظ على ظاهره، وهو أنَّ: (استوى) يعني: علا واستقر، فهذا معنى الاستواء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088463480

    عدد مرات الحفظ

    776875227