إسلام ويب

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - التسليم لله ورسولهللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على كل مؤمن الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان خبراً أو إنشاءً، أو كان أمراً أو قضاءً. ومن ذلك حادثة الإسراء والمعراج وما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم فيها.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    بعدما انتهينا من الكلام عن القضاء والقدر، ومن الكلام عن الإيمان والإسلام، سنتكلم هنا عن مسألة تخص الإيمان، وهي: لوازم إقرار الإيمان في القلب محض التسليم لأوامر الله جل في علاه، ومحض التسليم لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، انطلاقاً من قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] سواء كان خبراً أو إنشاءً، أو كان أمراً أو قضاءً.

    وأيضاً قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).

    والشافعي رحمه الله ورضي عنه ضرب لنا أروع الأمثلة في محض التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم حتى اشتهر عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي؛ ولذلك قال بعض المؤرخين: كان للشافعي على كل شافعي المنة، وكان للبيهقي المنة على الشافعي ؛ لأنه عمل بهذه القاعدة: إن صح الحديث فهو مذهبي، فأخذ كل مسألة تكلم فيها الشافعي بغير دليل يدلل عليها، ثم نظر في الأحاديث التي علق الشافعي القول فيها على صحة الحديث ثم صححها، وبين أن هذا هو مذهب الشافعي ؛ ولذلك قال الشافعي : آمنت بالله وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. فهذا هو الرجل السلفي الذي يؤمن ويعتقد كما اعتقد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسول الله مسلماً تسليماً تاماً، وفي قوله هذا إشارة قوية إلى قوة الإيمان في قلبه، ولذلك فلا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول فقيه، ولا تعارض سنن النبي صلى الله عليه وسلم بهوى، ولا يقدم العقل على النقل كما سنذكر.

    فهذه مقدمة أطرحها بين يدي هذه المسألة التي بينها المصنف، وهي الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كأن المصنف يقول: لا تعترض على أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء الصفات الخُلقية، أو الخَلقية، أو ما جرى من كرامات على يد أصحابه، أو معجزات على يده صلى الله عليه وسلم، أو ما جرى من أمر الله جل في علاه، كل ذلك لا تعترض عليه بعقل خرب تصد به هذه السنن، كأن تقول: أمرر هذه السنن على عقولنا وفطرنا، فإن قبلها العقل أخذنا بها، وإلا رددناها على صاحبها، وهذا الذي جر كثيراً من أهل البدع والضلالة أن يطعنوا في البخاري وفي مسلم وفي النسائي ، بل يطعنوا في أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنهم لم يقبلوا أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأهواء عفنة، وبعقول خربة صدوا بها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فردوها، ولذلك إذا أردت أن تختبر إيمان العبد فقل له: قد قال الله وقال رسوله، مدللاً على مسألة تخالف هواه، وتخالف ما عاش عليه مع آبائه، فإن رأيته قال: سمعت وأطعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأوامر الله، فاعلم أن الإيمان في هذا الرجل قد تغلغل في قلبه، وإن رأيت الرجل يعترض باعتراضات لا تقوى أن تقف أمام حديث النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه يتبع هواه كما سنبين.

    وجوب الإيمان بما أخبر به الرسول من حادثة الإسراء والمعراج

    يقول المصنف رحمه الله: [ويجب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم].

    ثم أتى لنا بواقعة هي من أهم الوقائع في تاريخ البشرية، وهي واقعة فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي واقعة الإسراء والمعراج، فبعدما اشتد الكرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكالبوا عليه، بل واتهموه بأكذب الأباطيل، فقالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: مجنون، وقالوا: إنه يفرق بين المرء وزوجه، ويفرق بين الابن وأبيه، ولم يكتفوا بهذه الاتهامات الباطلة بل إنهم أتوا بسلى جزور فوضعوها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وهو يصلي في الكعبة، ولم يكتفوا بذلك أيضاً بل تكالبوا عليه وتآمروا على قتله أو طرده وتشريده وإبعاده، والله جل في علاه علم بالحزن الشديد والهم العميق في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يفرج عنه الكرب رحمة من الله جل في علاه سبحانه الرحيم، فتنزلت رحماته تترا على عبده ورسوله ونبيه وخليله من خلقه صلى الله عليه وسلم، فجاءه جبريل ذات ليلة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فركب البراق، ثم ذهب به في هذه الليلة إلى بيت المقدس، فنظر إلى بيت المقدس وما فيه من بنايات، ثم بعد ذلك شرف الله سيد الخلق أجمعين أعظم تشريف، حيث أتى له بالأنبياء قاطبةً فأمهم وصلى بهم إماماً بأبي هو وأمي، ثم لم يكتف التفريج إلى هنا، بل أخذه جبريل وصعد به معراجاً إلى السماء، وفي كل سماء يدق باب السماء فيقول الملك: من؟ فيقول: جبريل، فيقول: ومن معك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أوبعث؟! فيقول: اللهم نعم، فيقول: مرحباً بالنبي الصالح، إلى أن انتهى إلى صريف الأقلام، وفرض الله عليه وعلى أمته خمسين صلاة، ثم خففها إلى أن وصلت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة.

    ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنام بقية الليلة عند البيت أو عند الحجر، فجاءه أبو جهل ومن معه من صناديد قريش، فقال لهم: أقص عليكم ما حدث لي: إني أسري بي إلى بيت المقدس، فوقف الناس موقفاً عظيماً وقالوا: نهتبل هذه الفرصة، فهي فرصة السقوط وبيان كذب هذا الرجل -حاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكذب- فأخذوها واهتبلوها فرصة وقالوا: إن أول الناس الذي لا يمكن أن يصدق هذا الكلام أبو بكر ، فهو الذي يناصره بكليته، لكن هذا الخبر لا يصدقه، فذهبوا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا: أرأيت ما يقول صاحبك؟ قال: ما يقول؟ قالوا: يقول: إنه في هذه الليلة قد أسري به إلى بيت المقدس، فقال: أوقد قال؟ انظروا إلى الإيمان التام والتسليم التام من أبي بكر، فالذي نريده من كل مؤمن ومسلم أن يسلم لأوامر الله، ولأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسلم لقضاء الله وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فقال لهم: أوقد قال؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق، فاندهشوا فقالوا: نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس وهو في ليلة واحدة يذهب ويجيء! فقال: إني أصدقه فيما هو فوق ذلك، أصدقه أنه يأتيه الوحي من السماء؛ ولذلك لقب بـالصديق من يومئذ رضي الله عنه وأرضاه، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مرة ثانية يجرون أذيال الخيبة، فقالوا له: صف لنا بيت المقدس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فقد غابت عني نواح من بيت المقدس فاهتممت لذلك أو قال: اغتممت لذلك، فجاءني جبريل بصورة بيت المقدس)، وهذه لا تستبعد، فالفيديو الآن يمكن من خلاله أن تنظر إلى بيت المقدس بشريط الفيديو، فأخذ النبي ينظر فيه كأنه صورة في شاشة ينظر فيها بيت المقدس، ويقص عليهم: الناحية اليمنى كذا، وكانوا قد وصلوا إلى بيت المقدس وعرفوا دقائقه، فأتى بكل دقيق وجليل في بيت المقدس فاندهشوا جداً، ثم قال لهم: إن عير فلان تأتيكم من خلف الجبل الآن، فوجدوا العير كما قال بأبي هو وأمي، لكنهم ختم الله على قلوبهم، ومن أراد الله أن يزيغ قلبه فلن ترى من يقيم قلبه مرة أخرى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530821

    عدد مرات الحفظ

    777158324