الرسول صلى الله عليه وسلم هو خير خلق الله أجمعين، وصحابته من بعده هم خير الناس، وقد حملوا لنا السنة ورووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طعن فيهم أو انتقص منهم فإنما يطعن في هذا الدين وينتقص من السنة.
فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الخلق أجمعين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:
إن محمداً رسول الله هو سيد الخلق أجمعين، وهو إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، أكرم الخلق على الله، خير من وطئ التراب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشمس ما طلعت على رجل خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو سيد المرسلين، وإمام الأنبياء والصالحين، بل هو خطيب الأنبياء والمرسلين يوم القيامة.
ويكفي أن الله جل في علاه لم يقسم بحياة أحد من خلقه إلا بحياة نبينا صلى الله عليه وسلم، تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لهذا الرسول الكريم، فقال الله تعالى: لَعَمْرُكَ [الحجر:72] أي: لحياتك، والمعنى: أن الله جل وعلا يقسم بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ[الحجر:72] والله جل في علاه قد أدبه فأحسن تأديبه؛ ولذلك وسمه ووصفه بأرقى الصفات وأغلى السمات، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم:4] صلى الله عليه وسلم.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ولا فخر، وهو إمام الدنيا بأسرها وإمام الخلق أجمعين، وقد صح عنه أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) فهو أكرم خلق الله على الله، وهو سيد البشر أجمعين.
حكم المفاضلة بين الأنبياء
سمع رجلٌ من المسلمين يهودياً يقسم فقال: ورب موسى، فقال له المسلم: ورب محمد، فقال له: ورب موسى، فغضب لذلك المسلم ولطمه على وجهه، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى له اليهودي، فقال: (لا تخيروا بين الأنبياء) أي: أن اليهودي كان يتفاخر بموسى عليه السلام فتفاخر المسلم بمحمد، وكان المسلم له الفخر بنبيه على أنه خاتم النبيين، فصفع اليهودي على وجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم زاجراً إياه (لا تخيروا بين الأنبياء)، وأوضح من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخيروني على يونس بن متى).
والإشكال هنا: هو أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وأفضل الخلق أجمعين، فكيف ينهى الصحابة عن أن يخيروه على يونس بن متى، وأن يخيروا بين الأنبياء؟
يجاب على هذا الإشكال بثلاث إجابات:
الإجابة الأولى: أن الجمع بين النهي عن التخيير وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم) هو أن النهي عن التخيير بين الأنبياء لا يجوز إذا كان على سبيل التنقيص، كأن يقال مثلاً: محمد خير من يونس، أما رأيت يونس ماذا فعل؟ تعجل أمر ربه فابتلعه الحوت، أو بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم أيضاً، فيكون التخيير المنهي عنه هو التخيير الذي مآله إلى التنقيص.
الإجابة الثانية: أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التخيير: (لا تخيروني على يونس) كان قبل أن يوحى إليه أنه سيد البشر أجمعين، وأنه سيد المرسلين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أوحي إليه أنه سيد الخلق، ثم أوحي إليه بعد ذلك فقال: (أنا سيد الخلق يوم القيامة ولا فخر).
الإجابة الثالثة: أن النهي عن التخيير إذا كان على سبيل التفاخر بينهم، لا على سبيل التبيين، وترجع هذه أيضاً إلى الإجابة الأولى.
الخصائص التي اختص بها رسول الله على الأنبياء قبله
إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد البشر أجمعين، وقد خصه الله جل في علاه بخصائص لم يؤتها لنبي قبله.
إن البهائية والقاديانية من الفرق الضالة الكافرة التي ظهرت في عصورنا هذه يقولون: إن معنى خاتم الأنبياء أي: زينة الأنبياء، وأئمتهم في ذلك القادياني والبهائي من الذين يدعون النبوة، بل إن القادياني ادعى النبوة ثم ادعى الربوبية في الهند وباكستان وهذه البلاد، فهو من الذين بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الكذابين.
ولكنهم أولوا وشوشوا على أهل السنة والجماعة بشبهتين:
والثانية: قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولكن ليس بخاتم المرسلين، وهم يدعون أنهم رسل.
والجواب على الشبهة الأولى: أولاً: أنهم خالفوا إجماع السلف.
ثانياً: حتى لو افترضنا أن خاتم النبيين بمعنى الزينة -وهذا تنزل مع الخصم- فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حاسماً للمادة: (لا نبي بعدي) ففسر معنى خاتم النبيين: أنه آخر الأنبياء، فهو خاتم الأنبياء، وهو زينة الأنبياء، وهو سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
والجواب على الشبهة الثانية: أنه لا يمكن أن يكون الرسول رسولاً حتى يكون نبياً، فإذا قالوا: خاتم النبيين فمن باب أولى أن يكون خاتم المرسلين.
إذاً: أول خصيصة اختص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أنه خاتم النبيين.
ومن الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أن له الشفاعة يوم القيامة, فالشفاعة لا تكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشفاعة هي المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا[الإسراء:79]، والمقام المحمود: هو الذي يحمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمده عليه الناس، فيحمدونه في الدنيا بالأعمال الجميلة ونشر الدعوة، وفي الآخرة بمقام الشفاعة في أهل الموقف حتى يقضى بين العباد، فهذا هو المقام المحمود، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما بينا ذلك في حديث الشفاعة.
ومن الخصوصيات التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم: أنه أول من يمر على الصراط، وأمته أول الأمم التي تمر على الصراط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون) أي: سابقون في القضاء، وسابقون في المرور، وسابقون في دخول الجنة.
أيضاً من الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم: أن الجنة لا تفتح إلا له، ولا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا به ومن خلفه، كما قال صلى الله عليه وسلم في البخاري : (أنه يأتي الجنة فيقال: من؟ فيقول: محمد، فيقال: بك أمرت) أي: لا أفتح لغيرك.
نسأل الله جل في علاه أن يشفعه فينا، وأن يجعلنا ممن يكون معه في الفردوس الأعلى، وألا ننزل عن هذه الدرجة أبداً.
فضل صحابة رسول الله
بعد ذلك انتقل المصنف إلى بيان أفضلية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق أجمعين، وهو سيد المرسلين، فصحابته من بعده أفضل الخلق أجمعين، فإنه ما صاحب نبياً خير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في سنن الدارمي بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد خيرها وأصفاها وأنقاها قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختاره نبياً مرسلاً رسولاً، ثم نظر إلى قلوب العباد فوجد خير قلوب العباد قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختارهم الله جل في علاه صحبةً لنبيه ونصرة لدينه ونشراً لدعوته، فإنهم -كما يصف ابن مسعود- أعمق الناس علماً، وأبر الناس قلوباً، وأحسنهم خلقاً، فمن أراد أن يتأسى فليتأس بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: أبو بكر بالاتفاق هو خير هذه الأمة، وخير الناس بعد الأنبياء؛ ولذلك في سقيفة بني ساعدة كان أبو عبيدة بن الجراح مع عمر بن الخطاب ، فقام أبو عبيدة فقال: يا عمر ! ابسط يدك لأبايعك، فقام عمر بن الخطاب كأنه كالأسد الثائر فقال: تقول ذلك لي وفيكم أبو بكر ؟ لأن يضربوا عنقي خير لي من أن أتقدم على أبي بكر رضي الله عنه، أو أتأمر على أناس فيهم أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه. وقال عبد الرحمن بن عوف كما روي عنه بسند صحيح: ما سبق أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه.
وخلافة أبي بكر رضي الله عنه مشهورة متفق عليها، إلا أن العلماء اختلفوا: هل كانت خلافته بنص من النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، أم كانت بالإشارة؟
والذين قالوا: إنها بالإشارة قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وضعه إماماً للناس في الصلاة، فرضيه إماماً لصلاتنا أفلا يرضاه لدنيانا؟! فاستنبطوها بقياس الأولى أو القياس الجلي، وهذا الذي جعل بعضهم يقول: إنها منصوص عليها.
إذاً: فالصحيح الراجح أنها إشارة، وأن استخلاف أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كان من أهل الحل والعقد، وهذا النص الذي قاله عمر بن الخطاب فاصل في النزاع، حيث قال: لأن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يقصد أبا بكر- وإن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني ومن أبي بكر، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف؛ لأنه أشار للناس إشارة واضحة لا تحتاج لإمعان نظر على أن أبا بكر هو الذي يستحق هذه الخلافة، وكأن القدر ظهر لرسول الله فقال: (لا، يأبى الله ويأبى رسوله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر) رضي الله عنه وأرضاه.
فـأبو بكر هو الخليفة بعد رسول الله؛ ولذلك لقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اتفقت كلمة الأمة على أفضلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ذلك الأسد المغوار الذي نافح عن رسول الله، وعن دين الله جل في علاه، فهو أفضل الصحابة على الإطلاق بعد موت الثلاثة.
والخلاف كان ناشئاً بين العلماء في عثمان وعلي ، فـأبو حنيفة وغيره من العلماء كانوا يقدمون علياً على عثمان، وعلي بن أبي طالب لم يقدم نفسه على عثمان ، ولما قال له عبد الرحمن بن عوف في قضية الشورى: يا علي بن أبي طالب ! لو لم تتول أنت الخلافة فمن يتولاها؟ قال: عثمان، يبين بذلك فضل عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وهذه دلالة على أن أفضل اثنين في هذه الأمة بعد موت الاثنين هما: عثمان وعلي، ثم ذهب إلى عثمان فقال: إني أقول لك قولاً وأريد التصريح: لو لم تتول أنت الخلافة فمن يتولاها؟ قال: علي بن أبي طالب ، فـعثمان يبين فضل علي وعلي يبين فضل عثمان .
ولذلك لما خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة قال على المنبر: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري، أي: الكذاب؛ لأن أبا بكر وعمر هم خير هذه الأمة، ثم قال: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ، ثم الله أعلم بعد ذلك، فلم يخير عثمان عليه رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين.
ولكن بعد ذلك اتفقت كلمة أهل العلم على الترتيب الأولي وهو ترتيب الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم.
فخلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كانت سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال، من السنة الحادية عشرة إلى ثلاثة عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة هجرية، وخلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه كانت عشر سنوات وستة أشهر وثلاثة أيام، من ثلاثة وعشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة هجرية إلى ستة وعشرين ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين هجرية.
وخلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه كانت اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، من واحد محرم سنة أربع وعشرين هجرية إلى ذي الحجة سنة خمس وثلاثين هجرية.
أما خلافة علي رضي الله عنه وأرضاه فكانت أربع سنوات وتسعة أشهر، من تسعة عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين هجرية إلى تسعة عشر رمضان سنة أربعين هجرية.
فمجموع خلافة هؤلاء هي: تسع وعشرون سنة وستة أشهر إلا أربعة أيام، وهذه الستة الأشهر كانت من نصيب الحسن رضي الله عنه، إذاً فـالحسن يدخل في الخلافة الراشدة عند بعض العلماء؛ لأنها ثلاثون سنة، فتمام الثلاثين يكون هذه الستة الأشهر، وبعض العلماء لم يقل بذلك؛ لأنه تنازل عن الخلافة.
فالخلافة الراشدة: هي خلافة أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم.
العشرة المبشرون بالجنة
الأفضلية بعد ذلك للذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهم العشرة المبشرون بالجنة، والحديث الذي يجمع هؤلاء العشرة جاء في المسند عن سعيد بن زيد عندما سمع رجلاً يسب أبا بكر وعمر ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وسعد في الجنة -أي: سعد بن أبي وقاص - طلحة في الجنة - أي طلحة الخير- وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ثم قال: ولو شئت لأخبرتكم عن العاشر، قالوا: أنت؟ قال: نعم أنا)، فالعشرة هؤلاء هم المبشرون بالجنة.
أفضلية المهاجرين على الأنصار
إن الأفضلية لهؤلاء الذين بشروا بالجنة وهم من المهاجرين، والمهاجرون أفضل من الأنصار، وإن كان للأنصار فضيلة عظيمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين لما فر عنه الناس قال: يا للأنصار، قالوا: ها نحن يا رسول الله.
وأما المهاجرون فقد قال أبو بكر رضي الله عنه: منا الأمير ومنكم الوزير، أي: أن الخلافة لا تكون إلا في المهاجرين من قريش، والدلالة الصريحة على تقديم المهاجرين على الأنصار: هي أن المهاجرين قد قرنوا بين الهجرة وبين النصرة، ولذلك فهم يسمون أنصاراً، ويسمون مهاجرين؛ لأنهم جمعوا بين الخيرين: هاجروا، ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم وذواتهم، وهذه تأتي على الصادقين، أما الأنصار فهم ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم في مدينتهم، فلذلك فضل المهاجرون على الأنصار.
إذاً: يقدم المهاجرون في الأفضلية، ثم الأنصار، ثم باقي الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.