السواك من سنن الفطرة، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام عليه، ويتأكد استحبابه عند القيام إلى الصلاة وعند القيام من النوم، وعند تغير الفم، وللسواك آداب ينبغي مراعاتها.
وحكم السواك في المذهب الاستحباب، والمستحب عند الفقهاء: ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
وقد قال بوجوب السواك داود الظاهري ونسب ذلك لـإسحاق ابن رهويه .
إذاً: فالشافعية يرون استحباب السواك، ودليلهم من الأثر: الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر الأمة به وجوباً لوجود المشقة، فلذلك الشافعي يستدل بهذا الحديث على أن ظاهر الأمر الوجوب، قال: لو كان واجباً لأمرهم به سواء شق أم لم يشق. وورد الأمر به في بعض الأحاديث المرسلة وأسانيدها ضعيفة لكن لها شواهد تقويها، مثل (تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم) وأيضاً علق البخاري كما بينا عن عائشة رضي الله عنها وأرضاه أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، هذا بالنسبة للأثر القولي.
أما الأثر الفعلي: فديمومة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في الفعل عند الأصوليين أنه يدل على الاستحباب، ولا يدل على الوجوب، ودليلهم: أنه عندما صلى بهم التراويح ثم امتنع قال: (خشيت أن تفرض عليكم) فهذا فيه دلالة على أن الأصل في الفعل الاستحباب، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك السواك، حتى إنه في مرض موته كان يهتم بأن يستعمل السواك، وهذا فيه دلالة على استحباب السواك.
أما النظر: فإن صاحب الهمة العالية يحب أن يصل إلى الكمالات وهو في أحسن هيئة، وفي أحسن مقام، وعندما يقابل السلاطين، أو الملوك،أو يقابل من يحب، أو يقابل من يعظم يكون في أحسن هيئة، وهذا يكون بالسواك، فالسواك مطهرة للفم، مرضاة للرب جل في علاه.
يستحب استعمال السواك في كل الأوقات، لكن هناك أوقات يتأكد فيها استحباب استعمال السواك، من هذه الأوقات: عندما يقوم إلى الصلاة، فقبل أن يكبر للإحرام يتسوك.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل السواك، وطلبة العلم والفقهاء لا يستعملون السواك! فيا حسرة على العباد! ويتأكد السواك عند الصلاة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام بالسواك فقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)، وفي السنن: أن بعض الصحابة يجعل السواك على الأذن موضع القلم، فكانوا لا يدخلون إلى الصلاة إلا ومعهم السواك حرصاً على هذه السنة النبوية، والسواك يدخل في عموم قول الله:
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
[الأعراف:31]، والإنسان إذا زار عظيماً يحب أن يكون في أحسن هيئة، ومن حسن الهيئة استخدام السواك، فالإنسان إذا قام يصلي أمام ربه قام مقاماً عظيماً، فلا بد أن يكون في أحسن هيئة، ومن حسن الهيئة أن يستخدم السواك، و ابن دقيق العيد رحمة الله عليه قال: ولعل أمر النبي باستخدام السواك في الصلاة لأن المصلي يقرأ القرآن ويقترب منه الملك؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أن يبصق عن يمينه أو قبل وجه.
إذاً: أول الأوقات التي يتأكد فيها استحباب السواك: الصلاة.
الوقت الثاني الذي يتأكد فيه استحباب السواك: عند الوضوء، قال العلماء: محله عند التسمية، وقال بعضهم: محله بعد غسل اليدين، فيستعمل السواك ثم يعقبه بعد ذلك غسل الفم، والأمر واسع. قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)، وهذا تصريح باستحباب السواك عند الوضوء.
الوقت الثالث الذي يتأكد فيه استحباب السواك: بعد القيام من النوم،أو بعد الطعام،أو بعد طول سكوت، أو بعد كثرة كلام؛ لأن هذه كلها تقتضي تغير الفم، وفي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها قال النبي صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم).
وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم والسواك على طرف لسانه)، وفيه دلالة -كما قال الحافظ ابن حجر- على أن السواك لا يقتصر استخدامه على الأسنان بل حتى على اللثة وعلى اللسان، قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت السواك على طرف لسانه يستاك به كأنه يتهوع يقول: أع، أع).
وفي الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)، لأن النوم يقتضي تغير الفم، وكذلك إذا أكل أو طال سكوته أو كثر كلامه فهذا كله يغير رائحة الفم، وهذه سنة نبوية لا بد للإنسان أن يعمل بها، وسأسأل طلبة العلم: هل منكم من يجهز سواكه بجانبه عند النوم ثم عندما يستيقظ يستخدم السواك؟ هذه سنة نبوية إن فعلت ذلك تعبداً أجرت عليه، وأيضاً أنت ترضي ربك، وتطهر فمك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك هذه السنة قط، حتى إنه لم يترك السواك عند موته.
ومن الأوقات التي يتأكد فيها استحباب السواك: عند دخول البيت، فشرعنا ما ترك شيئاً أبداً، ولنعم هذا الشرع، فمن محاسن شرعنا قول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
[النساء:19]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله)، وسئلت عائشة رضي الله عنها وأرضاها ما كان أول ما يبتدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم عند دخوله البيت؟ قالت: (كان يتسوك) والسواك له حكم عظيمة، فالرائحة الطيبة تجذب المرأة، فالسواك يزيد الألفة بين الرجل والمرأة، والرائحة الكريهة تؤدي إلى النفرة بين الرجل وبين امرأته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً جداً ألا تشم منه إلا رائحة طيبة، ولما أرادت عائشة أن تكيد للنبي صلى الله عليه وسلم ليترك الجلوس عند زينب بعد العصر، حيث كان يشرب عندها عسلاً، قالت: يا رسول الله! أجد منك ريح مغافير! فحرم على نفسه شرب ذلك العسل، فعاتبه الله.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن تشم منه الرائحة الطيبة، وهذا دأب الصالحين، والنبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يكون صاحباً للبشر، فإنه صاحب لجبريل عليه السلام الذي يأتيه كثيراً.
أيضاً من الأوقات التي يتأكد فيها استحباب السواك: عند قراءة القرآن، والقرآن أفضل الذكر، وغذاء الروح هو ذكر الله جل في علاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)، فاقرءوا القرآن، فإن لكم بكل حرف منه حسنة، ولا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، وإذا قرأ المرء القرآن أتى الملك فاقترب من قارئ القرآن، ويا لها من فضيلة! يقترب منه حتى يضع فاه على فم القارئ، فينبغي ويتأكد أن تكون رائحة فم القارئ طيبة؛ لأن الملك يضع فاه على في ابن آدم، وفي الحديث: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).
أيضاً من المواضع التي يستحب فيها السواك: عند اجتماع الناس، فعندما يكون الصاحب قريباً من صاحبه يتكلمان فإن كانت الرائحة طيبة انشرح الصدر، وإن لم تكن طيبة نفر من كان بجانبه أو تأذى بذلك.
أيضاً من الأوقات التي يتأكد فيها استحباب السواك: عند الاحتضار، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حجر عائشة حيث طلب السواك فاستاك صلى الله عليه وسلم، والإمام الخطيب الشربيني ذكر فوائد كثيرة جداً للسواك عند الاحتضار، منها أنه يسهل خروج الروح، ويثبت الجنان، ويذكر بلا إله إلا الله، ولا طائل تحت هذه الكلمات، ونحن دائماً ندور مع الأثر حيث دار، ويكفينا الاتساء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث استاك عند الاحتضار، فيستحب للمحتضر أن يتسوك أو يسوكه من كان قائماً عليه.
عند الشافعية والحنابلة خلافاً للجمهور وقت من الأوقات يكره فيه استعمال السواك وهو: بعد الزوال للصائم، فالقيد الأول: أن يكون صائماً، والقيد الثاني: أن يكون بعد الزوال، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة جداً على أن خلوف فم الصائم التي تكون نتيجة خلو المعدة أطيب عند الله من رائحة المسك، قالوا: فهذه الرائحة مستطابة عند الله فيكره إزالة المستطاب عند الله جل في علاه.
واستدلوا أيضاً بقول عمر بن الخطاب : [ يكره للصائم أن يستخدم السواك بعد الزوال ].
واستدلوا بأدلة أخرى منها حديث: (إذا يبست شفة الصائم تكون له نوراً يوم القيامة)، وهذا الحديث ضعيف جداً لا يجوز الاستدلال به.
واستدلوا أيضاً من ناحية النظر: بأن خلوف فم الصائم أثر عبادة، وقد وردت في الشرع كراهية إزالة أثر العبادة؛ ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما اغتسل وأتي بالمنديل رده وما أخذه، فاستدل به العلماء على كراهية إزالة أثر العبادة؛ وفي هذا الاستدلال نظر، لكن يستدل على ذلك بأن الشرع جاء بدفن الشهداء في دمائهم وثيابهم، وهذه دلالة على أن أثر العبادة يكره إزالته، قالوا: وخلوف فم الصائم هو أثر الصوم، فيكره إزالته باستخدام السواك، والجماهير يرون إطلاق استحباب استخدام السواك للصائم قبل الزوال وبعد الزوال في أي وقت، وأخذ بقول الجمهور المحققون في المذهب مثل النووي، وابن عبد السلام، والمزني ، فيرون أن الاستحباب على الإطلاق، واستدلوا على ذلك بعمومات الأدلة، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ووجه الدلالة العموم، فقوله: (كل صلاة) تدخل فيه صلاة الظهر وصلاة العصر، وأيضاً عموم حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، وهو على العموم سواء قبل الزوال أم بعد الزوال للصائم وغير الصائم، وأيضاً: استدلوا بحديث ضعيف عن عامر بن ربيعة قال: (أكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم السواك وهو صائم)، وعمومات الأحاديث التي سبقت فيها الغنية عن هذا، واستدلوا من النظر فقالوا: السواك مرضاة للرب، فاستخدامه فيه رضا الرب جل في علاه حتى لو كان فيه إزالة أثر عبادة.
والشافعية اعتمدوا في الكراهة على حديث: (لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك)، والرد عليهم من وجهين: الأول: هذا الحديث مجمل، وحديثنا العام محكم وهو (مطهرة للفم، مرضاة للرب)، وأيضاً حديث: (عند كل صلاة)، فهذا العموم محكم، وهذا الحديث لا نستطيع أن نخصص به هذا العموم.
الوجه الثاني وهو الأقوى: هذه الرائحة تكون من خلو المعدة، والسواك لا يزيل هذه الرائحة.
يجوز إعارة السواك واستخدامه من فم لفم، لكن لهذا آداب، ودليل إعارة السواك حديث
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حجرها ونظر إلى السواك الذي في يد
عبد الرحمن ، فأخذته منه فلينته فاستخدمه النبي صلى الله عليه وسلم.
ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسوك ثم يعطي عائشة فتتسوك بعده، وتصيب منه بركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت تأخذه وتلينه وتغسله وتعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: يجوز للمرء أن يستعير السواك من أخيه، وينبغي أن يغسله بالماء قبل أن يتسوك وبعد أن يتسوك، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، ومن أعار السواك لأخيه وجعله يعمل بالسنة فخيره تعدى لغيره، فله الأجر مضاعف.
إذا أردت أن تعطي السواك لصغير عن يمينك وآخر كبير عن يسارك، فمن تعطيه أولاً؟ جاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس و
أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على يساره، وعلى يمينه
ابن عباس ، وجاء الساقي وأعطى الشراب للنبي صلى الله عليه وسلم، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعطى فضله
ابن عباس ، فقال
عمر : يا رسول الله! هذا
أبو بكر يعني: لا تعطي
ابن عباس الصغير وتترك سيد القوم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ
ابن عباس : (
أتأذن للشيخ؟ فقال: لا) واستنبط العلماء من ذلك أن الإيثار في القرب مكروه، فقدم رسول الله من على يمينه ولو كان صغيراً، وهذا يعضده حديث
عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (
وكان يحب التيامن في شأنه كله)، وفي حديث القسامة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
كبر، كبر)، وفي حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى رؤيا وهي أن معه سواكاً، فأراد أن يعطي السواك لصغير، فقال له الملك: (
كبر كبر)، وهذا نص على أنك إذا أعطيت السواك تعطيه للكبير.
والكبر هنا ليس المقصود به كبير السن فقط، بل يدخل منه كبير العلم، وكبير المقام، وكبير الوجاهة، وكبير العلم يقدم على كبير السن، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أبا بكر بثلاث سنوات فقط.
والراجح في هذه المسألة: أن التيامن في كل شيء، في الشراب، وفي اللباس، وفي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في شأنه كله، لكن في السواك خاصة يبدأ بالكبير ولا يبدأ باليمين.