موجبات الغسل تشترك بين الرجال والنساء في ثلاثة أمور: الموت ونزول المني والجماع، وتفترق المرأة عن الرجل في الحيض والنفاس والولادة.
الموجب الثاني: الإنزال سواءً حدث جماع أم لم يحدث الجماع، والدليل: حديث
عثمان : (
إنما الماء من الماء).
مسألة: رجل قام من النوم فوجد بللاً فاحتار فيه هل هو مني أو ودي فهل يغتسل أم لا؟
الإجابة له حالتان: الحالة الأولى: إذا وجد بللاً ولم يتذكر احتلاماً، الحالة الثانية: وجد بللاً وتذكر احتلاماً، فعليه أن ينزل غلبة الظن منزلة اليقين، فإن عده منياً يغتسل، ويغسل الثوب، وإن عده مذياً فيغسل الثوب ويتوضأ.
الصورة الثالثة: لم ير احتلاماً ووجد بللاً وما استطاع أن يفرق بين إذا كان منياً أو مذياً أو ودياً، فالأصل عدم الإنزال، فيكون هو على أصله، فيغسل الثوب على أنه مذي، وإن اغتسل احتياطاً فهذا هو الأفضل.
مسألة: امرأة كانت حاملة في ستة أشهر، وفي السابع ولدت ولداً، لكن لم يعقب هذا الولد دم نفاس، فهل عليها اغتسال أم لا؟
في هذه المسألة وجهان في المذهب: الوجه الأول: عليها الاغتسال وإن لم يعقب الولد دم؛ قالوا: لأنه انعقد الولد من منيها ومني الرجل فكأنها أنزلت منياً، فوجب الغسل بهذا الإنجاب.
الوجه الثاني: أن موجب الغسل هو نزول دم النفاس، فحيثما وجد دم النفاس وجب الاغتسال وإلا فلا.
الموجب الخامس: إسلام الكافر.
في المذهب قولان: القول الصحيح الراجح هو أنه لا اغتسال عليه، والدليل على ذلك: أن كثيراً من أهل الكفر دخلوا الإسلام ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، فمثلاً: عمرو بن العاص -كما في الصحيح- جاء يبايع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قبض يده، فقال له: علامَ يا عمرو ؟! فقال له عمرو بن العاص: أشترط، قال: وما تشترط؟ قال: أشترط أن يغفر لي ما سبق، يعني: من الذنوب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله)، ولم يأمره بالاغتسال وقد دخل في الإسلام وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهاً لوجه وكذلك أبو قحافة؟
فـأبو بكر أتى بأبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالاغتسال، فهذه أمثلة كثيرة تثبت لنا أن كثيراً من أهل الكفر دخلوا الإسلام ولم يؤمروا بالاغتسال، فالغسل بالنسبة لإسلام الكافر على الاستحباب وليس على الوجوب فلا يصح أن نقول: هو موجب للغسل، بل نقول: يستحب للكافر إذا أسلم أن يغتسل، وهذا الراجح الصحيح.
وإذا أسلم الكافر وكان جنباً أي أنه جامع امرأته، أو كان نائماً فاحتلم، وفي الصباح أدخل الله الإسلام وحب الإسلام في قلبه، فدخل الإسلام وأراد أن يصلي الفجر فله حالتان: الحالة الأولى: أن يكون قد أسلم ولم يغتسل من الجنابة، فله وجهان في المذهب الشافعي!
الوجه الأول قالوا: عليه الاغتسال، واستدلوا على ذلك بعموم قول الله تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا
[المائدة:6] .
وهو قد أسلم حال كونه جنباً، فينزل تحت الآية.
الوجه الثاني: أنه لا اغتسال عليه، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التوبة تجب ما قبلها)، و(الإسلام يجب ما قبله) والراجح في المذهب: هو الوجه الأول؛ لأنه قد أسلم حالة كونه جنباً فإذاً الآية تخاطبه.
الحالة الثانية: أن يكون قد اغتسل ولكن ليس بنية إزالة الجنابة، وهذا أيضاً فيه وجهان:
الوجه الأول: أن يعتد باغتساله، والصحيح الراجح: أنه لا يعتد بهذا الاغتسال؛ لأن الاغتسال له شروط وهي: النية فلابد من وجودها لحديث: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
الموجب السادس: تغسيل الميت، فإذا مات الميت أوجبنا عليه الاغتسال، وحكم تغسيل الميت على وجهين:
الوجه الأول: أنه على سبيل الوجوب، واستدلوا على ذلك بأدلة فقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته في الحج: (اغسلوه بماء وسدر ولا تحنطوه)، أو قال: (لا تخمروا رأسه)، وفي رواية شاذة، قالوا: (ولا تخمروا وجهه) فالشاهد قوله: (اغسلوه بماء وسدر).
وهذا أمر، وظاهر الأمر الوجوب.
إذاً: يجب تغسيل الميت، وتغسيل الميت فرض كفاية، فلو مات ميت وعنده ناس فلم يغسلوه فإنهم يأثمون جيمعاً، فإن غسله أحدهم سقط الإثم عن الجميع.
أيضاً: استدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ماتت ابنته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها ثلاثاً).
الوجه الثاني في المذهب: قالوا: يستحب تغسيل الميت ولا يجب؛ لأن تغسيل الميت على سبيل التنظيف، والتنظيف لا يجب، بل يكون للاستحباب.
والوجه الأول هو الراجح الصحيح، فتغسيل الميت بسبب علتين، الأولى: التعبد، والثانية: التنظيف، ولذلك نقول: الأصح أو الراجح في الميت الذي يموت في الصحراء ولم يجدوا ماءً ليغسلوه: أنه يجب عليهم أن ييمموه.