يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
مازلنا مع الكلام على الرد ومسائله، وتكلمنا في الأسبوع الماضي على أن العلماء اختلفوا على ثلاثة أقوال في مسائل الرد:
فقوم قالوا: لا رد مطلقاً.
وآخرون قبلوه مطلقاً، ومعنى مطلقاً: أي: يكون الرد على من يرث بالسبب وبالنسب، وهو قول ابن تيمية .
والقول الوسط هو قول جماهير أهل العلم، وهو قول المتأخرين من الشافعية، وهو القول بالرد للذي يرث بالنسب لا بالسبب.
الحالة الأولى: صنف واحد ينفرد وأصناف متعددة، وبينا كيف حل مسائلها، وكلامنا هو على رأي الجماهير، وهو أن الرد يكون لصاحب الفرض دون الزوج.
فالرد في مسائل الزوجية له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الزوج أو الزوجة مع صنف واحد من أصحاب الفروض لا مع أصناف متعددة، وهذه المسألة فيها سهولة عن الثانية.
الحالة الثانية: أن يكون الزوج أو الزوجة مع أصناف متعددة، أي: مع بنت وأخت، أو مع بنات وأخوات، أو مع جدة أو جدات وأخوات يعني: مع أصناف متعددة من اللاتي يرثن بالسبب.
وبعدما تؤصل المسألة وتصححها إذا احتاجت إلى تصحيح تقول: الباقي لهذا الصنف فرضاً ورداً، وبالمثال يتضح المقال.
ونبدأ بحل مسألة من الحالة الأولى: زوجة وبنت.
ففي مثل هذا لا تتعب نفسك، أي: إذا كان الذي يرث مع الزوج أو الزوجة صنف واحد، فتنظر في الزوجة ماذا ترث؟
فهنا ترث الثمن لوجود الفرع الوارث، وأصل المسألة سيكون مخرج نصيب الزوجة، أي: ثمانية، فيكون للزوجة واحد، وللبنت الباقي سبعة فرضاً ورداً.
إذاً: فالذي يرث مع الزوج أو الزوجة بالنسب صنف واحد، والصنف الواحد لا داعي أن تعطيه فرضه؛ لأنه سيأخذ الباقي فرضاً ورداً.
المسألة الثانية: زوج وجدة:
فالزوج هنا له النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث، والجدة لها السدس، وأصل المسألة من اثنين، يرث الزوج واحداً، والباقي واحد للجدة فرضاً ورداً.
ولا يمكن أن تأخذ الجدة مثل الزوج إلا إذا رد عليها الباقي؛ لأنها تأخذ السدس، والزوج يأخذ النصف، لكن أعطيناها هنا الباقي بعد فرض الزوج فرضاًورداً.
المسألة الثالثة: زوج وأربع بنات:
هذه المسألة من جهة تحتاج لتصحيح، فالزوج يرث الربع؛ لوجود الفرع الوارث، فأصل المسألة أربعة، للزوج واحد، والباقي ثلاثة على أربع بنات، وهذا توزيع غير صحيح.
ولكي يكون التوزيع صحيحاً لا بد أن تكون القسمة صحيحة، فلابد هنا من التصحيح، وفي التصحيح سننظر إلى الأسهم وإلى عدد الرءوس، فالأسهم ثلاثة والرءوس أربعة، فيكون بينهما تباين، فنضرب عدد الرءوس في أصل المسألة، فيكون الناتج ستة عشر، ثم عدد الرءوس الذي ضربناه في أصل المسألة نضربه ثانياً في نصيب الزوج، فيعطينا أربعة، ثم في نصيب البنات فيعطينا اثني عشر، فبهذا تكون قسمة صحيحة، وتكون كل بنت لها ثلاثة.
المسألة الثالثة: زوجة وثلاث شقائق:
فالزوجة لها الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث، ثم نجعل أصل المسألة من مخرج الزوجة، أي: من أربعة، للزوجة واحد، وللبنات الباقي ثلاثة، فرضاً ورداً، وتكون القسمة صحيحة.
الأولى: مات عن ثلاث زوجات، وأم وأخ الأم.
الثانية: مات عن زوجتين وجدتين وأخوين لأم.
ستحل هذه المسألة بثلاث مسائل:
فستجعل مسألة للزوجية، ثم تصحح إن احتاجت للتصحيح، ثم مسألة ثانية، هي مسألة الرد، ومسألة الرد إن احتاجت للتصحيح أيضاً تصححها.
وتصحيح الأولى لا دخل له بتصحيح الثانية.
ثم بعد ذلك تأتي بمسألة ثالثة، وهي المسألة الجامعة.
والمسألة الجامعة: هي أن تنظر إلى أسهم الورثة الذين يرد عليهم الإرث.
فتنظر إلى الأسهم وإلى أصل مسألتهم، أي: إلى الأصل المصحح، ومسألة الرد أصلها دائماً ستة ثم ينزل إلى الاثنين أو الأربعة، إذاً: فتنظر إلى الأسهم وإلى مسألة الرد، فإن انقسمت فالمسألة الجامعة أصلها هو أصل مسألة الزوجية، ثم تنزل نصيب الزوج أو الزوجة كما هو ثم تنظر الناتج من انقسام الأسهم على أصل الرد فتضربه في أصل مسألة الرد، ثملاً المسألة الأولى: مسألة الزوجية، وهي: ثلاث زوجات وأم وأخ أم.
فالثلاث الزوجات لهن الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث، والأم لها الثلث، والأخ لأم له السدس، ويكون أصل مسألة الزوجية من أربعة، ثم نقسم فنعطي الثلاث الزوجات سهماً واحداً، والقسمة لا تصح؛ لأنهن ثلاث، فتوجد كسور في المسألة.
فننظر العلاقة بين السهم الواحد والرءوس الثلاثة، فنجد أن العلاقة بينهما تبيان، فنصحح المسألة، فنضرب عدد الرءوس الثلاثة في أصل المسألة وهو أربعة، فيكون الناتج اثني عشر، ثم نضرب الثلاثة في سهم الزوجات، أي ثلاثة في واحد يساوي ثلاثة، فتأخذ كل زوجة سهماً واحداً من اثني عشر سهماً، وبهذا تصح مسألة الزوجية.
ثم ننتقل إلى المسألة الثانية وهي مسألة الرد:
فالأم لها الثلث، والأخ لأم له السدس، ويكون أصل المسألة من ستة؛ لأن بين العددين تداخلاً.
فتأخذ الأم من الستة اثنين، والأخ للأم يأخذ واحداً من الستة، فمجموع ما أخذاه ثلاثة، ويبقى ثلاثة، فنرد أصل المسألة إلى ثلاثة.
فعندنا الآن مسألتان: مسألة الزوجية من اثني عشر بعد التصحيح، ومسألة الرد وهي ثلاثة بعد الرد.
المسألة الثالثة: المسألة الجامعة:
ولكي نأتي بها ننظر إلى الأسهم التي هي نصيب الأم والأخ لأم من مسألة الزوجية، ثم ننظر لأصل مسألة الرد، وكان أصلها ستة كما تقدم ثم عاد إلى ثلاثة، فننظر إلى الثلاثة الذي هو الأصل الجديد لمسألة الرد ثم نقسم التسعة على ثلاثة، فإن صحت القسمة فقل: أصل المسألة الجامعة هو أصل مسألة الزوجية.
ثم ننزل نصيب الزوجية كما هو، أي: الثلاثة كما هي، فهذه الخطوة الأولى من المسألة الجامعة.
الخطوة الثانية: اقسم الأسهم الباقية وهي تسعة، على أصل مسألة الرد وهو ثلاثة، ثم اضرب الناتج في نصيب الأم ونصيب الأخ لأم من مسألة الرد، والناتج هو ما يسمى بجزء السهم، وهو هنا ثلاثة، فتضربه في نصيب الأم أي: في اثنين فيكون الناتج ستة، ثم في نصيب الأخ لأم والناتج ثلاثة، والمجموع: تسعة، ثم نلاحظ انقسام هذه الأسهم على الرءوس بلا كسر.
إذاً: نؤصل ثم نقسم سهام أصحاب الرد من مسألة الزوجية على أصل مسألتهم، فسهامهم تسعة، وأصل مسألتهم ثلاثة، والناتج سيكون ثلاثة، ثم نضرب الثلاثة في سهامهم في مسألة الرد، فثلاثة في اثنين بستة، وفي واحد بثلاثة، والناتج تسعة كما هو في المسألة الجامعة.
فنبدأ بمسألة الزوجية:
فالزوجتان لهما الربع لعدم وجود الفرع الوارث، ويكون أصل المسألة من أربعة، ثم نقسم، فيكون واحداً للزوجتين، والباقي فرضاً ورداً للجدتين والأخوين.
ثم نجد أن المسألة تحتاج إلى تصحيح، ثم نجد أن بين عدد رءوس الزوجات وبين سهمهن تبايناً، فنضرب عدد الرءوس في أصل المسألة، أي: اثنين في أربعة، فيكون الناتج ثمانية، فنعطي الزوجتين اثنين، ثم يبقى ستة للجدتين والأخوين لأم، فهذه المسألة الأولى التي هي مسألة الزوجية.
المسألة الثانية: مسألة الرد، فالجدات لهن السدس والأخوان لأم لهما الثلث، فيكون تداخل بين الثلاثة والستة، فيكون أصل المسألة من ستة، فالجدتان ستأخذان واحداً، والأخوان لأم لهما اثنان.
ثم نلاحظ وجود رد في المسألة إلى ثلاثة.
ونلاحظ أن المسألة بالنسبة للجدتين تحتاج إلى تصحيح، وذلك أن لهما واحداً وعدد رءوسهما اثنان، فبينهما تباين، فتصحح من ستة، الجدتان لهما اثنان والأخ لأم له اثنان والأخ الثاني له اثنان أيضاً.
ثم ننتقل بعد هذا إلى المسألة الجامعة، فانظر إلى أسهم أصحاب الفرض والرد، ثم انظر بعد ذلك إلى أصل مسألة الرد بعد التصحيح، وهو ستة، ثم يكون أصل المسألة الجامعة هو أصل مسألة الزوجية، أي: ثمانية، فللزوجتين اثنان منها.
ثم ننظر إلى أسهم أصحاب الفرض، فنجد السهام تنقسم فإذا كانت تنقسم نأتي بخارج القسمة، وهو هنا واحد، الذي هو نصيب الجدتين، فنضربه في كل الأسهم، فواحد في الجدة الأولى يساوي واحداً، وفي الجدة الثانية يساوي واحداً، واثنان للأخ لأم في واحد يساوي اثنين، فأصبحت صحيحة.
وسنراجع المسألة الأولى بصورة سريعة، وهي: ثلاث زوجات، وأخ لأم وأم، فماذا نفعل أولاً نبدأ أولاً بالمسألة الزوجية، فتأخذ الزوجات الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث، فأصل المسألة من أربعة، للزوجات واحد، وللأخ لأم وللأم الباقي ثلاثة، ثم ننظر هل مسألة الزوجية تحتاج لتصحيح أم لا، فسهمهن واحد ورءوسهن ثلاثة، نجد أن بينهما تبايناً، فلابد من تصحيح المسألة، فنضرب عدد الرءوس في أصل المسألة فتصبح اثني عشر، ثم نضرب عدد الرءوس في الأسهم، فواحد في ثلاثة بثلاثة، وأصبحت الثلاثة تنقسم على الزوجات، فكل زوجة لها واحد، ثم الثلاثة تضرب في ثلاثة والناتج تسعة، فهذه المسألة الأولى.
المسألة الثانية: مسألة الرد، وهي من أخ لأم وأم، فالأم لها الثلث، والأخ لأم له السدس، وأصل المسألة من ستة، فللأم اثنان، والأخ لأم له واحد، فيكون فيها رد، ويكون أصل المسألة ثلاثة.
ثم المسألة الثالثة: المسألة الجامعة، والنظر فيها يكون إلى أصحاب الفروض، ثم النظر إلى أصل مسألة الرد، هل تنقسم أم لا تنقسم؟
فنجد أنها هنا تنقسم، فننزل أصل مسألة الزوجية، أي: اثني عشر، فنجعله أصل المسألة الجامعة، فتنزل بنفس أسهمهن بلا زيادة ولا نقصان، ثم ننتقل إلى عملية القسمة، فالتسعة على الثلاثة يساوي ثلاثة، فهذا جزء السهم، أي: الثلاثة، فتضربه في أسهم أصحاب الفروض الذين سيرد عليهم، فواحد في ثلاثة يساوي ثلاثة، واثنان في ثلاثة يساوي ستة، فالأخ لأم سيأخذ ثلاثة والأم ستأخذ ستة، والزوجات كذلك يأخذن ثلاثة بلا إشكال، فتصح المسألة.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر