إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - صفة العلمللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صفة العلم من الصفات الذاتية الثبوتية التي لا تنفك عن الله عز وجل، وهي صفة أبدية أزلية، فهو سبحانه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون. وقد اختص الله نفسه بعلم الغيب المطلق، ووهب لعباده شيئاً من علم الشهادة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات التي خص الله بها بعض أنبيائه فأطلعهم على شيء من علم الغيب تأييداً ونصرة لهم.

    ثبوت صفة العلم في الكتاب

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    إخوتي الكرام! ما زلنا مع سياق ما دل من كتاب الله جل وعلا وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله عالم بعلم، وأن علمه غير مخلوق، فقولنا: الله عالم بعلم نرد بذلك على المعتزلة الذين قالوا: إن الله عالم بذاته، وقولنا: علمه غير مخلوق، نرد على ما قاله بعض المبتدعة.

    وعلم الله جل وعلا ثابت بالكتاب والسنة والعقل.

    قال الله عز وجل: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف:7]، وقال جل وعلا: وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25]، استدل بالفعل وهو يعلم، وقال: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255]، وتنوعت الدلالات لسعة علم الله جل وعلا، كقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود:14]، وقال تعالى: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر:11]، وعلم الله صفة من صفات الله جل وعلا الثابتة بالكتاب والسنة والعقل، وهي صفة أزلية أبدية ثبوتية ذاتية.

    فصفة العلم ثابتة في الكتاب على تنوع الدلالات.

    ومن الأدلة كذلك: قول الله جل وعلا: بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء:166]، وقال جل وعلا: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود:14]، والأسماء الحسنى تدل على علم الله جل وعلا، قال الله تعالى في سورة يوسف: إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف:6]، فقرن بين العلم والحكمة.

    ومن مقتضيات الأسماء التي تثبت علم الله جل وعلا: الخبير الذي علم بدقائق الأمور، واللطيف الذي علم بما خفي ودق، وأيضاً الشهيد، فإن الله جل وعلا لا يغيب عنه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

    ومن الدلالات المتنوعة التي تثبت علم الله جلا وعلا واتساع علم الله جل وعلا قوله تعالى: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ [يونس:61].

    ثبوت صفة العلم في السنة

    ثبوت صفة العلم بالعقل

    دلالة هذه الصفة بالعقل من وجهين:

    الوجه الأول: النظر إلى الكون الشاسع المتقن المحكم الذي فيه كل هذا الإتقان، فإذا أردت أن تنظر هل فيه خلل رجع إليك البصر خاسئاً وهو حسير، قال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:61-62]، فمن تدبر هذا الكون المحكم المتقن من قبل الله جل وعلا، علم أن هذا الإحكام وهذا الإتقان نابع عن إرادة، يعني: أراد الله أن يخلق هذا الكون بهذا الشكل وهذا الإحكام وهذا الإتقان، وهذه الإرادة تستلزم العلم بالمراد، فلا يمكن لأحد يريد شيئاً إلا وهو يعلم هذا الشيء الذي يريده، فالإرادة تستلزم العلم بالمراد.

    الوجه الآخر من أوجه الدلالة بالعقل على علم الله: أن الله جل وعلا شرف بعض عباده بهذا العلم، وبين أنه بالنسبة لهم صفة كمال؛ كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]، فعلم يوسف عليه السلام كيف يكيد ليأخذ أخاه، وهذه من صفات الكمال ليوسف، ووصف الله عز وجل يعقوب بأنه عليم فقال: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:68]، فهذه صفة كمال في العبد، والقاعدة بين الرب وبين العبد قياس الأولى، فإن اتصف العبد بالكمال فمن باب أولى أن يتصف الخالق بالكمال؛ لأن الخالق هو الذي أوزع وأودع في المخلوق هذه الصفة، فصفة العلم ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة وبالعقل، وأقوال الصحابة كما سنقرؤها من هذا الكتاب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088481003

    عدد مرات الحفظ

    776937110