إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - خلق أفعال العباد [1]للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يستقيم للعبد إيمانه حتى يؤمن بالقدر ومراتبه الأربع، وذلك نجاة له من الحيرة والتخبط، فالله علم فكتب، وإذا شاء خلق ما يريد، وإن العبد تحت قدرة الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس بمقدور العبد أن يخرج عن أقدار الله تعالى، فهو الذي بيده الهداية والضلال، وكل ذلك حكمة منه وكمال مطلق.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    وقال أيضاً: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    ما زلنا في الكلام على أبواب القدر، وفي سياق ما جاء من الآيات في كتاب الله عز وجل، وما روي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر، وما نقل من إجماع الصحابة والتابعين لهم من علماء الأمة: أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل، طاعاتها ومعاصيها.

    وقد قلنا: إن القدر هو قدرة الله جل وعلا، وهو سر لم ينكشف لا لعالم ولا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل.

    وقلنا: إن الذي يعمل عقله في مسائل القدر يتخبط في بحر الحيرة، فمن تمام الإيمان بالله جل وعلا الإيمان بالقدر.

    والقدر بالنسبة لله تعالى هو صفة من صفاته، فإن التوحيد أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية، والإيمان بالقدر يعتبر من توحيد الربوبية؛ لأنه يختص بأفعال الله جل وعلا.

    وقد قال الإمام أحمد : إن القدر هو قدرة الله جل وعلا، فلا يستقيم إيمان عبد حتى يؤمن بالقدر، وبمراتبه الأربع.

    مرتبة العلم

    إن الذي يؤمن بأن الله قد قدر كل شيء لا بد عليه أن يؤمن بأن الله علم كل شيء، وقع أو سيقع، قبل أن يخلق الله الخلق بخمسين ألف سنة، وكل آية تثبت العلم لله تدل على ذلك، فالله يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، فهذه هي المرتبة الأولى من مراتب القدر، وهي مرتبة العلم.

    مرتبة الكتابة

    المرتبة الثانية من مراتب القدر: مرتبة الكتابة، فالله قد كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق.

    وإن العبد الذي يتعبد لله جل وعلا مقراً بمراتب القدر، يرتاح ولا يتبرم في الدنيا عند حلول مصائبها؛ لأنه يعلم أن الله قد كتب كل شيء.

    ولكن القول بأن الله كتب كل شيء كلمة مجملة تحتاج إلى تفصيل، وتفصيلها هو الكلام عن مراحلها.

    والكلام عن مراحل الكتابة مهم جداً، فإن أرزاق العباد وآجالهم، وتحديد أهل الجنة وأهل النار وغير ذلك كله قد كُتب في اللوح المحفوظ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) ، وأما كيف كتب القلم؟ فالله أعلم بذلك، لكن القلم تكلم مع الله، فأمره الله أن يكتب فقال: سمعت وأطعت، فكتب كل كبيرة وصغيرة، وليس المكتوب في اللوح المحفوظ هو ما يتعلق بالبشر أو المخلوقات فقط، بل هو عام فيها وفي غيرها، وذلك أن الكلام صفات من صفات الله، وهذه الصفة قد كتبت في اللوح المحفوظ.

    وهناك كتابة تكون في الرحم، وتسمى: الكتابة العمرية، وأما الكتابة التي تكتبها الملائكة كل يوم على الإنسان فهي الكتابة اليومية، وهناك أيضاً الكتابة العامية، وهي التي تكون في ليلة القدر.

    وهنا سؤال، وهو: هل المكتوب في اللوح المحفوظ له أمد أو ليس له أمد؟

    الجواب: إن له أمداً؛ لأنه جاء في الحديث: أن القلم قال: (ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، ولا شك أن هناك أحداثاً بعد يوم القيامة، وذلك مثل من سيتزوج الحورية الفلانية من الحور العين، ونحو ذلك.

    فأفعال الله جل وعلا معنا بعد دخول الجنة وغيرها من هذه الأمور فإنها لم تكتب، ولم يكتب كل شيء يحصل بعد يوم القيامة، لكن كتبت بعض الأحداث كرؤية الله تعالى، والنعيم عند زيارته كل أسبوع وغيرها.

    وصفات الله جل وعلا مكتوبة في اللوح في المحفوظ من نزول، ومجيء، وكلام وإعطاء، وإحياء، وإماتة.

    وهناك كتابة أخرى أيضاً فيها صفات الله جل وعلا كصفة الرحمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كتب ربكم في كتاب عنده - عند العرش - رحمتي سبقت غضبي).

    والرحمة والغضب صفتان من صفات الله جل وعلا.

    وكذلك مكتوب في اللوح المحفوظ أن الله جل وعلا سيتكلم مع موسى بقوله: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي [الأعراف:144] ومكتوب أيضاً أن موسى سيقول: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] فيجيبه الله جل وعلا بقوله: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143] ومكتوب أيضاً نزول الله كل ليلة إلى السماء الدنيا.

    مرتبة المشيئة

    المراد بالمشيئة أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأما الخلق فسنتكلم عنه في مبحث مستقل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088570357

    عدد مرات الحفظ

    777385333