ختم المؤلف الكتاب بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرحمة، والرحمة صفة من صفات الله جل وعلا، وهي صفة ذاتية وفعلية، وهي مشتقة من اسمي الله جل وعلا: الرحمن الرحيم، والصفة الفعلية هي التي تتعلق بمشيئته، فهو إن شاء رحم وإن شاء لم يرحم، فالله جل وعلا سيرحم المؤمنين ولكنه يعاقب الكافرين.
والصفة الذاتية هي الصفة التي لا تنفك عن الله جل وعلا بحال من الأحوال، فإن قلت: فعلية بالإطلاق فهي قديمة النوع حادثة الأفراد، ونظيرها في الصفات الكلام، فهي صفة فعلية قديمة النوع حادثة الأفراد.
قال الله تعالى:
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
[الطور:28] سبحانه وتعالى.
مظاهر رحمة الله جل وعلا
ذكر المصنف ختاماً لهذا الكتاب باب الريح، فقال: باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الريح مخلوقة، وتعجب محقق الكتاب من هذا التصنيف، فقال: لم أتى بهذا الباب بعد صفة الرحمة؟ وكذلك لم ينكر أحد أن الريح مخلوقة لله جل وعلا!
والجواب: أن الريح من آثار رحمة الله حتى وإن قلنا بالتفريق الذي ذكره بعض العلماء بين الريح والرياح، فقد قالوا: إن الريح تأتي بالمساوئ أو بالشدة على الناس، وأما الرياح فإنها تأتي بالخيرات والمبشرات، فإن قلنا بأن الريح فيها شدة فهذه من آثار رحمة الله جل وعلا، لأن الريح التي فيها شدة ينصر الله بها المؤمنين، ويهلك بها الكافرين، فالله جل وعلا يقول:
قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
[الأحقاف:24]، فالله جل وعلا يعذب الكافرين بالريح، ويشفي صدور قوم مؤمنين، فهي من آثار رحمته للمؤمنين وإن كانت شديدة على الكافرين.
وأيضاً مناسبتها لهذا الباب أن الرياح فيها الرحمة، وهو الغيث، وهذه الرحمة من آثار رحمة الله جل وعلا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.