إسلام ويب

المقاييس الفاسدةللشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الكثير من الناس يرتكبون أخطاءً عظيمة في مجتمعهم بسبب تصورهم أو قياسهم الفاسد، فالبعض يقيس أحوال بلاد الحرمين على أحوال مصر والجزائر وتونس، ويظن أن الدعاة في بلاد الحرمين سيقومون بما قام به الدعاة في تلك البلاد، وهذا من الأقيسة الفاسدة. وقد تحدث الشيخ عن الخطر الذي يحدق بالمجتمع في المملكة، وهو خطر المنافقين والعلمانيين الذين لا همّ لهم إلا الإضرار بالدعوة والدعاة، وتحريض الحكام على صفوة المجتمع، كما بين الشيخ همَّ الدعاة وهو نشر الإسلام، وإصلاح المجتمع.
    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، القائل في محكم كتابه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:8-15].

    معاشر المؤمنين: معاشر المتقين .. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    عباد الله.. اتقوا الله تعالى حق التقوى فلا نجاة إلا بها قولاً وعملاً ومعاملة وظاهراً وباطناً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أيها الأحبة في الله.. يخطئ كثير من المثقفين ويخطئ كثير من العوام في إصدار الأحكام وتكوين التصورات حول كثير من القضايا والمتغيرات والأحداث التي هي صورة طبيعية من صور السنن الاجتماعي، ومصدر الخطأ عند كثير من الناس في تصوراتهم وأحكامهم، مصدر خطئهم هذا أنهم يقيسون الأمور بعضها على بعض قياساً متنافراً أو قياساً مع الفوارق، أو قياس أمور لا يصح أن يقاس بعضها على بعض، فترى الكثير منهم يقيس الصريح على المؤول والمؤتلف على المختلف، والمحكم على المتشابه، وكل هذه من الأقيسة الفاسدة، أولئك الذين يلوون أعناق النصوص ويجرون التصورات والأفكار إلى قياس فاسد، وتطبيق وقائع داخلية على أحداث خارجية هم الذين ينشرون في أذهان كافة أفراد المجتمع تصوراً وأفكاراً كلها إرجاف وتثبيط وتخويف.

    معاشر المؤمنين.. إن ما نراه من جهود علمائنا ودعاتنا، وولاة أمرنا، ينبغي أن نحرص على أن نجعل الهدف والغاية منه هو قصد الإصلاح، وقصد توجيه المجتمع إلى ما فيه كل خير، وما شذ أو خرج عن هذا القصد فلا حرج أن يقيم ويقوم، وأن يركز ويوجه ما دامت غاية الجميع الصغير والكبير والرفيع والوضيع والمسئول وغير المسئول، ما دامت الغاية هي إصلاح المجتمع والإبحار بسفينته إلى شاطئ الأمان وبر النجاة، يقول الله جل وعلا على شأن ذلك النبي الصالح الذي تناوشته ألسنة قومه بالتجريح، وتناولته أبصارهم حتى كادوا أن يزلقوه بها: يقول على لسانه: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88] والمصلح شأنه وغاية همه وتقييم سعيه إنما هو بهدفه، ذلك الهدف النبيل المنبعث من الإخلاص ومن صميم الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).

    وما دام الأمر كذلك فكل سعي يراد به الإصلاح فمحله المُقَل، ومكانه الرءوس، وخطابه يلقى أسماعاً صاغية وأفئدة مستجيبة متأثرة، هكذا ينبغي أن يقابل خطاب الإصلاح، وهكذا ينبغي أن يستمع إلى خطاب المصلحين الغيورين، إن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114] والنجوى قد نهي عنها إلا بأحوال وشروط، ومع ذلك فالله جل وعلا يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فالمصلح قد يسلك هذا الطريق، وقد يسلك غيره من أجل المسارعة في إنقاذ المجتمع وإنقاذ أبنائه وبذل ما في وسعه من جهد وتضحية بكل ما يملك، حتى لا تهوي السفينة في بحار الظلمات.

    قياس بلاد الحرمين على مصر والجزائر

    معاشر المؤمنين.. ينبغي أن ندرك أن كثيراً من الذين يتكلمون عن واقعنا من حديث المجالس أو من اللقاءات المنفردة أو الجلسات المحدودة أو غيرها، بعض المسلمين -هداهم الله- حينما يتحدث عن جهود الإصلاح وعن المصلحين في هذه البلاد، يقيس ما يدور هنا على ما دار في مصر أيام جمال عبد الناصر، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في الجزائر وتونس، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في سوريا وغيرها .. وهذا هو ما أقصده بقياس فاسد، وبتركيب أقيسة مختلطة، لا يوجد علة بين الفرع والأصل حتى تكون الجامعة في القياس.

    من أجل هذا -يا عباد الله- لما قيست هذه الأمور قياساً فاسداً أنتج ذلك تخويفاً، وأنتج ذلك إرجافاً، وأنتج ذلك شعوراً مخيفاً عند عند بعض الناس؛ والسبب في ذلك: هو ذلك القياس الفاسد، فما أن يرى جماعة من الدعاة أو يرى مجموعة من المصلحين يتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء مثل أولئك الذين في تلك البلد الفلانية، ولست هنا أريد أن أطعن في الدعاة خارج هذه البلاد، ومعاذ الله أن تكون المنابر منزلاً أو مكاناً للطعن في الدعاة، بل إن المنابر من مهماتها الدعاء لهم، وسؤال الله أن يسدد خطاهم وأن يحقن دماءهم وأن يفك أسراهم، وأن يجبر كسيرهم، وأن يهدي ضالهم، وأن يجمع شملهم.

    ليس الحديث هنا مقصود به تجريح الدعاة هناك، ولكن الذي نريد أن نبينه هو ألا يقاس أمر في الخارج على أمر في الداخل، لماذا؟ لأن أولئك ونحن بيننا وبين أوضاعهم الفرق الواسع والبون الشاسع الذي لا يمكن معه قياس أحوالهم على أحوالنا، نحن في بلد مسلمة، نحن في دولة مسلمة، نحن في حكومة مسلمة، ندين الله جل وعلا بهذا، ونلقى الله به ولا ننـزع يداً من طاعة، ونعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة، ومن معتقدهم: أنهم يرون الجهاد وإقامة الصلوات والجمعة والأعياد مع الأئمة أبراراً كانوا أم فجاراً .. هذا هو معتقد أهل السنة، وهذا معتقد أئمة الدعوة، وهذا معتقدنا، وعليه قام الأمر، واستتب الحكم، ومضت شئون الأمة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530033

    عدد مرات الحفظ

    777153615