من تعظيم الله عز وجل أن نثبت له ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وصفات الله جل وعلا منها صفات سلبية ومنها صفات ثبوتية، والصفات الثبوتية تكون خبرية وفعلية وذاتية.
أما بالنسبة للصفات الثبوتية: فهي صفات أثبتها الله لنفسه في كتابه، وأثبتها له رسوله في سنته صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات ثلاثة أنواع: صفات ذاتية، وصفات فعلية، وصفات خبرية.
والصفات الذاتية: هي الصفات التي لا تنفك عن الله جل وعلا، فيوصف بها أزلاً وأبداً مثل: الرحمن.
لو قلنا: الرحمن وأطلقنا فهو يتضمن صفة الرحمه، والتفصيل في ذلك أن نقول: هناك اسمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وهما: الرحمن الرحيم، فإذا اجتمعا فالرحمن يختص بالمؤمن والكافر، والرحيم يختص بالمؤمنين فقط قال تعالى:
وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
[الأحزاب:43] لذلك الرحيم هنا اسم يتضمن صفة الرحمة التي هي صفة فعلية، والرحمن صفة ذاتية فعندما نتكلم عنها فلا بد من تفصيل.
نقول: السميع يتضمن صفة السمع وهي صفة ذاتية، فالله يسمع كل شيء لا تختلف عليه اللغات، فهي صفة ذاتية مثل صفة الحياة، فهي صفة ذاتية أزلية أبدية، كذلك القيومية والعزة والعلم والقدرة، فهذه صفات ذاتية أزلية أبدية.
النوع الثاني: الصفات الفعليه: وهي الصفة التي تتجدد وتتعلق بالأسباب، وضابطها أن تقول: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، ومثال ذلك النزول إن شاء نزل، وإن شاء لم ينزل، والكلام صفة ذاتيه فعلية، وهي قديمة النوع حادثة الآحاد، والعلو صفة ذاتية، فالله علي بذاته جل في علاه، لكن الاستواء يعتبر صفة فعلية لأن العلو علوان: علو على العرش، وهذه صفة فعلية؛ لأنه إن شاء استوى على عرشه، أما العلو مطلقاً فهو علو الذات، وهذه صفة ذاتية لله جل وعلا.
النوع الثالث: الصفات الخبرية: وهي الصفات التي ليس للعقل فيها مدخل، وتأتي لنا عن طريق الخبر، ومسماها عندنا: أبعاض وأجزاء، اليد بعض مني وجزء مني، والعين بعض مني وجزء مني، والساق فهل نقول: اليد بعض من الله؟! حاشا لله! أما لله فنقول: إنها صفات وليست بجوارح، لكن هذا ضابطها عندنا حتى نضبط الصفة: أجزاء وأبعاض، وهذه الصفات الخبرية مثل: العين واليد والساق، وقد تكلمنا عن اليد والعين والأصابع والأنامل، وتكلمنا عن السمع والبصر والرؤية والوجه، وقلنا: القاعدة في إثبات هذه الصفات: أن نثبتها إثباتاً بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، وبالنسبة للصفات السلبية فننزه الله عنها بلا تعطيل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
لا تضربوا الوجه ولا تقبحوه فإن الله خلق آدم على صورته)، وفي رواية
النسائي : (
فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، وهل
ابن خزيمة في مسألة الصورة يثبت لله صفة الصورة أم لا ؟!
نقول: هناك تأويلان: أولاً: الهاء في الحديث عائدة على المضروب، وليست عائدة على الله، فأخبره أن هذا المضروب خلق على صورة أبيه آدم عليه السلام، وهذا التأويل فيه ضعف؛ والحديث في الرواية الأخرى جاء بنص: (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً)، إذاً: الهاء عائدة على آدم عليه السلام، فطوله ستون ذراعاً وسبعة أذرع عرضاً، وجاء بإسناد صحيح عند الطبراني وغيره: (أن الله خلق آدم على صورة الرحمن) فإذا قلنا: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن فكيف نفهم هذا المعنى؟
نقول: أولاً: لله صورة، وهي صفة من صفات الله، وهل الصورة تشبه صورة الإنسان؟ حاشا لله! فمعنى: (خلق آدم على صورة الرحمن) أن آدم متكلم كما أن الله متكلم، وأن آدم سميع كما أن الله سميع، وإن آدم بصير كما أن الله بصير.
إذاً: خلق الله آدم على صورة الرحمن سميعاً بصيراً متكلماً، فهذا هو معنى الحديث.
وابن خزيمة يقول: الصورة إضافتها إضافة مخلوق إلى خالقه. ونحن نخالفه في هذا، ولا يصح أن نقول: إن إضافة الصورة إضافة مخلوق إلى خالقه، بل هي إضافة معنى إلى الذات الموصوف بهذه الصفة.
وفي القول الثاني لا يمنع أن نقول: طوله ستون ذراعاً مع إثبات الصورة لله، فلله يد وله أصابع، والدليل على أن لله أصابع حديث: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)، واليهودي الذي أخبر النبي أن الله يضع السماوات على أصبع.. إلخ فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وضحك إقراراً له.
صفة العلم لله جل وعلا ثابتة بالأدلة الواردة في ذلك، والذين نفوا علم الله جل وعلا لهم أقوال في ذلك، فالجهمية ينكرون العلم ويقولون: لا عليم ولا علم، والمعتزلة يثبتون الاسم دون الصفة.
والقدرية: يثبتون العلم الأزلي لله عز وجل دون العلم الغيبي المستقبلي، فنفوا عن الله علم ما يكون في المستقبل؛ لأن القدرية يقولون: إن الله لا يعلم بأفعال العباد حتى يفعلوها، فهنا نفوا علم الله بما سيكون مستقبلاً، أما علم ما مضى فيقرون به لله تعالى، وعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: العلم الممكن، والقسم الثاني: علم مستحيل، فمثال العلم الممكن قال تعالى:
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
[التوبة:47] يعني: هؤلاء المنافقون إذا خرجوا في الصف المسلم نشروا فيه الذعر، وأعملوا فيه الفتنة حتى يرجعوا أدراجهم، فالمنافقون لو قدر الله أن يخرجوا لخرجوا، وهذا ممكن، لكن الله جل وعلا بعلمه للغيب منعهم حتى لا يفشلوا الصف المسلم.
أما المستحيل فقال تعالى:
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا
[الأنبياء:22] هذا من المستحيل أن يكون هناك رب غير الله جل وعلا، كذلك من المستحيلات: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
[الأنعام:28]، كيف تكون هذه من المستحيلات؟
أن الله كتب على نفسه أنه من ذهب إلى الآخرة لا يرد إلى الدنيا.
وهناك من أعيد إلى الدنيا بعد موته، وهذه حالة خاصة.
وعبد الله بن حرام عندما استشهد كلمه الله جل وعلا كفاحاً، فطلب من الله جل وعلا أن يرده إلى الدنيا ليقاتل في سبيل الله فيقتل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جل وعلا قال: (إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون)، فلم يجب دعوته؛ لأن الله كتب أن من خرج من الدنيا لا يرجع إليها مرة أخرى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.