إسلام ويب

توجيهات اجتماعيةللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النبي صلى الله عليه وسلم خير الخلق، وهو القدوة الحسنة والمثال الرائع للناس جميعاً، وجب على كل ذي لبٍ أن يقتدي به في أخلاقه، وتعامله مع الناس، وعفوه عند المقدرة، والتواضع وخفض الجناح للمسلمين، والتقرب إلى الله، واللجوء إلى جنابه.

    1.   

    من مواضع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.

    وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، أراد ما العباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه.

    وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، آخر الأنبياء في الدنيا عصراً، وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].

    ثم انه صلى الله عليه وسلم بعد أن أدبه ربه بالوقوف بين يديه في الليل ألبسه جل وعلا في النهار أعظم الأخلاق، وأكمل الصفات، وهداه إلى أفضل الطرائق، فتجمل بها صلى الله عليه وسلم كلها، فهو في بيته خير زوج، وهو لأحفاده خير جد، وهو لأمته أعظم قائد، وهو في المسجد أجل إمام، وأفصح خطيب، وهو صلى الله عليه وسلم في ذلك كله عبد متواضع لله، يعرف فضل الله جل وعلا عليه قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم إنما إنا عبد لله فقولوا: عبد الله ورسوله) صلوات الله وسلامه عليه.

    فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء

    وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء

    وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء

    وإذا بنيت فخير زوج عشرة وإذا ابتنيت فدونك الآباء

    وإذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء

    أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى فالكل في دين الإله سواء

    فلو إن إنساناً تخير ملة ما اختار إلا دينك الفقراء

    والمصلحون أصابع جمعت يدا هي أنت بل أنت اليد البيضاء

    صلى عليك الله ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلا وجناء

    واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنان عدن آلك السمحاء

    ترك الكبر

    الكبر أيها المؤمنون أسوء الخصال، وهو أمر تفرد به الرب تبارك وتعالى، في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) فالله جل وعلا له بعض الصفات، من نازعه فيها قصمه الله، ومن نأى عنها وبعد قرب من الله، ألا تري يا أخي أن السجود موضع ذلة لا يقبله أحد، ولما كان السجود موضع ذلة لا يقبله أحد لا يجوز فعله إلا للواحد الأحد، قال الله جل وعلا لنبيه كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19].

    فكلما تذلل الإنسان بين يدي الله اقترب من الله، فإن لبس -عياذ بالله- رداء من الكبر فإنه يكون أبعد ما يكون عن الله مصروفاً عن آيات الله لا يعبأ الله جل وعلا به.

    وقف الصحابي الجليل عبد الله بن عمر يبكي بعد أن خاطبه عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن قال: إن هذا -وأشار إلى عبد الله بن عمرو بن العاص - أخبرني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر).

    وما عصى إبليس ربه إلا عندما استقر في قلبه الكبر، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، فأعظم القضايا الاجتماعية، أو أعظم ما ينبغي أن يتخلص المؤمن منه، وهو يخالط إخوانه المؤمنين أن ينزع عن نفسه رداء الكبر، والإنسان لو ترك على سجيته لبقي يحب أن يعظم ويمدح ويثنى عليه، ويرى الناس حوله صغاراً، لكنه إذا ألجم نفسه بلجام التقوى، وعلم أن مرده إلى الله، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل:4] .. وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79].

    أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81].

    إذا علم الإنسان أنه عبد مخلوق من لحم ودم وعصب، وأن مرده إلى الله، وستؤويه حفرة، وسيسأله الملكان، وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، وأنه لن يأخذ إلا ما أعطاه الله، ولن يتقي إلا ما وقاه الله، جفت الأقلام وطويت الصحف بذلك، فإذا عرف ذلك كله عرف قدره، وتواضع لله كما تواضع الأخيار من الأتقياء والأبرار، من الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا.

    ترك الحسد

    فالكبر أيها المؤمنون رداء ينبغي لكل مؤمن أن ينزعه من نفسه.

    وكما ينزع الإنسان الكبر عن نفسه ينزع داء الحسد، فإن الله جل وعلا جعل هذه القلوب أوعيه، وأعظم القلوب قرباً من الله من سلمت من الشرك وعمرت بالتوحيد، وسلمت من البدعة وعمرت بالسنة، وسلمت من الحسد وعمرت بالمحبة للغير، ومعرفة قدر الناس، وإنزال الناس منازلهم.

    هذا هو المؤمن الموفق المسدد، والحسد مركب في كل جسد، لكن الله لا يحاسب على أنه موجود في أجسادنا، إنما يحاسب إذا أثمر ذلك الحسد قولاً أو فعلاً حرمه الله أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جاءت الاستعاذة منه مقيدة في كتاب الله، قال الله جل وعلا: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]، ولم تأت على إطلاقها.

    وإبليس حسد أبانا آدم على ما أفاء الله عليه مع الكبر الذي في قلبه، وقابيل حسد أخاه هابيل لما قبل الله قربان الثاني ولم يقبل قربانه، فكان ذلك الحسد في قلبه سبباً لقتله لأخيه، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29].

    ونبيكم صلى الله عليه وسلم، لم يكن يحمل في قلبه الحسد؛ لأنه يعلم أن الله وحده هو الذي يخفض ويرفع، وهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يقطع ويصل جل جلاله، والإنسان إذا رأى نعمة من نعم الله على غيره لا يشتغل بذلك الغير، إنما يسأل الذي وهبه أن يهبه مثلها، فسل الله، فالله جل وعلا يحب الملحين عليه بالسؤال، وبني آدم لو سألته يغضب.

    والمقصود أيها المؤمنون أنه ينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه أن لا يكون في قلبه حسد على المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المحبة والألفة بين هذه الأمة: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، وحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، وهذه الأخير مردها إلى الأول، وهو رداء الكبر الذي بيناه.

    والمؤمن إذا كان عظيم الثقة بالله يحسن الظن بربه ويعلم أن المقادير بيد الله قلما يكون في قلبه حسد، أما إن كان لا يعرف ربه إلا قليلا كان يغلب عليه الظن أن العطايا مردها إلى أمور مادية وليس مردها إلى العلي الكبير، فيستوطن الحسد في قلبه عياذاً بالله، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهو في الأقران أكثر، وفي النساء أشد، لكن ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يوطن نفسه، أو توطن المرأة نفسها ألا يكون في قلبها حسد لإخوانها أو أخواتها المؤمنات.

    ترك الظلم

    ثالث ما ينبغي أن يتداركه الظلم.

    والله جل وعلا حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرما، وقد بعث صلى الله عليه وسلم حبيبه معاذ بن جبل إلى اليمن وهم يومئذ أهل كفر، قال له: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

    وكم يقع الظلم ما بين صاحب العمل والأجير الذي يعمل عنده، أو بين الرئيس والموظفين الذين بين يديه، أو بين رب البيت مع زوجاته، وكم يقع من الزوجة مع الخادمات في البيت، كم يقع من المعلم إلى طلابه، كم يقع الظلم في البيع والشراء؟

    كم يقع الظلم على هيئة ألفاظ وأقوال ولا يشعر الإنسان بها، ويخطها أحد الملكين والآخر يشهد عليها، ويوم القيامة يجد كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

    وأعظم الظلم أن يظن الإنسان أنه بظلمه يصنع خيراً، قال الله جل وعلا: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104].

    روى الإمام البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ الكبير بسنده عن محمد بن سيرين رحمه الله قال: كنت عند الكعبة فسمعت رجلا يقول: اللهم اغفر لي وإن كنت أظن أنك لن تغفر لي، فقال له محمد : يا هذا ما سمعت أحداً يدعو بمثل دعوتك هذه.

    فقال صاحب الدعوة: إنك لا تدري ما خبري، إنني كنت قد أعطيت الله عهداً أنني إذا تمكنت من عثمان بن عفان لطمته على وجهه ولحيته، فقتل عثمان قبل أن ألطمه، فلما وضع عثمان على سريره في بيته، وجاء الناس يصلون عليه، دخلت في زمرة من يصلي على عثمان ، حتى وجدت خلوة فكشفت عن وجهه وكفنه ولطمته تحقيقاً لعهدي، فما رفعت يدي إلا قد شلت ويبست كأنها خشبة.

    قال ابن سيرين : فأنا رأيت يده يابسة كأنها عود!

    وتأمل يا أخي أن الإنسان أحياناً يصل في الضلالة إلى أن يعطي الله عهداً على أن يؤذي مؤمناً، وهذا ممن قال الله فيهم: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8].

    يأتـي للأمر ويزعم أنه قربة إلى الله، وهو لا يقود إلا إلى الضلال المبين، ولا يقود إلا إلى الهلاك؛ لأنه معارض لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والذين قتلوا عثمان رضي الله عنه وأرضاه قتلوه وهم يزعمون أنهم يتقربون إلى الله جل وعلا بقتله، لأنهم لما غلبت عليهم أزمة الشبهات حرموا من نعمة العقل والهداية والتوفيق فقادتهم تلك الشبهات إلى ما قادتهم إليه.

    وغاية الأمر أن تعلم أن الظلم من أعظم ما يعجل الله جل وعلا به العقوبة في الدنيا والآخرة، والإنسان إذا كان يعرف المعنى الحقيقي للوقوف بين يدي الله، تخلص من مظالم الناس، ولم يقع منه مظلمة في دينار ولا درهم، قال الله جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].

    ويقول الله جل وعلا: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

    لماذا يفر المرء من هؤلاء، إن الإنسان يوم القيامة لا يفر ممن لا يعرفه، إنما يفر ممن يعرفه، وهذا والله من دقائق العلم وفرائد الفوائد، وذلك لأن الشخص الذي لا تعرفه يسكن في مكان ناء عنك قلما أن تكون قد ظلمته.

    لكن الذي يخالطك أنت عرضة إلى أن تظلمه، فإذا جاء يوم القيامة، ورأى الرجل أحداً كان يخالطه ويعرفه يفر منه، خوفاً من أن يكون قد ظلمه في الدنيا فيأخذ من حسناته، وهو أحوج ما يكون يومئذ إلى الحسنات، فيكون فرار الإنسان عن خلطائه، عن أمه، عن أبيه، عن إخوته، عن عشيرته، عن جيرانه؛ لأنه يخشى أن يكون قد أخطأ في حقهم، ويوم القيامة لا دينار ولا درهم، وإنما هي حسنات وسيئات، وكل أحد أحوج ما يكون إلى شعرة من حسنة، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [الأعراف:8-9].

    ترك الخوض في أعراض الناس

    مما ينبغي على المؤمن أن يكون لسانه بعيداً عن الخوض في أعراض المؤمنين.

    نبينا صلى الله عليه وسلم وقف على ناقته يوم عرفة يقول: (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا)، والله عز وجل يقول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

    ويقول صلى الله عليه وسلم في تربيته لـمعاذ : (ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم).

    وجميل من المرء أن يتحلى بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا سباباً ولا لعانا، وإنما كان صلى الله عليه وسلم جميل القول، مهذب النطق، أحسن الله جل وعلا تعهده وتربيته.

    تقول أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضها في وصفه لـهشام يا بني أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قالت: (كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن).

    هذه أربع أو خمس صفات مما ينبغي على المرء أن يجتنبه، وليست القضية في التخلية بل لا بد من التحلية، كما نتخلى عن ما حرم الله ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، نتحلى بتلك الأخلاق الكرام، والصفات العظام التي كان يتحلى بها نبينا صلوات الله وسلامه عليه.

    إطعام الطعام

    ومن أعظم الخصال بذل الندى، وإطعام الجائع، فإن سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وسادتهم يوم القيامة الأتقياء، وإذا كان الإنسان يبذل نداه، ويقري ضيفه، ويكرم جاره كان قريبا من الله قريباً من هدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

    حج يزيد بن المهلب فلما قدم إليه الحلاق في يوم النحر حلق له رأسه، فأعطاه يزيد ألف دينار، وهي لا تعطى في العادة لمن يحلق، فقال له الحلاق: دعني حتى أخبر أمي، فرحاً أنه أعطي هذا المبلغ، فقال يزيد لخادمه: أعطه ألفاً أخرى، فقال الحلاق: والله لا أحلق لأحد بعدك، فقال يزيد : أعطوه ألفاً ثالثة.

    والمقصود أن التاريخ حفظ لـيزيد بن المهلب هذا العطاء، وأكرم منه من تأسى به يزيد وهو رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام.

    جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه أيام خلافته، فقال:

    يا أمير المؤمنين جزيت الجنة أكسو بنياتي وأمهنه

    وكن لنا من الزمان جنة أقسمت بالله لتفعلنه

    قال عمر : وإن لم أفعل يكون ماذا؟

    قال: إذاً أبا حفص لأمضينه!

    قال: وإن مضيت يكون ماذا؟

    قال:

    إذاً أبا حفص لتسألنه يوم تكون الأعطيات جنة

    وموقف المسئول بينهنه إما إلى نار وإما الجنة

    فخلع عمر رضي الله عنه قميصه وبكى حتى بلل لحيته وأعطاه القميص وهو يقول: خذه فوالله الذي لا اله إلا هو ما أملك غيره.

    والمقصود أن نبيكم صلى الله عليه وسلم حث على إطعام الطعام

    وقال الله من قبل: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [البلد:11-15]

    أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:16].

    وقال عن أوليائه الصالحين: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:8-9].

    العفو عن الناس

    من خصال المؤمنين التي ربي النبي صلى الله عليه وسلم أمته عليها العفو عن الناس، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى:43]،

    فعلت به قريش الأفاعيل، فلما مكنه الله جل وعلا من رقابها يوم الفتح قال: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء).

    والإنسان من جميل طباعه أن ينافس في الخير، ولقد ورد أن أبا سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الخمسة الذين يشبهون في هيئتهم نبينا عليه الصلاة والسلام، كان أول أمره كثير الهجاء للنبي عليه الصلاة والسلام، فلما كان كثير الهجاء أهدر النبي دمه، فلما تاب وأسلم ذهب إلى إحدى أمهات المؤمنين وسألها كيف يعتذر؟ قالت: ائت إليه وقل له: قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91]، كما قال إخوة يوسف ليوسف، فإن نبيك عليه السلام لا يحب أن يكون أحد أفضل منه، فجاء أبو سفيان وقال مثل ما قال إخوة يوسف ليوسف، تالله لقد آثرك الله علي وإن كنت من الخاطئين، فقال صلى الله عليه وسلم كما قال يوسف: يغفر الله لك وهو أرحم الراحمين.

    والمقصود أن العفو عند المقدرة من أعظم شيم العظماء.

    وثمة قاعدة في الحقوق الشرعية تنتفع بها إن كنت صاحب سلطة سواء كنت أميراً، أو محافظاً، أو مديراً، أو قاضياً، وهذه القاعدة هي: اصنع في كل احد وقف بين يديك ما تحب أن يصنعه الله بك إذا وقفت بين يديه.

    فإن هذه الصنائع من أعظم ما تستجدى به رحمة الله جل جلاله، فتعامل مع من يأمل فيك ما ترجو الله أن يتعامل به معك وأنت تؤمل فيه، لكن اقطع علائق قلبك من الخلق كلهم فلا تعفو عن أحد رجاء أن يعفو أحد عنك ذات يوم، هذا إن فعلته جائز، لكن نحن لا نتكلم في ما هو ممنوع أو هو مباح، نتكلم فيما يقرب من العلي الكبير جل جلاله.

    وما الدنيا إلا أنفاس محدودة وأيام معدودة، ثم الوقوف بين يدي الله جل وعلا، فينبغي أن تكون أعمال العبد مطية للوصول إلى الله جل وعلا، قال الرب تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6].

    نعود فنقول أيها المؤمنون: مع بذل الندى العفو عند المقدرة، وقد ورد في بعض الآثار أن أربعة من حملة العرش يقولون في دعائهم وذكرهم: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، والأربعة الآخرون يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك.

    وكلنا ذو خطأ وما أحوجنا إلى عفو الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لا يرحم لا يرحم)، وقال: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وأولى الناس بأن نرحمه الوالدان؛ لأن الله جل وعلا أوجب لهما الرحمة وبين عظيم حقهما، ثم إنه كلما كان الإنسان ممن حولك ضعيفاً كان أولى بالرحمة.

    والغريب الذي ليس من ديارك أولى بالرحمة من المقيم فيها، وكل أحد بحسب ضعفه يكون أولى بالرحمة من غيره، فلو كان لك عمات كثر، إحداهن أضعف من الباقيات لوجب صرف الرحمة أكثر لمن كانت أحوج إليها، وهذا من سنن الله جل وعلا في خلقه، ولا أظن أنه يماري فيه أحد.

    العدل بين الناس

    ومما كان فيه عليه الصلاة والسلام من خلق عظيم، العدل بين الناس:

    وبالعدل قامت السماوات والأرض، ومن العدل بين الناس يعدل الإنسان في حكمه إن كان قاضياً، يعدل الإنسان في قوله إذا طلبت منه شهادة، يعدل الإنسان في سائر شأنه إذا كان ذا ولاية على زوجات أو على أبناء، فيعدل في أبنائه في العطايا، ويعدل بين زوجاته في المبيت، ويعدل في كل شيء بحسبه، ويعدل حتى في قوله مع خصومه وأعدائه، قال الله جل وعلا: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    و عبد الله بن رواحة ذهب إلى خيبر يخرص نخلها، فقال: يا معشر يهود: جئتكم من عند أحب الناس إلي -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- وإنكم لمن أبغض الناس إلي، ولكن لن يدفعني حبي له وبغضي لكم أن أجور، ينبغي علي أن أعدل فقالت له يهود: بالعدل قامت السماوات والأرض.

    والإنصاف اليوم في الناس قليل، والناس إذا أحبوا أحداً نسبوا له كل فضل، وإذا أبغضوا أحداً نسبوه لكل نقص، وقالوا فيه ما لم يفعله، والعاقل لا يغلو في أحد، لا محبة ولا ذماً.

    فلا تغل في أحد من العباد كائناً من كان، ولو رأيت عليه من أمارات الصلاح والبكاء وأمثال ذلك الشيء الكثير، فإن الله وعلا أوكل السرائر إلى نفسه.

    ولا تغل في ذم أحد فإنك لا تدري أن الله جل وعلا ستر محاسنه وأظهر معايبه، فحكمت عليه من وجه دون آخر، ولكن المؤمن العاقل الحصيف الذي يخشي على سيئاته أن تزداد وعلى حسناته أن تذهب، لا يتكلم إلا بقصد، ولا يحكم إلا على بينة، ويتكلم بضبط قوله مخافة أن يلقى الله فيكون قد شط في قوله.

    التواضع

    إذا كان هذا العدل، وذلك العفو، وبذل الندى فقد بينا الكبر وضده والتواضع لعباد الله، وأحب الناس إلى العباد وأقربهم منهم من كان متحليا متجملاً بخلق التواضع، والنفوس جبلت على أنها تبغض من كان مستكبراً.

    الحجاج بن يوسف الأمير الأموي يقول على ظلمه: ثلة من أهل الكوفة لو أدركتهم لضربت أعناقهم، وهو لم يدركهم، يعني أنه جاء الكوفة وقد ماتوا، قيل له: من هم أيها الأمير؟ قال: فلان وسمى رجلاً، وكلهم ذمهم بالكبر، أما أحدهم عياذاً بالله فصعد المنبر فخطب خطبة بليغة، فلما فرغ منها قال له أحد الحاضرين: كثر الله من أمثالك، فقال ذلك المتكبر الفاجر، لقد كلفت ربك شططاً، أي: يصعب على الله أن يخلق غيري.

    قال: وآخر كان يقف في قارعة الطريق، فجاءته امرأة تسأله وهي لا تعرفه، قالت: يا عبد الله، أين طريق فلان؟ قال: ألمثلي يقال: يا عبد الله، ورفض أن يجيبها.

    وذكر رجلاً ثالثاً ضاعت ناقة فقال: يمين الله إن لم يرد الله ناقتي لن أصلي ولن أصوم، فرد الله عليه ناقته، فقال كفراً: قد علم ربي أن يميني كانت صرماً، يعني ماضية.

    هذا وأمثاله موجود في كل أحد، لكن من الخلق من ألجم نفسه بلجام التقوى فقبلت ورضيت أن يكون عبداً لله جل وعلا، ومن العباد من أطلق لها العنان، وهؤلاء الذين أطلقوا لها العنان درجات، وفي الذروة من أولئك الذين أطلقوا لأنفسهم العنان فرعون عندما قال: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، والنمرود عندما قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] فما السبيل إلى كسر النفس، السبيل إلى كسر النفس عظيم العلم بالله جل وعلا، فإن العبد كلما كان بالله اعرف كان من الله أخوف، كلما كان بالله أ عرف، كان من الله أخوف.

    1.   

    أعرف الناس بالله أخوفهم منه

    والله جل وعلا حجب عنا جميعاً أن نرى بعيننا الباصرة ذاته، ومكننا جل وعلا أن نرى مخلوقاته، فمن رأى مخلوقات الله بعين البصيرة وتفكر فيها دلته مخلوقات الله على عظمة الخلاق جل جلاله، فإذا عرف ربه وعبده وذل بين يديه، واستكان عنده، يكرمه الله أن يرى الله بعينه الباصرة، وهذا منطلق كل مؤمن.

    قال الله عن أهل طاعته: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    فهؤلاء أقوام أخذوا يتفكرون في المخلوقات، فدلهم ذلك التفكر على رب البريات، فعظموا الله، فهؤلاء يكافئهم الله يوم القيامة بأن يمكنهم جل وعلا من أن يروا وجهه الأكرم جل وعلا، ولا عذاب أعظم على أهل النار من كونهم محجوبين عن رؤية وجه الواحد القهار، قال الله جل وعلا عن أهل معصيته: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].

    نعود فنقول: إن التواضع من أعظم أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه، هذه الأمور التي وازنا بينها ما بين التخلية والتحلية تحتاج في المضي عليها إلى صبر، وبالصبر تبلغ ما تريد، وبالتقوى يلين لك الحديد، فمن رزق الصبر قدر على أن يعطي مما يحب، وأن يصبر على ما يكره، قال الله جل وعلا: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وفي جملة من الآثار: لن تنال البر حتى تصبر على ما تكره وحتى تنفق مما تحب، فإذا أنفقت مما تحب، وصبرت على ما تكره وصلت إلى منازل عالية عند الله جل وعلا.

    كما أن مما يعين على التحلي بهذه الأخلاق تذكر قرب المحشر والوقوف بين يدي الله، فإن الله ذكر الأوصاف الحميدة، قال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35]، وحتى يكون لدى الإنسان حظ عظيم من الصبر لا بد أن يعرف الآخرة حقاً، فكل من أدرك بعيني بصيرته وبصره عظمة الوقوف بين يدي الله، هانت عليه أمور الدنيا، وهذه الدنيا إن نازعت أهلها فيها اجتذبتك كلابها، وإن استغنيت عنها فزت بخيري الدارين.

    واعلم يا أخي أنه لن يموت أحد حتى يستوفي رزقه، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها)، وهذا لا يمنع من السعي المباح، ولا ينافي ذلك الشرع، وفي حديث عمر : (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

    فأثبت لها صلى الله عليه وسلم الغدو وأثبت لها صلى الله عليه وسلم الرواح.

    نقول: بالصبر وبالتفكر في اليوم الآخر، ثم بالمعرفة بمنهاج أولياء الله المقربين، وعباد الله الصالحين تنال الدرجات العليا، ولهذا قص الله على نبيه في القرآن جلائل الأخبار، وأدبه بعظيم العظات، حتى يتأسى بأولئك الأخيار الذين من قبله، ذكر له ثمانية عشر نبيًا في سورة الأنعام، ثم قال له: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، فأخذ صلى الله عليه وسلم بهديهم، فجمع إلى ما عنده من الفضائل ما كان عند إخوانه عليهم الصلاة والسلام من الفضائل، فأصبح عليه السلام في الذروة العليا، والدرجة الأسمى من الأخلاق كلها وعبادة الله صلوات الله وسلامه عليه.

    ثمة محبطات في الطريق إلى الله، فالإنسان إذا كنت ذا حلم وصفوك بأنك ضعيف، وإذا كنت ذا عفو وصفوك بأنك عاجز، وإذا كنت ذا كرم وصفوك بأنك مسرف، وما يزال في كل مجتمع فئام من الناس يثبطون أهل الحق، ويصفون الأشياء على غير وصفها، ويسمونها بغير اسمها، لكن لا يوجد عاقل يترك الاستسقاء من معين محمد صلى الله عليه وسلم ويأخذ عن غيره، فالعاقل يعلم أن الهدي كله محصور بهدي محمد صلوات الله وسلامه عليه.

    والتمسك بهدي الأنبياء لا شك أنه خير وأبقى من التمسك بصنيع غيرهم فإن الله أيد أنبياءه بالوحي، والأنبياء بوحي الله إليهم معصومون من أن يقعوا في خطأ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    1.   

    سؤال التوفيق من الله

    بقيت واحدة: وهي أن الإنسان يسأل الله جل وعلا التوفيق في غدوه ورواحه، فوالله لن يقدر أحد أن يعبد الله كما أراد الله، قال الله جل وعلا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28].

    قال بعض أهل العلم: إنهم إذا أصبحوا سألوا الله التوفيق، وإذا أمسوا استغفروا الله جل وعلا من التقصير، فهم ما بين سؤال الله أن يوفق ويعين وييسر، وما بين استغفار الله أن يسد الخلل، ويغفر الذنب، ويتجاوز عن الزلل، وربك على هذين قادر، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ [الأنعام:102]، كما بين جل وعلا في كلامه وكتابه.

    أيها الإخوة المباركون، طول الكلام ينسي بعضه بعضاً، وهذا ما تيسر قوله في هذا المقام المبارك.

    وما تبقى من الوقت نجعله للأسئلة، على أنني في المقام الأول أقول قبل أن أنهي: إن الله يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18]، فنسأل الله جل وعلا أولاً أن يتقبل من الملك فهد -رحمه الله رحمة واسعة- بناء هذا المجمع الذي صلينا فيه، وأقمنا المحاضرة فيه، ولم يقتصر نفعه على إقامة الصلوات وإلقاء المحاضرات، وفي هذا عبرة أن الملك رحمه الله مات وزال ملكه، لكن المسجد الذي بناه لله لم يزل باقياً، فكل ما كان لله يبقى، وأما عطايا الله جل وعلا لعباده دنيوياً فإنما هي متاع إلى حين، هذا أولاً.

    الأمر الثاني: أشكر لأخي سعادة المحافظ فضله وخلقه وكرمه وحضوره المحاضرة الدال على نبل أخلاقه وإسلامية منهجه، وفي هذا تشجيع للناس؛ لأن الناس إذا كان سادتهم ووجهاؤهم والقائمون بالأمر فيهم يتقدمون إلى الخيرات تأسوا بهم، كما أسأل الله جل وعلا أن يشكر الشيخ حسين ، وجميع المعنيين في اللجنة الثقافية على حسن ظنهم بأخيهم وكريم دعوتهم.

    وأسأل الله جل وعلا لهذه الوجوه الطيبة التي أراها والتي لم أرها من أخواتنا المؤمنات المكتسيات بحلل الحياء والحجاب، أسأل الله لنا جميعاً أن يحرم وجوهنا على النار، وأن يجعل مجلسنا هذا شاهداً لنا يوم نلقاه، وأن يعيذنا جل وعلا من أن نريد بقولنا أو أي شيء نصنعه أحداً غيره جل وعلا، وأن يجعلنا ممن خلصت نيته، وسدد الله قوله، وأصلح الله عمله، إن ربي لسميع الدعاء.

    هذا ما تيسر، وعفواً إن أطلت، وعذراً إن قصرت، فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768276706