اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين:
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:56-58].
أمرنا الله تبارك وتعالى في هذه الآيات بالصلاة على النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأخبر أنه سبحانه جل جلاله يصلي عليه صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك الملائكة يصلون عليه صلوات الله وسلامه عليه، فأمر المؤمنين بأن يصلوا على النبي صلوات الله وسلامه عليه .
والصلاة من الله هي الثناء والرحمة، والصلاة من الملائكة هي الدعاء، والصلاة من المؤمنين هي الدعاء، فالله عز وجل يصلي على النبي صلوات الله وسلامه عليه، أي: يثني عليه ويرحمه سبحانه وتعالى، والملائكة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، أي يدعون له صلوات الله وسلامه عليه ، ويطلبون من ربه أن يصلي عليه، والمؤمنون كذلك يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم أي يطلبون من الله عز وجل أن يثني عليه وأن يرحمه تبارك وتعالى، وكذلك يطلبون لأنفسهم ذلك، فالمؤمنون هم المنتفعون بالصلاة عليه صلوات الله وسلامه عليه.
سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فذكر لهم كيفية الصلاة عليه عليه الصلاة السلام.
وأفضل صيغة من صيغ الصلاة والسلام عليه هي ما جاءت في أحاديثه، وأصح ما ورد في ذلك خمسة أحاديث جاءت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه ذكرناها في كتاب الدعوات، وهنا نذكر صيغ هذه الصلوات:
حديث أبي مسعود الأنصاري الذي رواه الإمام مسلم في الصحيح قال: (قال
فالمؤمنون يطلبون من الله عز وجل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدد ما صلى الله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
وفي حديث آخر في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) .
في الرواية الأولى ذكر محمد وآل محمد، وفي الرواية الثانية قال: (اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته).
وآل محمد صلى الله عليه وسلم هم أهل بيته.
وقيل: هم كل مؤمن تقي، ولكن الأخص من ذلك أهل بيته الذين نص عليهم القرآن، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث كعب بن عجرة في صحيح البخاري ، (قالوا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ -يعني: أنت وأهل بيتك كيف نصلي عليكم؟- فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آله محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
وأي رواية من هذه الروايات يجوز لك أنك تقولها في الصلاة وفي غير الصلاة.
وفي الصحيحين -وهذا لفظ الإمام مسلم - عن أبي حميد الساعدي (قالوا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم)، فلم يذكر هنا إبراهيم وآل إبراهيم، فإذا قال: آل إبراهيم دخل إبراهيم فيهم، يقال: آل فلان، أي: الرجل وأهله.
وعن أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري قال: (قلنا: يا رسول الله! هذا التسليم، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم).
يقول ابن العربي المالكي بعدما ساق بعض الروايات: هذه الروايات منها صحيح ومنها سقيم، وأصحها ما رواه مالك، فاعتمدوا عليها، ورواية غير مالك فيها زيادة الرحمة مع الصلاة وغيرها، مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم ارحم محمد وآل محمد.
والصلاة تقتضي الرحمة، لكن لم يصح حديث أن الرحمة من صيغ الصلاة، ولذلك يقول ابن العربي:
وعلى الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم.
يعني مثلما تنظر في أموالك وتراعي مالك، كذلك تنظر في دينك وتراعي دينك.
قال: وهم لا يأخذون في البيع ديناراً معيباً، فكذلك في أمر دينك، تختار السالم الطيب ولا تأخذ من الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما صح سنده، لئلا تدخل في حيز الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص.
لأن بعض الناس يذكرون من ضمن صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صيغاً لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: ذكر فلان، وذكر علان، وأفضل الأذكار ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الأوراد المرتبة التي نظمها بعض المشايخ فنقول: إذا كان فيها ما صح عن النبي فليقل بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما أشياء يؤلفها الإنسان من عند نفسه، فنقول: أفضل ما جاء هو ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.
والإنسان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويختار لنفسه ما اختاره النبي صلوات الله وسلامه عليه، ومن ظن أنه يأتي بأفضل مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فظنه كذب، ولا يصح أن يظن الإنسان أنه يستطيع ذكر الله بأفضل مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة أفضل مما قالها النبي صلى الله عليه وسلم.
اختلف العلماء في هذا، والذي نراه أنه يصح، ولكن لا يكون ذلك في الصلاة، ففي الصلاة لا يقول إلا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
أما في غير الصلاة فلو أن الإنسان جمع الصيغ الواردة فقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وعلى ذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، هذه الصيغة جمعت خمس روايات جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالراجح أنه يجوز ذلك؛ لأنه لم يخرج عما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، بل جمع هذا كله.
لكن في الصلاة فليقل هذه الروايات على الصيغة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا أمر، والأمر خصوصيته في الصلاة، ففي الصلاة يجب أن يصلي المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة في الصلاة وفي غيرها، وذهب بعض أهل العلم -ومنهم الإمام الشافعي والإمام أحمد - إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فريضة.
وهذا الذي نميل إليه، وهو أنه لا بد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؛ لقول الله عز وجل: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).
ولو أن إنساناً لا يحفظ هذه الصيغة، فقال: اللهم صل على محمد، كفى، وصحت صلاته بذلك؛ لأنه امتثل الأمر، والأفضل أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، بالصيغة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تصح صلاته لو قال: اللهم صل على محمد.
وجمهور أهل العلم أنه تصح الصلاة بذكر التشهد إلى: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. وتتم الصلاة بذلك، ولكن الأفضل والأحوط أنه لا بد من الصلاة على النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيأتي بالتشهد ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد ذلك، ثم التسليم.
إذاً: من التشريف أن يقال عنه: النبي الأمي، فهو العظيم عليه الصلاة والسلام الذي لا يقرأ ولا يكتب، وجاء بهذا القرآن العظيم من عند ربه سبحانه، فهو لم يؤلفه بل جاء به من عند الله .
لكن صفة الأمية لغيره صلى الله عليه وسلم ليست صفة تشريف وتعظيم، بل هي له وحده فقط صلى الله عليه وسلم؛ لأنها معجزة له أنه لا يقرأ ولا يكتب ثم يأتي بهذا القرآن العظيم، فليس لإنسان أن يفخر ويقول: أنا أمي لا أقرأ ولا أكتب، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يقول الله عز وجل: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ [الأعراف:157]، فهو موصوف في التوراة بأنه رسول وأنه نبي وأنه أمي صلوات الله وسلامه عليه.
وفي بعض الصيغ: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)، وفي بعضها: (كما صليت على آل إبراهيم)، وهي تعم إبراهيم وأهله أيضاً.
وآل إبراهيم هم أنبياء الله عز وجل؛ لأن كل الأنبياء من بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام من ذرية إبراهيم، فإبراهيم من أبنائه إسماعيل وإسحاق، ومن ذرية إسحاق جاء الأنبياء كلهم، إلا نبينا صلى الله عليه وسلم فهو من ذرية إسماعيل، فالله عز وجل جعله وحده من ذرية إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ولكنه طلب ما هو أكثر من ذلك، فالإنسان يطلب من الفضل من الله عز وجل ما هو أعظم، فلذلك يقول: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فلو قلنا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها قدر معين عند الله عز وجل، والصلاة على إبراهيم لها قدر معين، فالصلاة على محمد أعظم من الصلاة على إبراهيم، لكن الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أعظم؛ لأن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين صلى الله عز وجل عليهم، ومنهم محمد صلوات الله وسلامه عليه.
فلو وضعنا مقارنة بالصلاة على محمد وحده عليه الصلاة والسلام، والصلاة على إبراهيم والأنبياء ومحمد صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن الصلاة الثانية أعظم من الأولى، فيكون التشبيه على حقيقته، أي: صل على محمد صلاة بهذا القدر العظيم الهائل الذي صليته على إبراهيم وعلى محمد وعلى كل الأنبياء من ذرية إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فالبركة الزيادة وكثرة الخير، والبركة الشيء الطيب من الله تبارك وتعالى، والثواب والرحمة، أي: فاجعل البركة على محمد صلى الله عليه وسلم، واجعله مباركاً أينما كان، وكذلك اجعل أهل بيته.
وقوله: (كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين) أي: كما فعلت ذلك في العالمين، أي: عالم الإنس وعالم الجن، فنطلب منك أن تبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، أي: تخصه ببركة من دون هذا العالم كله، فتبارك عليه بركة زائدة وعظيمة، يختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم وأهله.
أي: إنك يا ربنا حميد، وهذه على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول)، فهو محمود مستحق للحمد.
مجيد يعني: تمجدت فلك المجد ولك العلو: علو الشأن وعلو القهر وعلو الذات، فهو المجيد الذي يستحق الثناء سبحانه وتعالى.
روى النسائي عن أبي طلحة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه، فقلت: إنا لنرى البشرى في وجهك! فقال صلى الله عليه وسلم: إنه أتاني الملك، فقال: يا محمد ! إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً).
فالصلاة والسلام منك على النبي صلى الله عليه وسلم تستحق بها أن يصلي الله عز وجل عليك بكل مرة عشراً ، وأن يسلم عليك في كل مرة عشراً.
وفي حديث آخر عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إلا جاءني سلامه)، وفي رواية أنه يرد عليه روحه فيرد السلام على من يسلم عليه.
وفي الحديث: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام) فملائكة الله عز وجل يبلغون النبي صلى الله عليه وسلم السلام، ولم يقل: إنه هو يسمع التسليم ممن يسلم عليه، ولكن الملائكة تبلغه صلوات الله وسلامه عليه ذلك.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وسلم تسليماً كثيراً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر