إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء [16-33]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لم يخلق الله السماوات والأرض عبثاً، بل إن الله تعالى خلقهما لحكمة بالغة، وغاية عظيمة، وهو سبحانه يقذف بالحق على الباطل فيدمغه، والويل والثبور لمن وصف الله بالباطل، وغفل عن الحكمة من خلق الخلق.
    قال الله تعالى: [ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:16-20].

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق، أي: بالعدل والقسط لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً، كما قال: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27].

    وقوله تعالى: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]، قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا [الأنبياء:17] يعني: من عندنا، يقول: وما خلقنا جنة ولا ناراً، ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً، وقال الحسن وقتادة وغيرهما: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا [الأنبياء:17]: اللهو المرأة بلسان أهل اليمن، وقال إبراهيم النخعي : لاتَّخَذْنَاهُ [الأنبياء:17] من الحور العين.

    وقال عكرمة والسدي : والمراد باللهو هاهنا: الولد. وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:4]، فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقاً ولاسيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى، أو العزير، أو الملائكة، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ].

    هذا شرط تقديري لا يكون؛ لأن (أو) امتناع لامتناع، فقال تعالى: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17]، ولو حرف امتناع لامتناع، وكما في الآية الأخرى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [الزمر:4]، لكنه لا يكون؛ لأن هذا مستحيل، فهذا شرط تقديري يبين به مقادير الأشياء مثل قوله تعالى لنبيه: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، وهو معصوم من الشرك عليه الصلاة والسلام، لكن هذا لبيان قدر الأعمال، وأن الشرك أمره عظيم يحبط الأعمال مهما كان.

    إثبات علو الله تعالى

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقوله: إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17] قال قتادة والسدي وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم : أي: ما كنا فاعلين، وقال مجاهد : كل شيء في القرآن (إن) فهو إنكار.

    وقوله: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ [الأنبياء:18] أي: نبين الحق فيدحض الباطل؛ ولهذا قال: فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18] أي: ذاهب مضمحل، وَلَكُمُ الْوَيْلُ [الأنبياء:18] أيها القائلون لله ولد مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18] أي: تقولون وتفترون.

    ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً، فقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ [الأنبياء:19]، يعني: الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ [الأنبياء:19] أي: لا يستنكفون عنها، كما قال تعالى: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [النساء:172].

    وقوله: وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19] أي: لا يتعبون ولا يملون يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، فهم دائبون في العمل ليلاً ونهاراً، مطيعون قصداً وعملاً، قادرون عليه كما قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] ].

    وهذه الآية من أدلة صفة العلو لله عز وجل، قال تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19]، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أن له من في السموات ومن في الأرض كلها، ثم خص الملائكة فقال: وَمَنْ عِنْدَهُ .

    فدل على ثبوت العلو، ولو كانت الملائكة وغيرها سواء لصارت الملائكة وغيرها كلها في العلية سواء، فلما أخبر أنه له من في السموات والأرض وخص الملائكة بالعندية دل على أنهم عند الله في العلو، قال تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19]، وهم الملائكة.

    لزوم الملائكة للطاعة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي قال: أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم: هل تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم)، غريب ولم يخرجوه ].

    وفي اللفظ الآخر: (أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك راكع، أو ساجد، أو قائم).

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد عن قتادة مرسلاً.

    وقال أبو إسحاق عن حسان بن مخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له: أرأيت قول الله تعالى للملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟ فقال: من هذا الغلام؟ فقالوا: من بني عبد المطلب قال: فقبل رأسي، ثم قال لي: يا بني! إنه جعل لهم التسبيح، كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس، وتمشي وأنت تتنفس؟ ].

    وجاء في أهل الجنة أنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس. والسائل: من الغلام؟ هو كعب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088800877

    عدد مرات الحفظ

    779126035