إسلام ويب

تفسير سورة البقرة [120-123]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بين الله تعالى أن اليهود والنصارى لخبثهم ومكرهم وعنادهم وعتوهم لن يرضوا عن هذه الأمة حتى تتبع ملتهم التي حرفوها وبدلوها وغيروها، وهذا ما نراه الآن فهم يسومون المسلمين العذاب والويل من أجل أن يتبعوا ملتهم، ومع أن كثيراً من المسلمين قد فرطوا في دينهم فهم ما زالوا غير راضين عنهم حتى يتبعوا ملتهم.

    قال الله تعالى: [ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير : يعني بقوله جل ثناؤه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبداً فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق.

    وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [البقرة:120] أي: قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى، يعني: هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل، قال قتادة في قوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [البقرة:120] قال: خصومة علمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة، قال قتادة : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله).

    قلت: هذا الحديث مخرج في الصحيح عن عبد الله بن عمرو ].

    وله أيضاً روايات متعددة عن عبد الله بن عمرو وعن ثوبان وغيرهما، وهذه الآية من الأخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ، فالآيات التي تتحدث عن الأوامر والنواهي تعد خبراً من الله عز وجل، وهو أن اليهود والنصارى لن يرضوا عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم كما قال: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وفي الآية الأخرى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، ففيها قطع يأس المسلمين من اليهود والنصارى أن يرضوا عنهم، فلا يمكن أن يرضوا عنك مهما داهنت ومهما أعطيتهم ومهما تنازلت لهم، فلن يرضوا عنك أبداً حتى توافقهم وتكون على دينهم، فلا حاجة لموافقتهم بل تجب عداوتهم في الله ودعوتهم إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].

    تحذير الأمة من مغبة اتباع طرائق اليهود والنصارى

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:120]، فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة عياذاً بالله من ذلك، فإن الخطاب مع الرسول والأمر لأمته ].

    قوله: (فإن الخطاب للرسول والأمر لأمته) لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك عليه الصلاة والسلام، فلهذا كان الخطاب موجهاً للأمة، كقوله عز وجل: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وهو منزه معصوم عليه الصلاة والسلام عن الشرك، لكنه بيان لعظم الشرك وخطره، وأن الأعمال تحبط بسببه، نسأل الله السلامة والعافية.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله: حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة، كقوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]، فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار وكل منهم يرث قريبه سواء كان من أهل دينه أم لا ].

    يعني: أن اليهودي يرث النصراني إذا كان قريباً له ولو كان من ملة أخرى؛ لأن اليهود والنصارى ملة واحدة، وكذلك المجوسي والوثني وهكذا؛ لنفس العلة.

    حكم توارث الكفار حال اختلاف الملل

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ لأنهم كلهم ملة واحدة، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، وقال في الرواية الأخرى كقول مالك : (إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى) كما جاء في الحديث، والله أعلم ].

    وذهب في الرواية الأولى إلى قول الجمهور: وهو أن ملتهم واحدة لقوله تعالى: حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، والقول الثاني: أنه لا يتوارث أهل الملتين، وروي أيضاً عن الإمام أحمد ويجاب عن قوله تعالى: حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] أن: الملة هنا مفردة أضيفت إلى الضمير فتعم جميع الملل، وثانياً: أنه قال: الكفر ملة واحدة من حيث عداوتهم المسلمين، لكنهم لا يتوارثون فيما بينهم على ملة واحدة، فهم ملل شتى فيما بينهم، فلا يتوارث أهل الملتين على الرواية الثانية للإمام أحمد ، فلا يرث اليهودي النصراني، ولا يرث المجوسي الوثني؛ لأنهم ملل شتى في الكفر، ولكنهم ملة واحدة في عداوتهم للمسلمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088560543

    عدد مرات الحفظ

    777336948