إسلام ويب

تفسير سورة البقرة [188-189]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الله تعالى على عباده أكل أموال الناس بالباطل بأي وجه من الوجوه، وبنيت الشريعة أن حكم الحاكم في ذلك بما يظهر له لا يحل الحرام في حقيقة الأمر. وبين الله تعالى لعباده أن مواقيت الأهلة يتعلق بعبادتهم ومعاملاتهم، وأن حقيقة البر تكمن في التقوى، لا في تعاطي المبتدعات.
    قال الله تعالى: [ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام.

    وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم ].

    عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الرواية وإن كان إماماً في التفسير، ومثله الواقدي، فهو مؤرخ قوي في التاريخ، وضعيف في رواية الحديث.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليحملها أو ليذرها).

    فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراماً هو حرام، ولا يحرم حلالاً هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر ].

    أي أن حكم الحاكم يقطع الخصومة في الدنيا فتنتهي، لكن المبطل إذا كان ملبساً على الحاكم الشرعي وأتى بشاهدي زور فالإثم عليه، والحاكم بريء من إبطال الحق، والخصومة لم تنته؛ لأن هناك خصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، قال الله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31]، فهناك خصومة يوم القيامة ينتصر فيها الله للمظلوم من الظالم، فليحذر المبطل من أن يستغل ضعف حجة الخصم أو ضياع بينته أو موتها أو ضياع الشهود، وعليه أن يتقي الله ويحذر، فإن حكم الحاكم لا يحل له الحرام، إنما هو يحكم حسب البينات، حتى وإن كان الانتصار فيها للظالم، مثلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليذرها).

    فالحاكم إنما يحكم على حسب البينات، فإذا زور المزور فالإثم عليه، وسوف يقف بين يدي الله عز وجل مع خصمه يوم القيامة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره، ولهذا قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه في كلامكم.

    قال قتادة : اعلم -يا ابن آدم- أن قضاء القاضي لا يحل لك حراماً، ولا يحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض، بل يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا ].

    وقال أبو حنيفة : حكم الحاكم بطلاق الزوجة إذا شهد عنده شاهدا زور في نفس الأمر، ولكنهما عدلان عنده يحلها للأزواج حتى للشاهدين، ويحرمها على زوجها الذي حكم بطلاقها منه، وقالوا: هذا كلعان المرأة، أنه يبينها من زوجها ويحرمها عليه، وإن كانت كاذبة في نفس الأمر، ولو علم الحاكم بكذبها لحدها ولما حرمها، وهذا أولى ].

    وقول الأحناف هذا قول ضعيف، وهو أنه إذا شهد شاهدا زور وحكم الحاكم بطلاقها فإنها تحل في نفس الأمر للأزواج، حتى للشاهدين وهما كاذبان، وهذا قول باطل وضعيف ومخالف للجمهور، الصواب أنها لا تحل لهما إذا كانا كاذبين.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ مسألة: قال القرطبي : أجمع أهل السنة على أن من أكل مالاً حراماً ولو ما يصدق عليه اسم المال أنه يفسق، وقال بشر بن المعتمر في طائفة من المعتزلة: لا يفسق إلا بأكل مائتي درهم فما زاد، ولا يفسق بما دون ذلك، وقال الجبائي : يفسق بأكل درهم فما فوقه إلا بما دونه ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088573514

    عدد مرات الحفظ

    777408040