قال المؤلف رحمه الله: [ وقال
مجاهد في قوله:
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى 
[طه:2] هي كقوله:
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ 
[المزمل:20] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة.
وقال قتادة :
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
[طه:2] لا والله ما جعله شقاء، ولكن جعله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة.
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى
[طه:3] أن الله أنزل كتابه وبعث رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة رحم بها عباده؛ ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه ].
قد سبق أن قوله: (طه) معناها بالنبطية: يا رجل، وهذا يحتاج إلى دليل ولا تكفي هذه الآثار، والأقرب أنها من الحروف المقطعة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله:
تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى
[طه:4] أي: هذا القرآن الذي جاءك يا محمد، هو تنزيل من ربك، رب كل شيء ومليكه القادر على ما يشاء، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها، وخلق السموات العلى في ارتفاعها ولطافتها، وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام.
وقد أورد ابن أبي حاتم هاهنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه].
إثبات صفة الاستواء لله تعالى
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى 
[طه:5] تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته أيضًا، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف: إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل ].
قوله:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
[طه:5] هذه من آيات الصفات وفيها إثبات استواء الرب على العرش، وأنه سبحانه وتعالى مستو على عرشه حقيقة.
و(استوى) لها في اللغة العربية أربع معان: استقر، وعلا، وصعد، وارتفع، وتفسيرات السلف لهذا اللفظ لا تخرج عن هذه المعاني الأربعة، ذكرها العلامة ابن القيم في النونية:
فلهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن
وأما كيفية الاستواء فلا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، فهو استواء يليق بجلاله وعظمته.
الاستواء معلوم، والمعلوم معناه: استقر وعلا وصعد.
والكيف مجهول: أي: كيفية استواء الرب، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
فالله تعالى استوى على العرش استواء حقيقة، يليق بجلاله وعظمته، فلا يكيف ولا يمثل ولا يشبه ولا يعطل، كما أننا لا نكيف ذاته، وكذلك لا يعلم كيفية صفاته إلا هو: علمه، وسمعه، وبصره، واستواؤه، ورحمته، كلها صفات متصف بها سبحانه حقيقة، كما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ومن غير تمثيل ومن غير تعطيل ومن غير تحريف، قال الله عز وجل:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
[الشورى:11].
قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله:
لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى 
[طه:6] أي: الجميع ملكه وفي قبضته وتحت تصريفه ومشيئته وإرادته وحكمه، وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه لا إله سواه ولا رب غيره.
وقوله:
وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
[طه:6] قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة.
وقال الأوزاعي : إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعباً سئل فقيل له: ما تحت هذه الأرض؟ فقال: الماء. قيل: وما تحت الماء؟ قال: الأرض. قيل: وما تحت الأرض؟ قال: الماء. قيل: وما تحت الماء؟ قال: الأرض، قيل: وما تحت الأرض؟ قال: الماء. قيل: وما تحت الماء؟ قال: الأرض، قيل: وما تحت الأرض؟ قال الماء. قيل: وما تحت الماء؟ قال: الأرض، قيل: وما تحت الأرض؟ قال: الصخرة. قيل: وما تحت الصخرة؟ قال: ملك، قيل: وما تحت الملك؟ قال: حوت معلق طرفاه بالعرش، قيل: وما تحت الحوت؟ قال: الهواء والظلمة وانقطع العلم ].
وهذا من أخبار بني إسرائيل التي ينقلها كعب الأحبار عنهم والله أعلم.
كروية الأرض