حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال، وذكر الخوارج. فقال: (فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد أو مثدون اليد. ولولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، قلت: أنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة! ثلاث مرات ].
هذا فيه ذم الخوارج، والخوارج هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته، وأنكروا عليه وقاتلوه، فقاتلهم رضي الله عنه وقتلهم، وهم عباد، أي: عندهم عبادة عظيمة، لكن لهم رأي فاسد، يكفرون المسلمين بالمعاصي.
وسبب خروجهم هو أنهم حصلت لهم هذه الشبهة، وصاروا يكفرون المسلمين بالمعاصي، فمن ارتكب الكبيرة كفر عندهم، فالزاني يكفرونه، وكذا السارق وشارب الخمر ونحوهم، فأنكر عليهم الصحابة، وأنكر عليهم علي رضي الله عنه وقاتلهم حتى قتلهم، وحصل بينه وبينهم معارك.
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن آيتهم: هذا الرجل مخدج اليد أو مثدون اليد يعني: ناقص اليد، أي: إحدى يديه ليس في طرفها سوى لحمة فيها شعيرات، ولما حصل بين علي رضي الله عنه وبينهم قتال فتشوا في القتلى حتى وجدوه، فكبر علي رضي الله عنه.
والخوارج جاءت فيهم أحاديث صحيحة متواترة، وهم عباد، لكن عندهم هذه العقيدة الفاسدة، وهي أنهم يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويحملون الآية التي في الكفرة على عصاة المسلمين.
قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم) فهم يصلون الليل ويتأوهون ويبكون، ويصومون النهار، وهم شجعان في القتال، فلا أحد يقف أمامهم، لكن عندهم العقيدة الخبيثة، يقول فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
يقول علي رضي الله: (لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله من قتلهم) يعني: من الأجر والثواب الذي يكون لمن قتلهم.
ومن العلماء من قال في الخوارج: إنهم كفار، وسيأتي ذكر الأحاديث في الخوارج والحكم فيهم، ومن كفرهم معناه: أنه لا يصلى خلفهم، ومن لم يكفرهم قال: إن الصلاة خلفهم صحيحة، والإباضية طائفة من الخوارج، والخوارج هم ما يقارب من اثنتين وعشرين فرقة، وكذلك الشيعة.
وهذا الحديث جاء معناه في الصحيح، وفيه وصف الخوارج، وأنهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام.
ومعنى: (حدثاء الإسلام) أي: صغار السن، ومعنى: (سفهاء الأحلام) أي: عقولهم ضعيفة، (يقولون من خير قول الناس) وفي اللفظ الآخر في الصحيح: (يقولون من قول خير البرية).
وقوله: (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)، وفي لفظ آخر: (لا يجاوز تراقيهم) وفي اللفظ الآخر:: (لا يوجد حناجرهم)، وفي لفظ آخر: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم، يمرقون من الدين)، وفي لفظ: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).
وقوله: (فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله)، وفي لفظ آخر: (فإن لقيتهم لأقتلهم قتل عاد).
وجمع من أهل العلم على كفر الخوارج، قالوا: هذا يدل على كفرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، وفي اللفظ الآخر: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه).
وشبههم بقوم عاد وهم كفرة، وأمر بقتلهم وقال: (يمرقون من الإسلام)، وذكر في اللفظ الآخر أن من أوصافهم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).
وجمهور العلماء على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، فالجمهور قالوا: إنهم متأولون فلا يكفرون، واستدلوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل: أكفار هم؟ قال: (من الكفر فروا)، فالصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، وأيضاً وردت عنه روايتان رواية بكفرهم ورواية بعدم كفرهم.
فالجمهور على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة ولم يعاملوهم معاملة الكفار، والقول بالكفر قول قوي؛ لهذه الأحاديث.
ومن عنده علم له أن يناظرهم كما فعل علي رضي الله عنه، عند أن أذن لـابن عباس أن يناظرهم، وخطب فيهم ابن عباس حتى رجع أكثرهم، أي: مجموعة كبيرة من الخوارج استفادوا من خطبة ابن عباس ورجعوا، والباقي استمروا فقاتلهم علي رضي الله عنه.
قال المحقق في إسناد هذا الحديث: إسناده حسن، من أجل أبي بكر بن عياش ، وعاصم هو ابن بهدلة .
ومعنى هذا الحديث ثابت في الصحيحين.
وهنا قال: (يخرج في آخر الزمان)، وفي الصحيح: (يخرج قوم) وهذا اللفظ -أي: (في آخر الزمان)- فيه احتمال أن الذين خرجوا في زمان علي هم في آخر الزمان؛ لأن هذه الأمة هي آخر الأمم.
والذين خرجوا في زمان علي رضي الله عنه لهم أتباع إلى يوم القيامة يعتقدون عقيدتهم ويكفرون المسلمين بالمعاصي ويرون الخروج عليهم على ولاة الأمور، ولا يرون البيعة لولاة الأمور، وإنما يرون الخروج عليهم؛ لأنهم يكفرون بالمعاصي، ولا يرون البيعة، ولهذا في زمان الدولة الأموية وجدت فرق من الناس كثيرة متعددة قاتلوا الخوارج، وقاتلهم الحجاج بن يوسف سنين.
والخوارج أصلهم وأولهم هو الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: (اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل! قال: ويحك! فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ فاستأذن
والخوارج يقابلهم المرجئة، ولا يقارن بينهم، فكل منهما له عقيدة، والمرجئة طبقات، فالمرجئة الغلاة كفرة، وهم الجهم بن صفوان وأتباعه، وهناك مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه المتأخرون.
وهذا فيه بيان خروجهم من الإسلام، وأنهم يمرقون مروقاً شديداً كما يمرق السهم من الرمية، فإنه إذا دخل السهم في الرمية في الطائر أو في غيره ثم خرج بسرعة من شدة السرعة ما يكون فيه شيء من الدم، ينظر في نصلة في حديدة السهم في ريشة السهم فلا يرى فيها شيئاً من الدم؛ لشدة خروجه وسرعته، فهؤلاء يمرقون من الإسلام مروقاً سريعاً كما يمرق السهم من الرمية، وإذا نظرت في السهم فلا تجد فيه أثراً للدم؛ لشدة خروجه وسرعة خروجه.
والحديث فيه أنهم قوم عباد؛ ولهذا قال: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم)، يعني: إذا رأيت أحدهم يصلي الليل ويتعبد ساعتين.. ثلاثاً.. أربعاً.. خمساً.. تقول: أنا ما عندي شيء، فتحقر صلاتك عند صلاتهم، وإذا رأيت أحدهم يصوم النهار ويواصل الصيام تحقر صيامك عند صيامهم، وهكذا تجد أحدهم يقرأ القرآن كثيراً، لكن عندهم هذه العقيدة الخبيثة، وهي تكفير المسلمين وقتالهم، ولذلك يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
ومن كفرهم كفرهم لهذه الأحاديث ونحوها، ومن لم يكفرهم قال: إنهم متأولون، وإنهم قوم عباد.
قال عبد الله بن الصامت: فذكرت ذلك لـرافع بن عمرو أخي الحكم بن عمرو الغفاري فقال: وأنا أيضاً قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
قوله: (يمرقون من الدين كما يمرقون من الإسلام، ثم لا يعودون إليه) احتج بهذا من كفرهم وقال: هذا دليل على كفرهم؛ لأنهم يمرقون ولا يعودون إليه، وكذلك قوله: (لأقتلنهم قتل قتل عاد)، فإنه شببهم بعاد وهم قوم كفار.
وهذا الحديث فيه سماك ، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، لكن الحديث ثابت من طرق أخرى ومعناه صحيح.
نسأل الله العافية، وهذا أصل الخوارج، أي: الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه منافق وأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتله، أو أنه من شدة وجده لما لم يعطه شيئاً من الغنائم قال ذلك.
والتبر هو الذهب الذي لم يضرب، يقال له: تبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم تألفاً للإسلام، وعلى حسب مصلحة الإسلام والمسلمين، وهذا الرجل -والعياذ بالله- اغتاظ وقال: (اعدل يا محمد!)، وفي اللفظ الآخر: (فهذه قسمة ما أريد بها وجه الله) فقال صلى الله عليه وسلم: (ويلك! من يعدل إذا لم أعدل)، وفي اللفظ الآخر: (ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله)، وفي اللفظ الآخر: (يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء).
ثم بين أنه يخرج من شبه هذا أو أصحاب لهذا الخوارج الذين يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، فقال: (إن هذا في أصحاب له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).
وهذا الحديث ضعيف للانقطاع بين الأعمش وابن أبي أوفى؛ فإن الأعمش ما أدرك عبد الله بن أبي أوفى، فيكون الحديث منقطعاً، لكن قد جاء له شاهد.
يعني: أن الخوارج يتأخرون، وأنهم يستمرون حتى وقت خروج الدجال ، فيخرج في عراضهم، يعني: في خداعهم. أي: أن آخرهم يقابله ويناظره، وفي بعض النسخ: (أعراضهم) وهو جمع عرض بفتح فسكون، بمعنى: الجيش العظيم، وهو مستعار من العرض، بمعنى: ناحية الجبل.
فالخوارج يستمرون حتى يخرج في زمانهم الدجال.
أي: أن من أوصافهم ومن سيماهم التحليق، يعني: حلق الرأس، فهم يشددون في حلق الرأس، ويتعبدون بحلقه. وفي صفة الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: (رجل ناتئ الوجه ناتئ الجبين محلوق الرأس).
فاعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اعدل يا محمد!) وهو على طريقتهم، وفي الحديث وصف هذا الرجل بأنه ناتئ الجبين محلوق الرأس، فهم يشددون في حلق الرأس، ويتعبدون بحلق الشعر، ويوجبون حلق شعر الرأس، فيستأصلون الشعر، فسيماهم التحليق، والحلق لا بأس به، وإن كان ترك الشعر سنة، كما قال الإمام أحمد : سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، لكن الحلق لا بأس به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يحلق في الحج والعمرة، لكن هؤلاء يتشددون في حلق الرأس واستئصال الشعر، ويتعبدون بحلق الرأس، فصار علامة لهم، فعلامتهم: التحليق.
قوله: (شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء) يعني: الخوارج، فشر من قتل تحت أديم السماء هم الخوارج، وخير من قتل من قتلوه، فمن قتلوه فهو خير قتيل؛ لأنه شهيد، ومن قتل منهم فهو شر قتيل؛ لاعتقادهم الفاسد.
وقوله: (كلاب أهل النار) خبر لمبتدأ محذوف، يعني: هم كلاب أهل النار.
ثم قال: [ (قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً، قلت: يا
وقوله: (قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً) هذه اللفظة في ثبوتها نظر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صحت فإن الجمهور تأولوها على أن المراد: كفر أصغر لا يخرج من الملة، لكن وإن قال المحققون: إن هذا الحديث صحيح السند، فإن هذه اللفظة في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر.
وفيها ركاكة فتحتاج إلى تأمل، وما أظنه يخلو من المقال. ما أظن هذا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: إذا ثبت هذا الحديث فيكون توقيفي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: محتمل، فإن عمر رضي الله عنه قال: (دعني اضرب عنق هذا المنافق) فيحتمل أنه من المنافقين، ويحتمل أنه من شدة غيظه وعدم تحمله القسمة قال ذلك.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يجعلنا في دار كرامته، السب فيه تفصيل كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول: فإن كان السب سباً لدينهم فهذا كفر، وإن كان السب من أجل الغيظ فلا يكفر، وهذا بخلاف التكفير والتفسيق، فمن كفر الصحابة جميعاً وفسقهم فقد كفر؛ لأنه مكذب لله؛ لأن الله قال: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [النساء:95] أي: الجنة، فوعد الله الصحابة بالجنة، فمن كفرهم أو فسقهم فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر، أما السب ففيه تفصيل، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن كان السب لدينهم هذا كفر، فيما سوى ذلك تفصيل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر